Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل انتحرت "جبهة التحرير" الجزائرية سياسيا بانتخابها مواليا لبوتفليقة؟

محمد جميعي، الأمين العام الجديد، صاحب عبارة "لم تلده أمه من ينافس الرئيس على العهدة الخامسة..."

محمد جميعي الأمين العام الجديد لحزب جبهة التحرير الوطني ومعاذ بوشارب منسق هيئة الحزب السابق (رويترز)

أثار انتخاب محمد جميعي أميناً عاماً لحزب جبهة التحرير الوطني، الحاكم في الجزائر، موجة من الجدل والغضب وسط مناضلي الحزب، والجزائريين الذين يعتقدون أن هذه التشكيلة السياسية التي لها ارتباط بتاريخهم الثوري ضد الاستعمار الفرنسي، انتحرت سياسياً في خضم انتفاضة شعبية تدعو إلى إحداث تغيير حقيقي في البلاد ورحيل رموز "النظام البوتفليقي".

ولاء لبوتفليقة وركوب الحراك

لم يكن أحد يتوقع أن يترأس رجل المال، جميعي، الأمانة العامة لأكبر حزب في البلاد، لكونه من المحسوبين على نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. إذ ظل يدافع عن ضرورة استمراره في الحكم من خلال الترشح إلى ولاية رئاسية خامسة حتى آخر لحظة.

لكن اللافت أن جميعي، وفي تصريحه الصحافي الأول عقب انتخابه، من قبل أعضاء اللجنة المركزية، غازل الشعب الجزائري وحراكه قائلاً إن "حزب جبهة التحرير الوطني من الشعب وإلى الشعب. ننسجم ونتناغم مع مطالبه، ونقدم إليه وللحراك التحية الخالصة من مناضلات ومناضلي الحزب، لأنه لولاهم لما تحررت الجبهة".

ووجّه جميعي تحية إلى المؤسسة العسكرية أيضاً، ما جعل بعض القراءات تؤكد إمكانية دعم قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح له. وقد قال إن "المؤسسة العسكرية بوقوفها إلى جانب الشعب في هذه الظروف أثبتت للعالم أنها مؤسسة قوية، ونحن في الجزائر نفتخر بها".

وقال رضا شنوف، الإعلامي الجزائري، إن انتخاب جميعي على رأس الحزب كان مفاجئاً حتى بالنسبة إلى قياديين في صفوف الحزب. وأضاف "في الوقت الذي تعيش فيه الجزائر ثورة شعبية ترمي إلى تأسيس نظام جديد بوجوه جديدة لم تتورط مع النظام السابق، يُنتخب على رأس أعرق وأكبر حزب سياسي شخص كان مسانداً للرئيس المستقيل، ومشهور بتصريحه: لم تلده أمه من ينافس الرئيس بوتفليقة، بعد الإعلان عن نية الرئيس المستقبل الترشح إلى ولاية خامسة".

ومن منظور الإعلامي الجزائري، فإن هذه "مؤشرات سلبية يعيشها الحزب الحاكم، الذي لم يستطع أن ضبط ساعته بتوقيت الحراك الشعبي. كما يحيلنا هذا الانتخاب إلى حسابات سياسية أخرى تطبخ تحضيراً للانتخابات، التي تريد المؤسسة العسكرية أن تجرى في 4 يوليو (تموز)، في حين يرفض قطاع واسع من الشارع أن تحصل".

وكان قايد صالح أكد في خطاب حديث له أن الانتخابات الرئاسية هي "الحل الأمثل للخروج من الأزمة" السياسية، مشيراً إلى أن "الجيش يستبعد أي حل آخر خارج الدستور".

إهانة للحزب

عبّر عبد الكريم عبادة، القيادي في الحزب، عن سخطه من الشخصية التي تولت الأمانة العامة، واصفاً هذا الفعل بـ "الكارثة الحقيقية" و"الفضيحة".

وقال عبادة، رئيس حركة التأصيل والتقويم، إن "إنتخاب جميعي هو نتاج ممارسات غير قانونية لأمناء عامين سابقين، من أمثال عبد العزيز بلخادم وعمار سعداني وصولاً إلى جمال ولد عباس، الذين أفرغوا الحزب من محتواه، بسماحهم بتفشي المال الفاسد وسياسة شراء الذمم"، معرباً عن رفضه المطلق لتولي جميعي لهذا المنصب.

ودعا عبادة من وصفهم بـ "الشرفاء" إلى التحرك وإنقاذ الحزب من الدخلاء والغرباء، الذين "لوثوا الحزب، من أمثال جميعي، الذي لا يحوز على أقدمية النضال التي تؤهله لتولي منصب الأمين العام".

وكان جميعي انتخب نائباً في العام 2002 عن حزبه، ثم أعيد انتخابه لولاية ثانية في العام 2007، لكن في قائمة الأحرار بعدما رُفض ملفه من قبل الحزب، ليكون رئيساً للمجموعة البرلمانية للأحرار. غير أنه عاد إلى الحزب في العام 2012، في الوقت الذي تولى فيه بلخادم الأمانة العامة للحزب الحاكم، وهي الفترة التي شهد فيها الحزب سطوة أصحاب المال وترشحهم على قوائم جبهة التحرير الوطني.

وينص القانون الأساس للحزب على شرط استيفاء الراغبين في الترشح إلى منصب الأمين العام "عشر سنوات كاملة من النضال في صفوف الحزب من دون انقطاع، وعدم النشاط ضمن صفوف أحزاب أخرى في وقت سابق".

وذهب عبادة أبعد من ذلك، في تحذيره من ردة فعل الشعب الجزائري عقب انتخاب جميعي، مشيراً إلى أن "ما يحدث عار ومن حق الشعب الجزائري أن يرجُمنا لأننا ضيّعنا هذا الحزب من بين أيدينا ووضعناه بين هؤلاء الانتحاريين والأكيد أننا لن نسكت وسنواصل نضالنا".

عهد جديد

الرأي المعارض لجميعي يجد من يخالفه. إذ يعتقد محمد عماري، الأستاذ الجامعي وعضو اللجنة المركزية للحزب، أن اتجاه الأخير إلى "انتخاب الأمين العام بالاقتراع السري يُعتبر تحولاً لافتاً، ستكون له تأثيرات قوية على خطاب وأداء الحزب في المرحلة المقبلة".

ويضيف أنه "ينبغي أن نشير هنا إلى أن اللجنة المركزية لم يكن لها أي رأي -منذ العام 1996- في اختيار من يقود الحزب، بل كان دورها يقترب من الفلكلور بإعلان تزكية من يتم تعيينه على رأس الحزب من طرف السلطة الفعلية... الأمناء العامون منذ 1996 جاءوا بالهاتف وغادروا به...".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبخلاف الرواية التي تتحدث عن مباركة ودعم قائد أركان الجيش لانتخاب جميعي، يميل عماري إلى التأكيد أن "انتخاب جميعي جرى من دون أي تدخل خارجي، بل إن أعضاء اللجنة المركزية من الذين يشاع عنهم علاقاتهم الفوقية كانوا جميعاً ضد انتخاب جميعي. لكن الجيل الجديد في الحزب أراد أن يعبّر عن إرادته بالخروج من حالة التلقي والانبطاح إلى صناعة القرار وتحمل المسؤولية".

ويرجع عماري "الفضل كله إلى الحراك الشعبي، الذي حرر قيادة الحزب بعد سنوات طويلة من العقم والرداءة والانبطاح"، مشيراً إلى أن التحدي الأول الذي يقع على عاتق الأمين العام الجديد يتمثل في تجديد قيادة الحزب (المكتب السياسي)، وفق ما تقتضيه متطلبات المرحلة الجديدة التي تعيشها البلاد، و"إعادة شمل أبناء وإطارات الحزب التي أبعدتها الخلافات السابقة، حتى يكون المؤتمر المقبل موعداً فعلياً لإعادة تأسيس الحزب على قواعد الديمقراطية والشفافية والاستقلالية".

الإستقالة

أعلن النائب تیغرسي الھواري استقالته من الحزب. وقال، عبر حسابه الخاص في "فیسبوك"، من دون تقديم توضيحات عن دوافع هذا القرار.

ويعد حزب التحرير الوطني أقدم حزب سياسي في الجزائر، وتأسس كجبهة شعبية قادت الثورة ضد الاستعمار الفرنسي بين العامين 1954 و1962 قبل أن يتحول إلى حزب سياسي بعد الاستقلال مباشرة، في العام 1962. وبعدها قاد البلاد إلى غاية العام 1989، حين أقر دستور التعددية السياسية وسمح بتشكيل أحزاب جديدة.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي