Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الناجون من مرض كورونا معرضون للإصابة بأمراض نفسية

بحث يكشف عن أن فرداً من كل 3 متعافين من فيروس كورونا يصاب بحالة عصبية أو نفسية في الأشهر الستة التي تلي التشخيص

تداعيات مرض كورونا على كثير ممن أصيبوا بالعدوى لم تنته مع انتهاء الأعراض (غيتي)

خلصت دراسة أجريت في المملكة المتحدة إلى أن الأشخاص الذين ينجون من عدوى "كوفيد - 19" يواجهون مخاطر متزايدة لجهة الإصابة بحالات عصبية وبمشكلات تطاول سلامتهم العقلية في الأشهر الستة التي تلي تشخيصهم بالمرض.

هذه الخلاصة استندت إلى مراجعة أجراها باحثون من "جامعة أوكسفورد" للسجلات الصحية الإلكترونية لعام 2020 التي جمعتها شبكة "تراينت أكس" TriNetX (تُعنى بالأبحاث الصحية العالمية وباكتشافات الأدوية وتطويرها)، التي شملت أكثر من 230 ألف مريض أصيبوا بفيروس "كوفيد - 19"، معظمهم من الولايات المتحدة.

الدراسة التي نشرت في مجلة "ذا لانسيت سايكايتري" The Lancet Psychiatry، والتي اعتبرت بأنها الأكبر من نوعها، خلصت إلى أن فرداً من كل ثلاثة ناجين من الإصابة بعدوى "كوفيد - 19" (أي 34 في المئة من المصابين)، تم تشخيصه بحالة عصبية أو نفسية، في الأشهر الستة التي تلت الإصابة بالفيروس. وتبيّن أن التشخيص العصبي أو النفسي لنحو 13 في المئة من هؤلاء، كان الأول من نوعه في تاريخ سجلهم الطبي.

وأشارت نتائج الدراسة في المقابل إلى أن حدوث مثل هذه الحالات يرتفع قياساً إلى حدة حالات الإصابة بفيروس كورونا، مع تسجيل تشخيص عصبي أو نفسي لنحو 39 في المئة من الأفراد الذين أدخلوا المستشفى، ولـ 46 في المئة من الأشخاص الذين وضعوا في العناية المركزة، ولقرابة 62 في المئة من أولئك الذين عانوا من اعتلال في الدماغ - الذي يوصف بأنه "هذيان أو حالات ذهنية متغيرة أخرى" - وذلك خلال فترة الإصابة بعدوى "كوفيد - 19".

ولدى مقارنة هذه البيانات بدراسة أجريت على مجموعة من الأفراد خضعوا للمراقبة الطبية، مع الأخذ في الاعتبار مجموعة من العوامل الصحية الأساسية ذات الصلة كالعمر والجنس والعرق والحالات الصحية الراهنة، لاحظ الباحثون البريطانيون أن مخاطر الإصابة بأمراض عصبية وعقلية بعد الإصابة بفيروس "كوفيد - 19"، تفوق بنسبة 44 في المئة، عدد الحالات المماثلة التي تُشخّص بعد الإصابة بداء الإنفلونزا. وإضافةً إلى ذلك، وجدوا أن تلك المخاطر كانت أكبر بنسبة 16 في المئة بعد كورونا، مقارنةً بأمراض الجهاز التنفسي الأخرى كالالتهاب الرئوي.

وأمام حجم تفشي الوباء والطبيعة المزمنة لبعض التشخيصات العصبية والنفسية، استنتج واضعو الدراسة أن من المرجح أن يؤدي ذلك إلى حدوث انعكاسات كبيرة على أنظمة الرعاية الصحية والاجتماعية. ورأوا أن المسألة تحتاج إلى إجراء بحث "عاجل" من أجل فهم طريقة نشوء هذه الاضطرابات، وما هي مسبباتها وطرق علاجها.

وأوضح بول هاريسون، أستاذ الطب النفسي في "جامعة أوكسفورد" والمؤلف الرئيس للدراسة أن "هذه البيانات تستند إلى وقائع فعلية وقد جُمعت من خلال متابعة طبية لعدد كبير من المرضى، مضيفاً "أنها تؤكد ارتفاع معدلات التشخيص بالإصابات النفسية بعد ’كوفيد - 19‘، وتظهر أيضاً إمكان نشوء اضطرابات خطيرة تؤثر في الجهاز العصبي (كالإصابة بسكتة دماغية وبالخرف).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف هاريسون: "في حين أن هذه الأخيرة (اضطرابات الجهاز العصبي) نادرة للغاية، إلا أنها مهمة، لا سيما لدى الأفراد الذين تعرّضوا لإصابة شديدة بفيروس ’كوفيد - 19‘. وعلى الرغم من أن مخاطر إصابة الأفراد بمعظم هذه الاضطرابات محدودة، إلا أن تأثيرها في مجموع السكان ربما يكون كبيراً لجهة انعكاسه على أنظمة الرعاية الصحية والاجتماعية، وذلك بسبب حجم تفشي الوباء، ونظراً إلى أن عدداً منها يندرج في إطار الحالات المزمنة".

وبالنتيجة رأى هاريسون أن "أنظمة الرعاية الصحية تحتاج إلى تأمين الموارد اللازمة للتعامل مع الحاجات المرتقبة، سواء في إطار خدمات الرعاية الأولية أو الثانوية".

وفي إطار هذه الدراسة الرصدية التي راجعها زملاء علميون لمعدّيها، استند الباحثون إلى 14 حالة عصبية وذهنية من بين 236379 مريضاً أعمارهم تفوق العاشرة، كانوا قد أصيبوا بعدوى "كوفيد - 19" في العشرين من يناير (كانون الثاني) 2020 أو بعده، وكانوا لا يزالون على قيد الحياة في الثالث عشر من ديسمبر (كانون الأول) من العام ذاته.

وتمت مقارنة هذه المجموعة بـ 105579 مريضاً جرى تشخيصهم لجهة الإصابة بداء الإنفلونزا وبـ 236038 مريضاً شُخّصوا بأي من أنواع العدوى التي تصيب جهاز التنفس بما فيها الإنفلونزا. وتبيّن للباحثين وجود اضطرابات ترتبط بالقلق لدى نحو 17 في المئة من مجموعة مرضى "كوفيد - 19"، في حين أن نحو 14 في المئة أصيبوا باضطرابات مزاجية، و7 في المئة كانوا يعانون من اضطرابات تعاطي المواد المخدرة و5 في المئة من الأرق.

في المقابل، تبيّن أن ترافق العدوى مع حالات عصبية بات أقل احتمالاً، بحيث سُجّل 0.6 في المئة من حالات النزيف في الدماغ، و2.1 في المئة حالة من السكتة الدماغية الإقفارية (تعطل مساحة من أنسجة الدماغ بسبب نقص إمدادات الدم والأكسجين الناجم عن انسداد أحد الشرايين)، و0.7 في المئة حالة من الخرف.

المؤلف المشارك للدراسة الدكتور ماكس تاكيه وهو زميل إكلينيكي في الطب النفسي في "جامعة أوكسفورد"، أشار إلى أنه على الرغم من وجود احتمالات ضئيلة لنشوء حالات مرضية مشخصة كالإصابة بالذهان أو الخرف لدى جميع المرضى المصابين بعدوى ’كوفيد - 19‘، إلا أن المعدل كان "مرتفعاً للغاية" بين الذين تعرّضوا لإصابة شديدة بفيروس كورونا.

ولفت الدكتور تاكيه إلى وجود نتيجة أخرى "مثيرة للقلق" تتمثّل في أن شخصاً من كل 50 (2 في المئة) مريضاً قد تعرّض لسكتة في الدماغ خلال الأشهر الستة من تاريخ الإصابة بفيروس "كوفيد - 19" - أي إصابة الدماغ بجلطة دموية - فيما لوحظ تزايدها بمعدل شخص من كل 11 مريضاً (9 في المئة) بين المرضى الذين يعانون من اعتلال دماغي.

وقد خلص مؤلفو الدراسة بشكل عام إلى أن عدوى "كوفيد - 19" تتسبب في زيادة خطر الإصابة باضطرابات عصبية ونفسية لدى مقارنتها بمفاعيل داء الإنفلونزا والالتهابات الأخرى في الجهاز التنفسي، لكن لم يتوافر دليل واضح على أن هذا الواقع ينطبق على بعض الحالات مثل مرض باركينسون و"متلازمة غيلان باريه" (حالة طبية نادرة يهاجم فيها جهاز المناعة الأعصاب).

البروفيسور هاريسون قال في إحاطة للصحافيين يوم الثلاثاء الفائت: "إن وجهة نظرنا تكمن في ارتباط الكثير من مفاعيل الوباء على الصحة الذهنية، بعامل الضغط النفسي الذي يعاني منه الأفراد لدى معرفتهم بإصابتهم بالعدوى، وخشيتهم من الآثار المختلفة المترتبة عنها، على نحو يتخطى التأثير المباشر للفيروس في الدماغ، أو تأثير الاستجابة المناعية له في الدماغ".

أما البروفيسور مسعود حسين، أستاذ علم الأعصاب وعلم الأعصاب الإدراكي في "جامعة أوكسفورد" وهو مؤلف آخر في الدراسة، فأوضح أنه "على الرغم من أنه كان معروفاً أن فيروس كورونا يمكنه الوصول إلى الدماغ، إلا أن الأدلة على تأثيره في الخلايا العصبية هي منخفضة للغاية".

ورأى أن هناك حاجة "للانتباه والحذر" في شأن ما إذا كانت حالات كالخرف والسكتات الدماغية "هي نتيجة مباشرة للفيروس أو ما إذا كانت آثار مرض تخثر الدم على سبيل المثال، هي التي تنعكس على جهاز المناعة". 

وأشار الباحثون إلى أن دراستهم كانت محدودة لجهة عدم التأكد من اكتمال السجلات الصحية الإلكترونية أو التحقق من دقتها، وأن النتائج قد لا تنطبق على الأشخاص الذين أصيبوا بفيروس "كوفيد - 19" لكن لم تُشخّص إصابتهم بالمرض. وعلى تلك الخلفية، لم يتم التوصل أيضاً إلى معرفة مدى حدة الاضطرابات العصبية والنفسية، وما إذا كان المرضى تماثلوا إلى الشفاء، وماذا حدث لهم بعد 6 أشهر.

البروفيسور بول كروفورد، مدير معهد الصحة الذهنية في "جامعة نوتينغهام"، لفت إلى جانب آخر بقوله إنه "يتوجب تحديد ما إذا كانت مشكلات الصحة العقلية المكتشفة في الدراسة، هي ناجمة عن عدوى كوفيد تحديداً أو عن حالات "الحجز والعزلة المطولة... التي عاشها هؤلاء خلال فترة الوباء".

وأضاف: "بناءً على مجموعة من الدراسات التي تناولت المفاعيل المرتبطة بالعقوبات الجزائية، أو العيش بعيداً من المحيط الأسري والاجتماعي، أو انعكاسات رحلات السفر، لا سيما منها طويلة الأمد على رواد الفضاء، بتنا نعرف أن الظروف البيئية يمكن أن تؤثر في السلامة الذهنية للفرد كالشعور بالقلق أو الكسل، أو اختبار حالات من الاكتئاب، ونوبات من التململ وحدّة الطباع، وغيرها من الاضطرابات المعرفية الأخرى".

وأخيراً، أشار الدكتور موسى سامي وهو أستاذ إكلينيكي مساعد في مجال الطب النفسي في "جامعة نوتينغهام"، إلى أن "ما لم نتوصل إليه في الوقت الراهن، هو فهم آلية تفاعل وباء ’كوفيد - 19‘ وما ينتج منه من آثار مشابهة قد تكون ناجمة عن الإجهاد النفسي، أو المكوث في المستشفى لفترات طويلة، إضافةً إلى الخصائص المرتبطة بالمرض نفسه، التي يمكن أن يكون لها دور في هذا المجال".

(شاركت وكالة "برس أسوسييشن" في إعداد محتوى هذا التقرير)

© The Independent

المزيد من صحة