Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مختارات و4 دواوين تنقل المشهد الشعري السعودي إلى القراء الفرنسيين

التونسي معز ماجد ترجم القصائد بروحها الأصلية وأبرز تنوع أجوائها

لوحة للرسام السعودي عبد الله الشيخ (صفحة الرسام على فيسبوك)

صدرت حديثاً عن دار"أل دانتي" الباريسية مختارات من الشعر السعودي الحديث مترجمة إلى الفرنسية بعنوان "رمال تركض بالوقت"، وقد قام بجمعها وتقديمها الناقد عبد الله السفر. ورافق صدور هذه المختارات نشر أربعة دواوين أيضاً هي: قلق الكثبان" لأحمد الملا، و"غيوم في غيوم" لغسان الخنيزي، و"ميثيولوجيا مختصرة للفزع" لصالح زمانان و"نواة لمواسم الغياب" لمحمد الحرز.

قام بترجمة القصائد في المختارات والدواوين، الشاعر التونسي معز ماجد الذي تمكن، بحسه الشعري، من أن ينقلها إلى اللغة الفرنسية، من غير أن يسفح ماء شعرها، أو يبدد طاقاتها المجازية الكبرى .لهذا وجدنا هذه القصائد في اللغة الجديدة التي استضافتها لا تقل جمالاً عن أصلها العربي. صحيح أن الشاعر معز ماجد قد عدل أحياناً، عن وعي مقصود، عن النص الأصلي، وصحيح أنه اكتفى أحياناً بترجمة المعاني دون الألفاظ... كل هذا لم يكن له من غاية سوى المحافظة على شعرية النصوص والوفاء إلى جوهر التجربة.

هذه الكتب الشعرية التي صدرت في وقت واحد، وعن دار نشر واحدة، تمثل بحق نافذة يمكن من خلالها أن يطل القارئ الفرنسي على الشعر السعودي في تنوعه وتعدده واختلافه... فالقصائد التي تضمنتها هذه الكتب، وإن كانت تنتمي إلى قصيدة النثر، هي غير متجانسة الرؤى والأصوات والتجارب، لأنها تحمل التباين والاختلاف والتعدد. وقيمة الترجمةـ أي ترجمة- تتمثل في لفت انتباه قراء اللغة الثانية التي انتقل إليها الأثر، إلى تجارب إنسانية، وقيم جمالية ليس لهم عهد بها من قبل، فتغني معرفتهم، وتفتح أعينهم على آفاق فكرية وثقافية جديدة. ففي الأنطولوجيا اختار عبد الله السفر قصائد لاثنين وأربعين شاعراً سعودياً ينتمون إلى أزمنة شعرية مختلفة بدءاً من السبعينيات وصولاً إلى العقدين الأخيرين من القرن الواحد والعشرين.

القصيدة الحديثة

واستهلاله بالسبعينيات له أكثر من مسوغ يبرره ويزكيه، فهذه الفترة شهدت ولادة القصيدة الحديثة في السعودية التي خرجت لأول مرة عن السنن التقليدية بقوانينها المسطرة وحدودها المقدرة، وابتكرت لنفسها طرائق جديدة في الكتابة وأساليب التعبير. كانت هذه الولادة متعسرة. فعبء التقاليد كان ثقيلاً، وسطوة التراث كانت قوية. لهذا كانت القصيدة السبعينية السعودية تنطوي على ضرب من الصراع بين لغة تجيء من الماضي وتريد أن تستمر في الحاضر، ولغة ثانية تريد أن تنبثق من الحاضر وتمضي في اتجاه المستقبل. اللغة الأولى كانت تستعيد أنموذجاً للكتابة قائماً في الذاكرة، اكتسب، شرعية فنية وجمالية، أما اللغة الثانية، فقد عدلت عن السنن الشعرية السائدة ومضت تكتشف ذرى تعبيرية جديدة. اللغة الأولى هي لغة القصيدة التراثية، أما اللغة الثانية فهي لغة القصيدة الحديثة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتنتهي هذه الأنطولوجيا بقصائد الجيل الجديد، جيل العقدين السابقين الخارج من المواقع الإلكترونية ومن وسائل الاتصال الحديثة، من غير أن تطوقه أحكام النقاد وتوجيهاتهم. وهذا الجيل يطلق عليه عبد الله سفر "جيل الحرية" فيقول: "الحرية هو العنوان الذي تنكتب في ضوئه القصيدة الجديدة وباتت المدونات والمواقع الإلكترونية ووسائل الاتصال الاجتماعي من فيسبوك وتويتر، هي المنصة التي تتجلى فيها هذه الحرية. ففي فضاء مفتوح ومشرع على التنافذ لم تعد الكتابة حبيسة الأدراج والغرف المغلقة أو رهن الانتظار، تتحين فرصة النشر أو رحمته... كما ولى إلى غير رجعة دور الموجه الثقافي والاجتماعي. لقد تهاوت بوابة الناشر التقليدية من خلال ضغطة زر إرسال".

أما الدواوين الأربعة التي ترجمت إلى اللغة الفرنسية فهي نماذج للقصيدة الحديثة السعودية التي تمكنت من ابتكار لغتها وطرائقها في سياسة اللفظ وإجراء الكلام. والمتأمل في هذه الدواوين الأربعة يلاحظ أنها تنطوي على حوارين اثنين: حوار تعقده مع القصيدة الحديثة، وعلى وجه الخصوص قصيدة النثر، وحوار ثان تعقده مع الواقع الذي صدرت عنه. أما حوارها مع القصيدة الحديثة فيتجلى في الخروج على الأوزان، واستدعاء الأقنعة، والرموز تنهض بوظيفة المعادل الموضوعي، مستلهمة شعراء كباراً عديدين. أما حوارها مع الواقع، فيتمثل في الجدل الذي تعقده مع الأحداث، متشربة جوهرها العميق ومتخلية عما عداه. فالشعر، لدى هذا الجيل ليس تعبيراً عن حقائق الروح فحسب، وإنما هو تعبير عن حقائق التاريخ أيضاً.

إمكانات غير متوقعة

إن مهمة اللغة، في هذه المجموعات، ليست محاكاة الأشياء والتشكل طبقاً لصورها القائمة في الواقع الخارجي، وإنما مهمتها الأولى أن تتجاوز دلالاتها المعجمية، وحدودها النفعية. أو بحسب عبارة النقاد القدامى أن تدور على غير أسمائها، ليستصفي الشاعر منها إمكانات غير متوقعة، ومعاني جديدة كامنة في طياتها. لهذا يمكن أن نعد كل قصيدة من قصائد هذا التيار "استعارة موسعة" يسلمنا، خلال قراءتها، الرمز إلى رمز، والصورة إلى الصورة في ضرب من التداعي الذي لا يرد.

إن اللغة، في هذه المجاميع لا تحاكي شيئاً، ولا تنقل شيئاً، وإنما هي عالم قائم بذاته، مفعم بالحياة، ينطوي على إمكانات دلالية شتى وكأن غاية القصيدة الأولى هي إيقاظ حس الدهشة في القارئ واستنفار ملكة الفضول لديه

.

حاول معز ماجد أن ينقل تجارب الشعراء السعوديين الأربعة في تعددها وتنوعها، فجنح إلى تطويع اللغة الفرنسية لتقول هذه التجارب وتقول خصائصها. ويتجلى هذا التطويع، على وجه الخصوص، في فتح اللغة الفرنسية على صور ورموز وصيغ أسلوبية هي باللغة العربية أمس رحماً وأوثق صلة. إن عملية العبور من قارة لغوية إلى قارة أخرى تظل دائماً مغامرة محفوفة بالمخاطر، لأن القصيدة عالم من الأصوات والكلمات والرموز تعيش مجتمعة في كنف الانسجام والتناغم، فمتى أردنا نقلها إلى لغة أخرى نقلنا القليل وأضعنا الكثير. وهذا ما عبر عنه السير جون دنهام حين قال "إن للشعر روحاً غير ظاهرة تختفي أثناء سكبه من لغة إلى أخرى".

وقيمة هذه الترجمة تتمثل في المحافظة على أكثر عناصر القصيدة وهي تنقل من مجرة لغوية إلى مجرة أخرى... وهذا ما تمكن من تحقيقه، في نظرنا، الشاعر التونسي المعز ماجد، حين جنح إلى ضرب من الترجمة الإبداعية التي تسعى إلى أن تقول روح النص الأصلي وسحره حتى وإن خانت أحياناً لفظه ومفرداته. وإنه لأمر ذو دلالة أن يعمد معز ماجد إلى وضع النصين الأصلي والمترجم وجهاً لوجه في كل الكتب الشعرية التي نقلها إلى اللغة الفرنسية وكأنه بذلك أتاح لقراء اللغتين المقارنة والموازنة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة