منذ سنوات، تتواجه إسرائيل وإيران مباشرة أو غير مباشرة في لبنان وسوريا وقطاع غزة، لكن في الأشهر الأخيرة امتدت التوترات بين البلدين إلى البحر مع سلسلة غامضة من عمليات التخريب والهجمات التي استهدفت سفناً من الجانبين.
تخوض إسرائيل وإيران منذ زمن "حرباً بالوكالة" في الشرق الأوسط، إذ تتقاتل ميليشيات "حزب الله" المدعوم من إيران مع الجيش الإسرائيلي، وكذلك حركة "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة وتتلقى دعماً من طهران، بينما تتعرض "مجموعات موالية لإيران" بانتظام لضربات إسرائيلية في سوريا.
وانتقلت هذه الحرب أيضاً إلى مجال التجسس والأمن السيبراني. فقد قام جهاز الموساد الإسرائيلي (الاستخبارات الخارجية) بـ"عملية عام 2018 تمكن خلالها من الاستحصال على 55000 صفحة من الوثائق من الأرشيف النووي الإيراني"، وفق ما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. واتهمت طهران تل أبيب على الأثر بتنفيذ هجمات إلكترونية على منشآت استراتيجية.
ثم اغتالت الولايات المتحدة رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال النافذ قاسم سليماني، في ضربة جوية بالعراق مطلع عام 2020. واستُهدفت إسرائيل بهجوم سيبراني طال نظامها لتوزيع المياه. وفي نهاية 2020، قتل العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده في طهران، واتهمت إيران الموساد الإسرائيلي بتنفيذ العملية.
عملية تصعيدية
تقول المحللة سيما شاين، من معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، خلال نقاش مع صحافيين عبر الإنترنت، "إنها سلسلة أحداث وأحداث مضادة، ويمكن لكل طرف أن يحدد نقطة انطلاقها بشكل مختلف. قد يقول البعض إنها بدأت في يناير (كانون الثاني) 2015 مع استحصال الموساد الإسرائيلي على مخطوطات الأرشيف، بينما يعتبر آخرون أنها بدأت مع اغتيال سليماني، لكن كل هذه الأحداث مرتبطة بالمسألة النووية، وبمحاولة إيران التمركز في سوريا وسعي إسرائيل إلى منعها من ذلك".
وتضيف شاين، "في الأسبوعين الأخيرين، رأينا أيضاً الحرب البحرية بينهما تخرج إلى العلن بعد أن بقيت سرية لمدة عامين". وتتابع، "يمكن القول إننا في عملية تصعيدية بين إيران وإسرائيل".
"حرب السفن"
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في عام 2019، أعلنت إيران أن ثلاثاً من ناقلاتها تعرضت لهجمات في البحر الأحمر. في هذا الوقت، تتهم إسرائيل إيران بالقيام بعمليات نقل أسلحة، في البحر أحياناً، إلى حلفائها، كما ترغب في الحد من قدرة طهران على التحايل على العقوبات الأميركية لبيع نفطها وملء خزائنها.
لكن في 25 فبراير (شباط)، تغيرت الأمور، إذ تعرضت سفينة الشحن الإسرائيلية "أم في هيليوس راي" لهجوم في البحر، ووُجهت أصابع الاتهام إلى إيران.
ثم أصيبت السفينة الإيرانية "شهر كورد" بالقرب من سوريا، تلتها إصابة سفينة الحاويات الإسرائيلية "لوري" في بحر العرب، ثم سفينة الشحن الإيرانية "سفيز" في البحر الأحمر. وأفادت مصادر مختلفة، الثلاثاء 13 أبريل (نيسان)، بإصابة سفينة "هايبريون راي" الإسرائيلية بالقرب من ساحل الإمارات، من دون تفاصيل إضافية.
تجنب التصعيد
وكتب الباحث فرزين نديمي، مساء الثلاثاء، على موقع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، "حتى الآن، ظل النزاع البحري بين إيران وإسرائيل منخفض الشدة، في منطقة رمادية أقل من عتبة الأعمال العدائية المعلنة...، لكن وتيرة الهجمات تتسارع ومن المتوقع أن تتسارع أكثر، أو أن تمتد حتى إلى منطقة جغرافية أكبر". كما تحدث عن احتمال استخدام "تكتيكات جديدة" مثل "هجمات الغواصات أو الطائرات من دون طيار".
وبما أن أياً من السفن المتضررة لم تتضرر بشكل خطير، يرى نديمي أن "هناك جهوداً وحسابات لدى كل طرف لتجنب التصعيد"، محذراً من انزلاق "يمكن أن يضر بالنقل الدولي".
المخاطر على الطرفين
ويقول الخبير في الشؤون الإيرانية مناحيم مرحافي، لوكالة الصحافة الفرنسية، "الطرفان لا يريدان تصعيداً، لكن الأمور قد تتصاعد والإسرائيليون والإيرانيون يدركون هذا الاحتمال ويحاولون تجنبه".
ويتابع، "لا يمكن لإيران أن تفعل أي شيء كبير، لأن البلاد تعاني إلى حد كبير من تداعيات كوفيد-19، ولكن أيضاً بسبب المفاوضات مع الغرب. فآخر ما تريده إيران هو الاصطدام مع أي جهة، لكي لا ينعكس ذلك على موقفها على طاولة المفاوضات الهادفة إلى إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني"، الذي تم التوصل إليه عام 2015، وانسحبت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب منه في عام 2018، معيدة فرض العقوبات الأميركية على طهران.
لكن مرحافي يرى أن إسرائيل الرافضة بشدة لعودة واشنطن إلى الاتفاق، "تلعب بالنار" في هذه الحرب البحرية الكامنة، وكذلك في الهجوم على المنشأة النووية الإيرانية في نطنز، إذا تأكد أنها هي من تسببت بالانفجار فيها كما تتهمها طهران. ويقول، "الخطر الأكبر بالنسبة إلى إسرائيل هو الإساءة إلى علاقتها مع الولايات المتحدة".