Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تهريب المخدرات من لبنان إلى السعودية يعيد طرح مسألة ضبط حدوده

تسييس "حزب الله" الحملة على حظر الرياض المنتجات اللبنانية أثار الارتياب حول دوره

الرمان المصدر الى السعودية كان يحوي ملايين حبوب الكبتاغون (أ ب)

تعيد أزمة علاقة لبنان مع الخارج بعد قرار السعودية وقف استيراد الخضار والفاكهة اللبنانيين إثر اكتشاف عملية جديدة لتهريب ملايين الحبوب المخدرة والكبتاغون إليها وإلى الدول الخليجية من مرفأ بيروت، طرح قضية ضبط الحدود اللبنانية، المشرعة لهكذا عمليات ولغيرها، مثل إدخال أنواع الأسلحة لـ"حزب الله" والمواد الممنوعة إلى البلد عبر المعابر غير الشرعية والشرعية من سوريا.

فالتهريب على أنواعه، ذهاباً وإياباً، من معدات عسكرية وصواريخ، ومواد ممنوعة كالمخدرات، طُرح بقوة في السنوات الأخيرة.

ومع أن التهريب من لبنان أخذ بعداً سياسياً شديد الخطورة بسبب اعتماد البلد منطلقاً وممراً لخطوط نقل المخدرات إلى الدول العربية وأوروبا (وحتى أميركا اللاتينية)، والذي أوجب القرار السعودي الذي ستنجم عنه خسائر للمزارعين اللبنانيين، فإن بعده المالي والسياسي الذي لا يقل خطورة والذي بات حديثاً يومياً في بيروت، يعود إلى التهريب من لبنان إلى سوريا، للمواد الغذائية والأساسية المدعومة من مصرف لبنان المركزي، والذي لم تنفع كل الاحتجاجات على الفلتان في هذا المجال من الحد منه.

فهو استنزف خلال السنة ونصف السنة الماضية مليارات الدولارات من احتياطي مصرف لبنان العائد إلى المودعين في المصارف، وكان الهدف من رفع الصوت حياله التخفيف من وقع الانهيار الاقتصادي على اللبنانيين.

التعاون لكشف التهريب

واقعة تهريب المخدرات المخفية في ثمرة الرمان في حد ذاتها كان من الطبيعي أن تؤدي إلى رد فعل سعودي؛ نظراً إلى تكاثر عمليات من هذا النوع في الآونة الأخيرة في شكل منظم، بعد اكتشاف كثير منها، سواء بإحباط بعضها انطلاقاً من الأراضي اللبنانية، لا سيما من قبل شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي وتعاونها مع السلطات السعودية، أو عبر نجاح الأجهزة السعودية في الإطباق على بعضها الآخر.

ومهما كانت أهمية التفاصيل التقنية والأمنية للعملية الأخيرة، كالإعلان عن أن منشأ شحنة الرمان سوريا، وتزوير شهادة المنشأ على أنها لبنانية، ما يشير إلى تواطؤ لبناني في بعض الأجهزة قبل وبعد وصول هذه الشحنة إلى المرفأ لتنطلق منه إلى جدة، فإن القضية أثارت أسئلة وعناوين كثيرة على المستويين السياسي والأمني.

الريبة حول دور "حزب الله"

أولى الشبهات التي أثارتها أن "حزب الله" الذي صُوبت أصابع الاتهام من خصومه إليه، تعود إلى أن وسائل إعلام تابعة للحزب شنت حملة فورية على القرار السعودي وقف استيراد الخضار والفاكهة الآتيين من لبنان إلى أن تقدم السلطات اللبنانية ضمانات بوقف عمليات التهريب، فيما رجح رجال أعمال في بيروت يتعاملون مع السعودية منذ زمن أن يتوسع من الاستيراد إليها ليشمل مواد أخرى صناعتها لبنانية أيضاً.

والشبهة على الحزب لم تكن فقط نتيجة المعلومات المتداولة منذ سنوات بأنه يسهل أو يرعى صناعة مخدرات، بل أنه غداة الإعلان السعودي عن اكتشاف التهريب بملايين الحبوب المخدرة، ووقف استيراد الخضار والفاكهة من لبنان الجمعة 23 أبريل (نيسان)، تولى جهاز "العلاقات الإعلامية" للحزب علناً توزيع البيانات الصادرة عن هيئات تدين بالولاء له، شنت حملة سياسية على الرياض، تتهمها بمحاصرة لبنان والتعامل معه بكيدية، وتوجه اتهامات سياسية للمملكة باللغة التي اعتاد "حزب الله" وقادته استخدامها في حملاته عليها في شأن الوضع في اليمن أو في سائر عناوين الصراع الإيراني السعودي. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والريبة ازدادت حول دور الحزب بسبب تسييس البيانات التي وزعها جهاز "العلاقات الإعلامية" فيه لكل من "اتحاد نقابات المزارعين"، ومن ثم "لقاء الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية" الذي يجتمع عادة في كنف الحزب ويضم التنظيمات الحليفة له، وتبعه، الإثنين، بيان آخر لـ"اتحاد نقابات المزارعين"، مطالباً "بفتح أسواق جديدة" أمام الإنتاج الزراعي. وفي اليوم نفسه وزع الحزب بياناً باسم "نقابة العمال الزراعيين" ثم بعد ساعات باسم "اللقاء الوطني للهيئات الزراعية" إلخ...

