قدمت وزيرة الخزانة في إدارة جو بايدن جانيت يلين اقتراحاً مذهلاً هذا الأسبوع. فقد قالت يلين، وهي أيضاً رئيسة سابقة للمصرف المركزي الأميركي، إن من المرغوب فيه وجود "حد أدنى عالمي للضرائب على الشركات".
وفي كلمة ألقتها أمام مجلس شيكاغو للشؤون العالمية، الإثنين، أضافت: "نعمل مع بلدان مجموعة العشرين على اتفاق على الحد الأدنى العالمي للضريبة المفروضة على الشركات، والذي من شأنه أن يوقف السباق إلى القاع [سعي شركة أو دولة إلى تقويض أسعار المنافسة من خلال التضحية بمعايير الجودة أو سلامة العمال وخفض كلفة العمالة].
"معاً نستطيع أن نستخدم حداً أدنى للضريبة العالمية لضمان ازدهار الاقتصاد العالمي بناء على توفير فرص أكثر تساوياً في فرض الضرائب على الشركات المتعددة الجنسيات، وتحفيز الابتكار والنمو والازدهار".
هو اقتراح مذهل، ليس فقط لأنه يمثل مستوى غير مسبوق من التنسيق الدولي حول السياسات الضريبية بل وأيضاً لأنه كفيل بقلب تنافس البلدان الذي دام عقدين من الزمن على اجتذاب الاستثمار الأجنبي من قِبَل الشركات المتعددة الجنسيات من خلال خفض المعدلات الضريبية الرئيسة على الشركات.
وفي مطلع الألفية، كان متوسط معدل الضريبة على الشركات بين بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 32 في المئة. وبحلول العام الماضي، انخفض إلى 22 في المئة.
وانخفض متوسط المعدل بين بلدان مجموعة العشرين من 35 في المئة إلى 27 في المئة خلال تلك الفترة.
لكن على الرغم من انخفاض المعدلات، تغير المناخ في بعض البلدان في السنوات الأخيرة، وسط تصاعد الغضب الشعبي إزاء الشركات المتعددة الجنسيات التي كانت (من خلال تقنيات محاسبية مشكوك في صحتها) تحول أرباحها المسجلة بين كيانات مختلفة ذات سيادة لخفض فواتيرها الضريبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشفت كل من إدارة بايدن في الولايات المتحدة وحكومة المملكة المتحدة عن خطط لزيادة المعدلات الضريبية الرئيسة المفروضة على الشركات إلى حد كبير على مدى السنوات المقبلة.
لكن في حين يستطيع المرء أن يرى كيف قد يكون مستساغاً أن تحصل هذه البلدان على معدل أدنى عالمي جديد، [يبرز تساؤل عما] ما هو الحافز لدى دولة مثل إيرلندا، التي تطبق منذ فترة طويلة معدلاً رئيساً بالغ الانخفاض للضريبة على الشركات عند 12.5 في المئة لاجتذاب الشركات المتعددة الجنسيات من أجل إجراء عمليات في ديارها، للاتفاق على هذا المعيار؟
هل نستطيع أن نقول إذاً إن دعوة يلين إلى تحديد معدل أدنى عالمي تشكل احتمالاً واقعياً، أم أنها مجرد فكرة متفائلة محكوم عليها بالفشل في مواجهة خلاف دولي؟
أول ما ينبغي لنا أن نلاحظه هنا هو أننا شهدنا بالفعل تعاوناً عالمياً للحد من التهرب الضريبي في الشركات المتعددة الجنسيات أثناء السنوات الأخيرة.
فمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومجموعة العشرين تعملان على وضع مجموعة جديدة من المعايير المعروفة باسم مبادرة "تآكل القاعدة وتحويل الأرباح" (BEPS) لإصلاح سلوك الشركات الكبيرة في هذا الصدد.
وبموجب الركيزة الأولى من هذا المشروع، وافقت عشرات البلدان والكيانات ذات السيادة على تنفيذ مجموعة من التدابير المحددة لضمان أن الضريبة المستحقة على الشركات المتعددة الجنسيات تعكس في شكل أفضل عملياتها التجارية المربحة في أي بلد بعينه.
واستناداً إلى الركيزة الثانية، التي لا تزال قيد التشاور، ستزيد الدول ضريبة الشركات على أي شركة إذا كانت تدفع مبلغاً يقل عن الحد الأدنى العالمي نتيجة لتحويل الأموال إلى شركة تابعة في الخارج.
والواقع أن دعوة يلين إلى فرض حد أدنى من الضريبة على الشركات هي ترجمة لهذه الركيزة الثانية من رفع الضرائب الدولية. ويأمل الناشطون المناهضون لتجنب الضرائب في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومجموعة العشرين في الاتفاق على شيء على هذا النحو في يونيو (حزيران).
لكن إذا علمنا أن بعض الدول، وليس أقلها إيرلندا، تعتبر المعدل الضريبي المنخفض المفروض على الشركات مصدراً للميزة التنافسية الوطنية، فما الحافز الذي قد يدفعها إلى الموافقة على نظام كهذا؟
ترسم مقترحات الركيزة الثانية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية آلية لمعاقبة البلدان التي ترفض المشاركة، وهو ما من شأنه أن يمكن الدول من فرض الضرائب من جانب واحد على التحويلات المالية عبر الحدود.
يقول أليكس كوبهام من شبكة العدالة الضريبية "إن التوصل إلى نتيجة جيدة في [المصادقة على] الركيزة الثانية من شأنه أن يقطع شوطاً طويلاً للحيلولة دون تحويل الأرباح، ليس من خلال زيادة صعوبة الأمر بل من خلال تقليص عوائدها. فالشركات المتعددة الجنسيات ستكون، نظرياً، خاضعة في نهاية المطاف لضريبة بالمعدل الأدنى حتى ولو تمكنت من تحويل الأرباح إلى كيان ذي سيادة لا يفرض ضرائب على الإطلاق".
لكن الأستاذ مايكل ديفيرو، وهو خبير ضريبي مخضرم في كلية سعيد للأعمال، يشكك في مدى فعالية نظام كهذا في الممارسة العملية.
ويقول "حتى لو اشترك الجميع في الأمر في الأجل القريب فهناك دوماً الحافز لدى بعض الحكومات في المستقبل للتراجع عن الأمر".
ويفضل ديفيرو بدلاً من ذلك تبني الدول لنهج أحادي أكثر شمولاً في التعامل مع المشكلة. وبموجب مقترحاته ستفرض كل دولة ببساطة ضريبة على مبيعات كل شركة متعددة الجنسيات (وليس الأرباح) داخل أراضيها، بعد تعديل وفق الاستثمارات المحلية المجراة وغير ذلك من التكاليف المحلية المتكبدة.
ويقول "هذا أسهل لأنه يحدث في البلد نفسه – [بدلاً] من الطلب من البلدان فرض ضريبة دخل في مكان آخر في العالم".
وبعبارة أخرى، لن تكون الدولة رهينة عدد من الدول غير المتعاونة التي ترفض المشاركة، سواء الآن أو في المستقبل.
ومع ذلك يقر ديفيرو بأن احتمالات نجاح النهج المتعدد الأطراف الذي تتبناه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أصبحت أعلى مع الضغوط التي تُمارَس الآن من جانب إدارة بايدن من أجل عمل عالمي.
ويقول "إن الولايات المتحدة هي حقاً الطرف الفاعل الأكثر أهمية، فهي تتمتع بقدر كبير من النفوذ.
"وإذا دخلت يلين إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وقالت سنقدم دعمنا الكامل، هناك فرصة منصفة لتحقيق هذه الغاية على النحو الذي لا يستطيع أي شخص آخر أن يفعله".
ويشعر كوبهام من شبكة العدالة الضريبية بأن كلمات يلين هذا الأسبوع مشجعة، وكذلك الضغوط التي تفرضها إدارة بايدن من أجل حد أدنى من المعدل يبلغ 21 في المئة، بدلاً من اقتراح أمانة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الذي تبلغ نسبته 12.5 في المئة.
ويقول "الإعلان الواضح والصريح [من دون مواربة]، يساهم حقاً في بناء الزخم [والاتجاه نحو إقرار مثل هذه الضريبة].
"ويتوقع في هذا السياق أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ستقدم شيئاً ما في الصيف، لكنه سيشمل على الأرجح تحالف الراغبين في التحرك إلى الأمام بفرض ضريبة دنيا قد لا تكون فاعلة إلى حد كبير، لكن هذا التحول، لجهة البلدان الرائدة التي تلتزم بإنهاء السباق إلى القاع، سيكون قوياً أياً كانت التفاصيل التقنية المباشرة".
لا يمكن أن نعتبر أي شيء أمراً مفروغاً منه في مجال معقد حساس وطنياً كهذا من مجالات وضع السياسات العالمية، لكن ليس متعذراً أن نعتبر الأشهر المقبلة فترة حاسمة في الصراع الطويل والضار بالديمقراطية بين الدول القومية والشركات المتعددة الجنسيات المتجنبة للضرائب.
© The Independent