Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأمير فيليب: الأب والضابط البحري وزوج الملكة

دوق إدنبره الذي كان ذات يوم أرستقراطيا مهملا تزوج إليزابيث عام 1947 قبل بضع سنوات فقط من وصولها إلى السلطة

شارك الأمير فيليب في وقت متأخر من حياته في مناقشة حول المشاكل التي يعانيها الأطفال المتبنون، وقيل له إن الشك في تحديد هوية هؤلاء الأطفال قد يطاردهم. استمع وبعد لحظة من التأمل قال ملاحظاً "لم أعرف قط من أنا".

قد تكون كلمات كهذه، إذ صدرت عن رجل اشتُهِر – بل واكتسب سمعة سيئة – بيقينياته الحديدية، وتدفقت في أوردته دماء ملكية من بين الأصفى في أوروبا، وكان وجهه واسمه من بين ثوابت الحياة البريطانية لأكثر من نصف قرن من الزمن، غير متوقعة، لكنها كانت مبررة إلى حد كبير بتجربته.

كانت مشاكل الهوية الخاصة به كطفل وشاب مزمنة إلى درجة أنه حين خطب وريثة العرش البريطاني عام 1947 اعتُبِر هذا المتحدر من الملكة فيكتوريا تقنياً شخصاً من العموم كان يعتاد للتو على اسمه الجديد جداً وجنسيته الجديدة.

وجلبت له الحياة الزوجية التباساتها الخاصة التي لا تنتهي، ليس فقط حول الألقاب والأسماء (هل كان أميراً؟ هل كان زوج الملكة؟ هل هو من آل ويندسور؟) بل كذلك حول الأدوار والمواقف والسلطات والبروتوكول. فبصفته زوج الملكة، احتل منطقة رمادية دستورياً دائماً.

وكانت لهذه الشكوك تبعاتها. فقد حفزت تصميماً وقدرة على التكيف، سمحا له بتحقيق نجاح حقيقي في موقفه الصعب – لقد ترك الأمير فيليب، الذي توفي عن 99 عاماً، أثراً مهماً في الحياة البريطانية والدولية، في مجال كان واسعاً في شكل غير متوقع. وفي الوقت نفسه، ولدت فيه صلابة لم يمكن أن تفشل في المساهمة في الصعوبات السيئة السمعة التي عاناها أولاده في حياتهم الخاصة، صعوبات أضعفت الملكية التي رغب في تقويتها.

تتسم حياته المبكرة، على الرغم من كونها متنوعة، ببعض صفات قصة رعب عائلية. وُلِد في كورفو في 10 يونيو (حزيران) 1921، وهو الطفل الخامس والابن الوحيد للأمير أندرو اليوناني وزوجته أليس، التي كانت شقيقة اللورد "ديكي" ماونتباتن. وحمل الأمير المتحدر من الأسرتين الملكيتين الدنماركية واليونانية الاسم الكامل الجليل فيليب ("فيليبوس" باليونانية) شليسفيغ- هولشتاين- سوندربرغ- غلوكسبرغ.

وعندما كان عمره 18 شهراً فقط، تحول والده، الرجل العسكري، فجأة إلى كبش فداء لهزائم اليونان المأساوية في تركيا، ولم تنقذه من فرقة الإعدام إلا الدبلوماسية البريطانية التي حضها شخصياً جورج الخامس. ونُقِل فيليب الصغير بسرعة إلى سفينة حربية بريطانية، وتفيد الأسطورة بأن العائلة كانت على عجلة من أمرها إلى درجة أن فيليب الصغير حُمِل على متن السفينة في صندوق للبرتقال.

وفي ظل ظروف عصيبة استقرت العائلة خارج باريس في منزل يملكه أحد أخواله، حيث ربت فيليب إلى حد كبير أخواته الأكبر سناً، ثم أُرسِل في الوقت المناسب إلى مدرسة يديرها أميركيون. لكن عندما بلغ التاسعة من عمره، جعلت سلسلة غير عادية من الأحداث الفتى الأشقر الصغير من دون منزل أو عائلة.

بعد ما مرت والدته بتجربة دينية عميقة، عانت من انهيار عصبي جعلها أسيرة مؤسسات الصحة العقلية لسنوات؛ وتزوجت شقيقاته جميعاً في تتال سريع أرستقراطيين ألمان وغادرن كل إلى قصرها؛ وقرر فجأة والده، الشاعر بالفعل بمرارة من معاملته في اليونان، إنهاء زواجه ودوره في العائلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتُرِك فيليب كقارب أرستقراطي مهجور يطفو على وجه المياه الأوروبية، لكن من حسن حظه أنه تمكن من خلال نفوذ جدته لأمه، ماركيزة ميلفورد هايفن، من الوصول إلى مدرسة تشيم Cheam الإعدادية عند أطراف لندن. وهو سيتبنى هذا الوجود المؤسسي المستقر بحماسة – ويمكن القول إنه لم يترك قط في وقت لاحق الملجأ الذي مثلته مؤسسات من نوع أو آخر.

من تشيم، حيث برع في الألعاب وترك انطباعاً قليلاً في مجال العمل المدرسي، تخرج إلى سالم Salem في بافاريا، وهي مدرسة تجريبية أدارها كورت هان الكاريزمي حيث كانت الأولوية لتعزيز قدرات القيادة، واستقلال الروح، والصلابة العامة عند الطلبة. وعندما فر هان، اليهودي، من النازيين وأقام في غوردونستاون باسكتلندا، تبعه فيليب.

وإذ بات مراهقاً الآن، كان طويلاً ومتمتعاً باللياقة البدنية وأنيقاً وصلباً، فمثل من نواح عديدة الرجل المثالي في نظر هان. ولاحظ زملاؤه في المدرسة ثقته بنفسه وأنه لم يلعب قط ورقة الامتياز؛ كانوا يعرفونه ببساطة باسم فيليب. بيد أن البعض كانوا يدركون أن العطل كانت تمثل له مشكلة.

في وقت لاحق قال أحد أصدقائه "كانت خلفيته محزنة إلى حد مروع. لم يكن لديه منزل يعود إليه، ولا أشخاص يقبلونه قبل النوم، ولا أحد يساعده في توضيب حقيبته، ولا أحد يوصله مجدداً إلى المدرسة...". وكان هو نفسه ينظر إلى ماضيه بما يشبه عدم التصديق "من المدهش حقاً أنني تُرِكت أعبر القارة بنفسي – بسيارات الأجرة والقطارات والقوارب – للوصول إلى منازل شقيقاتي في ألمانيا".

في مايو (أيار) 1939، في سن الثامنة عشرة، انضم فيليب إلى البحرية الملكية في كلية دارتماوث، وبعد سبعة أشهر كان في خضم الحرب، ضابط بحرية على متن سفينة حربية في المحيط الهادي. وسرعان ما نُقِل إلى البحر المتوسط، حيث ذُكِر في رسائل بإدارته الهادئة للمصابيح الكاشفة لسفينته أثناء معركة ماتابان، الأمر الذي أسهم في غرق طرادين معاديين ليلاً. ونفذ سلسلة من المهمات في بحر الشمال ثم عاد إلى المحيط الهادئ في مدمرة عام 1945، في الوقت المناسب لمشاهدة الاستسلام الياباني في خليج طوكيو.

ولطالما استبعد الاقتراحات بأنه كان من بين أبطال الحرب، فيصنف نفسه بين "أولئك الذين حلوا تالياً" في النزاع. وقال ذات يوم: "إن تميزنا الوحيد هو أننا فعلنا ما قيل لنا أن نفعله، بأفضل ما لدينا من قدرة، واستمررنا في القيام بذلك". وهذا تواضع مبالغ فيه قليلاً، لأنه كان ضابطاً شاباً بارعاً رُقِّي بسرعة بالغة (وفي تقدير معاصريه استناداً إلى الجدارة).

 

 

ومن الواضح أن الزواج من الأميرة إليزابيث كان في ذهن فيليب حتى قبل أن يعود إلى بريطانيا في وقت السلم عام 1946. فقد التقيا للمرة الأولى عندما زارت دارتماوث عام 1939، وهو اللقاء الذي ضُمِّن في وقت لاحق نغمات رومانسية يصعب التأكد منها لأنها كانت في ذلك الوقت لا تتجاوز الثلاث عشرة سنة.

ثم تطورت العلاقة حقاً بعد أربع أو خمس سنوات، وكانت في ذلك الوقت شابة، وكان يقوم بزيارات اجتماعية من حين إلى آخر إلى قلعة ويندسور أثناء الإجازة (وكان يعرف الملك باسم "العم بيرتي"). ويُقَال إن الأميرة احتفظت بصورة مؤطرة له في غرفتها.

وعام 1946، اعتقد الملك والملكة أن ابنتهما كانت أصغر قليلاً من أن تتزوج والتمسا التأجيل، وفي الفاصل الزمني أُجرِي شيء ما في شأن الهوية المزعجة للشاب. فبعد تأخير، نظراً إلى خدمته لسبع سنوات في البحرية، أصبح من الرعايا البريطانيين، وبعد مشاورات رفيعة المستوى اتخذ الاسم "الملازم فيليب ماونتباتن في البحرية الملكية".

وكان ذلك قفزة رمزية. كان والده قد توفي مفلساً بين ذراعي عشيقة في مونتي كارلو عام 1944، وكانت والدته، التي استعادت صحتها الآن، راهبة أرثوذوكسية يونانية. ومن بين أخواته في ألمانيا، توفيت إحداهن في حادث تحطم طائرة عام 1937، وعلى الرغم من أنه كان على علاقة بالأخريات كان الأمر صعباً – كان اثنان من أزواجهن لفترة من الوقت نازيين نشطين. والآن تخلى هو، الابن الوحيد الذي لا أرض له، فعلياً عن ماضيه اليوناني، ولم يعد حتى أميراً، على الأقل في ما يتصل ببريطانيا.

وهكذا، تزوجت الأميرة إليزابيث في كنيسة ويستمنستر في نوفمبر (تشرين الثاني) 1947، في احتفال وصفه تشرشل بـ"وميض من اللون على الطريق الطويل الذي يتعين علينا أن نسلكه" (للتعافي من ويلات الحرب)، رجلاً جديداً كان عبارة عن صفحة بيضاء. وفي اليوم نفسه، أصبح العريس دوق إدنبره. (ولم يعد أميراً إلا عام 1957).

وإذ كان جورج السادس في خمسينياته فقط، توقع الزوجان أن يتمتعا بسنوات عديدة من الهدوء النسبي. أُرسِل فيليب، الذي واصل حياته البحرية، إلى البحر المتوسط، بل وانضمت إليه إليزابيث كزوجة ضابط في البحرية في مالطا، لكن صحة الملك تدهورت بسرعة وتوفي في أوائل عام 1952.

وعندما أُبلِغ النبأ إلى فيليب – اشتهر أن الزوجين كانا في تريتوبس بكينيا – قيل إنه "بدا وكأن نصف العالم سقط عليه". أدرك على الفور أنه لا بد من أن يترك البحرية – حيث كان سيحقق في ظروف أخرى مرتبة عالية بكل تأكيد – وأن يقبل في سن الحادية والثلاثين حياة الملحق الدستوري.

لم يكن هناك احتمال أن يصبح صنواً للأمير ألبرت (زوج الملكة فيكتوريا) لأن بريطانيا في القرن العشرين لن تتقبل زوجاً ملكياً قوياً سياسياً، كما أنه لا يستطيع أن يعيش حياة مستقلة، مع حياة مهنية في مجال الأعمال، مثلاً. وفي الوقت نفسه لن يقبل هو ولا عامة الناس حياة من الكسل.

لذلك فقد ابتكر لنفسه دوراً، وفعل ذلك أولاً في أوج معارضة المؤسسة الحاكمة. كان تشرشل في البداية لا يحبه ويثير شبهته قربه من اللورد ماونتباتن، في حين جاهد كبار رجال الحاشية لتهميشه بل وحتى الانتقاص منه. وللتغلب على هذا اعتمد على الذات والصلابة التي تعلمها في تنشئته وحيداً – كان على حد تعبير المؤرخ بن بيملوت "لا يخشى أحداً".

وبمرور الوقت سيثبت كونه قوة تحديث قوية في النظام الملكي، فخفف من البروتوكول، وفتح الأبواب، وبنى الجسور أمام الجماعات التي كانت مهملة من قبل، لا سيما في مجالات الصناعة والعلوم والتكنولوجيا والرياضة وتنمية الشباب والإسكان والبيئة والأديان غير دين كنيسة إنجلترا.

كذلك أضفى جودة جديدة إلى هذه المشاركة، لأنه نادراً ما اقتنع بأن يلعب دوراً صورياً. فعندما كان رئيساً لهيئة ما، كان لزاماً على أي شيء يجري باسمه أن يفي بمعاييره الرفيعة أولاً؛ وعند عقد اجتماعات كان يريد أن يحضر دوماً، وأن يكون مطلعاً بالكامل، وأن يعبر عن وجهات نظره، وأن تُنفَّذ رغباته إن أمكن.

وأضفى على العمل احتكاكات ونفاداً للصبر ومرارة بحرية قلما خذلته، لا سيما عند ظهوره على وسائل الإعلام، وهكذا بنى سمعة من الصراحة المباشرة. وكثيراً ما فشلت نكاته، كحين قال ملاحظاً لديكتاتور في أميركا الجنوبية إن بمثابة "التغيير السار أن يكون المرء في بلد لا يحكمه شعبه"، أو لطالب بريطاني في الصين، إنه يواجه خطر اكتساب "عينين ضيقتين" (بعد عيشه في الصين لفترة طويلة) .

ولم يخف دائماً وجهات نظره حول وسائل الإعلام. في زيارة قام بها إلى جبل طارق، استطلع أشهر المقيمين في المنطقة (القرود) والمصورين الصحافيين من ورائهم، فسأل بصوت عالٍ: "أي منكم هم القرود؟".

لكن منذ ثمانينيات القرن العشرين وما بعدها، كان دوره كأب وليس كمصدر لـ"الهفوات" هو أهم امتحان لتصرفاته، مع تورط الجيل التالي من أسرته في فضيحة تلو أخرى. لقد تعرض فيليب إلى اللوم كأب بارد، ولو جزئياً على الأقل، في الصعوبات العاطفية التي واجهها أولاده.

لكن يستحيل على أي طرف خارجي أن يقيس إلى أي مدى كان هذا صحيحاً. من المؤكد أنه كان متردداً وبعيداً في الداخل، كما كان أيضاً سيئ الطباع وفي بعض الأحيان متنمراً، حتى في التعامل مع زوجته. كان شديد القسوة بشكل خاص في التعامل مع الأمير تشارلز، إذ اعتبره صبياً مزعجاً في حاجة إلى شيء من الحزم في تربيته ليقسو عوده – فأرسل تشارلز إلى غوردونستاون، حيث تعرض إلى التنمر وعانى من التعاسة.

ومن ناحية أخرى، من الخطأ أن نقبل صورة كاريكاتورية عنه. كانت هذه، على أي حال، عائلة مشهورة بلعب ألعاب جماعية داخلية وأحجيات، كما كان فيليب منخرطاً في شكل واضح مع أولاده في أنشطة خارجية من أنواع مختلفة، وهي أنشطة استمتع بها تشارلز وآن بما فيه الكفاية ليحافظا عليها إلى ما بعد الطفولة.

ولا تقل ملاءمة صورة فيليب كتقليدي ومحافظ متشدد؛ فبالنسبة إلى رجل من جيله وخلفيته كانت لديه مجموعة كبيرة من الاهتمامات والمعرفة. فقد كشف أحد كتّاب سيرته تيم هيرالد عن أرقام تخص مكتبته الخاصة عام 1991 تبين الكثير: كان يمتلك 560 كتاباً عن الطيور، و456 كتاباً عن الدين (ثلاثة منها شارك في كتابتها)، و373 كتاباً عن الخيول، و353 كتاباً عن البحرية والسفن، و203 كتب عن الشعر.

والواقع أن الفلسفة والدين، إلى جانب الاهتمام بالبيئة، هيمنا على تفكيره في السنوات اللاحقة، وهو دليل على نظرة أكثر عمقاً للوجود البشري. وعندما انفصل تشارلز وديانا، كتب لها سلسلة من الرسائل، يبدو أنها كانت بعيدة عن الإساءة، كما ورد في الثرثرة؛ كانت مدروسة ومتأملة بل وحتى داعمة – كان يعرف أكثر من أغلب الناس، على أي حال، كيف يكون الشخص الذي يعتبر دخيلاً على العائلة الملكية.

وإذ كان رجلاً نشطاً وحيوياً للغاية طيلة حياته، استاء من بداية الشيخوخة، فتخلى عن أنشطته أو خفف منها فقط على مضض وببطء. لعب البولو حتى سن الخمسين وحتى من ثم استبدل بها قيادة العربات. وقاد طائرات حتى ستيناته ولم يقلع عن قيادة السيارات إلا بعد حادث سير في عمر السابعة والتسعين. أما أعمال لجانه وارتباطاته العامة، فقد ظل عضواً في الأسرة الملكية مشغولاً نسبياً حتى في ثمانيناته قبل أن يتقاعد، أخيراً، في تسعيناته.

وخلال هذا كله، احتفظ بالدور الذي لم ينل عنه أي قدر من الاهتمام وتحمله بقليل من الجلبة الواضحة، وكان على امتداد التاريخ دوره الأهم – الزوج والداعم الأول للملكة.

الأمير فيليب، دوق إدنبره، ولد في 10 يونيو 1921، وتوفي في 9 أبريل 2021.

© The Independent

المزيد من تقارير