Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المخدرات المهربة إلى الداخل العراقي تفتك بشبابه

خريطة المنافذ الحدودية تظهر أن البلاد وقعت في منطقة تتسلل إليها هذه المواد من كل حدب وصوب

أحيطت حدود العراق بمنافذ تتسرب منها المخدرات المُهربة (أ ف ب)

رفعت ظروف البطالة التي خلفتها جائحة كورونا وخسارة كثير من الأعمال، معدل تجارة المخدرات ونسبة المتعاطين، كما سجلت أرقاماً صادمة لحالات الانتحار بسبب هذه السموم.

حصيلة المخدرات المضبوطة التي صادرتها الجهات الأمنية كافة في العراق خلال عام 2020 بلغت طنين. الحصيلة مرتفعة وتتوسع معها دائرة المتعاطين والمتاجرين للمخدرات بمختلف أنواعها. فالعراق بعد عام 2003 تحول من معبر لانتقال المخدرات للدول المجاورة إلى مستهلك للمخدرات بجميع أنواعها (الدوائية والمصنعة)، وأحيطت حدود العراق بمنافذ تتسرب إليها كل مقومات الموت المتمثلة بالمخدرات، يكفي أن ننظر لخريطة المنافذ الحدودية التي تشهد تهريباً لنعرف أن العراق وقع في منطقة تتسلل إليها المخدرات من كل حدب وصوب. الشلامجة وزرباطية أكثر المنافذ الحدودية الجنوبية تهريباً للمخدرات، فضلاً عن مناطق التهريب عبر شط العرب في جهة الحدود المشتركة مع إيران من جنوب جزيرة أم الرصاص حتى منطقة رأس البيشة في قضاء الفاو، أما غرباً فتعد منافذ مكر الذيب والمناطق الحدودية مع سوريا ومشاريع قضاء القائم، أبرز المناطق التي تشهد تهريباً، وفي شمال العراق يكون التهريب عن طريق سيطرة مخمور (أربيل - كركوك) وسيطرة بوابة الشام وقضاء تلعفر الحدودي مع سوريا، كذلك يتم التهريب شرقاً عبر قضاء خانقين وناحية مندلي وناحية قزانية والجبال المتاخمة لدول الجوار.

محاولة لاستيعاب المشكلة 

في محاولة لاستيعاب تلك المشكلة المتفاقمة وانتشارها بين الشباب، استحدثت وزارة الداخلية في عام 2004 مكتب المخدرات المركزي في بغداد ومكاتب لمكافحة المخدرات في كل مديرية شرطة محافظة، تأخذ على عاتقها مكافحة هذه الجريمة وملاحقة المتورطين فيها وإحالتهم إلى القضاء. وتم إصدار قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50 لسنة 2017)، الذي ضم في بنوده عقوبات تطاول مروجي المخدرات، بالإضافة إلى قوانين خاصة بتأهيل المدمنين .

الأعداد في تزايد 

تعد مادتا "الكريستال" وأقراص الكبتاغون وبعض أنواع المؤثرات العقلية الأخرى، الأكثر رواجاً بين فئات الشباب في العراق لسهولة نقلها، وإمكانية إخفائها، كما أن أغلب ما يتم تعاطيه في العراق هي الأدوية المرخصة بعد الحصول عليها بشكل غير قانوني، مثل الأمفيتامين، ومسكنات الألم، وعليه فالإدمان في العراق له مصادر عدة منها (أدوية مرخصة، لكن يتم الحصول عليها بشكل غير قانوني، فضلاً عن المواد المخدرة المصنعة الأخرى).

وتصاعدت أعداد المتعاطين بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، إذ بلغت وبحسب ضابط رفيع رفض الكشف عن اسمه، 1673، في عام 2019، وكانت البصرة في صدارة عدد المتعاطين، إذ بلغ عددهم 679، أما في عام 2020 فقد ارتفع العدد إلى ثلاثة آلاف و551، وأيضاً كانت البصرة في صدارة عدد المتعاطين 628، وعليه، فإن نسبة الزيادة السنوية في الأعداد تصل إلى ما يقارب 212.25 في المئة.

ويوضح عضو مجلس المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان، علي البياتي، أن أعداد الموقوفين والمحكومين في قضايا تجارة المخدرات وتعاطيها بلغت في عام 2018 تسعة آلاف و328، أما في عام 2019 فكانت نسبة الموقوفين ستة آلاف و407، وفي عام 2020 خمسة آلاف و602.

وتابع البياتي قائلاً، إن عدد الموقوفين في قضايا المخدرات بلغ أربعة آلاف و554، وعدد ‎المحكومين منهم 1048، ومن حكم عليه بقضايا تجارة المخدرات بلغ عددهم 3892، أما المتعاطون فكان عددهم 1478، منهم 39 من النساء، وعدد الأحداث 23.

 الجائحة والمخدرات

وأوضح البياتي، أن "الضغوط الاجتماعية والنفسية والفراغ، كلها عوامل أدت إلى كثرة التعاطي، ناهيك بالعوز الاقتصادي وفقدان الوظائف، ما دفع بالشباب إلى الانخراط والتورط مع شبكات تجارة وتوزيع المخدرات".

البياتي أشار إلى أن المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان أطلقت مبادرة منذ بداية جائحة كورونا، خصصت للدعم النفسي سمتها "صحتك أهم"، لوحظ فيها أن بين سبعة إلى عشرة في المئة من المتصلين لغرض الحصول على الدعم النفسي، هم مدمنو مخدرات والأدوية المؤثرة عقلياً.

أسباب نفسية أخرى 

ويرى اختصاصي الطب النفسي، حميد يونس، أن انتشار مادة الكريستال و"الصفر - واحد" الكبتاغون، وهي من أكثر المواد المحفزة إدماناً، كانت تستخدم في سوريا والعراق بوصفها محفزاً للمقاتلين، وحثهم على المزيد من العنف، والانفصال، والتعزيز الإدراكي، واليقظة في المواجهات القتالية، لكنها شاعت الآن بين المراهقين والشباب ذكوراً وإناثاً بسبب طبيعة الجيل المعاصر الذي يجمع بين القلق والعجالة في تصرفاته.

الكافيهات وسيلة للمخدرات "من دون دليل" 

ويوضح مسؤول أمن رفض الكشف عن اسمه أن ما يتم تداوله بين عامة الناس يشير إلى وجود حالات ترويج وتعاط للمخدرات في الكافيهات والمقاهي، التي يرتادها الشباب، ولكن لا يوجد أي تحديد لعنوان أو اسم، واعتبر أنه من الصعب شن حملة تفتيش عامة من دون تحديد أهداف، لأنه في جميع الأحوال هذه أماكن لها سمعتها التجارية، وقد يؤثر ذلك على مصدر الدخل لأصحابها، بالتالي سيتم تعرض القوات الأمنية للمساءلة في حالة عدم العثور على شيء من هذا القبيل.

وعن طريقة التعاطي في الكافيهات يوضح قائلاً "يشاع أن بعض أصحاب الكافيهات يقوم بوضع نسبة قليلة من المواد المخدرة مع الأراغيل لكي يشعر من يشربها بالنشوة والإحساس المفرط بالراحة".

إن المشكلة المتعلقة بالكشف عن المخدرات في المقاهي والكافيهات هي عدم امتلاك الجهات الأمنية الأجهزة الفنية الخاصة بالكشف الأولي، التي تعطي نتائج فورية، كما أن القضاء العراقي لا يعتمد على الأجهزة الفنية التي يطلق عليها "الكتات" التي تكشف المتعاطي للمخدرات، بل إنها تعمد على الطريقة القديمة، وهي الفحص في مختبرات الطب العدلي، والذي يستغرق من ثلاثة أيام إلى شهر ليتم إبلاغ الجهات الأمنية.

علاج الإدمان ممكن ولكن 

ويوضح اختصاصي الطب النفسي، حميد يونس، أن "معالجة الإدمان تتطلب تعويض المادة الإدمانية ببدائل للتخلص من الأعراض الانسحابية. وفي حالة تعاطي الجرعات الزائدة وما تسببه من آثار صعبة مؤلمة، يعالج المريض في المستشفى مع عناية طبية مكثفة"، ويؤكد أن هذا العلاج متوفر في العراق، وفي أغلب المستشفيات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكنه يرى أن العلاج النفسي والسلوكي والتأهيل الطبي ضروريان لضمان استمرار الإقلاع عن التعاطي، وهذا الشق يحتاج إلى تطوير في العراق. ويرى أن "المعالجة من الإدمان رحلة تغيير نمط حياة متكاملة، ولا تقتصر على ترك المادة الإدمانية فحسب، لكنها تحتاج إلى تأهيل شخصي وأسري ومجتمعي في الوقت نفسه".

ويتابع أن المراكز المتخصصة لاستقبال المدمنين في العراق نادرة للغاية، ولا يوجد مركز معالجة الإدمان إلا في مستشفى ابن رشد في بغداد، وآخر في البصرة، لذلك تضطر العائلات إلى تسفير ذويها إلى خارج العراق (في الأردن ومصر، وغيرهما) للمعالجة في أحد المراكز المرخصة هناك.

وفي السياق نفسه، تحدث آسو الحويزى، المتحدث باسم وزارة صحة إقليم كردستان، عن غياب المصحات المختصة لعلاج حالات الإدمان، إذ تتم معالجتهم بتخصيص أسرّة أو ردهات معينة في مستشفيات الإقليم.

مشاكل ترافق العقوبات 

عاقب المشرع العراقي جريمة تعاطي المخدرات في المادة (32) من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50) لسنة 2017 "بالحبس مدة لا تقل عن سنة واحدة، ولا تزيد على ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسة ملايين دينار (ثلاثة آلاف دولار أميركي)، ولا تزيد على عشرة ملايين دينار (ستة آلاف دولار أميركي) كل من استورد أو أنتج وصنع أو حاز أو أحرز أو اشترى مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو سلائف كيميائية أو زرع نباتاً من النباتات التي ينتج عنها مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية، أو اشتراها بقصد التعاطي والاستعمال الشخصي".

كما نصت المادة 28 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية على عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت، وبغرامة لا تقل عن عشرة ملايين دينار (ستة آلاف دولار أميركي) ولا تزيد عن 30 مليون دينار (2000 دولار أميركي)، كل من أدار أو أعد أو هيّأ مكاناً لتعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية.

أما عن متعاطي المخدرات فقد نصت المادة (39) بإيداع من يثبت إدمانه على المخدرات أو المؤثرات العقلية في إحدى المؤسسات الصحية التي تنشأ لهذا الغرض، لكي يعالج فيها، كما ألزمت هذه المادة كل من يثبت تعاطيه المواد المخدرة مراجعة العيادة النفسية – الاجتماعية التي أنشئت لهذا الغرض لمساعدته في التخلص من الإدمان، وبعدها يرفع الطبيب المكلف تقريراً عن حالة المتعاطي للمحكمة، لكي تقرر وقف مراجعته للعيادة أو استمرارها مدة إضافية.

أما المادة (40) فقد نصت على عدم إقامة الدعوى الجزائية على من يتقدم من متعاطي المواد المخدرة من تلقاء نفسه للعلاج في مستشفيات مختصة.

مشكلة تطبيق هذا القانون تتمثل في غياب المراكز التابعة لوزارة الصحة، والتي من المفترض أن تقوم بالعلاج الطبي للمتعاطين لمساعدتهم في الإقلاع عن الإدمان، كما أن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية التي يقع عليها، وبحسب قانون المخدرات والمؤثرات العقلية في مادته (7 – أولاً) "تأهيل مركز للمدمنين من متعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، الذين يتم الإفراج عنهم بقرار قضائي أو الذين انتهت مدة محكوميتم"، فلا بد أن يخضعون لبرنامج تأهيلي لإعادة دمجهم بالمجتمع، لكن الملاحظ أن وزارة الصحة لم تقم بإعداد مستشفيات خاصة لهذا الغرض، وحتى المستشفى الذي كان من المقرر إنجازه في البصرة توقف العمل به، أما وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بدورها أيضاً فلم تكمل إنجاز مراكز التأهيل لإعادة دمج هؤلاء.

وعليه، فالمدمن يبقى يدور في سلسلة الإدمان، ويصل لمرحلة الخطر، ومن الممكن أن يتحول من متعاطٍ إلى تاجر، فلا مكان متاح لعلاجه وتأهيله، وليس أمامه سوى السجن وتحمل العقوبات من دون تأهيل حقيقي، ما يسهم في ارتفاع معدل الجريمة، أو تزايد حالات الانتحار بين المتعاطين.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات