Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فوكوشيما والطاقة النووية... دروس مهمة للدول العربية

بما أن دولاً ستبني مفاعلات فإنه يمكن الاستفادة مما حصل

يابانيون يشاركون في احتجاج على خطة الحكومة لإطلاق المياه المعالجة من محطة فوكوشيما النووية المنكوبة (أ ف ب)

لا بد لكبرى الدول العربية من الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، ومسوغات ذلك كثيرة، أهمها أن مقابلة الطلب المستقبلي على الطاقة يتطلب ذلك، كما أن تنويع مصادر الطاقة يعزز أمنها الذي هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي.

والواقع أنه لا يمكن للعالم أن يحقق الحياد الكربوني "الحقيقي" من دون التوسع في بناء المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء. وأقول "الحقيقي" إذ إن الحايد الكربوني يمكن أن يتحول في النهاية إلى لعبة محاسبية بيد الحكومات.

ووجود الترابط الكهربائي بين الدول العربية يعني أنه حتى الدول التي لا تتمكن من بناء المفاعلات النووية ستستفيد من الطاقة النووية في الدول الأخرى، ومن ثم فإن وجود مفاعل نووي في أي دولة هو تعزيز لإمدادات الطاقة في الوطن العربي ككل.

إلا أن مجرد ذكر الفكرة أعلاه يجعل البعض يرفضون الفكرة، مستدلين بحوادث مريعة مثل ثري مايل آيلاند في الولايات المتحدة، وتشيرنوبل في الاتحاد السوفياتي السابق (الآن في أوكرانيا)، وفي فوكوشيما في اليابان.

الواقع أن تكنولوجيا المفاعلات تطورت بشكل كبير لدرجة أنه لا يمكن أن تتكرر تجربة ثري مايل آيلاند وتشيرنوبل، أما حادثة فوكوشيما فهي فريدة من نوعها لأن سببها هزة أرضية كبيرة تبعها تسونامي، ثم غرق الطابق الأرضي للمفاعلات.

إحصائياً نسبة حدوث هذه الأمور الثلاثة معاً نادر، ولكن هذا "النادر" حصل يوم 11 مارس (آذار) 2011، إلا أن هناك دروساً عدة من حادثة فوكوشيما تجعل تكرارها أقرب إلى المستحيل إذا ما تمت الاستفادة من هذه الدروس.

ويحتج البعض بأن بعض الدول المتقدمة تتخلص من الطاقة النووية، وبالتالي فلا حاجة للعرب إليها، وأن الطاقة الشمسية والرياح تغني عن ذلك. ويرد على ذلك بالآتي:

هذه الدول استخدمت الطاقة النووية على مدى عقود وقررت التوقف عن استخدام الطاقة النووية مع قرب نهاية العمر الافتراضي لها.

في الوقت الذي توقفت هذه الدول عن بناء مفاعلات جديدة هناك دول أخرى عدة تبني مفاعلات نووية باستمرار، فلماذا يتم الاحتجاج بواحدة وتجاهل الدول الأخرى؟

عانت الدول التي تخلصت من الطاقة النووية من نقص كبير في الكهرباء، كما عانت من ارتفاع شديد في أسعارها، وبعبارة أخرى، في الوقت الذي ستعاني فيه بعض الدول المتقدمة من ارتفاع كبير في أسعار الطاقة، فإن الصين تخفّض أسعار الطاقة، ومن ثم فإن القوة التنافسية للصين تزداد مع الزمن على حساب هذه الدول الأوروبية.

لا يمكن مقارنة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بالطاقة النووية. وكأن المقارنة هنا بين طائرة بلاستكية صغيرة على شكل لعبة بيد طفل عمره سنتين بطائرة "بوينع 777" حقيقية. الأداء ومستوى الموثوقية للطاقة النووية عال جداً ولا يمكن مقارنته بأي شكل من الأشكال بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

أمن الطاقة، الذي هو جزء من الأمن القومي، يتطلب تنويع مصادر الطاقة.

بالنسبة إلى دول الخليج، فإن وجود الطاقة النووية سينعش القطاع الصناعي ويخفف من التلوث، ويوفر الغاز الطبيعي للقطاع الصناعي.

وسبب هذه المقالة خبر نشر قبل أيام عن عزم الحكومة اليابانية تصريف جزء من المياه المخزنة في محطة فوكوشيما في المحيط الهادئ، مما أثار معارضة من قبل فئات عدة، منها الصيادون في المنطقة.

المشكلة أن الماء الذي يستخدم في التبريد يصبح ملوثاً، فتتم معالجته واستخراج المواد المشعة منه ما عدا مادة تسمى "التريتيوم"، وتم تخزين هذا الماء المعالج في خزانات فوق الأرض تشبه خزانات النفط، إلا أن هذه الخزانات التي يبلغ عددها نحو ألف، ستمتلئ بحلول منتصف العام 2022. الحل البسيط هو بناء مزيد من الخزانات، ولكن ليس هناك أرض كافية لذلك، وفكرة النقل إلى مكان آخر غير مقبولة بسبب المخاطرة العالية، ولهذا فضّلت الحكومة اليابانية تصريف المياه المخزنة بعد تمديدها بكميات إضافية من الماء في البحر، وعلى فترة قد تصل إلى 30 عاماً.

المشكلة أعلاه مشكلة يابانية خاصة ويمكن تلافيها بسهولة في دول أخرى، خصوصاً الدول ذات المساحات الشاسعة مثل السعودية أو مثل كندا والولايات المتحدة وأستراليا والصين.

الدروس المستفادة

بما أنه لا بد للعالم من الطاقة النووية، وبما أن دولاً ستبني مفاعلات نووية في الحالات كلها، فإنه يمكن الاستفادة مما حصل في اليابان وعدم تكرار الحادثة على الرغم من ندرتها. والحقيقة أن الطاقة النووية، كأي منشأة صناعية، وكأي مصدر طاقة، لها منافعها وعيوبها وأخطارها، ولا يمكن نفي هذه الأخطار إطلاقاً.

ومن أهم الدروس أنه على الرغم من الفوائد الفنية والاقتصادية من تجميع المفاعلات النووية بالقرب من بعضها، إلا أنه يجب توزيعها في أماكن مختلفة أو إبعادها عن بعضها، بحيث أن حصول مشكلة لأي منها لا يؤثر في المفاعلات الأخرى. وسبب تركز المفاعلات في فوكوشيما هو أنها كانت مصدراً للفحم سابقاً، ومن ثم تركزت فيها محطات الكهرباء التي تعد طوكيو سوقها الرئيسة.

الإدارة المحلية في المنطقة نظرت إلى الأمر على أنه جاذب للصناعات، ومن ثم كان الأمر مغرياً، ثم قدمت الحكومة اليابانية مساعدات للمنطقة لوجود المحطات فيها، فأصبحت هناك حوافز للموافقة على بناء مزيد منها أو إبقائها في المنطقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن الدروس أيضاً إبعادها من المناطق السكنية وتجنب أماكن الهزات والطيات الأرضية، وكما ذكر سابقاً فإن وجودها في فوكوشيما بالقرب من المناطق السكنية هو وجود محطات الكهرباء العاملة بالفحم.

ومن الدروس أيضاً التخطيط لتخزين المياه الملوثة على مدى طويل جداً،

ومن الدروس أيضاً إبعادها من المناطق الزراعية ومزارع المواشي والأنهار ومجاري المياه الموسمية.

ولتفادي ما حصل في فوكوشيما، حدّثت دول عدة تكنولوجيا رصد الزلازل والتسونامي، وجددت جميع الأنظمة للتأكد من جهوزية المفاعلات والأبنية والعاملين فيها لكارثة مماثلة، فمن الأمور التي فاقمت المأساة أن موظفي شركة كهرباء طوكيو (تيبكو)، لم يعرفوا كيف يتصرفون بعد اكتشاف الحادثة، مما يؤكد ضرورة التدريب المستمر للإداريين والموظفين والعمال.

وهناك دروس فنية كثيرة تهم المهندسين المتخصصين لا مجال لذكرها هنا، ولكن بعضها عام ويهم الناس حتى في الحالات غير المتربطة بالمفاعلات النووية، مثل مولدات الديزل الاحتياط التي كانت في أسفل المفاعلات، فعندما غرقت المنطقة بالمياه توقفت هذه المولدات عن العمل، فبدأت المشكلة!

الآن يبدو أنه خطأ غبي، ولكن الحقيقة أنه لم يتنبّه له أحد إلا بعد حصول الحادثة، وهذا الأمر يحصل في المدن الأميركية التي تعاني الفيضانات، فمع الفيضان تنقطع الكهرباء ويلجأ الناس إلى تشغيل مولدات الديزل، والخطأ الذي يتكرر هو وضع المولد في مكان منخفض فيغرق في المياه ويتوقف.

الملاحظ أن غالبية المشكلات التي ما زالت تعانيها اليابان بسبب حادثة فوكوشيما تُحل تماماً إذا ما بنيت المفاعلات في أماكن بعيدة من التركيز السكاني، وكانت المفاعلات متباعدة من بعضها، فكل ما نسمعه هو عن الأزمات الإنسانية في المنطقة.

خلاصة الأمر أن وسائل الإعلام تتحدث بشكل كبير ودائم عن تبعات مأساة فوكوشيما، هذه التبعات تتعلق بسكان المنطقة وحيواناتها ومزارعها، كما أنها تعلق بالعاملين في هذه المفاعلات، وكل هذه الأمور يمكن تلافيها في الدول التي تريد بناء مفاعلات نووية من طريق الاستفادة من دروس فوكوشيما، إلا أنه من الواضح أن المعادين للطاقة النووية لن يغيروا موقفهم.

المزيد من آراء