Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنانيون يستبدلون البطاطس بالحشيشة لمواجهة الأزمة الاقتصادية

كلفة زراعتها متدنية ومردودها أفضل إذ تباع وفق سعر الدولار في السوق السوداء

خلال نحو 30 عاماً، زرع أبو علي البطاطس بأرضه في شرق لبنان، لكن في ظل الانهيار الاقتصادي المتسارع وتداعياته على القطاع الزراعي الضعيف أساساً، استبدل البطاطس بنبتة أكثر شهرة في المنطقة، الحشيشة.

ويقول أبو علي (57 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية عبر الهاتف، "لا محبة بالحشيشة، لكن كلفة زراعتها أقل ويسمح إنتاجها بحياة كريمة لنا".

زراعة سهلة وغير مكلفة

منذ عقود، تزدهر زراعة الحشيشة في منطقة البقاع، على الرغم من حظرها من قبل السلطات التي أقرت في أبريل (نيسان) 2020 قانون تنظيم زراعة القنب الهندي للاستخدام الطبي فقط، على اعتبار أن من شأن ذلك أن يوفر مئات ملايين الدولارات للخزانة، لكنه لم يدخل التنفيذ بعد.

ومع تسارع الانهيار الاقتصادي المتواصل منذ أكثر من عام ونصف العام، قرّر مزارعون صغار في المنطقة أن يحذوا حذو معارفهم، وأن يبدأوا بدورهم زراعة الحشيشة، لكن كثيرين منهم يخشون التحدث عن الموضوع خشية الملاحقة الأمنية.

ويقول أبو علي الذي بدأ عام 2019 بزراعة الحشيشة في أرضه في منطقة بعلبك، "كنت أزرع البطاطس بكميات كبيرة والحمص والفاصولياء، لكنها زراعة خاسرة" اليوم.

أما الحشيشة فأمرها سهل، خصوصاً أنها "بعكس الزراعات الأخرى، لا تحتاج إلى أسمدة ومواد كيماوية"، وباتت تباع بالدولار أو بحسب سعر الصرف في السوق السوداء، الذي تخطى عتبة 12 ألف ليرة للدولار الواحد.

 

مدخول متوسط

ويتحدث أبو علي، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، عن فلاحين اضطروا لبيع منازلهم أو أراضيهم لسداد ديون تراكمت عليهم للمصارف أو حتى للمرابين. ويقول الأب لطفل يبلغ 11 عاماً، "حين كنا نزرع البطاطس لم يكن بوسعنا حتى شراء المازوت لنتدفأ خلال فصل الشتاء".

أما اليوم، فينتج في الموسم نحو 100 كيلوغرام من الحشيشة التي يزرعها على أرض تمتد مساحتها على 20 دونماً.

ويتوقف سعر كيلو الحشيشة على جودتها، ويتراوح بين 1 و5 ملايين ليرة، أي بين أقل من 100 و416 دولاراً، بحسب سعر الصرف في السوق السوداء.

ويقول أبو علي، "لا أعيش بترف، لكني بتّ متوسط الدخل وقادر على إعالة أسرتي".

لبنان الرابع عالمياً

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتزرع الحشيشة مطلع الربيع وتحصد في سبتمبر (أيلول). وتجفّف بعدها تحت أشعة الشمس قبل أن يتم تبريدها، ثم "دقها" أو طحنها في معامل صغيرة في منطقة البقاع.

وفي بلدة اليمونة القريبة من بعلبك، يدافع أصحاب الأراضي عن زراعة الحشيشة التي تحقق لهم مداخيل كثيرة.

ويقول نائب رئيس البلدية، حسين شريف، "تخلى مزارعون كثر في منطقة بعلبك الهرمل عن زراعات أساسية وباتوا يزرعون الحشيشة، لأن كلفتها أقل، ويحققون ربحاً بغض النظر عن سعر البيع".

ويُعد لبنان، وفق الأمم المتحدة، رابع منتج لعجينة الحشيشة في العالم، بعد أفغانستان والمغرب وباكستان. ويجد المنتج اللبناني بشكل أساس أسواقاً له في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً في سوريا والأردن ومصر وإسرائيل وقبرص وتركيا.

وبغض النظر عن عدم قانونيتها، يُزرع اليوم 40 ألف هكتار من الأراضي على الأقل بالحشيشة في لبنان، وفق تقرير لمكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة عام 2020.

القوانين تنتظر الحكومة

وفي خضم الانهيار الاقتصادي، أقرت السلطات قبل سنة تشريع زراعتها للاستخدام الطبي حصراً، بأمل أن يتيح ذلك إدخال عملة صعبة إلى البلاد عبر بيع الزيت المستخرج من الحشيشة، لكنه لم يطبق بعد في ظل شلل في المؤسسات وأزمة سياسية واقتصادية ضخمة.

ويشرح وزير الزراعة، عباس مرتضى، أنه كان مفترضاً أن يحقق القنب الهندي مدخولاً بقيمة 350 مليون دولار في السنة الأولى، على أن "نصل إلى مليار دولار" بعد خمس سنوات. ويضيف، "نحن بحاجة ماسة لأن تتشكل حكومة حتى نشكل هيئة ناظمة تصدر عنها المراسيم التطبيقية".

وتدير البلاد منذ أكثر من ثمانية أشهر حكومة تصريف أعمال، في انتظار أن تتفق الأطراف السياسية الرئيسة الغارقة في سجالات وانقسامات، على حكومة جديدة.

ويتحدث وزير الزراعة اليوم عن تعاون مع مؤسسات المجتمع الدولي من أجل إنعاش "قطاع عانى إهمالاً على مدى عشرات السنين".

دعم دولي للزراعة

وكسائر القطاعات اللبنانية، لم تسلم الزراعة من تداعيات الانهيار الاقتصادي. وتتحدث منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) عن "تراجع كبير" في الإنتاج الزراعي العام الماضي، وفق تقديرات غير رسمية حصلت عليها.

ويقول ممثل المنظمة في لبنان موريس سعادة، "قد يسوء الوضع أكثر في عام 2021"، مشيراً إلى ارتفاع أسعار المواد التي يستخدمها المزارعون مثل السماد والبذور. ويتحدث عن مزارعين "يغرقون أكثر وأكثر في الديون"، وآخرين توقفوا عن العمل أساساً أو يستخدمون "بذوراً قديمة وبالتالي ينتجون محصولاً أقل".

ولتشجيع الزراعة، ستوزع المنظمة على نحو 30 ألف مزارع مبلغ 300 دولار لكل منهم لمساعدتهم في شراء المواد الأولية اللازمة، لكن بالنسبة لكثيرين لم يعد هناك طريق للعودة إلى الخلف، ففيما الزراعات التقليدية تخسر تبقى الحشيشة هي الحل.

وفي عام 2018، وبعد أكثر من 20 عاماً من زراعة البطاطس، قرر محمد (60 عاماً) أن الوقت حان لكسب المزيد. ويقول، "خربت زراعة البطاطس بيتي، تعود علي بالربح لعام واحد، وأخسر منها ثلاثة أعوام، أما زراعة الحشيشة فلا خسارة فيها".

ويزرع محمد الذي استخدم اسماً مستعاراً، 10 دونمات من أرضه بالحشيشة. ويمد جيرانه بالمياه من بئر جوفي لديه مقابل أن يحصل على جزء من إنتاجهم من الحشيشة أو مقابل مادي. ويقول، "لولا زراعة الحشيشة لما وجد الناس ما يأكلونه".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير