Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تشديد الرئيس التونسي على قيادته للقوات المسلحة يثير ردودا متباينة

ينتظر البعض ترجمة سعيّد لوعوده بمحاربة الفساد بينما يخشى آخرون احتكاره السلطات

سعيد ملقياً كلمته خلال الاحتفال بعيد قوى الأمن الداخلي (موقع الرئاسة التونسية)

أثار خطاب الرئيس التونسي قيس سعيّد يوم الأحد 18 أبريل (نيسان) الحالي، خلال الاحتفال بعيد قوات الأمن الداخلي، بحضور رئيس الحكومة هشام المشيشي ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، الذي تضمن تأكيداً على أن رئيس الدولة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية والمدنية، جدلاً سياسياً ودستورياً، رافقته مخاوف من تبعات احتكاره لكل السلطات في بلد يعيش أزمات على مختلف الأصعدة.
وتباينت ردود الفعل القانونية والسياسية، حول قراءة سعيّد لما ورد في نص الدستور حول مفهوم القائد الأعلى للقوات المسلحة، بين مَن يرى أنها قراءة سليمة للدستور، ومَن يعتبر أنها قراءة لا أساس دستورياً لها.

فهل ينوي قيس سعيّد فعلاً الإمساك بكل السلطات؟ وما هي الرسائل التي أراد إيصالها من خلال التذكير بأنه القائد الأعلى لكل القوات الحاملة للسلاح المدنية والعسكرية؟

قيادة القوات المسلحة

وقال الرئيس التونسي في الكلمة التي ألقاها في افتتاح الاحتفال، "جئتكم بالنص الأصلي للدستور الأول الذي ختمه الحبيب بورقيبة، وجئتكم بالدستور الحالي، رئيس الجمهورية يتولى القيادة العليا للقوات المسلحة". وأضاف أن ''رئيس الدولة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية والمدنية، فليكن هذا الأمر واضحاً بالنسبة إلى كل التونسيين في أي موقع كان. لا أميل إلى احتكار هذه القوات لكن وجب احترام الدستور''.

ورأى متابعون للشأن العام في تونس في تأويل سعيّد لنص الدستور بهذا الشكل، أنه نوع من توسيع الصلاحيات باستغلال غياب المحكمة الدستورية، بينما تشهد البلاد أسوأ أزمة سياسية واقتصادية، ويعاني التونسيون شظف العيش بسبب التداعيات الوخيمة لفيروس كورونا.

قراءة سليمة للدستور

واعتبر أستاذ القانون، الباحث في القانون الدستوري رابح الخرايفي، أنه "في غياب المحكمة الدستورية فإن مهمة تأويل الدستور مناطة برئيس الجمهورية". وأكد الخرايفي أن "قراءة قيس سعيّد لعبارة القوات المسلحة الواردة في دستور عام 2014، وعلاقتها بصلاحياته، هي قراءة سليمة، على اعتبار أن الدستور لم يتحدث صراحة عن الجيش".

وأشار الباحث في القانون الدستوري إلى أن "اللهجة الحادة التي تحدث بها رئيس الجمهورية، تفيد بأنه قد يذهب إلى مرحلة الفعل في مقاومة الفساد، وفي وضع حد للإفلات من العقاب، من خلال محاسبة النواب الفاسدين الهاربين من العدالة، والمتمتعين بالحصانة"، مذكراً بأن "القضاء تقدم بـ 54 مطلباً منذ عام 2015، لرفع الحصانة عن نواب إلا أن البرلمان لم يستجب لأي طلب".

الجمهورية الثالثة هي الحل

وبخصوص عبارة "المصاهرة" التي استخدمها رئيس الدولة، أكد الخرايفي أن المقصود بها هو صهر رئيس البرلمان راشد الغنوشي، وزير الخارجية الأسبق، رفيق عبد السلام. واعتبر أن "قانون الطوارئ يمكّن رئيس الجمهورية من صلاحيات واسعة"، مستحضراً استدلال قيس سعيّد، بمقولة الشاعر امرئ القيس، بتصرف، مخاطباً الجميع، قائلاً، اليوم صبر وغداً أمر".
واعتبر الباحث في القانون الدستوري، أن "الحل في تونس هو الجمهورية الثالثة، من خلال تنقيح عميق للدستور، واستعجال النظر في القوانين المرتبطة بالعملية الانتخابية".
 

الدستور فصل بين القوات الأمنية والعسكرية

في المقابل، أكدت أستاذة القانون الدستوري في الجامعة التونسية، سلسبيل القليبي أن "التأويل الذي قدمه رئيس الجمهورية، لا أساس له في الدستور، لأنه استند إلى أن القوات المسلحة تشمل كل القوات الحاملة للسلاح، بجميع أصنافها، بينما نسي رئيس الجمهورية، الفصول 17 و18 و 19 من الدستور التي تتحدث بكل وضوح عن الفصل بين قوات الجيش وقوات الأمن". وأضافت "لو أن عبارة القوات المسلحة تعني الأمن والجيش لتم وضعهما في ذات الفصل، إلا أن التقسيم واضح حيث تم إفراد كل نوع من هذه القوات بفصل خاص بها في الدستور".

وأكدت القليبي أن "الفقه الدستوري التونسي يعتمد عبارة القوات المسلحة التي تحيل إلى القوات العسكرية، أما قوات الأمن فهي قوات مدنية حاملة للسلاح، وليست قوات عسكرية".

من جهة أخرى، شددت القليبي على أن "الدستور ضبط صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، الذي يعين الوزراء، وهو مَن يقيلهم، واستثنى الدستور وزيرَي الدفاع والخارجية، حيث يكون رئيس الحكومة مجبراً على التشاور مع رئيس الجمهورية في تعيينهما وإقالتهما، مضيفةً "لو أن عبارة القوات المسلحة تعني الجيش والأمن لتمت إضافة وزير الداخلية إلى وزيرَي الدفاع والخارجية، للتشاور مع رئيس الدولة قبل تعيينه أيضاً".

تصريحات خارجة عن السياق  

في المقابل، اعتبر رئيس الحكومة، هشام المشيشي، أن تصريحات سعيّد "خارجة عن السياق ولا موجب لها"، مضيفاً "نحن في حاجة إلى خطاب يمنح التونسيين الثقة ويجمعهم في هذا الظرف الصعب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


خطاب يستهدف "النهضة"

وألقى خطاب الرئيس التونسي بظلاله على المشهد السياسي، حيث استنكرت حركة النهضة ما جاء فيه. واعتبر الناطق الرسمي باسم الحركة، فتحي العيادي، أن "خطاب قيس سعيّد مهدداً للسلم الأهلي"، معتبراً أنه "غير موفق، ولا يجمع التونسيين بل يفرقهم".

وعبر العيادي عن التخوف من الصدام أو الحرب الأهلية، معتبراً أن خطاب سعيّد "يستهدف حركة النهضة بشكل مباشر".

واعتبر الناطق الرسمي لحزب "قلب تونس" محمد الصادق جبنون، أن "رئيس الجمهورية لا يزال يستغل غياب المحكمة الدستورية لبسط سلطته على كل مؤسسات الدولة من خلال احتكار تأويل الدستور".


قطع الطريق أمام تعيينات مشبوهة

في المقابل، اعتبر زهير المغزاوي الأمين العام لـ"حركة الشعب"، أن "رئيس الجمهورية قدم قراءة للدستور"، معتبراً أن "الأهم من هذه القراءة، هو ردة فعل أحزاب سياسية عدة، فقيس سعيّد لم يُشهر في وجوههم السلاح، بل أشهر الدستور". ولفت المغزاوي إلى أن "خطاب قيس سعيّد قطع الطريق، على عدد من التعيينات المقبلة في وزارة الداخلية، التي تحوم حولها الشبهات".

وكان سعيّد أكد خلال زيارة مفاجئة إلى وزارة الداخلية، ليلة رأس السنة الميلادية الماضية، وبحضور قيادات أمنية، أنه "القائد الأعلى للقوات العسكرية والأمنية".

وأثار خطاب الرئيس التونسي جدلاً سياسياً واسعاً، بينما ينتظر التونسيون ترجمة تهديداته للطبقة السياسية، بمحاربة الفساد ووضع حد للإفلات من العقاب، إلى حقائق ملموسة.

المزيد من العالم العربي