وبينما نشطت وحدات الجمارك وبعض الأجهزة في غضون ثلاثة أيام وأعلنت عن كشف عدد من معامل المخدرات في البقاع وضاحية بيروت والجنوب وعن ضبط شاحنة تهريب مازوت عبر الحدود إلى سوريا، طُرح السؤال حول ما إذا كان الحزب يستبق اتهامه بالمسؤولية عن العملية بتسييس انتقاده للموقف السعودي.

ومع أن الأمين العام للحزب حسن نصر الله كذّب بشدة وبلهجة غاضبة الاتهامات التي صدرت في حقه بأنه وراء تهريب كمية ضخمة من الكبتاغون كشفت في إيطاليا قبل زهاء 3 أشهر، انطلقت من مرفأ اللاذقية السوري، يعاكسه قول الشيخ صادق النابلسي المنتمي للحزب في مقابلة تلفزيونية قبل أيام من اكتشاف الرمان المحشو بالحبوب المخدرة في جدة، إن التهريب "جزء من المقاومة" مشيراً إلى اضطرار الشعبين اللبناني والسوري بسبب العقوبات لكسر القوانين.

خصوم الحزب رأوا في كلامه دليلاً إلى اعتماده وسائل حتى لو كانت غير مشروعة، لتأمين التمويل في ظل شحه من إيران، وللمس بالأمن الاجتماعي في دول هو على خصومة معها.

الكبتاغون... واليمن وخريطة الطريق الفرنسية

يرجح مصدر مقرب من مرجع سياسي رفيع لـ"اندبندنت عربية" أن "ما يفسر تسييس الحزب لرد فعله، هو إدراكه أن السعودية ترد بموقفها على استمرار الدولة اللبنانية عاجزة عن ضبط سلوكه لأنه يستخدم مردود التهريب من أجل تنمية قدراته لمواصلة استهدافها انطلاقاً من اليمن حيث تصاعدت الهجمات الحوثية بدعم إيراني ومن "حزب الله" على أراضيها". ويضيف المصدر أن "اكتشاف شحنة التهريب الجديدة مناسبة لموقف موجه ضد السلطات اللبنانية الحاكمة والحليفة للحزب، لاستمرارها في تغطية أفعاله في اليمن ومواصلة إطلاق الطائرات المسيرة المفخخة بالمتفجرات والصواريخ الباليستية ضد الأهداف المدنية على أراضي المملكة، والتي يساهم "حزب الله" مع الحوثيين في اليمن عبر خبرات عناصره الموجودة على الأرض اليمنية مع الحوثيين فيها. وهذه هي الرسالة من وراء الموقف السعودي المتشدد، التي لا يريد الفريق الحليف للحزب في السلطة أن يفهمها فتعاطى معها من زاوية تقنية أمنية فقط، بدلاً من أن يدرك الجانب السياسي منها".

ففي الاجتماع الأمني الذي ترأسه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الإثنين 26 أبريل، قال إن "الدولة اللبنانية ستقوم بواجباتها لجهة مزيد من التشدد لملاحقة شبكات تهريب المخدرات، ونحن بالتأكيد مع المملكة في محاربة شبكات التهريب بفروعها اللبنانية والسعودية وخيوطها الممتدة". ثم عاد وقال خلال استقباله وفد الصناعيين، اليوم، إن "السعودية دولة شقيقة، يهمنا المحافظة على التعاون الاقتصادي معها، ونبذل جهداً كبيراً لكشف ملابسات ما حدث وإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح".

ضبط الحدود وخريطة الطريق الفرنسية

في المقابل، تذكر الأوساط المتابعة لآفة التهريب من لبنان بأن الحد منه، سواء من المعابر الشرعية أو غير الشرعية، سبق أن فرض طرح مسألة ضبط الحدود التي تثار إشكالية حولها منذ سنوات، حتى لا تبقى قابلة للاستخدام سواء من قبل شبكات نقل البضائع، أو الأسلحة من قبل الحزب وإيران.

فهي من جهة أحد أسباب تراجع مداخيل الدولة من معابرها مع سوريا، ووسيلة لتوريد إيران وسوريا الأسلحة للحزب فضلاً عن تنقلات مقاتليه اليومية بين لبنان، في إطار مشاركته بتوجيه طهران في العمليات العسكرية في الميدان السوري.

وتذكر هذه الأوساط بأن ضبط الحدود بند من بنود خريطة الطريق الفرنسية التي وضعها الرئيس إيمانويل ماكرون واتفق مع الفرقاء اللبنانيين في 1 سبتمبر (أيلول) الماضي عليها كبرنامج للحكومة اللبنانية العتيدة التي لا تزال الأزمة السياسية تحول دون ولادتها. فمن النقاط التي تتضمنها في البند الرابع منها تحت عنوان "مكافحة الفساد والتهريب"، "التطبيق الفوري للإصلاحات الجمركية" و"إنشاء بوابات رقابة وتعزيز الرقابة في مرفأي بيروت وطرابلس وفي مطار بيروت وفي نقاط العبور الأخرى على الحدود"... (في مهلة 3 أشهر من تاريخ تأليف الحكومة الذي تأخر أكثر من 8 أشهر).

وتوضح هذه الأوساط بأن الانفجار الزلزالي الذي وقع في مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) 2020، في العنبر 12، حيث جرى تخزين 2750 طناً من نيترات الأمونيوم منذ عام 2013، كشف بأن هناك من كان يهرب تدريجياً كميات من هذه المادة الخطيرة على مدى السنوات وأن الكمية المتبقية التي انفجرت هي زهاء 500 طن.

وحامت الشكوك بأن جهات نافذة في المرفأ كانت تغطي تهريب النيترات إلى سوريا لاستعمالها في البراميل المتفجرة التي استعملها النظام السوري في حربه ضد المعارضة. وهو ما يفترض أن يكشفه التحقيق القضائي الجاري.

المساعدة البريطانية على الحدود البرية

وفي اعتقاد هذه الأوساط أنه إذا استمر الحظر السعودي للمنتجات اللبنانية يعطي المسألة بعدها السياسي، لا التقني الأمني فقط، لأن الأمر ارتبط على الدوام بإبقاء "حزب الله" الحدود مشرعة وكذلك سيطرته على المعابر الشرعية وممارسته نفوذه فيها، ويعيد إبراز قضية ضبط الحدود مجدداً.

فالمجتمع الدولي بذل جهداً لدعم لبنان والجيش من أجل ضبط الحدود البرية. وكانت بريطانيا أكثر الدول وربما الوحيدة، التي قدمت مساعدة عسكرية وأمنية وبتصميم واضح على تمكين الجيش من الإمساك بالحدود الشرقية الشمالية مع سوريا. ويقول رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، إن تولي الجانب البريطاني تركيب أبراج مراقبة على الحدود في عهد الحكومة التي ترأسها في 2008-2009 .

وتفيد معلومات السفارة البريطانية بأن المملكة المتحدة تدعم الجيش اللبناني منذ عقد من التعاون العسكري وللمساعدة على ضبط الحدود بتطوير قدراته وتحديثها كي يصبح جيشاً محترماً ومحترفاً، حيث أظهر قدرة على حماية لبنان من التهديد الأكبر الذي يواجهه وهو الإرهاب، على الحدود وفي الداخل.

وإذ تحرص لندن على اعتبار الجيش "المدافع الوحيد الذي تولى أحبط اجتياحاً لـ"داعش" في 2014 و2017 ...فإنها أنفقت في 4 سنوات أكثر من 75 مليون جنيه استرليني على تجهيز وتدريب 4 ألوية حدودية، وبنت زهاء 41 برج مراقبة، و38 قاعدة على الحدود مع سوريا، ومنحت 359 جيب لاند روفر و3300 وحدة معدات حماية فردية و13 نظام مراقبة متحركة. وفيما قامت بريطانيا بتدريب أكثر من 14000 عسكري، منحت مطلع هذا العام 100 ناقلة خاصة للحدود مجهزة للجيش.

ويبحث القادة العسكريون الأجانب، لا سيما الأميركيون والفرنسيون الذي يزورون لبنان مع قيادة الجيش على الدوام مدى التقدم في قدرته على مراقبة الحدود. وزار قادة القيادة المركزية الأميركية للمنطقة الوسطى الذين تعاقبوا على هذا المنصب، الحدود لاستكشافها. كذلك فعل سفراء دول غربية.

وفي معلومات بعض السياسيين المتصلين بعدد من العواصم الغربية بحسب قولهم لـ"اندبندنت عربية"، فإن معظم العواصم تتجه إلى الربط أكثر بين استمرار مساعداتها للجيش اللبناني سواء كانت عسكرية أم تقنية أو غيرها، وسعيه والسلطات اللبنانية لضبط الحدود في شكل جدي أكثر. إلا أن هذه المسألة مرتبطة أيضاً بالقرار السياسي اللبناني بتغطية القوى الأمنية والعسكرية كي تتشدد في الأمر بالعلاقة مع القوى النافذة على الأرض، ومنها "حزب الله".   

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي