Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أم كلثوم أسطورة عابرة للأجيال وسيرة حافلة بالتفاصيل المدهشة

كتاب سليم نصيب المترجم من الفرنسية لا يخلو من نظرة استشراقية

"كوكب الشرق" (متحف أم كلثوم)

لا يخلو التاريخ العربي؛ قديمه وحديثه، من قصص الحب العذري؛ أشهرها ما كان من مجنون ليلى، قيس بن الملوح، وكثير عزة، ويفرد أبو الفرج الأصفهاني في كتابه "الأغاني" العديد من الروايات حول هذا الضرب من الحب، وحديثاً هناك ما كشفت عنه مراسلات مي زيادة وجبران خليل جبران.

وعلى هذا التيمة يقيم الكاتب اللبناني الفرانكفوني سليم نصيب كتابه "أم"؛ الذي كان ترجمه الشاعر الراحل بسام حجار إلى العربية بعنوان "كان صرحاً من خيال" (العين/ دار شرق غرب)، حيث قصة الحب ذات الطابع العذري بين الشاعر أحمد رامي و"كوكب الشرق" أم كلثوم.

يتبع سليم نصيب في كتابته أسلوب الكاتب النمساوي ستيفان زفايغ، الذي اعتاد أن يكتب سير شخصيات تاريخية في شكل أدبي مثلما فعل مع ماري أنطوانيت، والسياسي جوزيف فوشيه، وغيرهما. وعلى غرار تلك الآلية فعل طلال فيصل في عمله "سرور" الذي وثق حياة الشاعر المصري نجيب سرور. وهو الأمر ذاته الذي تصدى له سليم نصيب في "العشيق الفلسطيني" التي تدور حول علاقة غرامية بين فلسطيني مسيحي يدعى ألبير فرعون، والقيادية الإسرائيلية غولدا مائير، وكرره في "كان صرحاً من خيال" التي يوثق فيها حياة المطربة المصرية أم كلثوم عبر لسان الشاعر أحمد رامي الذي نظم أكثر من 137 أغنية من أصل 283 أغنية أنشدتها سيدة الغناء العربي طوال رحلتها الفنية.

من نسج الخيال

لا يطلق سليم نصيب على عمله مصطلح "رواية"، فبحسب ما ينقله المترجم حجار عن المؤلف، فإنه يصفه بالكتاب "استوحيت فصول هذا الكتاب من قصته - أي أحمد رامي - غير أن المذكرات التي تشتمل عليها الصفحات هي مجرد خيال" ص303. إلا أنه في نص التعريف بالكتاب المثبت على الغلاف الخارجي الخلفي والموضوع من دار النشر، يصنف الكتاب على أنه رواية "صدرت هذه الرواية بالفرنسية تحت عنوان غاية في الاختصار "أم"، وهو الاسم المعروف لأم كلثوم في فرنسا مثل "ثومة" في العالم العربي، ثم ترجمت إلى الإنجليزية والإيطالية بعنوان "أحببتك لأجل صوتك"، فمثل هذه الأعمال الإبداعية تعتمد على التوثيق وجمع المعلومات مع دمجها بإطار وحبكة أدبية خيالية كالتي في الروايات. فهي كتب تجمع بين التأريخ والأدب، ويمكن وصفها بأنها روايات السير الغيرية على غرار ما يعرف بالروايات السيرية أو روايات السير الذاتية، مثل "الأيام" لطه حسين، التي تجمع جانباً من حياته الشخصية الحقيقية مع دمجه بجوانب أخرى خيالية".

ولم يكن المترجم بسام حجار موفقاً في اختيار العنوان البديل للنص الأصلي، "كان صرحاً من خيال" فهي جملة من قصيدة "الأطلال"، وهي لإبراهيم ناجي، لا لأحمد رامي الذي يتولى سرد الأحداث، وكان من الأوفق اختيار العنوان، مما غنته أم كلثوم من قصائده أو أي من ألقابها.

ومن المصادر التي اتكأ عليها سليم نصيب "لغز أم كلثوم" لرجاء النقاش، و"أم كلثوم التي لا يعرفها أحد" لمحمود عوض، و"أم كلثوم كوكب الشرق" تأليف إيزبيل صياح – بوديس، ترجمة سونيا محمود نجا، و"نغم مصر الجميل" لجهاد فاضل، و"مذكرات الآنسة أم كلثوم" إعداد محمد شعير، و"مذكرات كوكب الشرق" لمحمد رفعت، و"أم كلثوم عصر من الفن" لنعمات أحمد فؤاد، و"معجزة الغناء العربي" لرتيبة الحفني، و"صحبة العشاق" لخيري شلبي، و"أم كلثوم وحكام مصر" لسعيد الشحات، و"الهوى دون أهله: أم كلثوم سيرة ونصاً" لحازم صاغية.

الاختيار المناسب

ويحسب لسليم نصيب أنه لم يجرِ وراء التفاصيل الكثيرة التي تتناول حياة أم كلثوم، وإنما اختار منها ما يخدم حبكة نصه. فالكتاب مكون من أربعة أجزاء مقسمة حسب الأعوام. الجزء الأول من 1924 إلى 1928 بداية من الفترة التي التقى فيها رامي بأم كلثوم، والثاني (1932-1938)، والثالث (1950-1956) والرابع (1965-1975). يغطي الجزء الأول بدايات "ثومة"، فيأخذ من الحكايات ما تقوله حول الحلم الذي رآه والدها، وكان تنبؤاً بمستقبلها. ويلعب التنبؤ عبر الحلم دوراً محورياً في الحكايات الشعبية. فمع مولد البطل يأتي التنبؤ الذي يبشر بمصيره، وهذا ما يحدث مع أم كلثوم حين يروي والدها، "إنه في ليلة 27 من رمضان (أي ليلة القدر) غلبه النوم وهو في المسجد، فرأى في منامه سيدة في ملابس بيضاء، يشع وجهها نوراً، تعطيه لفافة خضراء، وعندما يفتحها يجد شيئاً له بريق سأل: ما هذا؟ - قالت: هذه جوهرة وبشرى السعد حافظ عليها. وعندما سألها من أنت؟ أجابته: أنا أم كلثوم ابنة النبي محمد. وعندما وضعت فاطمة زوجة الشيخ إبراهيم طفلتها احتارت في تسميتها، وسألت زوجها، فأجاب على الفور نسميها أم كلثوم، فالرؤيا كانت لا تزال تملأ عينيه".

وبهذا التنبؤ مضت أم كلثوم في طريقها متحدية كل العقبات، فلم تكن البنات يذهبن إلى الكتاب، إلا أنها ذهبت برفقة أخيها خالد، وكن يمنعن من الغناء، فغنت في الحفلات والليالي، وكان لقاؤها بالشيخ أبو العلا الصوت الذي شغفت به في الأسطوانات بعيداً، فالتقت به صدفة، وأصرت على أن يعود معهم إلى منزلها في قرية طماي الزهايرة ليعجب بصوتها، وينصح والدها بألا يترك هذه الجوهرة، وأن يذهب بها إلى القاهرة، فتتحول ممانعة الأب إلى موافقة، لتتلمذ على يد أبو العلا، وريث الحامولي. ويجلب لها القدر الشاعر أحمد رامي الذي يحضر لها حفلة وهي ترتدي زي شاب بدوي، وكانت تغني قصيدته "الصب تفضحه عيونه"، ليعجب بها، وتبدأ علاقته بها ليلتقيها كل يوم اثنين، ويطلق على هذا اليوم اسم "يوم أم كلثوم"، وهي تطلق عليه "يوم رامي".

حرمان متعمد

ومن الأحداث الحقيقية التي يحسن سليم نصيب توظيفها متوافقاً مع ما حدث بالفعل ألا وهو زواج أحمد رامي أثناء سفر أم كلثوم إلى أوروبا، وحين عادت أبلغوها الخبر، وكان آخر ما تتوقع هو أن يفعل رامي ذلك. صمتت وكأن الأمر لا يعنيها، وحين رأته سألت: أحقاً تزوجت؟ فقال لها كأنه يعتذر أو يتهرب من السؤال العاتب: "أصلها بنت يتيمة، وهي قريبة لي... حاجة على قدنا".

لم يكن يتقاضى أي أجر على الأغاني التي يؤلفها لها، وهي عرفت أن الحرمان يشعله، ولكي تستبقي الشعلة متوهجة أمعنت في تلويعه. ويظهر في كتاب "كان صرحاً من خيال" الذكاء الشديد الذي تمتعت به أم كلثوم لتجعل أكبر مبدعي عصرها من شعراء وملحنين يتسابقون إلى التعاون معها، فتبدو وكأنها جعلت الجميع قنطرة تمر عليها لصناعة أسطورتها. واستطاعت من خلالها أن تنحي جميع منافسيها، ولم يوقفها عن مواصلة النجاح الذي غزت به العالم العربي من أقصاه إلى أدناه، سوى الموت.

وقع المؤلف في بعض الأخطاء، لكنها لم تكن مؤثرة بوصف الكتاب عملاً أدبياً وليس تاريخياً، ومنها أن ينسب قصيدة "الأطلال" إلى بيرم التونسي، وهي لإبراهيم ناجي، وأغنية "الخلاعة والدلاعة مذهبي" لأحمد رامي، بينما كان أحمد رامي من ضمن المسارعين إلى منع انتشار هذه الأغنية في السوق، فهي من تأليف محمد يونس القاضي. كما أن المؤلف في بعض المشاهد يبدو كأنه يكتب بعين سائح غربي/ مستشرق مثلما يفعل في وصفه لمشهد تدليك واستحمام أم كلثوم برفقة صديقاتها... (ص59: 60)، مع إشارته إلى الأخبار المتداولة حول مثلية أم كلثوم الجنسية.

ومن الأشياء التي أحسن الكاتب توظيفها، السياقات التاريخية والاجتماعية والسياسية التي دارت فيها الأحداث. أما ترجمة بسام حجار فجاءت جيدة ومتينة على عادة ترجماتها الأدبية، لكن هوامشه لم تكن ذات فائدة كبيرة للقارئ، ولم يستطع من خلالها أن يرصد الأخطاء التي وقع فيها مؤلف النص الأصلي.

المزيد من ثقافة