Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحدي استقرار دارفور وضمان العيش الآمن لسكانه أمر صعب المنال

تسببت النزاعات المتكررة منذ أكثر من عقدين بنزوح أكثر من مليون شخص بعيداً عن مناطقهم

تبلغ مساحة إقليم دارفور حوالى 493 ألف و180 كيلومتراً مربعاً (رويترز)

ارتبط إقليم دارفور لدى كثيرين، بأنه ساحة للحرب والنزاعات التي لا تهدأ لها بال، إذ ظل لسنوات طويلة يواجه صراعات إثنية وعرقية حول ملكية الأرض وحقوق الرعي بين القبائل العربية ذات الطابع البدوي، والمزارعين من القبائل الأفريقية وهي قبائل الفور، والمساليت، والزغاوة.
وتسببت هذه النزاعات المتكررة منذ أكثر من عقدين بنزوح أكثر من مليون شخص بعيداً عن مناطقهم الأصلية، سواء في المخيمات القريبة من المدن الرئيسة أو الهجرة إلى دول الجوار بخاصة تشاد، بحكم قرب المسافة والتداخل القبلي، فضلاً عن قتل أكثر من 300 ألف شخص حسب تقديرات الأمم المتحدة. لكن ما هو أثر الجهود والمحاولات التي تُبذل لإنهاء هذه النزاعات، وما الوصفة السحرية والحقيقية لعدم تكرارها وبلوغ هذا الإقليم الاستقرار التام، وعيش سكانه في مأمن كما كان في السابق؟

تدخلات وتراكمات

يوضح الباحث السوداني في الشؤون العسكرية اللواء مهندس ركن أمين إسماعيل مجذوب، أن "الحديث عن أزمة دارفور بكل أشكالها، يحتاج منا أن نلقي الضوء على الأسباب الرئيسة لنشوء هذه الصراعات التي ظلت هاجساً يؤرق حياة المجتمع الدارفوري، وهي تتلخص في صراع من أجل الموارد نظراً لشحها، سواء كانت مياهاً، أو مراعي، أو مناطق إقامة وصراع بسبب الحواكير (الأراضي)، فهناك حواكير تتبع لمناطق وقبائل وعُمَد وشيوخ بعينهم، وهو إجراء تم تحديده منذ عهود السلطنات القديمة في دارفور، وهناك صراع بسبب التدخلات السياسية، حيث إن الإدارة الأهلية فقدت دورها الأساسي القائم على الحيادية، وأصبحت جزءاً من العملية السياسية ومؤثراً فيها، فضلاً عن صراع التدخلات الإقليمية والدولية، إذ أصبح إقليم دارفور مكان تنازع ومحاولة لبسط النفوذ من قبل فرنسا لمجاورته دول فرانكفونية، وكذلك إسرائيل لاعتبارات تتعلق بالمفاهيم التوراتية، واعتقادها بأن هناك مناطق دينية لها علاقة باليهودية، إضافة إلى تدخلات من جانب ألمانيا منذ ستينيات القرن العشرين، بسبب وجود موارد ومعادن بعينها تهم الألمان في ذلك الوقت وحتى الآن، إلى جانب تدخلات من تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى بسبب التداخل القبلي والمصالح المشتركة بين هذه المجموعات القبلية، وأخيراً صراع الطموحات لبعض القبائل بخاصة الفور والزغاوة والعرب بإقامة دويلات أو نفوذ لها".
وتابع مجذوب قائلاً إن "هذا الصراع متجدد، ومتجذر، ومتراكم، إذ لا تمر أشهر عدة، ويندلع الصراع في منطقة من مناطق الإقليم، فقديماً كانت الصراعات في هذا الإقليم تحدث كل 50 أو 100 عام، حيث يحدث تغيير ديموغرافي بسبب صراع مجموعة سكانية مع أخرى، ما يؤدى إلى إبعاد تلك المجموعات لتسكن مجموعات جديدة، ويحدث نوع من التصاهر والتزاوج والانصهار بين تلك المجموعات،  بالتالي تختفي الصراعات لسنوات طويلة، لكن نلحظ أنه مع قيام الحكم الوطني في السودان وتحديداً في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري (1969- 1985)، ازدادت الصراعات القبلية في دارفور، وأسهم في تأجيجها واشتعالها انتشار ثقافة السلاح في أيدى الأفراد بطريقة عشوائية، إضافة إلى عدم محاسبة مرتكبي الجرائم في تلك الصراعات بتدخل القبيلة بدفع الديات، كما نجد أيضاً أن النظام السابق كان له دور في زعزعة الأمن في هذا الإقليم من خلال دعم قبائل ومجموعات إثنية بعينها ضد أخرى، لذلك أصبح الصراع القائم حالياً صراعاً عرقياً وإثنياً".

بسط العدالة

وزاد الباحث السوداني أن "سبل علاج هذا الوضع، تكون في الغالب عن طريق الإدارات الأهلية في الإقليم، وذلك من خلال عقد مجالس ولجان ومؤتمرات للمصالحة، وتدخل المسهّلين والوسطاء، فضلاً عن أصحاب الحل والعقد، فهذه المجموعات الثلاث هي الفاعلة في تهدئة وحسم الصراعات التي تقع في مناطق الإقليم من وقت لآخر، لكن الوفود التي تأتي من قِبل الحكومة المركزية عقب كل اندلاع صراع لمقابلة الأطراف المعنية، ويتم على الأثر التوصل إلى اتفاق على دفع الديات والخسائر، وحض تلك الأطراف على عدم تكرار الأحداث، وهكذا، فهو أسلوب لن يجدي نفعاً، ولن يقود إلى حل جذري لإنهاء هذه المشكلة، فالحل الأمثل يتطلب بسط العدالة وتقديم مرتكبي الجرائم للمحاكمات وتنفيذ الأحكام دون أي تدخلات أو دفع ديات".
ولفت الباحث في الشؤون العسكرية إلى أن "إحداث استقرار شامل في هذا الإقليم يتطلب في المستقبل تحديد ملكية الحواكير (الأرض) ولمَن تكون للقبيلة أم الأفراد أم الدولة، وتوزيع مناطق الزراعة وموارد المياه بين المجموعات القبلية بعدالة، بحيث يجد الجميع مرعى ومصادر للمياه وأماكن للإقامة، وإنزال اتفاق السلام على الأرض بسرعة، لأن عدم تنفيذه يشجع بعض المجموعات المسلحة على التمادي في الدخول في صراعات، كما يجب معالجة الفراغ الذي حدث بخروج القوات الدولية المشتركة (اليوناميد) عبر تكوين قوة حماية للمواطنين في دارفور، لمنع ما يحدث من تفلتات، فضلاً عن أهمية تنفيذ العدالة الاجتماعية التي تضم الاعتذار والمصالحة والإنصاف والتعويضات وجمع السلاح، إضافة إلى بسط هيبة الدولة من خلال الابتعاد عن التجنيد العرقي والقبلي، بخاصة أن هناك قوات نظامية بكاملها تنتمي إلى قبائل وبيوتات محددة مثل الدعم السريع والشرطة في بعض المناطق".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


توفير الأمن

في المقابل، أشار المحلل السياسي السوداني عبد الله آدم خاطر، في استعراضه لكيفية إحداث استقرار تام في إقليم دارفور وتهدئة الأوضاع فيه، إلى أنه "بانتهاء حكم الرئيس الأسبق عمر البشير، وما تلا ذلك من خطوات أكدت أن الحكم المركزي في السودان انتهى، بل إنه تحت الانهيار التام، بمعنى أن الأدوات المركزية من عنف وقهر وتضليل إعلامي، التي كانت تمارَس في ذلك العهد، عفى عليها الزمن، بالتالي أصبحت المرحلة المقبلة بعنوان، كيف تنتقل البلاد من حالة المركزية إلى الفيدرالية، مسألة ضرورية، وهي شكل الحكم الذي من خلاله يصبح الأكفاء في المجتمع قادة لمناطقهم، وتتحسن علاقات بعضهم ببعض، لكن قضية الصراعات وتمدد قوة المركز لم تظهر في دارفور وحدها، بل ظهرت في ولاية كسلا، ثم ولاية نهر النيل حينما تكالبت قوى المركز ضد والية الولاية، وهو تحد لواقع التغيير الذي أحدثته ثورة ديسمبر المجيدة". وأضاف خاطر، "في نظري إن هذه المرحلة تحتاج كخطوة أولى من أجل الاستقرار، إلى توفير الأمن في السودان بكل مناطقه، بخاصة إقليم دارفور، وأعتقد أن تشكيل القوة العسكرية المشتركة، التي تضم قواتاً من الجيش والدعم السريع والحركات المسلحة، للدفع بها لحماية المدنيين في دارفور كأحد الحلول لوقف نزيف الدم بسبب النزاعات القبلية، يُعد إجراء ضرورياً وسليماً، لأن توفير الأمن مدخل مهم لتوفير كسب سبل العيش، خصوصاً أن دارفور تتوافر فيها كل الفرص من أراضٍ خصبة، وثروة حيوانية ومعدنية هائلة، وعلاقات تجارية نشطة مع أربع دول جوار (ليبيا شمال غرب، تشاد غرباً، أفريقيا الوسطى جنوب غرب، وجنوب السودان جنوباً)، لكن من المهم إنزال تطبيقات الحكم الفيدرالي التي أقرها اتفاق جوبا للسلام الذي وُقِّع بين الحكومة والحركات المسلحة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على أرض الواقع بالسرعة المطلوبة، إلى جانب أي تحسينات وإضافات أخرى".
ويعتقد المحلل السياسي أن "النزاعات القبلية في دارفور مرتبطة بالواقع الداخلي، أكثر من ارتباطها بأي مجموعات خارجية، لأن لدى السودانيين قدرة على استيعاب المشكلات وتمحيصها وتجاوزها في الظروف العادية، لكن عندما كانت الحكومة السابقة منحازة لمجموعات بعينها أتاح ذلك فرصة الاستعانة بجماعات أجنبية للمساعدة في القتال الذي شهده الإقليم منذ اندلاعه في عام 2003".

أحداث دموية

وشهد الإقليم بخاصة مدينة الجنينة الواقعة أقصى غرب السودان (1200 كيلو متر عن الخرطوم)، مطلع أبريل (نيسان) الحالي، أحداثاً دموية تُعد الأعنف في تاريخ المدينة، حيث استخدم فيها مئات المسلحين القبليين أسلحة ثقيلة وخفيفة، فضلاً عن قيامهم بعمليات حرق ونهب واسعة شملت أحياءً سكنية ومحال تجارية عديدة، ما تسبب في دمار كبير في المرافق والمنشآت الحيوية المختلفة في المدينة، فضلاً عن ما خلفته من عشرات القتلى والجرحى.
وتبلغ مساحة إقليم دارفور، الذي يتكون من خمس ولايات (غرب، وشرق، وشمال، وجنوب، ووسط)، حوالى 493 ألفاً و180 كيلومتراً مربعاً، حيث تُعد هذه المساحة الكبيرة أحد العوامل الرئيسة في اتساع رقعة الصراع وتأجيجه بشكل كبير، فيما تنقسم تركيبة السكان إلى قبائل أفريقية وأخرى عربية، بعضها مستقر، وبعضها الآخر من البدو الرحل الذين يمتهنون الرعي، وهؤلاء مَن اتهمت حكومة الرئيس السابق عمر البشير التي أطاحت بها ثورة شعبية في أبريل 2019، بتدريبهم للقتال إلى جانبها ضد القبائل العربية الأخرى، التي أُطلق عليهم اسم "الجنجويد".

المزيد من العالم العربي