Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قبل الذهاب إلى مجلس الأمن... كيف تفكر مصر وإثيوبيا؟

لم تعد الإشكالية استخدام القاهرة خيارا عسكريا أو لا إنما في تحريك المشهد التفاوضي

اقتربت أديس أبابا من تحقيق هدفها الاستراتيجي وبدأت الاستعداد للملء الثاني للسد (أ ف ب)

تزامن توجيه مصر رسالة إلى مجلس الأمن  وإخطاره بما جرى في إطار المفاوضات المصرية السودانية الإثيوبية، مع تحرك القاهرة على مسار أفريقي دولي. إذ يقوم وزير الخارجية المصري سامح شكري بجولة إلى عدة دول أفريقية لمحاولة نقل رسالة تحمل ما تم التوصل إليه في مفاوضات الكونغو الأخيرة وملابسات الطرح الإثيوبي، بخاصة أن القاهرة لم تتفاعل مع الطرح السوداني المباشر بالعودة إلى المفاوضات مرة أخرى والذي اصطدم في الكونغو بموقف إثيوبي مباشر، مما دعا القاهرة إلى إعادة تدوير خياراتها وحساباتها مجدداً.

كيف تفكر مصر؟

يبدو أنه ليس أمام مصر سوى الاتجاه إلى بناء مواقف أفريقية وعربية واضحة تجاه دعم الموقف المصري السوداني، بخاصة أن القاهرة ترى أن التوصل إلى اتفاق ممكن ومتاح إن تخلصت الحكومة الإثيوبية عن رفضها لأي خيارات سياسية للتفاوض بعد أن اقتربت أديس أبابا من تحقيق هدفها الاستراتيجي، وبدأت الاستعداد للملء الثاني للسد، بصرف النظر عن الموقف المصري وتصريحات شكري في مجلس النواب، والتي اعتبرها البعض قبولاً مصرياً غير مباشر بما يجري في ظل رسائل سابقة للوزير نفسه إلى الأمم المتحدة تتحدث عن مخاطر البناء وتداعياته السلبية على مصر، وهو أمر قد يكون في إطار التكتيك السياسي والاستراتيجي، ولا يندرج تحت مسمى الخداع الاستراتيجي.

إن الذهاب إلى الخيار التفاوضي مجدداً لا يتطلب إجراءات مصرية كالخروج من اتفاقية الإطار أو الإعلان عن تجمد المفاوضات رسمياً أو الخروج بموقف رسمي عن رفض التفاوض في ظل الموقف الإثيوبي، إنما الانتقال إلى الخطة "باء" لترتيب الأوراق المصرية، والتي تركز على استمرار محاولة محاصرة أديس أبابا سياسياً ودبلوماسياً من خلال الظهير الأفريقي أولاً، وكسب أكبر عدد من الدول المؤيدة بصرف النظر عن ثقلها والتي قد يراها البعض غير مؤثرة، ولن تفيد مصر باستثناء تونس الطرف الموجود في مجلس الأمن، والذي ستكون حركته مهمة ويمكن البناء عليها.

من الواضح أنه لم تعد القاهرة تثق في مواقف بعض الأطراف، فصحيح أن الموقف الروسي كان مهماً، على الرغم من أنه لن يمارس دوراً في الملف، أي لا يسعى للعب دور الوسيط، فإن مصر تحتاج إليه في مجلس الأمن. كما تحتاج إلى موقف فرنسا وبريطانيا وهناك مساحات للتفاهم يمكن أن تتم في المجلس بعيداً عن الموقفين الصيني والأميركي، اللذين سيعملان لمصالحهما واستثماراتهما الكبيرة وموقفهما الداعم للسياسة الإثيوبية بصرف النظر عما يجري في الداخل من تطورات سلبية قد تؤثر على الاستقرار العام في ظل محاولات رئيس الوزراء آبي أحمد توحيد بلاده تحت مشروع وطني كبير لتحقيق طموحات البناء والتنمية وتحويل النيل الأزرق لبحيرة إثيوبية والشروع في بناء سلسلة السدود الأخرى والإعلان عن مخطط تسعير المياه مقابل النفط، وهو ما كشف عنه وزير الخارجية الإثيوبي بعد فشل مفاوضات الكونغو.

 

مما لا شك فيه، فإن الذهاب إلى مجلس الأمن سيتطلب من مصر استراتيجية غير تقليدية ومواقف محددة وعرض أبرز المواقف الإثيوبية وعدم التذرع فقط بالاتفاقيات الحاكمة للحصص، إذ لم تعد أديس أبابا ملتزمة بما اتفق عليه. كما سيتطلب مراجعات سياسية حقيقية تركز على ما سيطرح في حال وصول إثيوبيا للملء الثاني، وهنا مكمن الخطورة المباشرة، بخاصة أن المساس بالحصة المصرية سيكون خطاً أحمر بالفعل ولن تصلح تصريحات شكري في تطمين الشعب المصري.

فالخطر وقتها قد يكون مؤجلاً ومطروحاً بقوة، وبالتالي فإن الحل المطروح هو الذهاب إلى خيارات حاسمة، إما بالشراكة في التشغيل وهو أمر مرفوض، وإما بوجود ضمانات دولية للعمل والمتابعة وهو أيضاً خيار رفضته إثيوبيا، وإما الدخول في اتفاق حول بنود الخلاف وأغلبها سياسية في المقاوم الأول، مما سيتطلب مراجعات سياسية واستراتيجية حقيقية في الفترة الراهنة.

هذا مع الأخذ في الاعتبار أن عنصر الوقت يمثل ضغطاً على القاهرة في التحرك على المسار الدولي، باعتبار تطورات ملف سد النهضة شأناً دولياً هو الأساس. لكن الموقف في مجلس الأمن ليس كما يتصور البعض، فالأمر معقد للغاية ومواقف الدول دائمة العضوية ليست واحدة، وبالتالي فإن مسارات التحرك ستتعدد، وقد يكون أحد الحلول المصرية الذهاب إلى مجلس الأمن مع احتمال توجيه ضربة عسكرية والتفاوض من داخل المجلس. ومن يطالع خطاب مصر إلى مجلس الأمن قد يقرأ ما بين السطور رسائل مهمة.

لم تعد الإشكالية هل ستستخدم مصر خياراً عسكرياً أو لا، إنما في تحريك المشهد التفاوضي لبعض الوقت ومحاولة الضغط على الجانب الإثيوبي لتقبل فكرة التفاوض الجدي بدلاً من الاستمرار في التفاوض المفتوح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قد تسعى القاهرة إلى التعامل مع بعض الخيارات غير الحاسمة والتي قد تعرقل مسار إنجاز الملء وتعطله، وهنا قد يكون التحرك من خلال خيارات شبه عسكرية، على أن يلي ذلك العودة للتفاوض من منطق القوة، بعد أن تتأكد أديس أبابا من احتمال استخدام القاهرة خيارات أخرى غير تفاوضية، بخاصة أن الجانب الإثيوبي قد يشتري الوقت ويذهب للملء قبل الموعد المحدد وفرض استراتيجية الأمر الواقع على الجميع.

كيف تفكر إثيوبيا؟

أطلق رئيس الوزراء الإثيوبي تصريحه للشعب الإثيوبي في المضي قدماً في خيار الملء وأنه لا توجد معوقات لإتمامه. وهو ما يشير إلى أن أديس أبابا لم تعد تطرح جديداً على الأرض، بل ما تزال تتشبث بموقفها مما قد يؤدي إلى نتائج غير محسوبة بخاصة مع الاستعدادات غير المسبوقة في الدفاع عن السد، وتوفير متطلبات الأمن الاستراتيجي، وهو إجراء قامت به إثيوبيا منذ عدة أشهر.

ومن المؤكد أيضاً أن الإدارة الأميركية تحديداً أحيطت بما يجري إثيوبياً وبما يخطط له الإثيوبيون، ومن المرجح أنهم حصلوا على ضوء أخضر بهذا الإجراء بدليل عدم تحرك الإدارة الأميركية، حيث لم تقدم جديداً بعد مفاوضات واشنطن واكتفت وزارتا الخارجية والخزانة بمتابعة ما يجري.

وهو ما يعني أن موقف واشنطن ماض في نهجه داعماً الجانب الإثيوبي على الرغم من أن تحول الأمر بأكمله لشأن دولي قد يجعل من هذا المشروع ساحة لصراع وتنازع روسي "إن رغبوا في هذا" من خلال مزيد من الضغوطات المصرية الحقيقية وإعادة ترتيب حسبة العلاقات وفق التكلفة والنفقة والعائد مع الإدارة الأميركية ضمن ملفات أخرى تجري في المنظومة الإقليمية والدولية الكبيرة، والتي قد تؤدي إلى حالة من الصراع وبما يدفع واشنطن لممارسة لعبة المقايضة السياسية التي يعمل عليها الجميع.

المؤكد أن الولايات المتحدة لا تريد الانخراط في مسلسل الأزمة الراهنة إلا وفق حسابات محددة في تقديرها بصرف النظر عن التأكيد على أن الجانبين المصري والإثيوبي حليفان كل في نطاقه، بخاصة أن الإدارة الأميركية الحالية لم توجه أي خيار للجانب المصري على غرار ما فعل الرئيس السابق دونالد ترمب، وهو ما يشير وبعمق إلى احتمالية أن تسعى الولايات المتحدة للحصول على مقابل من أي موقف قد تتبناه والاستثمار في إدارة الأزمة ما لم يكن هناك خيار واقعي للتحرك من خلاله، أو ضغوط مصرية من نوع آخر.

ومن المرجح ألا تقبل الحكومة الإثيوبية أي فرص للتوافق على أرضية جديدة يمكن من خلالها العمل وفق حسابات سياسية واستراتيجية، وبالتالي ستستمر في تسويق خيار الاتحاد الأفريقي والعمل من خلاله إلى حين الشروع في تنفيذ الملء الثاني. وحتى ذلك الحين، قد تسعى إثيوبيا إلى فصل الموقف السوداني عن المصري والشروع في خطوات مقبولة سودانياً في ظل خطاب إعلامي سوداني يقر بضرورة العمل عبر قنوات التفاوض مع الإقرار بعدم وجود خيار آخر.

ويبقى أن نشير إلى أن وزير الخارجية المصري سامح شكري قد أجرى اتصالاً مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قبل جولته الأفريقية الحالية، التي ضمت جزر القُمُر وجنوب أفريقيا والكونغو الديمقراطية والسنغال وتونس، استعرض خلاله آخر التطورات في ملف سد النهضة.

وأكد شكري ثوابت الموقف المصري الداعي إلى ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة. وهذا ما تضمنه خطاب مصر إلى مجلس الأمن في تأكيده أن عدم التوصل إلى اتفاق وإلحاق الضرر بمصالح دول المصب، وتعريض أمنها المائي للخطر سيؤدي إلى تصعيد التوترات في جميع أنحاء شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، وسيشكل تهديداً خطيراً للسلام والأمن الدولي.

من الواضح أن القاهرة تريد أن تنقل رسالتها إلى العالم مبكراً تحسباً لأي خيار. لكن في مقابل الطرح المصري جاء رد وزير الخارجية الإثيوبي، ديميكي ميكونين، برفض بلاده القاطع لأي محاولات رامية لإجبار أديس أبابا على القبول "باتفاقية استعمارية" مع مصر والسودان بشأن سد النهضة وأن ممارسة ضغوط غير لازمة عليها من خلال تسييس وتدويل هذا الملف عمداً لن تجبرها على قبول اتفاقية تعود إلى الحقبة الاستعمارية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل