Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دبابات ومدافع وقوات روسية تقرع أبواب أوكرانيا

تقييم عن المزاعم حول استعداد موسكو لتصعيد كبير في القتال

دبابات ومدافع ومعسكرات حربية جديدة على الحدود الأوكرانية (بيتر شيلوموفسكي)

تمتد صفوف الخيم المنصوبة حديثاً إلى ما وراء الأفق. وتحيط الملصقات الدعائية بالصف الأول من هذه الخيم، معلنة أن "الوطن الأم ينادي"، وفق كلمات على إحداها. وحيث تنتهي الملصقات الدعائية، يبدأ ورق الشجر الزائف، لإخفاء ما يبدو أنها أسلحة من مواصفات شتى.

ولعل المعسكر الميداني الذي أُقيم خارج مدينة فورونيج الجنوبية يشكّل أكثر الإشارات مدعاة للتشاؤم حيال نوايا روسيا الأخيرة تجاه أوكرانيا.

وشهدت صحيفة "اندبندنت" كيف كان بوسع ذاك المخيم أن يستوعب كميات هائلة من العتاد. وربما تسير 10 ناقلات وقود ديزل على الطريق المليء بالحصى الذي يمتد من مستوطنة بيريوجكا للعطلات، متجاوزاً عشرات الجنود المنهمكين في تدريباتهم، قبل أن ينعطف إلى اليسار ويختفي في ما يشبه المتاهة الخضراء. وما هي إلا فترة قصيرة حتى ترى رتلاً من الشاحنات والآليات العسكرية الخفيفة يتلاشى، وقد التهمه المعسكر أيضاً.

يُشار إلى أن معكسر "بيريوجكا" الذي يقع على مسافة 250 كيلومتراً تقريباً من الحدود الأوكرانية، قد اكتُشف أول الأمر من قِبَل مؤسسة "فريق استخبارات الصراع" Conflict Intelligence Team CIT، وهو عبارة عن مجموعة من الباحثين الروس ممن ينقّبون عن المعلومات في المصادر المفتوحة المصدر المتاحة مجاناً للجميع.

ولم يستطِع "فريق استخبارات الصراع" من خلال استخدام الصور، ومقاطع الفيديو وصور الأقمار الاصطناعية، أن يعثر على المعسكر فحسب، بل تمكّن أيضاً من توثيق كيفية تفريغ الأسلحة الثقيلة أولاً في محطتَي قطار قريبتين.

ورأى أيضاً أن من الممكن إقامة معسكرات مؤقتة أخرى إلى الجنوب، قد تكون موزعة حتى في مناطق قريبة من الحدود الأوكرانية، حول بلدتي أوستروغوجسك وفاليوكي.

وتالياً، استطاعت صحيفة "اندبندنت" أن تؤكد خلال يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، صحة الجزء الأكبر من النتائج التي توصّل إليها "فريق استخبارات الصراع"، وذلك عبر مراقبة حركة المرور العسكرية بين محطة قطار "ماسلوفكا" ومعكسر "بيريوجكا"، إذ لاحظ كاتب هذه السطور وجود رتلين من الآليات العسكرية حول أوستروغوجسك، رافقتهما الشرطة العسكرية. وكذلك لفتت نظره حالات التعطّل الخطيرة على شبكة السكك الحديد المحلية، خصوصاً أثناء الليل. ورأى أيضاً قطارات محمّلة بدبابات ومدافع ومعدات ثقيلة أخرى. وانتبه أيضاً إلى وجود حضور عسكري مكثف في كل أنحاء المنطقة، لا سيما على الطرق المحيطة مباشرة بمحطات القطار والأماكن المشتبه في أنها معسكرات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

وعدا عن صدور أمر واضح بالتعبئة، ليس من الواضح تماماً ما هو الشيء الذي ربما تكون روسيا منهمكة في الاستعداد له. بيد أن الأمر الأشد غموضاً يتمثّل في ما إذا كان الروس أنفسهم سيدعمون أي حملة عسكرية جادة.

واستطراداً، يقع معكسر "بيريوجكا" في منطقة أبعد عن الحدود من المعسكرات الروسية التي أُنشأت في ذروة القتال الذي دار بين عامَي 2014 و2015. لكن حجمه وموقعه البارز عند مستوى مقابل لـخاركوف، ثاني أكبر مدن أوكرانيا، ينطويان على قدر كافٍ من الخطر بالنسبة إلى كييف. ويقع المعسكر إلى الشمال من منطقة الصراع في إقليم دونباس، والجهة التي سيأتي منها أي هجوم أوكراني مفترض يزعم الكرملين أنه يتصدى له.   

ويبدو أيضاً أن روسيا تحشد قوات كبيرة في شبه جزيرة القرم، فيما تروج بعض التكهنات حول احتمالات حدوث عملية لاستعادة السيطرة على قناة مائية حيوية مرتبطة بالبرّ الأوكراني الرئيس.

واتصالاً بذلك، ذكر "فريق استخبارات الصراع" يوم الاثنين الماضي أن معدات تابعة لـ"الفرقة 76" في "فرقة الحرس الهجومية المحمولة جوا" " 76th Guards Air Assault Division قد ظهرت في شبه الجزيرة المتنازع عليها. وتذكيراً، أدّت وحدة المظليين (هذه) دوراً مهماً بقي خفياً في الصراع الأوكراني بين عامي 2014 و2015، إذ أفيد بأن عشرات من أعضائها قد لقوا مصرعهم ودُفنوا سراً.

إضافة إلى ذلك، أُجبر سيرغي شويغو، وزير الدفاع الروسي، على الاعتراف نوعاً ما بوجود بعض الاستعدادات، وجاء ذلك بعد أسابيع عدة من التفسيرات المتناقضة عن التحركات العسكرية في المنطقة. وأورد [شويغو] أن روسيا تعمل بالفعل على استكمال تمركز قوات جديدة على الحدود الأوكرانية.

ثم استدرك مشيراً إلى أن النشاطات العسكرية جاءت رداً على "نشاطات حلف ناتو العسكرية التي تنطوي على التهديد، خصوصاً تلك التي تشهدها بولندا ودول البلطيق". وأوضح أيضاً أن المناورات الاستثنائية ستنتهي في غضون أسابيع.

في مقلب مغاير، حث "ناتو" في معرض رده على ذلك [تصريح شويغو]، موسكو على إلغاء ما وصفه بأنه "أكبر تحشيد للقوات الروسية منذ ضمّ شبه جزيرة القرم".

ويأخذ الموقف الروسي بالتأكيد طابعاً عدائياً من جانب دولة تدّعي أنها تفعل ما تفعله بهدف تجنّب الحرب. ومع ذلك، لا يزال معظم الخبراء  يشككون بإمكانية حدوث مواجهة عسكرية رئيسة مباشرة بين روسيا وأوكرانيا.

وفي مقابلة أجرتها "اندبندنت" معه من كييف عن طريق الهاتف، أعرب وزير خارجية أوكرانيا السابق بافلو كليمكين عن اعتقاده بأن التحشيد العسكري الحالي يتعلق بـ"زيادة الضغط " raising the stakes قبيل المفاوضات مع الولايات المتحدة والألمان والفرنسيين. وكذلك اعتبر أن فلاديمير بوتين يتصرف "تكتيكياً" كي يتخطى قضايا كالعقوبات ومسألة نقل التكنولوجيا، التي سيواجهها في المستقبل.

واستطراداً، يرى كليمكين أن "الروس ينوون تمهيد الأرض لتراجعهم، لكنهم يريدون حدوث ذلك من دون حرب". ولم يستبعد وزير الخارجية السابق الذي بقي طويلاً في هذا المنصب، حصول استفزاز في شبه جزيرة القرم. وفي المقابل، أشار إلى أن التوغل باتجاه مدينة خاركوف سيكون عملاً "جنونياً" وسيدفع الطرف الآخر إلى الردّ بحرب عصابات ستندم موسكو لأنها أثارتها. ويضيف، "بيد أن ذلك لا يعني أن القلق لا يخيّم على خاركوف".

 

ويبدو أن شعوراً بالخطر يتفشى بين جزء كبير من السكان الروس أيضاً. ويُذكر أن كثيراً من اللقطات التي أتاحت لـ"فريق استخبارات الصراع" بناء المشهد الذي رسمه عن الأوضاع الحالية في منطقة التوتر، قد ترافقت مع شكوى وتأوهات من قبل أولئك الذين التقطوها، ولم تكن مصحوبة بالهتافات الوطنية التي غالباً ما تظهر بوضوح في مقاطع الفيديو المسجلة في ذروة القتال بين عامي 2014 و2015.

في هذا السياق، يورد ليف جودكوف، رئيس "مركز ليفادا" Levada Centre الذي يعتبر آخر مؤسسات استطلاعات الرأي المستقلة المتبقية في البلاد، أن إحساساً متنامياً بالعجز والخوف ينتاب الروس. ويضيف أن 62 في المئة منهم  "قلقون" من اندلاع "حرب كبيرة"، ما يمثل قفزة هائلة بنسبة 20 في المئة عما كانت عليه الحال في السنوات الأخيرة. ويتابع أن مجرد 15 في المئة منهم قد أفادوا بأنهم مستعدون لمواجهة من هذا النوع.

واستطراداً، لا يعني ذلك أن الناس يدركون طبيعة ما يحصل بالفعل على الحدود الروسية، إذ يفيد جودكوف بأن هذا يمثل النجاح الحقيقي لجهاز الدعاية الحكومي الذي تبنّى في الأسابيع الأخيرة نبرة معادية لأوكرانيا هيمنت تماماً على كل ما صدر عنه. ويضيف، "تتواصل التغطية الإعلامية بلا هوادة كل ساعة، وكل يوم. إنه السبب في فاعليتها".

وفي ملمح لا يخلو من الدلالة، نقلت ناديجدا (63 سنة) التي حُجب اسم عائلتها وتقطن بلدة أوستروغوجسك على بعد 150 كيلومتراً من الحدود الأوكرانية، لصحيفة "اندبندنت" أنها تعتقد بأن "ليس هناك خطر" نشوب حرب. وترى الطبيبة السابقة التي يعيش بعض أقاربها في كييف، أنه ليس هناك من يخطط لشن هجوم ما، والقوات الروسية لا تفعل شيئاً خارجاً عن المألوف. وتعتبر أن التقارير التي تتحدث عن تحشيد عسكري تشكّل مجرد أنباء زائفة.

 وتردف ناديجدا، "لدي شقة في أطراف البلدة، وأرى كل شيء، ويمكنني أن أقول لك إن التقارير (التي تتحدث عن تحشيدات عسكرية) خاطئة".

وعلى الجانب المقابل من الساحة الرئيسة التي تضم تمثالاً شامخاً للينين، تعرب أم شابة عن رأي مخالف، فيما تمتنع عن ذكر اسمها، إذ تشير إلى أن الأسلحة الثقيلة يجري نقلها فعلاً في أنحاء البلدة وأطرافها. بيد أن ذلك "لم يكن يستحق الكتابة عنه"، وليس إجراءً متعارضاً مع التدريبات العسكرية التي تجري هنا أحياناً.

وتقول لصحيفة "اندبندنت"، "إنهم يحدثون الجلبة هنا كل عام". وتتابع، "حرب أو لا حرب. سيقررون ما سيجري من دوننا. أود أن أقترح عليك أن تفعل شيئاً أكثر جدوى من إحصاء المدافع".

© The Independent

المزيد من تقارير