Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دراما رمضان المصرية تواجه اتهامات بالبروباغاندا وخلافات الأيديولوحيا

لعلها المرة الأولى التي ينغمس فيها الشارع من رأسه حتى قدميه لمتابعة تفاصيل تاريخية عاشوها

"الاختيار 2" أثار جدلا واسعا في الشارع المصري  (الموقع الرسمي للمسلسل على فيسبوك)

دراما رمضان هذا العام مختلفة؛ الجرعة الأمنية، وفي أقوال أخرى الوطنية، وفي قول ثالث التعليمية، وبحسب رابع التصحيحية، وفي تأويل مختلف "البروباغاندا"، أو الدعاية الموجهة بالغة الكثافة وشديدة التنوع، وجميعها يصب في خانة الأحداث المتواترة التي جرت في السنوات العشر العجاف الماضية.

شارع مشبع بالدراما

مضى نصف رمضان والشارع المصري بات مشبعاً، ففريق يطغى عليه الاشتياق، وآخر يتمكن منه الاشتعال جراء أحداث وانكشافات ما بعد أحداث 25 يناير (كانون الثاني) 2011، والجاري تشريحها دون هوادة عبر دراما رمضان المصرية.

عملية التشريح الدائرة رحاها على مدار اليوم الرمضاني بين بث، ثم إعادته، ثم بحث على الشبكة العنكبوتية للتدقيق في سيناريو استخباراتي كاشف هنا، أو عرض سياسي مموه هناك، أو سرد يبدو فنياً درامياً خالصاً، لكنه في حقيقة الأمر واقعي سياسي إسلامي بحت.

لعلها المرة الأولى التي ينغمس فيها الشارع المصري من رأسه حتى قدميه في دراما رمضان، ليس من أجل المتعة والتسلية وقت الصيام وتمضية الوقت قبل السحور، ولكن لمتابعة تفاصيل تاريخية عاشوها وانكشافات أمنية عاصروها واستقطابات غير مسبوقة جربوها. المؤكد أن موسم الدراما الرمضانية هذا العام مختلف، وغير مسبوق.

سبق عرض عدد من المسلسلات المصنفة تحت بند "الواقعية" و"التوثيقية" في الموسم الرمضاني الحالي موجة مكثفة من التسويق الإعلامي الذي لم يخلُ من هالات سياسية واضحة ونفحات وطنية ظاهرة. وبمجرد ذكر اسم "الاختيار"، أيقن الجميع أن الجرعة السجالية في رمضان ستكون حامية.

رمضان وأربعة اختيارات

أتى رمضان ليس باختيار واحد، بل أربعة: "الاختيار 2"، وهو الجزء الثاني من المسلسل الذي أثار طوفاناً غاضباً من جماعات الإسلام السياسي، لا سيما "الإخوان المسلمين"، و"القاهرة – كابول" الذي يستعرض تشابك العلاقة بين إرهاب ومذيع وضابط ومخرج، و"هجمة مرتدة" القادم رأساً من ملفات الاستخبارات المصرية، بالإضافة إلى تنبيطات عديدة على تركيبة المنتمين لجماعات الإسلام السياسي في "لعبة نيوتن".

جرعة متشابكة

الجرعة المكثفة من تشابك السياسة مع الوطنية مع الثقافة مع الأحداث التي عاشها المصريون على مدار عقد، وقبلها نحو تسعة عقود من بدء نشر الفكر الإخواني، أدخلت الجميع في دوائر من الشد والجذب لا تخلو من سجالات حامية وتراشقات محتدمة دفعت القاصي والداني إلى الانخراط في الزخم الدرامي السجالي الذي أصبح حامي الوطيس.

قاعدة عريضة من المشاهدين تنخرط مساء كل ليلة في تمجيدات وطنية للجيش والشرطة والرئيس عقب انتهاء أحداث الحلقات التي تستعرض إما صفحات من جهاز الاستخبارات المصرية في مواجهتها للجماعات الدينية السياسية، أو تناولات اجتماعية لما جرى في مصر منذ هبوب ما يسمى "رياح الربيع العربي"، أو رؤى درامية لتحالف المال الدولي والإقليمي مع رؤوس في الإعلام المصري بغرض التقويض السياسي والثقافي وتمكين الجماعات من رقاب البلاد والعباد. المزاج العام الذي يطغى على سجالات ما بعد المشاهدة يبجل ويثني على المسلسلات التي أحيت أجواء عام 2013، وما قبلها، وما بعدها، حيث التخلص من حكم الجماعة وما كشف عنه ذلك من خيانات ومؤامرات ودسائس وغيرها، لكن المزاج العام لا يحيا وحده.

المشهد الأيديولوجي الشعبي

على الصعيد الداخلي، ما زالت ثلاث فرق غير متساوية العدد تتسيد المشهد الأيديولوجي الشعبي، وهم: المعارضون لحكم الإخوان وأبناء عمومها من جماعات الإسلام السياسي والمؤيدون لنظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والمعارضون لحكم الإخوان والمعارضون للنظام، والمعارضون للنظام قلباً وقالباً بحكم انتمائهم التنظيمي أو العقائدية أو كليهما للجماعة، وغيرها من جماعات الإسلام السياسي.

الفريق الأول يملأ أثير منصات التواصل الاجتماعي والمقاهي والمواصلات والتجمعات إشادةً وثناءً على الأعمال الدرامية العظيمة التي ذكرت الجميع بما كانت مصر مقبلة عليه، وتصحح الكثير من المفاهيم الدينية والوطنية. الفريق الثاني يرد على الفريق الأول بنبرات السخرية المعتادة، حيث "عبيد البيادة" والشعبويين المغيبين والمضحوك عليهم بنعرات وطنية أكل عليها الزمان وشرب. والفريق الثالث هرع إلى إعادة استخدام شارات "رابعة" ذات الأصابع الأربع، والتأكيد على كذب كل ما جاء في الحلقات، وعلى أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة سلمية، وأن أنصارها قتلوا دون ذنب في اعتصام سلمي عام 2013، حيث هاشتاغ "مجزرة رابعة" يتم إلحاقه بـ"الاختيار"، بالإضافة إلى تكبد عناء الترجمة إلى الإنجليزية حتى تصل الرسالة.

وصلت الرسالة

وبالفعل، وصلت الرسالة حتى قبل تفعيل هاشتاغ عناصر الجماعة وتغريداتهم وتدويناتهم المترجمة... "مجلة إيكونوميست" البريطانية نشرت مقالاً من دون اسم قبل أيام عن دراما رمضان المصرية تحت عنوان "كيف تغير الترفيه المصري تحت الحكم العسكري: التلميحات الجنسية ذهبت، وجاء التجسيد البطولي للضباط".

تطرق المقال إلى صناعة السينما والتلفزيون في مصر التي كانت موضع حسد العالم العربي خلال القرن الـ20 وقت أن كانت الأفلام من أكبر صادرات مصر، ولها يعود الفضل في تعلم العرب اللهجة المصرية المميزة. ويمضي المقال إلى القول إن هذه التجارة أعطت مصر نفوذاً ثقافياً، وأعطت حكامها أداة دعائية. فمن الملك فؤاد الذي كان الشريط الإخباري السابق لعرض الفيلم يروج له، إلى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي بذل كل الجهد من أجل تصوير النظام الملكي في مصر باعتباره فاسداً وشريراً، يشير المقال إلى أن المنتجين يقولون إنه حتى في ظل الرئيس الأسبق الراحل محمد حسني مبارك، كان يتم السماح بتجسيد قسوة الشرطة والفساد، وحتى المثلية، وهو ما لا يسمح به حالياً. كما يشير إلى أن قوات الأمن حالياً يجب أن يتم تجسيدها باعتبار أفرادها رجالاً طيبين، وذلك لأن النظام يعتقد أن الأفلام القديمة التي كانت تحوي قصصاً عن قوات الأمن الشريرة غذت التظاهرات ضد الشرطة في عام 2011، وأن مثل تلك التجسيدات الدرامية كانت "سقطة ثقافية".

أقل إثارة

ويصل المقال إلى الدراما الرمضانية 2021، حيث "الحروب التي تخوضها الدولة، وبطولات الشرطة هي الأكثر انتشاراً"، ولكن، بحسب المقال فإن التلفزيون المصري أقل إثارة بكثير عما كان عليه قبل "الانقلاب". ويرى المقال أن النظام المصري يهدف عبر هذه المسلسلات إلى التأثير في المصريين. وبالطبع يتعرض لأحداث فض اعتصام رابعة، وهو الحدث الأبرز في مسلسل "الاختيار 2"، الذي قلب الشارع المصري يومها رأساً على عقب، حيث يشير إلى الروايتين المتناقضتين تماماً: رواية الجماعة ومنظمات حقوقية دولية تعتبرها "مجزرة"، ورواية مصرية رسمية، وبحسب شهود عيان مدنيين مصريين تعتبرها فضاً كان لا بد منه وجرى بأقل خسائر في الأرواح ممكنة مع التركيز على خسائر الشرطة البشرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن ما يعتبره الفريق المؤيد للجماعة والرافض للنبرة السياسية السائدة في مسلسلات رمضان هذا العام باعتباره "لياً للحقائق وعرضاً لما جرى من وجهة نظر من بيده السلطة والقوة"، هو "إعادة توطين للدراما المصرية وصناعة الوعي"، كما وصفها الكاتب الصحافي ورئيس تحرير مجلة "روز اليوسف" أحمد الطاهري.

معلومات مغلوطة

الطاهري وجه رسالة مكتوبة عبر مجلة "روز اليوسف" إلى رئيسة تحرير "ذا إيكونوميسـت"، زانى مينتون بدوس، رداً على المقال جاء فيها أن من كتب التقرير، واسمه مجهول، أتى بالعديد من المعلومات المغلوطة التي تعكس عدم معرفته بالحقائق، مستنتجاً أن تكون المعلومات مستمدة من منصات التواصل الاجتماعي. ونوه إلى ما ورد في التقرير من أن مصر التي كانت هوليود الشرق لم تعد كذلك في عهد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بفعل الرسالة التي تحملها أعمال درامية هدفها توضيح الحقائق للمصريين وللشعوب العربية. وقال الطاهري إن هذه الأعمال الدرامية تأتي في إطار الحرب التي تخوضها مصر ضد أخطر التيارات والجماعات الإرهابية في التاريخ، وهي جماعة الإخوان المسلمين. وقال إن الحرب على الإرهاب ليست مجرد عمليات ميدانية، لكنها معركة فكر وثقافة بالدرجة الأولى، وهذا دور الفن.

بروباغاندا أم سرد تاريخي؟

ورد الطاهري على الاتهامات التي حملها المقال للأعمال الدرامية "الوطنية" بأنها بروباغاندا، لا سيما مسلسل "الاختيار 1"، الذي يركز على دور الجيش في مواجهة إرهاب جماعات الإسلام السياسي، على الرغم من أن ما يعرض حالياً هو "الاختيار 2"، الذي يركز على دور الشرطة، بقوله، إن "السياق الجامع بينهما لا يختلف، سواء في الرسالة أو الأسلوب أو السرد التاريخي. أما الرسالة فهي الانتماء والتضحية التي يقدمها أبطالنا في القوات المسلحة والشرطة من دمائهم لحماية الوطن والمجتمع من الإرهاب. وبالنسبة للأسلوب، فحرصاً من صناع الأعمال على المصداقية وبناء وعي حقيقي، تقدم هذه الأعمال في شكل يمزج بين الدراما الإنسانية والأعمال الوثائقية بالإضافة إلى ذكر مصادرها وبينها القنوات التابعة والمؤيدة للإخوان في تركيا وقنوات ومواقع إخبارية دولية". وأشار إلى أن ما ورد في هذه المسلسلات لا يمكن أن يكون مشوهاً أو مختلقاً، "لأن كل مصري عايش تفاصيله". وأضاف أن الهدف هو أن تعرف الأجيال على حقيقة ما جرى، ولمنع استقطاب الفكر الإرهابي لمتطرفين جدد، وقبل كل ذلك تقديراً لأبطال الوطن".

أبطال الوطن وجدوا أنفسهم مثاراً للشد والجذب بين الفرق المختلفة، حيث القابعون على يمين شاشة رمضان التلفزيونية لا يرون إلى أبطال الجيش والشرطة والشعب الرافض لحكم جماعة الإخوان، في حين ينقسم الرابضون على يسار الشاشة بين أنصار وأتباع الجماعة نفسها، الذين غالباً لا يشاهدون الحلقات، لكن يعتمدون على ما يكتبه ويقوله أهل الثقة فيها، بالإضافة إلى المكون الليبرالي والثوري المندثر، الذي لا يدعم الجماعة بالضرورة، لكنه أيضاً لا يدعم النظام الحالي لأسباب تتعلق بالمعارضة السياسية. المكون الرئيس للفريق الثاني لا يرى بدوره أبطالاً باستثناء أولئك الذين كانوا في "رابعة"، بالتالي يتعاملون مع موجة المسلسلات "الوطنية" هذا العام باعتبارها ضمن جهود النظام المصري لإقصاء الجماعة وتشويه صورتها وإفقادها ما تبقى من مصداقية دينية وسياسية.

مصداقية الجماعة

المصداقية الدينية والسياسية لجماعة الإخوان، وغيرها من جماعات الإسلام السياسي، كما يظهر في مسلسلي "القاهرة – كابول"، و"هجمة مرتدة"، تخضع لعمليات تفنيد مكثفة تختلط فيها الدراما بالحقيقة. وعلى الرغم من أن أصواتاً عدة ظلت على مدار السنوات الثماني الماضية، منذ أحداث عام 2013 لإنهاء حكم الجماعة، تطالب بمناهضة الفكر المتطرف أو الفاسد أو الملتوي بفكر وسطي أو رشيد أو مستوٍ، إلا أن جانباً من هذه الأصوات يأخذ على صحوة الدراما التصحيحية ما يصفونه بأنه مباشرة مفرطة أو وعظ وإرشاد لا يحترمان عقل المشاهد النقدي.

عقل المشاهد النقدي يتعرض للكثير من الشد والجذب في رمضان هذا العام. فعكس المنطق والمعتاد، حيث الجوانب التوثيقية المعاصرة التي شهدها الجميع غالباً تكون الأقل إثارة للقيل والقال والتأكيد والنكران، فإن هذا الجانب التوثيقي الخاص بمجريات السنوات العشر الماضية منذ أحداث يناير (كانون الثاني) 2011، وعلى وجه أدق، مجريات السنوات الثماني الماضية منذ أحداث يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) عام 2013 هو منبع الشد والجذب.

شد المشاهدين وانجذابهم

شد المشاهدين وانجذابهم إلى الشاشات الرمضانية بشكل غير مسبوق حتى في ظل الهجمة الإعلانية الشرسة المفسدة لمتعة المشاهدة يقول الكثير عن موجة الدراما التصحيحية، وفي أقوال أخرى التوجيهية هذا العام. عشرات النقاد يؤكدون أن ذراع القوى الناعمة المصرية تعود بقوة عبر دراما رمضان هذا العام. ويصفونها بالبدء الحقيقي لمعركة الوعي الفكري واستعادة العقول المسلوبة. الكاتب الصحافي ورئيس تحرير "أخبار اليوم" عمرو الخياط يقول في مقال عنوانه "وهي الدراما في رمضان" إن "الفن أثبت أنه ليس فقط ترفيهاً، لكنه جزء أصيل من مكونات الأمن القومي المصري، وأن دراما رمضان بمثابة هجوم بجيش مصر الناعم خلف خطوط التنظيم الإرهابي أربك حساباته".

حسابات الدراما

حسابات دراما رمضان هذا العام لن تحتوي فقط على الأعلى مشاهدة والأبدع تمثيلاً، والأفخم تجهيزاً، لكنها ستقول الكثير عن قاعدة المشاهدة الأكثر تعددية واختلافاً، سواء بهدف المشاهدة أو المكايدة. ويشير الخياط إلى أن "الأعمال الدرامية التي أقبل عليها المصريون لديها كذلك جمهور موازٍ هم أعضاء الجماعة وأتباعهم الذين يتابعونها لفهم الصورة الذهنية التي أصبحوا فيها لدى المصريين بعد التفاعل الكبير الذي قوبل به المسلسلات"، التي قد تكون قوة ناعمة ومعركة وعي وتصحيح ثقافي وحماسة وطنية، لكن يظل هناك الفريق الآخر الذي يعتبرها قوة أمنية ومعركة تسييس وتغييباً تاريخياً وفورة بروباغاندا. والعبرة بخواتيم نهاية شهر رمضان.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات