Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هيل يطلق مخرجا لتفاوض لبنان وإسرائيل على حدودهما البحرية

اتهم "حزب الله" بتقويض المؤسسات ولا اختراق في أزمة تأليف الحكومة

جنود لبنانيون وقوة للأمم المتحدة ودبابة تابعة للجيش الإسرائيلي على خط الترسيم الحدودي بين البلدين (أ ف ب)

 وفرت زيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية السفير ديفيد هيل إلى بيروت بين 13 و15 أبريل (نيسان) إمكانية التوصل إلى معالجة الجمود في التفاوض غير المباشر الذي ترعاه واشنطن على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، بعد أن تجمدت المفاوضات منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي بسبب رفض الأخيرة خريطة جديدة للمنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة للبنان تقضي بزيادة مساحة 1430 كيلومتراً مربعاً (وفق الخط البحري 23) على المساحة المتنازع عليها وهي 860 كيلومتراً مربعاً (وفق الخط البحري 23) الذي كانت بيروت تطالب به وتدعي تل أبيب أنه يقع ضمن منطقتها الاقتصادية.

واستبق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وصول هيل بالامتناع عن توقيع مرسوم أعد من أجل توسيع الحدود البحرية التي يطالب بها لبنان، بعد ما أبدت واشنطن انزعاجها من رفع سقف المطالب اللبنانية عما كانت عليه خلال السنوات الماضية، فلاقاه هيل بالتشديد على استمرار الوساطة الأميركية بين الجانبين، "من النقطة التي بدأناها"، معتبراً امتناع عون إشارة إلى استعداده للتوصل إلى تسوية بعد استئناف التفاوض.

وفي وقت بدا أن هناك إخراجاً ما، لتدوير الزوايا وإزالة التعقيدات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية، عبر "الاستعانة بخبراء دوليين" للاحتكام إليهم، لم تبشر نصائح هيل وتصريحاته الضاغطة حول وجوب تسريع تأليف الحكومة بعد مضي أكثر من 8 أشهر على الفراغ الحكومي، بإمكان ظهور ضوء ولو بسيط في النفق الذي دخلته الأزمة السياسية التي تتحكم سلباً بالمعالجات المطلوبة لتداعيات الأزمة الاقتصادية الخانقة على معيشة اللبنانيين التي تراجعت إلى أدنى مستوياتها.

فالمسؤول الأميركي اضطر إلى تحذير معرقلي تأليف الحكومة والإصلاحات، من القصر الرئاسي، بمعاقبتهم، بعد 3 أيام من اللقاءات مع سائر الأطياف السياسية وكبار المسؤولين، مستثنياً من اجتماعاته "حزب الله" فشن هجوماً عليه وعلى الدور الإيراني في لبنان، ولم يلتق رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل الخاضع لعقوبات أميركية وفق قانون ماغنتسكي، مع أنه التقى وفداً قيادياً من "التيار" ضم النائبين ألان عون وإلياس بوصعب والوزير السابق سليم جريصاتي فور وصوله إلى بيروت في 13 أبريل (نيسان). كما أن هيل التقى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للاطلاع منه على الوضع المالي والنقدي وكان ذات دلالة أن يتناول الغداء إلى مائدته، في ظل الحملة العنيفة التي يتعرض لها، لا سيما من الفريق الرئاسي. وهيل ملم بتفاصيل الوضع اللبناني الذي يعرفه جيداً منذ أواخر التسعينيات حين كان فيه مستشاراً سياسياً في السفارة، ثم عاد فخدم فيه مرتين كنائب رئيس البعثة الأميركية ثم كسفير حتى عام 2016-2017.

التفاوض مع طهران وتوازنات الكونغرس

وعلمت "اندبندنت عربية" من شخصيات التقت المسؤول الأميركي أنه حرص على إبلاغ بعض من استفسروا منه عن المفاوضات الدولية والأميركية مع إيران على الملف النووي، بتقديرات الدبلوماسية الأميركية حيال هذا الملف، خصوصاً أن الوسط السياسي اللبناني يربط على الدوام التأزم الداخلي بالتطورات الإقليمية، فشدد على أن واشنطن تسعى إلى التفاوض على عودة إيران إلى الالتزام ببنود الاتفاق، مع ضوابط أكثر لبرنامجها وطويل الأمد أكثر، على أن يتبع ذلك التفاوض على القضايا الأخرى المتعلقة بالصواريخ الباليستية ودور طهران في زعزعة استقرار المنطقة.

وأخبرنا أحد النواب الذين التقوا هيل، أنه أوضح أن ما سيتم التوصل إليه مع طهران سيكون خاضعاً بنسبة كبيرة إلى التوازن الحاصل بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين حيث أصواتهما متقاربة بحيث ستحتاج إدارة الرئيس جو بايدن إلى توافق الحزبين في شأن المفاوضات، وفي التعاطي مع الوضع الإقليمي ما يعني أن هناك صعوبات في وتيرة المفاوضات. كما أن هيل تناول هذا الجانب في بيانه العلني إثر اجتماعه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بقوله، "العودة المتبادلة إلى الامتثال للاتفاق النووي مع إيران تصب في مصلحتنا وفي مصلحة الاستقرار الإقليمي، لكنها لن تكون سوى بداية عملنا. وفيما نتطرق إلى العناصر الأخرى لسلوك إيران المزعزع للاستقرار، لن تتخلى أميركا عن مصالحها وأصدقائها في لبنان". وهي إشارة واضحة إلى الفرقاء اللبنانيين بأن المفاوضات ستأخذ وقتاً، ولا مصلحة في ربط الحلول في لبنان بالتفاوض بين واشنطن وطهران، ومحاولة لتطمين المعارضين للدور الإيراني في لبنان بأن واشنطن لن تسلمه لنفوذ طهران.

عقاب المعرقلين و"حزب الله" يقوض المؤسسات

وبعث هيل بإشارات عدة في البيان المكتوب الذي تلاه عن الزيارة إثر لقائه عون، فأشار إلى أنه ناقش مع القادة السياسيين الأزمة السياسية "التي طال أمدها وتدهور الأوضاع الاقتصادية".

 وأضاف، "الشعب اللبناني يعاني لأن القادة اللبنانيين فشلوا في الاضطلاع بمسؤوليتهم في وضع مصلحة البلد في المقام الأول ومعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المتصاعدة. فالناس فقدوا جنى عمرهم، ولم يعد بإمكانهم الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية، ويكافحون من أجل إطعام أسرهم". وتحدث عن زيارتيه السابقتين إلى لبنان في 2019 ثم 2020 "وسمعت دعوة للتغيير، من قبل لبنانيين من جميع الخلفيات"، معتبراً أن "مطالبهم عالمية كالشفافية، والمساءلة، ووضع حد للفساد المستشري، وسوء الإدارة". ورأى أنه "لو تمت تلبيتها لكان لبنان اليوم على طريق تحقيق إمكاناته الهائلة. لم يحرز حتى الآن سوى تقدم ضئيل للغاية والأوان لم يفت بعد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وطالب "قادة لبنان بإبداء مرونة كافية وتشكيل حكومة مستعدة، وقادرة للعمل عكس مسار الانهيار الحالي"، مشدداً على أنه "حان الوقت لتشكيل حكومة وليس عرقلة قيامها، الآن وقت الإصلاح الشامل. فأميركا والمجتمع الدولي على استعداد للمساعدة. لكن لا يمكن المساعدة دون الشريك اللبناني".

وأضاف هيل، "أولئك الذين يواصلون عرقلة تقدم أجندة الإصلاح، يغامرون بعلاقتهم مع الولايات المتحدة وشركائها ويعرضون أنفسهم للإجراءات العقابية. أما الذين يعملون على تسهيل التقدم، فيمكنهم الاطمئنان لدعمنا القوي".

ورأى أن "تكديس حزب الله للأسلحة الخطرة والتهريب والأنشطة غير المشروعة والفاسدة الأخرى يقوض مؤسسات الدولة الشرعية. إنه يسلب من اللبنانيين القدرة على بناء بلد مسالم ومزدهر. وإيران هي التي تغذي وتمول هذا التحدي للدولة وهذا التشويه للحياة السياسية اللبنانية".

مفاوضات الترسيم

وأكد أن أميركا تقف "على استعداد لتسهيل المفاوضات بشأن الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل على الأسس التي بدأناها في هذه المباحثات، هذه المفاوضات لديها إمكانية فتح الأبواب أمام فوائد اقتصادية كبيرة للبنان، وهذا أمر بالغ الأهمية على خلفية الأزمة الاقتصادية الحادة التي تواجهها البلاد. ويمكن، عند الاقتضاء، استقدام خبراء دوليين للمساعدة في اطلاعنا جميعاً".

وقال مصدر مقرب من الرئاسة اللبنانية، "إن هيل أبدى ارتياحه لعدم توقيع عون مرسوم توسيع الحدود البحرية الذي كان أعد عشية وصوله، بإضافة مساحة جديدة إلى المساحة التي كانت موضوع التفاوض غير المباشر مع إسرائيل بوساطة من بلاده، الذي كان موضوع تجاذب بين فرقاء لبنانيين، حيث جرى إقحام هذا الموضوع الحيوي لمصالح لبنان الاقتصادية المستقبلية، في إطار المزايدات الداخلية والصراعات الدائرة بين الفرقاء على السلطة، التي تنعكس تعطيلاً لولادة الحكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري الذي التقاه هيل قبل مغادرته إلى موسكو في زيارة رسمية".

وذكر لنا أكثر من مصدر سياسي ورسمي، "أن الجانب الأميركي كان قد حذر المسؤولين اللبنانيين من توقيع مرسوم توسيع الحدود البحرية، الذي كانت دائرة فنية في قيادة الجيش وضعت خرائطه وعرضتها في الجولة الثالثة والرابعة من المفاوضات الخريف الماضي مع الإسرائيليين فرفضوها وفضلوا تجميد التفاوض". وشارك عون مع جهات سياسية ومنظمات مدنية بالإلحاح على إصدارها بمرسوم، فيما عارض ذلك أكثر من جهة، خصوصاً رئيس البرلمان نبيه بري الذي كان قد توصل إلى تفاهم مع الجانب الأميركي إلى اتفاق على إطار التفاوض على حق لبنان في 860 كيلومتراً مربعاً. فهو تخوف من أن يؤدي ذلك إلى نسف المفاوضات. وفي لقائه مع بري سأل هيل: ما الذي حصل حتى جرى تعديل الموقف؟ فأجابه رئيس البرلمان "قمت بما عليّ وسلمت اتفاق إطار التفاوض للرئاسة وقيادة الجيش، وصار الأمر بيد السلطة التنفيذية"، مبدياً امتعاضه من تخبط يحصل في الموقف التفاوضي اللبناني.

بيان الرئاسة: التأني والتوافق

وشدد عون مع هيل، بحسب بيان صادر عن الرئاسة، على "أهمية الاستمرار في مفاوضات ترسيم الحدود واستكمال الدور الأميركي من موقع الوسيط النزيه والعادل". وأكد أسس انطلاق المفاوضات، وأنه يحق للبنان أن يطور موقفه وفقاً لمصلحته وبما يتناسب مع القانون الدولي ووفقاً للأصول الدستورية.

وطالب عون باعتماد خبراء دوليين لترسيم الخط وفقاً للقانون الدولي. الالتزام بعدم القيام بأعمال نفطية أو غازية وعدم البدء بأي أعمال تنقيب في حقل كاريش الذي تنوي إسرائيل بدء الأعمال فيه وفي المياه المحاذية. ومع تشديده على أنه لن يفرط في الحقوق والمصالح، لفت إلى ضرورة "تجنيب لبنان أي تداعيات سلبية قد تتأتى عن أي موقف غير متأن"، وأشار إلى أنه مع "بذل كل الجهود ليكون ترسيم الحدود موضع توافق بين اللبنانيين وليس موضع انقسام بهدف تعزيز موقف لبنان في المفاوضات".

وفضلاً عن أن مطالبة عون بخبراء دوليين لقيت تجاوباً سريعاً من هيل باعتبارها مخرجاً لإمكان تراجع لبنان عن مطالب اعتبرها الوسيط الأميركي سقفاً عالياً، فإن طلبه تجميد إسرائيل عمليات التنقيب في حقل كاريش لم يلق جواباً من المسؤول الأميركي الذي يفترض أن يراجع الجانب الإسرائيلي في شأنه، كذلك بخصوص الاستعانة بخبراء دوليين لترسيم الخط الفاصل البحري بين البلدين. وامتناع عون عن توقيع مرسوم تعديل الحدود شكل مقدمة للركون إلى هذا المخرج، على الرغم من أن رئيس الجمهورية مارس ضغوطاً منذ أشهر، رافقتها حملات إعلامية لحمل وزير الأشغال العامة والنقل، ورئيس حكومة حسان دياب على توقيعه وإرساله إليه كي يصدره، لكنه فجأة وقبل وصول هيل جمد الأمر لأنه يحتاج إلى اجتماع مجلس الوزراء لإقراره وهذا يرفضه رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب في حالة تصريف الأعمال "على نطاق ضيق" مخافة مخالفة الدستور.

وأقرن دياب ووزير الأشغال توقيعهما نتيجة إصرار عون، بتأكيد الحاجة إلى اتخاذ قرار بشأنه في الحكومة الجديدة. لكن تفضيل عون "التأني" جاء بعد ما جرى إقحام هذه المسألة في سياق النكايات السياسية وبازارات الخلافات الداخلية على الحكومة وتشكيلها، ولحجب الأنظار عن تعطيل تأليفها، بقضية لها طابع وطني. كما جاء بعد أن طالبت هيئات مجتمع مدني باعتماد الخرائط الجديدة لحقوق لبنان. لكن عون احتفظ لنفسه بورقة تجميد المرسوم لتوظيفها مع الجانب الأميركي. ورأت مصادر سياسية واسعة الاطلاع أن تراجعه أمام هيل كان لتجنيب بعض فريقه أي عقوبات أشار إليها المسؤول الأميركي بسبب عرقلة تأليف الحكومة، خصوصاً أن أسماء بعض هذا الفريق تتردد في وسائل الإعلام على أنها متهمة بتعطيل التأليف.

واهتم الجانب الأميركي بمعرفة أسباب تغيير وفد قيادة الجيش إلى المفاوضات الخريف الماضي خرائط الحقوق اللبنانية، خصوصاً أن ضباطه كانوا قد وافقوا على المرسوم الصادر عام 2011 الذي حصر حقوق لبنان في الـ860 كيلومتراً مربعاً المتنازع عليها، فجاءه الجواب من فرقاء سياسيين، بأن هناك من أراد توريط قيادة الجيش في مسألة قابلة للتراجع عنها، من أجل "إحراقه".

ومع ذلك سألت مصادر دبلوماسية أجنبية عما إذا كان الإخراج الذي جرى اعتماده بالاستعانة بخبراء دوليين هو محاولة لكسب الوقت فقط من جانب عون، وعما إذا كان "حزب الله" يرضى بالتراجع عن توسيع الحدود البحرية، في ظل اعتقاد أنه يقف وراء كل هذه القضية. إلا أن مصادر متابعة أكدت أن ما حصل خلال زيارة هيل جرى ترتيبه مسبقاً.

في الشق الآخر من المحادثات أبدى هيل رغبة بلاده بإلحاح في استعجال تأليف حكومة تنفذ الإصلاحات المعروفة على الصعيدين الاقتصادي والمالي، مكرراً استعداد واشنطن مع حلفائها الدوليين، واستناداً إلى نصوص المبادرة الفرنسية، لتقديم مساعدات مالية. إلا أن من تسنى لهم لقاؤه أشاروا إلى أن أكثر ما يستطيعه هو الضغط الكلامي بوجوب تسريع قيام الحكومة والتلويح بالعقوبات على المعرقلين بالتنسيق مع فرنسا والدول الأوروبية. فهو لم يجد أن إلحاحه سيحقق اختراقاً في الأزمة الحكومية.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي