في ذكرى تحرير سيناء الـ39، لا تزال مشاهد تلك الفترة تخيم على المصريين مستعيدين معها ذكريات نصر حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، التي رفضت خلالها مصر ودول عربية، هزيمة يونيو (حزيران) 1967، وكانت بداية الطريق نحو استعادة شبه جزيرة سيناء من إسرائيل، إذ تلتها معارك تفاوضية قادت لتحرير الأرض في الـ 25 من أبريل (نيسان)، عام 1982، حين انسحبت إسرائيل من كامل سيناء إلا طابا، التي حُررت في مارس (آذار) 1989، بعد سنوات عبر التحكيم الدولي.
"ومن معارك التحرير، إلى معارك البناء"، تتحرك السلطات المصرية الحالية جاهدة، بحسب مراقبين وخبراء، لتسريع وتيرة البناء في تلك الرقعة الجغرافية التي تمثل ما نسبته 6 في المئة من إجمالي مساحة البلاد بعد سنوات، لطالما اشتكى خلالها أهلها من "الإهمال والتهميش فضلاً عن معاناتهم من ويلات الإرهاب"، وهو الأمر الذي قال عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في كلمته الأحد، بمناسبة ذكرى التحرير، إن "ملحمة استرداد الأرض تخطت كونها انتصاراً عسكرياً ودبلوماسياً وأصبحت نموذجاً خالداً لقهر اليأس". موضحاً، "أن ذكرى التحرير تمثل منبعاً لا ينضب تنهل منه الأجيال معاني الكفاح والولاء والانتماء، ودرساً في الحفاظ على التراب الوطني بالعمل والاجتهاد والعلم وليس الأماني والشعارات"، مشدداً على أن "معركة البناء والتنمية التي نخوضها اليوم جميعاً لا تقل في تحدياتها وقوتها عن ما واجهه الآباء والأجداد على مدار تاريخ أمتنا".
من الحرب إلى السلام
مرت قصة تحرير سيناء بعدد من المحطات الرئيسة، بدأت بحرب أكتوبر عام 1973، حيث تمكنت القوات المصرية من العبور إلى الضفة الشرقية من قناة السويس، وبعدها بأسابيع قليلة سرعان ما بدأت أولى جولات "معركة السلام"، وفق تعبير بطرس غالي، الدبلوماسي المصري والأمين العام السادس للأمم المتحدة، في المفاوضات بين الجانبين المصري والإسرائيلي، التي عُرفت بمفاوضات الكيلو 101 في أوائل 1974، أعقبتها اتفاقية فض الاشتباك الأولى عام 1974 والاتفاقية الثانية في 1975.
ويقول الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية في حرب أكتوبر، في كتابه (مذكرات حرب أكتوبر)، "مرت ست سنوات كاملة على الهزيمة قبل أن تندلع شرارة حرب أكتوبر في الثانية وخمس دقائق ظهر السادس من أكتوبر 1973، حيث انطلقت القوات المصرية معلنة بدء حرب العبور، واقتحمت قناة السويس وخط بارليف، كان من أهم نتائجها استرداد السيادة الكاملة على قناة السويس، واسترداد جزء من الأراضي في شبه جزيرة سيناء، وعودة الملاحة في قناة السويس في يونيو 1975، كما أسفرت حرب التحرير الكبرى عن نتائج مباشرة على الصعيدين العالمي والمحلي، من بينها انقلاب المعايير العسكرية في العالم شرقاً وغرباً، فضلاً عن تغيير الاستراتيجيات العسكرية في العالم، والتأثير على مستقبل كثير من الأسلحة والمعدات".
وبعد أسابيع من الحرب، وقعت مصر وإسرائيل اتفاقيتي فض الاشتباك الأولى والثانية في يناير (كانون الثاني) عام 1974 وسبتمبر (أيلول) عام 1975، حيث أفضت الاتفاقية الأولى إلى ترسيم الخط الذي ستنسحب إليه القوات الإسرائيلية على مساحة 30 كيلومتراً شرق القناة وخطوط منطقة الفصل بين القوات، التي سترابط فيها قوات الطوارئ الدولية، فيما أفضت الثانية، إلى تقدم مصر بموجبها إلى خطوط جديدة مستردة نحو 4500 كيلومتر من أرض سيناء، ليأتي بعدها إعلان الرئيس المصري الراحل أنور السادات في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1977 عزمه زيارة إسرائيل، قائلاً تحت قبة البرلمان المصري، "وستُدهش إسرائيل، حينما تسمعني الآن أقول أمامكم، إنني مستعد أن أذهب إلى بيتهم، إلى الكنيست ذاته"، ليبدأ بعدها مشوار السلام، الذي أراده، وسط مقاطعة عربية ومعارضة داخلية.
وبعد زيارة السادات لإسرائيل التي تلتها عدة أشهر من التفاوض بين البلدين برعاية أميركية، وافقت القاهرة وتل أبيب، في مؤتمر كامب ديفيد في سبتمبر 1978 على الاقتراح الأميركي بعقد مؤتمر ثلاثي في كامب ديفيد في الولايات المتحدة، وتم الإعلان عن التوصل إلى اتفاق يوم 17 سبتمبر من العام ذاته، والتوقيع على وثيقة كامب ديفيد في البيت الأبيض يوم 18 سبتمبر 1978، ويحتوي الاتفاق على وثيقتين مهمتين لتحقيق تسوية شاملة للنزاع العربي - الإسرائيلي.
ونصت الوثيقة الأولى، التي حملت عنوان "إطار السلام في الشرق الأوسط"، على أن مواد ميثاق الأمم المتحدة، والقواعد الأخرى للقانون الدولي والشرعية توفر الآن مستويات مقبولة لسير العلاقات بين جميع الدول، وتحقيق علاقة سلام وفقاً لروح المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة وإجراء مفاوضات في المستقبل بين إسرائيل وأي دولة مجاورة ومستعدة للتفاوض بشأن السلام والأمن معها، هو أمر ضروري لتنفيذ جميع البنود والمبادئ في قراري مجلس الأمن رقم 242 و338. فيما جاءت الوثيقة الثانية، (إطار الاتفاق لمعاهدة سلام بين مصر وإسرائيل)، ووقع عليه البلدان في 26 مارس (آذار) 1979، وفقاً لقراري مجلس الأمن 242 و238، اللذان نصا على سحب إسرائيل كل قواتها المسلحة من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب، وتستأنف مصر ممارسة سيادتها الكاملة على سيناء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتباعاً، قادت معاهدة السلام بين البلدين إلى انسحاب إسرائيلي كامل من سيناء، وعودة السيادة المصرية إلى كامل أراضيها، وقد تم تحديد جدول زمني للانسحاب المرحلي من سيناء، ينتهي في 25 أبريل 1982، برفع العلم المصري على حدود مصر الشرقية على مدينة رفح في شمال سيناء وشرم الشيخ جنوب سيناء، واستكمال الانسحاب الإسرائيلي من سيناء بعد 15 عاماً، وإعلان هذا اليوم عيداً قومياً مصرياً في ذكرى تحرير كل شبر من سيناء، ما عدا الجزء الأخير ممثلاً في طابا إذ استغرقت المعركة القانونية لتحرير هذه البقعة سبع سنوات من التحكيم الدولي بين البلدين.
معارك "التطهير" والبناء
على مدار العقود الأربعة الماضية، مرت "معركة البناء" التى أعلنتها السلطات المصرية على مختلف حقبها، بعدد من المحطات، يقول مراقبون تحدثوا لـ"اندبندنت عربية"، إن أبرزها هي تلك الأخيرة التي يقودها الرئيس المصري.
وبحسب اللواء نصر سالم، رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق، المستشار في أكاديمية ناصر العسكرية العليا "على مدار العقود التي تلت تحرير الأرض، ظلت سيناء تعاني وأهلها من عدم اهتمام الدولة بالصورة الكافية بهم، إذ بقيت التنمية قاصرة على بعض المناطق، وغاب بصورة شبه كاملة تحديث البنية التحتية وخلق فرص عمل وبناء تجمعات سكنية وزراعية كافية، ما تسبب في فجوة كبيرة بين أهالي سيناء وباقي مصر"، مضيفاً، "بعد الأحداث التي شهدتها مصر في عام 2011، أيقنت الدولة المصرية ضرورة مواجهة التحديات في سيناء لما تمثله تلك المنطقة من أهمية استراتيجية ومحورية للأمن القومي، إذ سمح الغياب الأمني لدخول عناصر متطرفة أثرت على الدولة".
وإضافة لذلك، يقول سالم، "كانت هناك مشكلة أخرى تمثلت في الفراغ الديمغرافي في تلك المساحة الشاسعة ما جعلها مطمعاً طوال الوقت لحلول أقليمية على حساب الأراضي المصرية، وهو ما أدركته القيادة السياسية في السنوات الأخيرة".
وعلى مدار السنوات الأخيرة، أعلنت السلطات المصرية تكثيف تخصيص الموارد لتنمية وتعمير مختلف المناطق في سيناء ضمن استراتيجية تنمية بلغ إجماليها 3 مليارات دولار، تمثلت في بناء مدن جديدة وتجمعات سكانية بدوية، فضلاً عن تطوير البنى التحتية وبناء مستشفيات ومعاهد ومدارس وجامعات. ووفق وزارة التعاون الدولي المصرية، فإن استراتيجية تنمية سيناء تستهدف توفير 2 مليون فرصة عمل، وضخ استثمارات بنحو 20 مليار دولار، إضافة إلى رفع نصيب سيناء من الدخل القومي لـ 4.5 في المئة.
كما أعلنت القوات المسلحة المصرية منذ يونيو 2014، تنفيذ مشروعات تنموية في سيناء تتضمن 312 مشروعاً لخدمة كافة مجالات التنمية الشاملة، بإجمالي تكلفة 199 مليار جنيه (نحو 12.8 مليار دولار أميركي). كما انتهت السلطات من حفر 4 أنفاق إضافية أسفل قناة السويس لتسهيل عملية الربط بين ضفتي القناة، بعدما كان العبور يقتصر فقط على نفق أحمد حمدي وكوبري السلام فضلاً عن العبارات، ما يسهل، وفق المتخصصين، من سرعة الانتقال بين ضفتي القناة.
في الاتجاه ذاته، يقول إبراهيم المنشاوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، "رأت القيادة السياسية الراهنة ضرورة ملحة في توفير تعزيز عملية انتقال المواطنين إلى سيناء، وهو ما يتطلب تسخير البنى التحتية المناسبة لحدوث ذلك". وتابع: "بات الآن هناك 3 مدن مليونية في شرق القناة، تم إنشاؤها في السنوات الأخيرة، وهي بورسعيد الجديدة والسويس الجديدة والإسماعلية الجديدة، فضلاً عن الأعمال المستمرة في تحسين جودة الحياة الزراعية في المنطقة لاستهداف زراعة نحو نصف مليون فدان".
وأوضح المنشاوي، "في ظل ما تواجه المنطقة من تحديات، لا سيما في السنوات الأخيرة، كان يجب على الدولة المصرية أن تسرع من إجراءاتها السياسية أو الأمنية أو العسكرية أو الاقتصادية، من أجل الحفاظ على وحدة الأراضي المصرية وتماسك النسيج الوطني للشعب".
ولا تزال مصر تواجه عناصر متطرفة في شمال سيناء، منذ أكثر من 7 سنوات. وارتفع منسوب المواجهات بين الجيش وتلك العناصر في أعقاب عزل الرئيس المصري الراحل محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في عام 2013. ومنذ فبراير (شباط) 2018، تقود القوات المسلحة بمشاركة كافة أفرعها الجوية والبحرية وقوات حرس الحدود فضلاً عن القوات الشرطية "عملية شاملة"، تقول إنها بهدف القضاء على "العناصر الإرهابية والإجرامية".
وفي هذا السياق، مدد الرئيس المصري، الأحد حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد لمدة ثلاثة أشهر، نظراً لما اعتبره "ظروفاً أمنية وصحية تمر بها البلاد"، وفق ما جاء في الجريدة الرسمية.
وبموجب قانون الطوارئ تتولى القوات المسلحة والشرطة اتخاذ ما يلزم لمواجهة أخطار الإرهاب وتمويله، وحفظ الأمن في جميع أنحاء البلاد، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وحفظ أرواح المواطنين. كما يسمح تفعيل حالة الطوارئ للسلطات المصرية بحظر التجمعات والتظاهرات، إذا ثبتت خطورة قد تمس الأمن الوطني أو تهدد استقرار الدولة بوجودها. وهذه ليست المرة الأولى التي يمدد فيها الرئيس المصري حالة الطوارئ، إذ غالباً ما يتم تمديدها كل ثلاثة أشهر.