Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حي بريكستون اللندني يعاني من اللامساواة والشرطة بعد 40 سنة من الاضطرابات

الجذور العميقة للانتفاضة الأصلية مستمرة والسكان يشيرون إلى تحملهم صدمات كثيرة، لكن نبع التفاؤل لديهم لا ينضب

ما الذي تغير منذ انتفاضة أبناء بريكستون ضد العنصرية الممنهجة في 1981؟ (غيتي)

تدفق غضب أبناء جنوب لندن إلى شوارعها في أحد أيام أبريل (نيسان) 1981، احتجاجاً على العنصرية الراسخة وسوء المعاملة التي يلقونها من قبل الشرطة.

في تلك الفترة، عاشت بريطانيا مرحلة ثاتشر، رئيسة الوزراء السابقة، وتوسع التفاوت الاجتماعي بين من يملك ومن لا يملك، فيما حلقت عالياً معدلات البطالة في أوساط البريطانيين من أصحاب البشرة السوداء.

وأثناء السنوات الأربعين الماضية، بات حي بريكستون الذي كان أيقونة شبه مكرسة، عبارة عن مرادف لحوادث الشغب تلك، التي تمثل لحظة دفعت أصحاب السلطة إلى أن يطرحوا في نهاية المطاف على أنفسهم، أسئلة تتصل بحفظ الأمن، والعنصرية، والهوية.

وبينما شكلت حوادث الشغب من دون شك لحظة فاصلة في الحركة من أجل المساواة العرقية في بريكستون، قدم "تقرير سكارمان" Scarman report الذي صدر في نوفمبر(تشرين الثاني) بهدف معاينة أعمال الشغب، اعترافاً أول من نوعه بوجود تمييز في عملية حفظ الأمن ضد السود. وبعد 40 عاماً، لا يزال عديد من السكان المحليين يتساءلون عما قد تغير.

وربما لا يمكن أن تكون هذه الذكرى السنوية أكثر أهمية مما هي اليوم، لا سيما بعد إصدار الحكومة تقريرها المثير للجدل الذي يبث الفرقة بين البريطانيين، وقد اتهم بتمجيد العبودية، كما أخذ عليه أنه نفى أيضاً وجود عنصرية مؤسساتية في المملكة المتحدة.

وعلى الضفة الأخرى للمحيط الأطلسي، يمثل رجل الشرطة ديريك شوفين أمام المحكمة بتهمة قتل جورج فلويد، الذي أدت وفاته إلى انطلاق حملة احتجاجات "حياة السود مهمة" على صعيد العالم، مطالبةً بالكف عن حرمان أصحاب البشرة ذات اللون المحدد، من حقوقهم الإنسانية الأساسية.

في ذلك الصدد، تسارع نانسي بوتر، إحدى القاطنات في حي بريكستون في جنوب لندن، إلى عقد مقارنة بين حكومة المحافظين التي قادتها مارغريت ثاتشر في ذلك الوقت وبين الإدارة الحالية التابعة لحزب المحافظين أيضاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب رأيها، "من المهم أن لدينا، بعد 40 سنة، حكومة يمينية أخرى من حزب المحافظين، لا تعير اهتماماً للمجتمعات المهمشة أو الفقيرة".

وتضيف بوتر، "أود أن أجادل أنه لم يتغير الشيء الكثير على الإطلاق، إذ لا تزال إجراءات الإيقاف والتفتيش تطبق (من جانب الشرطة) بشكل غير متناسب على الشباب السود".

وفي ذلك المضمار، تظهر دراسة أجريت في "كلية لندن الجامعية" للبيانات الرسمية أن من المرجح إيقاف الشباب من ذوي البشرة السوداء وتفتيشهم أكثر من الآخرين من عامة السكان، بـ19 مرة.

وتزيد بوتر، "إضافة إلى ما سبق، لقد سلطت الجائحة الضوء حقاً على الفجوة بين الأغنياء والفقراء في بريكستون، من حيث الوصول إلى الأدوات الرقمية، ومساحة المسكن، والحصول على مساحة كافية للدراسة والعمل".

وفي ذلك السياق، ترى شيرون ريتشاردز (56 عاماً)، وهي سائقة حافلة متقاعدة عاشت في بريكستون 20 عاماً، فإن عدداً من عناصر التوتر التي أدت إلى حوادث الشغب في 1981، لا يزال موجوداً حتى اليوم.

وقد نقلت ريتشاردز إلى صحيفة "اندبندنت"، من مكان إقامتها في إسبانيا، وهو البلد الذي انتقلت للعيش فيه منذ ثلاث سنوات، إن "الأمور تغيرت في أعقاب حوادث الشغب تلك، خصوصاً بعد صدور "تقرير سكارمان". فقد صار السود يلقون آذاناً صاغية".

وتضيف ريتشاردز، "في المقابل، أن أي تقدم كانت الشرطة قد حققته، أخذ يتلاشى تدريجياً، خصوصاً منذ بدأت البلاد تصبح أكثر تشبثاً بالقومية. ومع صعود اليمين المتطرف، صار ينظر للعنصرية بأنها سمة مقبولة".

وكذلك تذكر أن ابنها الذي يبلغ من العمر 25 عاماً، ولا يزال يعيش في لندن، يتعرض للإيقاف والتفتيش بشكل منتظم، معتبرة أن هذا التكتيك الذي تلجأ إليه الشرطة يشكل "قانون الاشتباه الجديد" new sus laws، علماً بأن قانون الاشتباه الأصلي (التسمية مستلهمة من عبارة "الشخص المشتبه فيه" suspected person) شكل المقدمة التي مهدت لصلاحيات الإيقاف والتفتيش. وقد ألغي في أعقاب أعمال الشغب.

 

وفي ملمح متصل، تنقل ريتشاردز أنها وجدت المنطقة حين عادت إليها أخيراً في زيارة، مختلفة عن بريكستون التي عرفتها في الماضي.

وتوضح، "وجدت السوق باردة لا روح فيها، إذ تضم مليوناً من المطاعم الموزعة على منطقة صغيرة للغاية، وبدا أن هناك الكثير من الشباب ذوي البشرة البيضاء والسود المتقدمين في السن. ولقد اختفت حيوية المكان".

وفي شكل مشابه، يقول عبد البهاري، الرياضي الأوليمبي الذي يعيش في الحي، إن بريكستون تكافح اليوم من أجل الحفاظ على هويتها.

ويضيف البهاري، "يكمن التحدي الذي تواجهه بريكستون حالياً في الحفاظ على بعض تراثها، خصوصاً أن بعض المخازن التجارية لم تعد قادرة على البقاء في الحي. وكذلك يعجز بعض السكان عن البقاء، إلى حد ما" (بسبب ارتفاع أسعار الإيجارات).

بالتالي، يشير الرياضي بالطبع إلى أعمال التحسين التي غيرت وجه بريكستون على امتداد السنوات القليلة الماضية، ما أجبر التجار المحليين على الرحيل لأنهم لم يعودوا قادرين على الاستثمار هناك، فيما ارتفعت أسعار العقارات كثيراً.

وبالنتيجة، لقد أدى ذلك إلى نزوح قسري للسكان الأصليين، ومعظمهم من أبناء الطبقة العاملة، أو سود البشرة، أو الاثنين معاً، وذلك إفساحاً في المجال أمام سكان بيض البشرة من أبناء الطبقة المتوسطة.

وفي نفس مماثل، يشعر إدوين دانسو، وهو منتج مدونة صوتية عاش في بريكستون حتى وقت قريب، أن الذكرى السنوية [الأربعين] التي تصادف هذا العام، تشكل أمراً مهماً، "خصوصاً مع إصدار الحكومة تقريرها حول العنصرية المؤسساتية".

ويضيف دانسو، "توجب على هذا المجتمع أن يحمي نفسه على مستويات عدة منذ الانتفاضة التي شهدها الحي قبل 40 عاماً. وقد شمل ذلك حدوث "تفجير بريكستون" [في 1999، ونسب إلى جماعات النازية الجديدة]، وجرائم طعن بالسكاكين والأسلحة النارية التي لاحصر لها".

وتذكيراً، في عام 1999، شكل شارع "إلكتريك أفنيو" الهدف الأول في سلسة من الهجمات المروعة بقنابل مصنوعة محلية تحتوي كميات من المسامير، استهدفت مجتمعات الأقليات في لندن. وتمثل الهدفان الثاني والثالث في مجموعات الآسيويين من جهة ومجموعات "أل جي بي تي+" LGBT+ (المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي والمتحولين جنسياً ومغايري الهوية الجنسية) من جهة أخرى. وقد دين أحد النازيين الجدد بارتكاب جريمة قتل [في سياق ذلك التفجير].

في المقابل، يرى دانسو أن "المجتمع [المحلي في بريكستون] بات أيقونة، بمعنى أنه معروف على مستوى العالم في كفاحه ونجاحاته".

وإذا جرى الرد على مطالب المساواة ذات النطاق الأوسع عبر استجابات حقيقية، فستتواصل معركة التقدم.

ويتابع دانسو، "تظاهر المشاركون في احتجاجات "حياة السود مهمة" العام الماضي لأن الشباب يشعرون أننا لم نتقدم بصورة كافية في ما يتعلق بمسائل العرق والمساواة وكثير غيرهما. نحن لم نمض إلى الأمام من الناحية الاقتصادية".

ويردف، "لكن إذا استطعنا خلق مزيد من المبادرات الشاملة التي يقودها المجتمع وتدعمها السلطات المحلية، فلا بد للأمور أن تتحسن".

من زاوية مماثلة، تعرب ميراندا ساوير، وهي صحافية تعيش في بريكستون منذ 1990، عن اعتقادها أن الأوضاع لا تزال على حالها من نواحٍ عدة، إذ توضح "أعتقد أن بعض المظاهر لم تتغير، ولا يزال أمامنا طريق طويل كي نصل إلى مبتغانا في هذا المجال"، وذلك في معرض الإشارة إلى مشروع قانون الشرطة والتقرير حول العرق الأخيرين. وتنقل إلى صحيفة "اندبندنت" أيضاً قناعة مفادها أننا "شاركنا في اثنين من الفعاليات التي جرت في بريكستون ضمن سياق حملة "حياة السود مهمة"، وقد حظي كلاهما بحضور جيد، وعملية حفظ الأمن فيهما جرت على نحو يتسم بالحساسية".

 

وتزيد ساوير، "إلا أن السود يحتاجون إلى تلقي الدعم من جانب الشرطة في حياتهم اليومية، وأن يلقوا آذاناً صاغية، ويؤخذوا على محمل الجد حين يوردون مثلاً أن طفلهم قد ضاع أو أنهم ضحايا جريمة ما".

وتتابع، "إن العنصرية المؤسساتية والتحيز اللاواعي، يمثلان أمرين حقيقيين للغاية، على الرغم مما جاء في التقرير الأخير حول العنصرية. يكفي أن نتأمل كيفية معاملة "جيل ويندراش" (أبناء حوض الكاريبي الذين استقدموا إلى بريطانيا بين 1948 و1971 بهدف سد حاجة البلاد إلى قوة عاملة، ثم احتجزوا أو طردوا بشكل غير قانوني) كي ندرك ذلك".

إضافة إلى ذلك، فإن منطقة بريكستون التي أطلق عليها ذات مرة لقب العاصمة السوداء لبريطانيا، قد تحملت الكثير. ومن خلال تحولاتها المختلفة، وعلى الرغم من جراحاتها، أو ربما بسبب هذه الجراحات، لا تزال المنطقة تحتل مكانة خاصة في قلوب الناس، بمن فيهم سكانها السابقون والحاليون.

في سياق موازٍ، فلربما أثارت حوادث الشغب التي وقعت في 1981 قلق المجتمع على نطاق أوسع. وآنذاك، ركزت الصحف في صدر صفحاتها الأولى على من أصيبوا بين عناصر الشرطة بدلاً من تسليطها الضوء على الجذور العميقة لتلك الحوادث. في المقابل، أعطى ما شهدته المنطقة شجاعة للسكان المحليين الذين اعتبروا الاضطرابات شكلاً من أشكال المقاومة المقدسة والضرورية جداً في وجه القمع الذي تعرضوا له.

وبالنسبة إلى كثير من الآخرين، تذكر مناسبة مرور 40 سنة على حوادث الشغب تلك، بمدى حبهم هذا المكان الذي يعرفونه وطناً لهم.

وبذلك، باتت تلك المنطقة تعني "الوطن" في نظر راشيل هاغينز، 40 عاماً، المطربة وكاتبة الأغاني التي عاشت في حي بريكستون كل حياتها. إذ تنقل معلمة الموسيقى إلى "اندبندنت" أن بريكستون "مكان يمكنني أن أشعر بالراحة وأنا أسير فيه ليلاً أو نهاراً".

وتضيف، "بالنسبة لي، يعني بريكستون المكان الذي أنتمي إليه من دون أن أكون موضع محاكمة من أحد". وتردف، "يعني بريكستون الإسراع إلى البحث في (إذاعة) "تشويس أف أم"، أو (متجر) "ريد ريكوردز"، بعد انتهاء الدوام المدرسي، بهدف معرفة إن كنت ستستطيع رؤية أي من نجوم الموسيقى. وكذلك يعني التوقف في (متجر) "أوار برايس" بحثاً اسطوانات موسيقية مفردة (من أعمال أحد الفنانية الجدد)، إذ قد أتمكن من كتابة الكلمات لهذه الموسيقى. أنا أعشق هذا المكان، إنه يعني "الوطن" بالنسبة لي".

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات