تركب الخالة محبوبة (64 سنة) وهي فلاحة، شاحنة فجر كل يوم، لإحضار قوتِ عائلتها، لكنها قبل ذلك تتلو الشهادتين، لعدم ضمان عودتها إلى المنزل بسبب رعونة القيادة وكثرة حوادث السير. وتتقاضى السيدة الستينية أربعة دولارات مقابل ساعات طويلة تقضيها في جمع الخضراوات والغلال الموسمية في ظروف صعبة.
مسؤولية الدولة
وأثار حادث شاحنة تنقل فلاحات السبت الماضي في مدينة السبالة جنوب تونس راح ضحيته 12 شخصاً (7 فلاحات)، موجة سخط واستياء كبيرين في الأوساط الشعبية والحقوقية. واتهم المجتمع المدني ومنظمات وطنية، الحكومة التونسية بالتهرب من مسؤولياتها واستهتارها في التعامل مع مواطنيها، لاسيما من الفئات الضعيفة وذوي الدخل المحدود. وقالت وزيرة المرأة و الأسرة والطفولة نزيهة العبيدي "إنها لا تنفي مسؤولية الحكومة في هذا الحادث، لكنها تؤكد أن المسؤولية على عاتق الجميع بمن فيهم المجتمع المدني". وأوضحت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات يسرى فراوس "أن جمعيات ومنظمات حقوقية سبق أن طالبت بوضع حد لشاحنات الموت"، محمّلة الدولة بجميع سلطاتها وهياكلها المسؤولية التامة في ما حصل.
وطالبت جمعيات حقوقية في تونس بتعويض فوري لجميع عائلات الضحايا وإيجاد حلول لعدم تكرار ما حصل، إضافة إلى الرقابة والعمل على تطبيق الاتفاقيات الدولية المراعية ساعات العمل وشروطه. كما قرّرت وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، تخصيص 200 ألف دينار تونسي لأسر الجرحى والمتوفين، لإيجاد موارد رزق ضمن برنامج التمكين الاقتصادي للأسر الفقيرة الذي تنفذه الوزارة في عدد من ولايات الجمهورية.
النقل الزراعي
في السياق ذاته، طالبت جمعية "تونسيات"، الوزارة مع الوزارات المعنية بتفعيل التوصيات التي سبق أن تقدمت بها لضمان نقل آمنٍ للنساء الريفيات، في بيان صادر عنها منتصف الشهر الماضي إثر حادث سير لنساء في طريقهنّ إلى العمل. وذكّرت الجمعية أنها دعت وزارة الداخلية إلى تكثيف المراقبة على الطرق للتصدي للنقل العشوائي للعاملات في قطاع الزراعة، فضلاً عن سحب الرخص من السائقين الذين لا يستوفون شروط السلامة. وطالبت باستحداث وسائل نقل خاصة للعاملين في مجال الزراعة بإشراف وزارة الداخلية، والاستماع إلى مشاكل العاملات في هذا القطاع وإيجاد حلول لها.
حوادث متكررة
وباتت حوادث نقل الفلاحات تتكرر بصفة دورية، مما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الحقوقية، وضمن الفئات المهمشّة التي تفتقد لأبسط احتياجات الحياة من بنية تحتية وطرق ووسائل نقل آمنة ومياه وكهرباء، فضلاً عن انتشار البطالة. وقالت وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن نزيهة العبيدي إثر الحادث الأليم، إن دفتر الشروط المنظّم لنقل العاملين في القطاع الزراعي جاهز منذ العام 2016، إلا أن عدم تنقيح القانون عدد 33 من العام 2004 المتعلق بالنقل البري هو الذي عطل تنفيذ بنوده. كما تولت الوزارة إعداد الكراس وإرساله إلى كل الأطراف المعنية من وزارات وجمعيات مجتمع مدني لإبداء الرأي فيه. وأوضحت الوزيرة أنه أمام استحالة تنفيذ دفتر الشروط، تولّت الوزارة إعداد أوامر وإرسالها إلى المحافظين لمدّ خطوط النقل الريفي الآمن للفلاحات. وتعمل الوزارة على طلب عروض لتمكين الريفيات اللواتي يمتلكنَ رخص قيادة، لأخذ قروض في إطار مشروع "رائدة" لامتلاك سيارات لنقل العاملات أو للاستعانة بها في تنفيذ مشاريعهنّ الخاصة، علماً أن مشروع "رائدة" لدفع المبادرة الاقتصادية النسائية الذي أطلق في العام 2016 قدّم حتى اليوم 3155 مشروعاً.
ارتفاع نسبة حوادث السير
في سياق متصل، قالت رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة النائبة بشرى بلحاج حميدة، إن تونس مصنّفة من البلدان الأولى في الترقيم العالمي لحوادث المرور. وأشارت إلى أن أسباب الحوادث تعود إلى عدم تدخّل الأمن عندما يلاحظ الإفراط في السرعة، مشدّدة على غياب التنسيق بين المتداخلين في القطاع من وزارة المرأة والنقل ووزارة الداخلية والفلاحة والمنظمات الوطنية لتوفير النقل الآمن للنساء الريفيات.