قبل بضعة أشهر، أُشيد بالهند بوصفها "صيدلية العالم"، وباعت لقاح "كوفيد- 19" إلى بلدان عدة وتبرّعت لأخرى بملايين من الجرعات.
ومع ذلك، في ظل الموجة الثانية الفتاكة من الجائحة التي تعصف بالبلاد، تجد الهند نفسها الآن إزاء نقص حاد في اللقاحات اللازمة لتطعيم سكانها الراشدين، ما يثير تساؤلات بشأن خطة حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي ومدى جاهزيتها.
وكذلك تتزامن الأخبار عما تكابده الهند من نقص في اللقاحات، علماً أنها ستشرع في تحصين جميع السكان البالغين اعتباراً من 1 مايو (أيار) المقبل، مع مواجهة البلاد الأزمة الإنسانية الأسوأ منذ سنوات، إذ بات الناس يموتون خارج بوابات المستشفيات بسبب عدم توافر أسرّة لهم، ويحصد نقص الأوكسجين الأرواح كل يوم، فيما تُحرق أعداد ضخمة من الجثامين في محارق موزعة في شتى أنحاء البلاد.
وحتى الاثنين الماضي، أبلغت الهند عن حوالى 353 ألف إصابة بـ"كوفيد- 19". وشكّل ذلك اليوم الخامس على التوالي الذي تسجل فيه البلاد رقماً قياسياً عالمياً، إذ تجاوز عدد إصاباتها 17 مليوناًـ وكذلك بلغت الوفيات مستوى غير مسبوق قدره 2812 حالة، مع اقتراب عددها الإجمالي الآن من 200 ألف وفاة.
على الرغم من ذلك، يبدو أن الأرقام اليائسة المذكورة لا ترسم صورة كاملة عن الواقع الكالح، وفق خبراء كثيرين يعتقدون أن أعداد الإصابات والوفيات أعلى كثيراً في العاصمة دلهي، ومعظم المدن الهندية الكبرى.
علاوة على ذلك، تكافح الشركتان المنتجتان للقاحات في الهند، اللتان تعوّل عليهما البلاد، من أجل إنتاجها في الكميات التي التزمتا بها، وذلك بعد مواجهتهما مشكلات عدة في الأموال والموارد اللازمة، ما أجبر حكومات الولايات الهندية على تقليص أهدافها في التطعيم، حتى إن بعض مراكز التطعيم بدأ تعليق عمليات التحصين.
في تصريح أدلى به إلى "وكالة أنباء آسيا الدولية" في نيودلهي، ذكر وزير الصحة في ولاية راجاستان الغربية أن الأخيرة لا تملك ما يكفي من لقاحات للبدء في تطعيم الفئة العمرية فوق 18 سنة اعتباراً من 1 مايو المقبل. كذلك حذّر تي إس سينغ ديو، وزير الصحة في ولاية تشهاتيسجاره، من خطر النقص في الجرعات المتاحة. وعموماً، أبلغ أكثر من 10 ولايات عن عجز في مخزوناتها من اللقاحات.
"عندما تحدثنا إلى معهد سيروم Serum Institute of India (في الهند)، أخبرنا المعنيون بأن الشركة ربما لن تكون قادرة على الوفاء بالكميات التي حجزتها الحكومة الهندية قبل 15 مايو، وسيتعذر عليها توصيل الجرعات إلى راجستان (أكبر ولايات الهند في المساحة) قبل ذلك الموعد"، بحسب راغو شارما، وزير الصحة في الولاية. كذلك ذكر شارما يوم الأحد الماضي أنه لم يتبقَّ أمام ولايته سوى "يومين" قبل أن ينفد ما لديها من اللقاحات.
وفي إطار عام، يُعزى النقص في دولة تُعتبر أكبر مصنع للتطعيمات عالمياً، إلى عوامل عدة، من بينها الطلبات المتأخرة والشح في التمويل والمواد الخام، فضلاً عن الاستخفاف بارتفاع الإصابات بفيروس كورونا.
وقبل أن تتدهور أحوالها، عملت الهند على تصدير جرعات اللقاح إلى بلدان أخرى عدة التي اعتمد كثير منها على "معهد سيروم" الهندي، ويُعتبر أكبر منتج للقاحات في العالم، ويُصنع لقاح "أكسفورد- أسترازينيكا"، وقد تعهد بتقديم 550 مليون جرعة منه إلى 92 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل، وذلك ضمن إطار برنامج "كوفاكس" COVAX التابع لـ"التحالف العالمي للقاحات والتحصين". وفي مارس (آذار) الماضي، بعد ظهور مخاوف من حدوث نقص في اللقاحات، ارتأت الحكومة الهندية وقف صادراتها منها إلى الخارج بصورة مؤقتة. ووفق وزارة الشؤون الخارجية الهندية، صدّرت البلاد 66 مليون جرعة من لقاحات "كوفيد- 19" إلى 94 دولة حتى يوم الأحد الماضي.
في المقابل، أُنتج وأُعطي ما يربو على مليار جرعة في 172 دولة حول العالم حتى التاريخ المذكور. وكذلك يبدو الفارق حاداً بين أعداد الجرعات الموزعة في بلدان كالولايات المتحدة من جهة، وأعداد اللقاحات المُعطاة في الهند من جهة أخرى، وفق بيانات جمعتها "بلومبيرغ".
استناداً إلى تقرير "بلومبيرغ"، أعطت الولايات المتحدة 226 مليون جرعة لسكانها حتى الآن. والأسبوع الماضي، وزّعت 2.82 مليون جرعة في المتوسط يومياً. أما في الهند، فبلغ عدد جرعات لقاح "كوفيد- 19" المُعطاة حتى يوم السبت الماضي 140.802.794 جرعة. وكذلك لم يأخذ سوى 1.6 في المئة من سكان البلاد الجرعتين المطلوبتين من اللقاح، بينما تلقّى 28 في المئة من سكان الولايات المتحدة الجرعتين التحصينيتين.
في الواقع، يكمن التفاوت الصارخ بين الاعتقاد السائد لدى كثيرين حول قدرة الهند من جهة، وما أنجزته حتى الآن من جهة أخرى، في مجموعة من العوامل.
فقد ساد اعتقاد على نطاق واسع بأن الهند أكبر مصنع للتطعيمات في العالم، غير أن قدراتها تركزت بصورة رئيسة على لقاحات الأطفال، من قبيل لقاحات شلل الأطفال.
وفي سياق متصل، عقدت آمالها على "معهد سيروم" في تقديم الجرعات التحصينية اللازمة لسكانها البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة. وقد ذُكر الكثير عن قدرته الهائلة، ويُحسب له أيضاً أنه أنتج ملايين الجرعات بشكل استباقي، حتى قبل أن تتقدم الحكومة الهندية بأي طلب. حتى إنه في إحدى المراحل، كادت أن لا تتوافر لديه مساحة شاغرة للتخزين. وعلى الرغم من ذلك، وفق تقرير نشرته صحيفة "تايمز أوف إنديا" Times of India نقلاً عن مصدرين، فإن تأخر الحكومة الهندية في طلباتها يترك الشركة في موقف صعب.
في ذلك الصدد، ذكر أدار بوناوالا، الرئيس التنفيذي لـ"معهد سيروم"، أن الشركة لا تحقق أرباحاً جيدة من دون بيع لقاحاتها خارج الهند وفي الأسواق الخاصة.
وكذلك طلب بوناوالا منحة حكومية قدرها 290 مليون جنيه استرليني تقريباً بغية زيادة إنتاج الشركة من اللقاحات بمقدار مئة مليون جرعة بحلول يونيو (حزيران) كي تستطيع الإيفاء بالتزاماتها. وقد وافقت الحكومة الهندية على طلبه بعد تفاقم الجائحة. وأوضح الرئيس التنفيذي أن شركته قدّمت الجرعات إلى نيودلهي بسعر مخفض لا يصل إلى 2 جنيه استرليني، ولم تكن تحقق ربحاً كبيراً يمكّنها من تعزيز إنتاجها.
في إطار متصل، أعرب "معهد سيروم" عن مخاوفه أيضاً بشأن نقص في المواد الخام سببه القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على تلك الصادرات. وينطبق وصف مماثل على مصنع "بيولوجيكال إي"Biological E الهندي الذي يتولّى إنتاج لقاح "جونسون أند جونسون"Johnson & Johnson ، إذ تحدث عن قلقه إزاء حدوث نقص محتمل في مواد حيوية بالنسبة إلى تصنيع الجرعات. حيال هذا الواقع، قرر البيت الأبيض يوم الأحد الماضي رفع الحظر عن الصادرات [المتعلقة باللقاح والمتجهة إلى الهند].
من جهة أخرى، وبغية جذب مزيد من منتجي اللقاحات، عجّلت الحكومة الهندية في موافقتها على لقاحات كـ"فايزر" و"موديرنا"، اللذين رفضتهما في وقت سابق. وكذلك أجازت لقاح "سبوتنيك في" Sputnik V الروسي الذي تنتجه "مختبرات دكتور ريدي" الهندية India’s Dr Reddy labs.
ومع ذلك، لم تصدر الحكومة الهندية أي معلومات عن القواعد الجديدة التي تتقدّم بموجبها الشركات الأجنبية بطلب الحصول على إجازة بالاستخدام. ووفق صحيفة "إنديان إكسبرس"، تعتزم شركة "فايزر" تزويد الهند بجرعات من لقاح "كوفيد- 19" على أن "يجري ذلك حصراً عبر إبرام عقود حكومية".
وفي السياق ذاته، أكدت شركة "فايزر" لـ"اندبندنت" أنها تبحث عن سبل تتيح لها إمداد الهند بجرعات من لقاحها. وجاء في بيان تلك الشركة، "ما زلنا ملتزمين مواصلة التعاون مع حكومة [الهند] من أجل جعل لقاح فايزر- بايونتيك المضاد لـكوفيد- 19 متوافراً لها".
تذكيراً، انسحبت شركة الأدوية الأميركية العملاقة، التي كانت أول من تقدّم بطلب الحصول على تصريح الاستخدام الطارئ للقاحها في الهند، في وقت سابق من العام الحالي. وآنذاك، زعمت تقارير إعلامية هندية أن المشكلات تكمن في أسعار اللقاح وشروط تخزينه في ظروف شديدة البرودة. كذلك شكّك وزير الصحة الهندي الدكتور هارش فاردان علانية في قدرة "فايزر" على تصنيع جرعاتها في الهند، مشيراً إلى أن "الهند ربما لا تحتاج إليها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي تطور مماثل، سألت "اندبندنت" شركة "موديرنا" عما إذا كانت ستتقدّم بطلب للحصول على إذن [لتصنيع لقاحها في الهند]، لكن الشركة لم تعطِ أي تعليق.
وفي تصريح إلى قناة "إن دي تي في" NDTV الهندية الأسبوع الماضي، كشفت شركة "مختبرات الدكتور ريدي" عن أن بضع جرعات من لقاحات "سبوتنيك في" المستوردة ستصل إلى الهند بحلول مايو أو يونيو، فيما لم تُشِر تلك الشركة إلى الموعد الذي ستصبح فيه الجرعات المصنوعة محلياً متوافرة.
وبصورة إجمالية، يبدو أن الهند تتجه إلى أكبر حملة للتلقيح حتى الآن في 1 مايو مع عدم وجود سوى شركتين مصنّعتين للقاحات.
وفيما تسعى الحكومة الفيدرالية إلى تخفيف العبء عن كاهل المصنّعين، تسببت أيضاً في مشكلات إضافية إذ سمحت للولايات الهندية بالتفاوض على الأسعار في ما يتعلق بنصف الإنتاج.
حتى الآن، قدمت الهند اللقاحات مجاناً إلى من يبلغون 45 سنة فما فوق. وفي المقابل، ظهرت مخاوف من أن التعليمات الجديدة ستجعل التكلفة خارج متناول كثيرين، ما يحرم ملايين الفقراء في الهند من الحصول على جرعاتهم من اللقاح، إذ سيبيع "معهد سيروم" لقاحاته لحكومات الولايات مقابل 400 روبية (أي حوالى 3.86 جنيه استرليني) لكل جرعة، و600 روبية (ما يساوي 5.77 جنيه استرليني) للمستشفيات الخاصة. وكذلك وضعت شركة "مختبرات الدكتور ريدي" سعر الجرعة عند 750 روبية (أي نحو 7.21 جنيه استرليني) للواحدة، حينما تصبح اللقاحات متاحة، علماً أن ولايات عدة صرحت بأنها ستقدّم جرعات مجانية للبالغين. ومع ذلك، لم تعلن الحكومة أي سقف لأسعار اللقاحات.
وفي سياق متصل، صوّب أعضاء كثيرون من "حزب المؤتمر" المعارض في الهند سهامهم ضد الحكومة، واتهموها بإبعاد اللوم عن نفسها وإلقائه على الولايات، إضافة إلى إعطاء الأولوية لتحقيق الأرباح على حساب الصحة العامة.
وفي المقابل، حتى لو ساعد رفع الأسعار الشركتين المصنّعتين على زيادة الإنتاج، تبقى تلبية الحاجات الفورية العاجلة متعذرة.
© The Independent