Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المرأة في الجيوش العربية... قوة العسكر الناعمة (2)

الأجهزة الأمنية باتت تشجع انضمام النساء إليها من خلال الدورات التدريبية والندوات في محاولة لتغيير الثقافة المجتمعية

مجندات لبنانيات خلال التدريب (موقع الجيش اللبناني)

في الحلقة الأولى من هذا التحقيق، استقصت "اندبندنت عربية"، حضور المرأة في عدد من الجيوش العربية، إن  من ناحية القوانين الناظمة لهذا الحضور، أو من حيث رغبة النساء في الانخراط ضمن الأسلاك العسكرية... كذلك تقصى التحقيق المفاهيم التي كانت سائدة حول ضعف بنية المرأة الجسدية، وطبيعة تكوينها النفسي، ما يحول دون قيامها بدور عسكري فاعل، وهل ما زالت تلك المفاهيم تقف عقبة في هذا السبيل؟

وفي هذه الحلقة، الثانية والأخيرة من التحقيق، نواصل البحث عن الحضور الفعلي للمرأة في بعض الجيوش العربية، سواء في القطعات الميدانية أو في الهياكل الإدارية.  

انخراط مبكر للمرأة الأردنية في السلك العسكري

انخرطت المرأة الأردنية في الجهاز العسكري مبكراً منذ بداية خمسينيات القرن الماضي، حيث كانت القوات المسلحة الأردنية إحدى مؤسسات الدولة الرائدة في مجال فتح الأبواب أمام المرأة للعمل جنباً إلى جنب مع الرجل.
ولعبت المرأة الأردنية أدواراً ومهمات متعددة في الجهاز العسكري، وكانت البداية عبر التعليم في مدارس التربية والتعليم والثقافة العسكرية.
وظل عدد الإناث في المجال العسكري متواضعاً إلى حين تأسيس "كلية الأميرة منى" للتمريض عام 1962، حيث التحقن بالخدمة العسكرية برتب عسكرية، وعملن في الخدمات الطبية الملكية كضابطات وضابطات صف وأفراد، ومستخدَمات مدنيات.

اهتمام بالمرأة العسكرية

وبرز الاهتمام الأردني بحضور المرأة في الجيش من خلال تشكيل مديرية لشؤون المرأة العسكرية ترأسها الأميرة عائشة بنت الحسين، شقيقة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، التي تمثل نموذجاً لدور المرأة الأردنية في السلك العسكري، إذ التحقت بأكاديمية "ساندهيرست" العسكرية الملكية في المملكة المتحدة، لتكون أول امرأة في الشرق الأوسط تحصل على شارة طيار، ثم خدمت في صفوف القوات الخاصة.
وتتيح مديرية شؤون المرأة العسكرية الفرصة للنساء العمل في مواقع عمل جديدة كانت حكراً على الرجال.

ففي عام 1973، بدأ تجنيد عدد من الجامعيات كضابطات ومجندات للعمل في مديريات عدة كالمهن الإدارية، وسكرتيرات، وكاتبات، ومبرمجات حاسوب، ومدخلات معلومات، ومحاسبات، وفي مجال الإعلام والصحافة التابعة للقوات المسلحة.
كما تضم قائمة الوظائف الأعمال الهندسية والمشاريع الإنشائية،  إضافة إلى الخدمات الطبية الملكية من خلال عملهن كطبيبات وممرضات وموظفات إدرايات، وفي المهن الطبية المساندة وإدارة المستشفيات.
في عام 1962، تأسست كلية الأميرة منى للتمريض بهدف إعداد وتأهيل الفتيات الأردنيات للعمل في مجال الخدمات الطبية التمريضية والمهن الطبية المساعِدة. وتم تخريج الفوج الأول وتجنيد عناصره برتبة ملازم عام 1965، وكان عددهن آنذاك 8 مجندات فقط. لكن المجالات الأكثر التصاقاً بالعمل العسكري التي أُتيحت للمرأة الأردنية في وحدات الميدان، كانت العمل كقائد سرية وفصيل ومدرِّبة في الشرطة العسكرية والحرس الملكي الخاص، والكلية العسكرية الملكية، والاتحاد الرياضي العسكري. إضافة إلى القضاء العسكري، والأمن العسكري، وقيادة القوة البحرية، ومديرية القيادة والسيطرة والاتصالات، ومديرية الاستخبارات العسكرية، والسيطرة الجوية والشرطة الجوية، والقوات البحرية.

مهمات خارج الحدود

ولم يقتصر دور المرأة الأردنية عسكرياً على الداخل، بل تعداه إلى مهمات خارجية من خلال مشاركة ضابطات ومجندات القوات المسلحة مع قوات حفظ السلام والمستشفيات الميدانية، كالعمل في قيادة القوة الأردنية في ليبيريا، والمشاركة مع القوة الأردنية في أفغانستان، إضافة إلى العمل في قيادة القوة الأردنية في الكونغو. لكن عددهن لم يتجاوز 40 امـرأة، ضمن قوات حفظ السلام الأردنية التي وصل عددها إلى 61 ألفاً خلال السنوات العشر الأخيرة، وهو رقم يعتبره مراقبون متواضعاً.

نسبة متواضعة

ويحتل الجيش الأردني المرتبة 72 على قائمة أقوى جيوش العالم التي تضم 133 دولة، وفقاً لموقع "غلوبال فير بور" الأميركي. ويشمل سن الخدمة العسكرية في الأردن نحو 2.8 مليون نسمة، فيما يبلغ عدد أفراد القوات المسلحة الأردنية بحسب إحصاءات عام 2019، حوالى 200,000 جندي، منهم 100,000 في الخدمة الفعلية والباقي من أفراد الاحتياط.
ومــع توســيع أدوار الإناث فــي عام 2006، ازداد عــددهن فــي المؤسســة العســكرية الأردنية، ووصل عدد اللواتي كن يؤدين الخدمة بالزي الرسمي في الأردن إلى 4882 من بين حوالى 100،500 مجند وضابط في القوات المسلحة الأردنية، وحتى عام 2019 شكلت النساء ما نسبته 1.5 في المئة من إجمالي القوات العسكرية باستثناء الخدمات الطبية.

 الشرطة النسائية

في عام 1972، أُسست أول مدرسة لتدريب الشرطة النسائية، وكانت البداية بتدريب 6 فتيات شكلن النواة للشرطة النسائية، ليتحول بعد سنوات إلى معهد لإعداد وتأهيل الشرطة النسائية.

وفي عام 1990، تطور دور الشرطة النسائية لتتولى الادعاء العام بمنصب مدع عام منتدَب، ثم مديراً لمركز إصلاح وتأهيل النساء، وإدارة المركز كاملاً من الكادر النسائي.
وتشارك الشرطة النسائية بدور فاعل أيضاً بتنظيم حركة المرور من خلال عملها في إدارة السير، فضلاً عن دورها في إدارة البحث الجنائي والشرطة السياحية وإدارة المخدرات.

المرأة اللبنانية كسرت الحواجز

ولطالما أثار موضوع انخراط المرأة اللبنانية في المجالات العسكرية والأمنية إشكالية للمجتمعات الذكورية التي ترى أن هذه المناصب مقتصرة فقط على الرجال، وأن اللباس العسكري يفقد المرأة أنوثتها، إذ إن عناصر الهيبة والقوة مرتبطة بالعنصر الذكوري فقط في لبنان، لكن المرأة استطاعت أن تكسر الحواجز والصورة النمطية من خلال تبوئها مناصب في الأمن والجيش، ففي حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2019، عينت ريا حفار الحسن كأول امرأة تستلم منصب وزيرة الداخلية والبلديات في تاريخ الجمهورية اللبنانية والعالم العربي. ولأول مرة أيضاً، تم تعيين وزيرة للدفاع ونائب رئيس الوزراء في حكومة الرئيس حسان دياب لعام 2020 وهي الوزيرة زينة عكر. وعلى الرغم من مشاركة العنصر النسائي في هذه المجالات، فإن عددهن لا يزال منخفضاً مقارنة مع عدد الذكور.

وفي هذا السياق، تستذكر وزيرة الداخلية السابقة في لبنان ريا الحسن أول رد فعل عندما جاء خبر تعيينها لهذا المنصب، وتقول: "عندما طرح الرئيس سعد الحريري تسلمي حقيبة الداخلية تهيبت وكان أول رد فعل لدي هو الشعور بالخوف من هذا المنصب الحساس. صحيح أنني كنت أول امرأة تتبوأ مهام وزارة المالية في عام 2009 ولكن كانت المهام في حينه من صلب خبراتي في الملفين المالي والاقتصادي. إنما في وزارة الداخلية، الأمر اختلف. فقد حدا بي الطابع الأمني الذي تتحلى به الداخلية إلى أن أتهيب من الموقف وولد عندي شكوكاً في البداية عن كيفية تعامل الأجهزة الأمنية معي كوني أول امرأة تتسلم حقيبة الداخلية في العالم العربي. ولكن آلية التنسيق التي وضعتها كانت صالحة ومثمرة. إذ نجحت في كسب ثقتها، ولمست لاحقاً أن هذا التهيب الذي شعرت به عند تسلمي مهام الوزارة لم يكن في محله أبداً. وهنا ترسخت لدي قناعة هي أنه لا يوجد ما يعيق المرأة، ليس لبنانياً فقط إنما في العالم العربي أيضاً في أي وزارة كانت سابقاً حكراً على الرجل".

الإصلاح الإداري والتحديات

أما عن التحديات التي واجهتها في وضع خطة عمل واضحة، تؤكد أنه "كان همي الأول أن تأخذ الوزارة دورها الحقيقي في إرساء قواعد إصلاحية معينة. لكن للأسف التجربة كانت قصيرة جداً وحافلة بالتحديات لأن الجزء الأكبر منها تقاطع مع انطلاق الثورة في أكتوبر (تشرين الأول) 2019". وترى أن "المرأة تملك نفساً إصلاحياً وتنموياً يمكنها من مقاربة كل الملفات المرتبطة بذلك بوعي وحكمة، وأن تجعل مما تنفذه يلامس مباشرة حاجات المجتمع ككل"، لافتة إلى أن التحدي الأكبر الذي واجهته كان "عند انطلاق ثورة 17 أكتوبر وهو التحدي نفسه الذي كان سيواجهه أي وزير للداخلية، رجلاً كان أم امرأة"، معتبرة أن "أي ثورة تنطلق في أي بلد في العالم سيكون موقف وزير الداخلية حساساً جداً. فمن جهة تلقى عليه واجبات ضبط الأمن والمحافظة على الممتلكات العامة والخاصة، ومن جهة أخرى عليه حماية المحتجين والمحافظة على حقهم في التعبير عن رأيهم في الشارع".

وعن تعاطيها مع المحتجين تقول: "لقد كانت بداية الثورة سلمية وقررت المحافظة على سلميتها من خلال ترك الثوار في التعبير عن رأيهم في الشارع. ولكن في وقت لاحق، تم العبث بأهداف الثورة خلال امتزاجها مع جهات أخرى غير سلمية. بناء على ذلك، تكوّن لدى الرأي العام صورة خطأ، وهي أن وزارة الداخلية أو الأجهزة الأمنية التابعة لها كانت تقوم بعمل عدائي ضد الثوار". وتؤكد أن "العمل لم يكن عدائياً على الإطلاق، إذ أصررنا على المحافظة على الثوار السلميين، لكننا أجبرنا أن نتعاطى بحزم مع أولئك غير السلميين"، مشيرة إلى أنه في ظل هذا الالتباس، "تعرضت شخصياً للعديد من حملات التشهير وخصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان الجزء الأكبر منها سياسياً، وقد أخذ الهجوم اللاذع ضدي طابعاً متحيزاً ضد المرأة، وهو ما يؤكد أن بعض فئات المجتمع لا تزال تستخدم البعد الجندري في محاولة منها لتهميش صورة المرأة وتشويهها في تبوء مواقع مهمة أمنياً".

دور المرأة في الأمن

وعن دور المرأة في الأمن عموماً وأهمية وجودها في الأمن الداخلي خصوصاً، تعتبر أن "التنوع الجندري أمر ضروري في أي عملية صنع قرار أو في أي موقع لأنه يضفي غنى ويعكس حاجات المجتمع بأكمله وليس جزءاً منه"، مشيرة إلى أن "حكومة الحريري كانت أول الداعمين لقرار الأمم المتحدة رقم 1325 حول المرأة والسلام والأمن. وهي من أقر أول خطة عمل لوضع القرار الأممي حيز التنفيذ في لبنان. وأنا كنت من أول الداعمين لهذا القرار من منطلق أن المرأة يجب أن يكون لديها دور في صنع القرار في كل المجالات وخصوصاً في ما يتعلق بالأمن والسلام. فقد أثبتت التجارب أنه عندما تكون النساء جزءاً من صانعي القرار تتراجع الصراعات بشكل ملموس"، مشددة على ضرورة "وضع خطة العمل اللبنانية حيز التنفيذ بكافة بنود هذا القرار".

تطوير هذا الدور

وعن التوصيات التي وضعتها من ضمن خطة العمل هذه بهدف تطبيقها، تشير إلى أنها تمحورت خصوصاً حول "وجوب زيادة تطويع المزيد من النساء لتعزيز وضعهن في الأجهزة الأمنية وأن يتم تدريبهن باستمرار لتسلم هذه المواقع. علماً هنا أن أحد أهم الملفات التي عملت عليها في الوزارة هو مكافحة العنف الأسري والجندري، وكانت تعليماتي واضحة عند قوى الأمن الداخلي بأهمية هذا الملف، وأن توضع له آلية للتعاطي مع هذا النوع من الجرائم، وتوفير الحماية الكافية للنساء اللاتي يتعرضن للعنف، وزيادة أعداد النساء في تلقي الشكاوى".

شروط انتساب المرأة للسلك العسكري في فلسطين

إلى ذلك اعتاد الفلسطينيون على رؤية رجل بلباس قوات الأمن، سواء كان شرطياً يقف وسط الشارع لينظم المرور، أو ضابطاً في الجمارك أو الأمن الوطني، لكن رؤية فتاة بلباس شرطي تنظم السير أو تحرر مخالفة ما أو تمتطي الخيل في إحدى جولات الخيالة، أو تقف على حواجز المحبة بين المحافظات الفلسطينية خلال فترة منع التنقل التي رافقت انتشار فايروس كورونا وحال الطوارئ المفروضة، أمر غريب ومستهجن في بعض المناطق الفلسطينية.

يقول المتحدث باسم الشرطة الفلسطينية العقيد لؤي ارزيقات إن غياب المرأة الفلسطينية عن القوات الشُرطية خلال السنوات الماضية كان بسبب نظرة المجتمع التي تحصر هذه الوظيفة بالرجل، على الرغم من أن القانون المتعلق بتوظيف الكوادر الأمنية لا يمنع النساء من المشاركة في أي جهاز.

ويضيف أن نسبة الإناث في تزايد، "فبعد أن كانت واحداً في المئة خلال السنوات الماضية، أصبحت ستة في المئة، وبعضهن يتقلد مناصب قيادية، كمديرة إدارة حماية الأسرة في جهاز الشرطة، ومديرة فرع المرور في محافظة قلقيلية، ومديرة أحد مراكز الإصلاح والتأهيل، ومديرة الخدمات الطبية العسكرية الفلسطينية الذي يعتبر من الأجهزة العسكرية الحساسة، إضافة لوجودهن في دوائر أخرى مثل مكافحة المخدرات وإدارة الحراسات والسجون ومدربات في الكليات الشرطية وغيرها.

ويوضح ارزيقات أن شروط انتساب المرأة للشرطة لا تخضع للمعايير المجتمعية التي ترى أن هذه المهنة خطرة على النساء أو تسيء إليهن، بل تعتمد على المعايير المعتمدة ذاتها في توظيف الرجال مثل التسجيل لدورة شرطية، وفحص القدرات والمؤهلات العلمية والطول والوزن والكفاءة والقدرة على التحمل وغيرها.

لا وجود لمسمى "شرطة نسائية"

يجري استخدام مصطلح "الشرطة النسائية" في بعض الدول للإشارة إلى الشرطيات، ولكن هذا المسمى ألغي قبل سنوات في فلسطين، وتم إنشاء وحدة النوع الاجتماعي التي تعنى بالذكور والإناث على حد سواء، فمن وجهة نظر الشرطة، هذا المصطلح يجسد الاختلاف بين الرجال والنساء.

وعلى الرغم من أن الأجهزة الأمنية باتت تعمل على تشجيع انضمام النساء إليها من خلال الدورات التدريبية والندوات في محاولة لتغيير الثقافة المجتمعية، إلا أن النسبة تبقى منخفضة لأسباب عدة، إذ إنه ليس من السهل على الفتيات دخول هذا المجال. وتقول إحدى الفتيات إنها كانت تحلم منذ الصغر بالانتساب للشرطة، ولكن رغبتها قوبلت برفض من الأهل والأقرباء، بدعوى أن المجتمع والثقافة المحيطة لا تحبذ هذا الأمر وتنظر إليه بدونية، لأن هذه المؤسسة للذكور وليست للإناث، إضافة إلى خوف عائلتها من تعرضها لأية مضايقات خلال عملها.

الانتساب للشرطة حرية أم يخدش الحياء؟

تختلف وجهات النظر في انضمام المرأة للأجهزة الأمنية، فالبعض يرى أن وجود العنصر الأنثوي في الشرطة ضروري وإجباري في القانون، بخاصة حين يتعلق الأمر بالتفتيش سواء في المنازل أو عند السفر أو على الحواجز، لأنه من غير المحبذ أن يقوم شرطي بتفتيش سيدة أو فتاة، كما أن هناك من يفضل أن يقدم الشكوى لسيدة لأنها قد تظهر تعاطفاً أكبر، إضافة إلى أن هذه فرصة للفتيات لاكتساب خبرات جديدة وتطوير شخصيتهن وزيادة قدرتهن على التعامل مع العديد من القضايا، وأن الانتساب من عدمه يجب أن يكون قرار الفتاة لوحدها.

أما الرافضون لوجود الشرطيات، فيرون الأمر امتهاناً لكرامة المرأة ومساساً في أنوثتها، فليس من المتقبل لديهم أن تشارك الإناث في فض الاعتصامات أو القبض على تجار مخدرات أو لصوص، لأن في ذلك خطر على حياتهن، كما أن البعض يرفض لطبيعة العمل ومتطلباته، مثل الحضور في ساعات متأخرة في دوريات تفتيش على سبيل المثال.

المزيد من تحقيقات ومطولات