Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الضغط المصري لتأليف حكومة لبنان محاولة أخيرة قبل العقوبات

فشل باريس في جمع الحريري وباسيل دليل على أن "اللحظة المواتية" لإحداث خرق لم تأتِ

عون لدى استقباله مساعد الأمين العام للجامعة العربية في قصر بعبدا في 8 أبريل الحالي (دالاتي ونهرا)

يأمل بعض العاملين على خط إنهاء الفراغ الحكومي في لبنان الإفادة مما يعتبرونه "اللحظة المواتية" لكي ترى الحكومة الجديدة النور مع انتهاء الشهر الثامن منذ استقالة حكومة حسان دياب.
وعلى الرغم من استمرار العراقيل أمام الاندفاعة الأخيرة، لا سيما الفرنسية، لإنهاء الأزمة الحكومية اللبنانية، يلخص أحد السياسيين المنخرطين في الاتصالات المحلية والخارجية من أجل تسريع تشكيل الحكومة "اللحظة المواتية" ويبسط تفسيرها بعاملين: الوضع الاقتصادي المالي المعيشي الذي يزداد تدهوراً وينذر بانزلاق البلد إلى الأسوأ من جهة، وضغط كل الدول ومواقف بعثاتها الدبلوماسية لوقف تعطيل التأليف، من جهة ثانية.

التجاوز الأميركي لدور "حزب الله" الحكومي

وإذا كانت مظاهر التدهور الذي ينذر بحالة كارثية على الصعيد المعيشي تتجلى بما يشهده لبنان كل يوم من طوابير سيارات أمام محطات الوقود، وبالارتفاع الصاروخي لأسعار السلع، وبإضرابات القطاعات العاملة، وآخرها السائقون العموميون، فإن الإصرار الدولي الضاغط لإخراج الحكومة من عنق الزجاجة بلغ حد نصيحة أميركية لسياسيين لبنانيين بأن "شكّلوا حكومة بسرعة، ولا تتذرعوا بموقفنا أننا نعارض حكومةً لـ"حزب الله" دور فيها"، لأنه سبق للإدارة الأميركية أن تعاملت مع حكومات يتمثل "الحزب" فيها، فاكتفت بعدم التعاطي مع الوزارة التي يتولاها وزير حزبي، أو مقرب من "الحزب"، هذا فضلاً عن التهديد الفرنسي بفرض عقوبات على شخصيات متهمة بعرقلة التأليف. وبدأت باريس بحث لائحة أسمائها، لعل ذلك يدفع الشخصيات المتهمة بتعطيل التأليف إلى تعديل موقفها.

رسالة شكري الضاغطة

في السياق ذاته، لم تخرج زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى بيروت الأربعاء في 7 أبريل (نيسان) الحالي، عن الإطار الدولي الضاغط لإنهاء الأزمة الحكومية، بل إن بعض السياسيين اللبنانيين أفادوا بأن باريس تنتظر نتائج الضغط المصري كمحاولة أخيرة قبل اللجوء إلى العقوبات الأوروبية على بعض الأفرقاء. وعلى الرغم من انتقادات وجهتها أوساط "التيار الوطني الحر" ومصادر رئيسه، النائب جبران باسيل، والإعلام المقرب من "حزب الله" لزيارة شكري، على أنها منحازة إلى أحد أفرقاء الأزمة اللبنانية نتيجة امتناعه عن لقاء باسيل أو أي مسؤول في "الحزب"، وعدم اجتماعه برئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، أو وزير الخارجية، شربل وهبة، فإن العارفين بخلفية التحرك المصري المنسق مع باريس يؤكدون أن القاهرة قصدت باختيارها عدم لقاء الوزير شكري لبعض الأفرقاء، توصيل رسالة مفادها أن المعرقلين المفترضين لقيام الحكومة سيتحملون مسؤولية مواقفهم. فالجانب المصري واكب تحركات الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، سعد الحريري، منذ أشهر، وسبق أن تعاطف معه في إصراره على حكومة اختصاصيين غير حزبيين وعلى عدم حصول أي فريق على "الثلث المعطل" في الحكومة، لضمان حصولها على مساعدة المجتمع الدولي من أجل الخروج من الأزمة المالية التي يغرق فيها البلد.

"تثمين" القاهرة لدور بري وتوافقه مع الحريري

البارز في موقف شكري في بيروت، أنه بالإضافة إلى تخصيصه الحريري بلقاء مطول، فإنه أعلن أهداف زيارته من دارة الأخير في بيت الوسط، وليس بعد لقائه الرئيس عون، في إشارة داعمة للرئيس المكلف. كما تحدث بعد اجتماعه برئيس البرلمان نبيه بري عن "تثمين مصر الكبير لجهوده ومبادراته للخروج من الأزمة... في إطار الحفاظ على تطبيق الدستور اللبناني واتفاق الطائف".
ولم تصب مجاهرة القاهرة بدعم دور بري في الوساطة التي تمت بالتوافق مع رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي"، وليد جنبلاط و"حزب الله"، في مصلحة الرئيس عون وباسيل، لأن رئيس البرلمان أكثر تشدداً من الحريري في رفض حصول الفريق الرئاسي على الثلث المعطل في الحكومة، على الرغم من نفي رئيس الجمهورية ورئيس "التيار الوطني الحر" سعيهما إلى الحصول عليه. ويتوسط بري لقيام حكومة من 24 وزيراً من دون الثلث المعطل لأي فريق، يتوزع فيها حق تسمية الوزراء المستقلين على ثلاثة تحالفات بالتساوي (ثلاث ثمانيات)، تفادياً لحصول عون على الثلث المعطل الذي شكل عقدة التأليف منذ البداية. إلا أن محاولة بري تعرضت للفرملة بعد أن اتهم باسيل الحريري بالسعي إلى الحصول على "نصف الوزراء في الحكومة زائد واحد"، وبعد أن طرح عون إشكالية تسمية الوزراء المسيحيين الـ12 (حصته منهم سبعة وزراء، إضافة إلى الوزير الدرزي الثاني)، فالوزراء الخمسة الباقون من خارج حصته، ويرفض الرئيس أن يسميهم الحريري. وطرح عون هذا الأمر كوسيلة للحصول على "الثلث المعطل"، بحيث يسمي هو أكثر من 8 وزراء.

عون يتبرأ من تغيير "الطائف"

وشكا الرئيس عون في اللقاء مع شكري، من الحريري، فقال إنه كان يتعاون معه في السابق "لكنه تغير". واستغرب عون رفض الحريري الاجتماع بباسيل، وحرص على التأكيد للوزير المصري أن لا صحة لما يحكى عن أنه يريد التخلص من "اتفاق الطائف"، ملمحاً إلى أن رئيس الحكومة المكلف يروج اتهامات من هذا النوع ضده لدى الدول المعنية. وواقع الحال أن جزءاً من خلفيات زيارة شكري هو التأكيد على "اتفاق الطائف" بعد أن كثرت التلميحات بأن مواقف باسيل وعون تهدف إلى نسفه، لأنه فرض بالقوة في عام 1989 عند إزاحة عون الذي كان قائداً للجيش حينها، من القصر الجمهوري بالوسائل العسكرية، لا سيما السورية، فضلاً عن تقارير دبلوماسية أشارت إلى وجود رغبة لدى الفريق الرئاسي بتغيير "اتفاق الطائف".
وأبدت أكثر من جهة خارجية مخاوف من مخاطر توجهات ضمن فريق الرئيس عون لمخالفة "اتفاق الطائف" بالممارسة إذا تعذر تعديله دستورياً.
كذلك، فإن "تثمين" شكري لدور بري يعود إلى تمسك الأخير بـ"اتفاق الطائف"، ويرجع حرص الوزير المصري على لقاء البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى أنه أكثر تمسكاً بالطائف، ويكرر معارضته أي تغيير دستوري، داعياً إلى تطبيق الاتفاق بدل المخاطرة في تعديله. وظهر القلق العربي من إعادة النظر بهذا الاتفاق في اليوم التالي لزيارة شكري في 9 أبريل (نيسان) الحالي، خلال زيارة مساعد الأمين العام للجامعة العربية، السفير حسام زكي الذي قال صراحةً بعد اجتماعه برئيس الجمهورية، إنه استفسر من عون "عن الكلام الذي كثر في الفترة الأخيرة حول اتفاق الطائف ومصيره وعما إذا كان مهدداً بشكل من الأشكال"، ونقل عن رئيس الجمهورية قوله، إن "اتفاق الطائف غير مهدد، وهو أساس الدستور اللبناني". ويبدو أن استفسار السفير زكي بعد الوزير شكري من عون عن التقارير حول رغبة فريقه في تعديل الاتفاق، دفعت بالمكتب الإعلامي الرئاسي إلى التأكيد على لسان عون التزامه بدستور الطائف، وأنه "يجب أن يكون محترماً من الجميع، وما يقال خلاف ذلك، ويوحي بأن اتفاق الطائف مهدد، لا يستند إلى الواقع وتروجه جهات معروفة ومعنية بالتأليف"، مشيراً إلى أن الحريري هو من يروج ذلك، من دون أن يسميه.

فشل المحاولة الفرنسية لجمع الحريري وباسيل

لكن التحرك المصري والعربي الضاغط، والتلويح الفرنسي بالعقوبات، جاء بعد فشل محاولة فرنسية لتحقيق اختراق في الأزمة من باب الإصرار على قيام الحكومة سريعاً، إذ رفض الحريري ترتيباً هيأ له معاونو الرئيس إيمانويل ماكرون بدعوته والنائب باسيل إلى باريس كي يلتقيا هناك، إما برعاية ماكرون مباشرة، أو برعاية فريقه، لعل ذلك يسهل معالجة العقد التي تعطل ولادة الحكومة. وفي معلومات القيادات المواكبة للتوجهات الفرنسية فإن باريس فاتحت الحريري بفكرة اللقاء، مع أخذ موافقته على صيغة الـ24 وزير والثلاث ثمانيات، من دون حصول الفريق الرئاسي على الثلث المعطل، معتبرةً أنه أبدى مرونة مع بري في شأن رفع عدد الوزراء من 18 وزيراً تحت سقف حكومة الاختصاصيين من دون ثلث معطل. وطلبت باريس من الحريري الموافقة على لقاء باسيل، قبل أسبوع، لكن الأخير حسب أوساطه، طرح أسئلة عدة تشكك بجدوى الخطوة: ما الضمانة ألا ينقلب باسيل على الفكرة فيوافق على صيغة الـ24 وزيراً بلا ثلث معطل، ثم يعود للمطالبة بحق عون في تسمية الوزراء المسيحيين، فيحصل على الثلث من هذا الباب؟ وأوضح مصدر في "تيار "المستقبل" الذي يتزعمه الحريري لـ"اندبندنت عربية" أن هناك خشية من أن يأخذ الفريق الرئاسي تنازلاً من الحريري في مسألة عدد الوزراء، ثم يعود إلى مماحكته في أسماء الوزراء والحقائب الوزارية لنسف المبدأ الذي اعتمده في التشكيلة الحكومية التي كان قد سلمها لعون في 9 ديسمبر (كانون الأول) الماضي. واعتبرت أوساط الحريري أن قبوله بالاجتماع مع باسيل من دون ضمان مسبق بأن الحكومة سترى النور سيكون مجازفة، فضلاً عن أنه تلقى نصيحة من الرئيس بري بعدم قبول اللقاء مع باسيل في باريس لأنه من الأفضل أن يلتقيه في بيروت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

باسيل: الحريري يهرب

وفي وقت سربت فيه أوساط الحريري أن لا مانع من أن يلتقي باسيل في بيروت إذا طلب موعداً، قال رئيس "التيار الوطني الحر" على "تويتر"، إنه أبدى "كل تجاوب مع أي رغبة فرنسية بزيارة باريس، أو بلقاء في أي مكان ومع أي أحد، بلا عقد أو حجج، ومن دون المس بصلاحيات رئيس الجمهورية، أو التعرض لدوره شكلاً ومضموناً. فالهم واحد أوحد، وهو تنفيذ الإصلاحات، بدءاً بتأليف الحكومة، لكن جاء من يعطل كل محاولة فيها أمل... سنبقى نتجاوب مع كل مسعى خارجي أو داخلي".
وتلوم أوساط محايدة الحريري على تجنبه لقاء باسيل كرئيس أكبر كتلة مسيحية بحجة أنه يشكل الحكومة بالتفاهم مع رئيس الجمهورية وفق النص الدستوري. ورأت مصادر مقربة من باسيل أن رفض الحريري "دليل على إصراره على الهروب إلى الأمام بدلاً من مواجهة ملف تشكيل الحكومة بوضوح".
وأكدت الأوساط عينها أن باسيل "لم يطلب الذهاب إلى فرنسا، بل أبلغ من تواصل معه من باريس أنه مستعد لتلبية أي دعوة، وأنه لم يطلب يوماً الاجتماع بالحريري كشرط لتأليف الحكومة، ولا يقبل تجميد البلد والحكومة بسبب موضوع لقاء شخصي". ولطالما ردد باسيل لمحدثيه الفرنسيين وفق المصادر، أن اللقاء ليس مطلباً له، ولكنه لا يمانع حصوله، وأن الحل ممكن بلا لقاء.
وعزت مصادر في "التيار الوطني الحر" ما تعتبره "تراجع الحريري عن القبول باللقاء في باريس إلى أنه "يرغب بتسمية الوزراء المسيحيين للحصول على (النصف زائد واحد) من الحكومة ليتحكم بقراراتها، ولأنه يتجنب مواجهة الوقائع أمام الفرنسيين".
وعن إمكان أن تشمل العقوبات الفرنسية والأوروبية باسيل، سألت مصادر "التيار الوطني الحر"، "ألا ينهي ذلك المبادرة الفرنسية؟".
في السياق ذاته، وفي ظل التحركات العربية والدولية الضاغطة لإنهاء الفراغ الحكومي، انشغل الوسط السياسي في لبنان بموجة جديدة من السجال بين "تيار المستقبل" و"التيار الوطني الحر"، فنائب رئيس "المستقبل"، مصطفى علوش، أوضح أن "لا رغبة للحريري حالياً بالجلوس مع باسيل، وقد يلتقيه بعد إفراجه عن الحكومة". وقالت مصادر الحريري، إن باسيل "هدف إلى تحقيق مكاسب شخصية بالتقاط صورة له مع الرئيس الفرنسي وزيارة دولة مهمة مثل فرنسا لأول مرة بعد فرض عقوبات أميركية عليه".
من جهة أخرى، شكل التجاذب حول مسألة التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان المركزي وتأخر الأخير في تسليم المستندات المطلوبة من قبل الشركة المولجة بذلك، عنصراً إضافياً في هذا السجال.
وأمام انسداد الأفق مجدداً حيال الأزمة السياسية، لم يعد أمام الذين يأملون بمخرج لها سوى انتظار مفاجأة ما، قد تكون لحظة "مواتية أخرى". وفي الانتظار يتجه الوضع اللبناني إلى المزيد من التأزم على كل الصعد.

المزيد من العالم العربي