تتواصل المناورات السياسية بين المغرب والجزائر في إطار نزاع الصحراء، الذي نشب عام 1975 ولا يزال يعمّق أزمة العلاقات بين البلدين، وذلك في انتظار جلسة لمجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء. وتعوّل الرباط من خلال الاجتماع على اعتماد اعتراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، بسيادة البلاد على الصحراء، في حين تأمل الجزائر أن تعمل الأمم المتحدة على دعم مبدأ تقرير المصير الذي تطالب به "جبهة البوليساريو".
وعلى الرغم من استضافة الجزائر لـ"جبهة البوليساريو" على أراضيها ودعمها، إلا أنها لا تعتبر نفسها طرفاً في النزاع، لكن المغرب يرى أن حل النزاع لا يمرّ إلا عبر التفاوض بين البلدين.
دعوة جزائرية وردّ مغربي
دعا وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، إلى إجراء "مفاوضات مباشرة وجدية بين المغرب وجبهة البوليساريو" التي كانت توقفت خلال عام 2019 إثر مسلسل طويل من الاجتماعات برعاية الأمم المتحدة، والتي طبعها الجمود. ولم تتمكّن المنظمة من تقريب وجهات نظر الأطراف، جراء تمسّك الجبهة والجزائر بمبدأ حق تقرير المصير، وتشبث المغرب بأن التفاوض لا يمر إلا عبر مقترحه الخاص بمنح منطقة الصحراء حكماً ذاتياً تحت سيادته.
ومنذ استقالة مبعوث الأمم المتحدة للصحراء هورست كوهلر عام 2019، تتعثّر آلية تعيين مبعوث جديد إثر اعتراض "البوليساريو" على رئيس الوزراء الروماني الأسبق بيتري رومان، بدعوى احتمال تحيّزه للمغرب.
من جانبه، أكد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، عقب افتتاح القنصلية العامة للسنغال في مدينة الداخلة (بمنطقة الصحراء)، أنه سيتم التوصل إلى حل، لكن فقط عندما يجلس الطرفان الحقيقيان لإيجاد حل، معتبراً أن الجزائر هي الطرف الحقيقي في النزاع بالنسبة إلى بلاده.
وأشار إلى أن "للجزائر موقفاً وتوجّهاً، وهي طرف حقيقي في النزاع وفي خلقه واستمراره، وينبغي أن تتحمّل المسؤولية عن حله على قدر مسؤوليتها في إحداثه"، معتبراً أن "المسلسل السياسي له محددات... ومحدده الأساسي هو أن الطرف الحقيقي ينبغي أن يدافع عن نفسه في إطار المفاوضات وليس بإطلاق التصريحات".
لكن المحامي والباحث المغربي في ملف الصحراء نوفل البعمري، قلل من أهمية الدعوة الجزائرية، معتبراً أنها "لا تعدو أن تكون مناورة على المسار السياسي الذي أطلقته الأمم المتحدة، والتي حددت معاييره قرارات مجلس الأمن، ومنها الوصول إلى حل سياسي متوافق بشأنه بروح وديناميكية جديدتين، في إشارة صريحة لتجاوز حل استفتاء تقرير المصير باعتباره يدخل ضمن الديناميات القديمة، وإقرار إقليمية النزاع والتشديد على الدور الجزائري في هذا النزاع المفتعل حول الأقاليم الصحراوية الجنوبية".
وأكد الباحث المغربي أن موقف الرباط يتقاطع مع موقف الأمم المتحدة من حيث الإقرار بالدور الجزائري في النزاع، وكون أي حل سياسي لا يمكن أن ينجح إلا بتحوّل في الموقف الجزائري وبانخراطها الإيجابي والفاعل في المسلسل السياسي الأممي، وتخلّيها عن المناورة الجانبية لخلق معارك هامشية تُعطّل إمكانية الانطلاق في مباحثات جدية على قاعدة الحكم الذاتي.
شروط الجبهة
تتنازع "جبهة البوليساريو" مع المغرب على منطقة الصحراء منذ عام 1975، وخاض الطرفان صراعات وحروب انتهت بقرار أممي بوقف إطلاق النار وإنشاء منطقة عازلة خلال عام 1991. ومنذ ذلك الحين، يتهم كل طرف، من حين لآخر، الطرف الثاني بخرق القرار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعد ما اعتبرها استفزازات قامت بها جبهة "البوليساريو" في معبر الكركرات الحدودي الذي يربط البلاد بموريتانيا، تدخّل الجيش المغربي في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي وأنهى أزمة المعبر، إثر دفعه الجماعات المسلحة التابعة للجبهة إلى التراجع. ومنذ ذلك الحين، تدعي "البوليساريو" تنفيذ هجمات على قوات الجيش المغربي، في وقت تنفي الرباط وجود أي عمليات عسكرية ضد قواتها المسلحة.
وكانت الجبهة أكدت استعدادها التفاوض مع المغرب للوصول إلى حل سياسي لنزاع الصحراء، إذ أعرب القيادي محمد السالم ولد السالك عن استعداد "البوليساريو" للسلام مع الرباط، شرط "انسحاب قواتها من الأراضي الصحراوية المحتلة"، معتبراً أن تحقيق السلام بين الجمهورية الصحراوية والمغرب "لن يتأتى إلا بعدول الأخير عن سياسة التوسع والعدوان ضد الشعب الصحراوي".
وأبدى ولد السالك استعداد الجبهة للتعاون مع مجلس السلم والأمن للاتحاد الأفريقي، بهدف "بدء تطبيق قراره الأخير، وقرارات القمة الاستثنائية حول إسكات البنادق"، مجدداً الدعوة إلى "ضرورة التصدي بحزم إلى العدوان المغربي وفرض التزام مقتضيات القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، على الرباط".
الموقف الأميركي
أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن دعم بلاده للمفاوضات السياسية بين المغرب و"جبهة البوليساريو"، بهدف التوصل إلى حل نهائي لنزاع الصحراء، وذلك عقب اجتماع افتراضي عقده مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي حثه على الإسراع لتعيين مبعوث شخصي جديد للصحراء.
وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب أعلن في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) من عام 2020، الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، وأكدت وزارة الخارجية الأميركية جراء ذلك تعهّدها بفتح قنصلية لها في مدينة الداخلة الواقعة بمنطقة الصحراء، لكن لم يتّضح حتى الآن موقف إدارة جو بايدن بخصوص خطوة سلفه.
اجتماع مجلس الأمن
وفي انتظار عقد مجلس الأمن الدولي جلسة بخصوص قضية الصحراء في 21 أبريل (نيسان) الحالي، تواصل أطراف الصراع طرح توقعاتها من الأمم المتحدة، إذ يعوّل المغرب على أخد المنظمة الدولية الاعتراف الأميركي بسيادته على الصحراء في الاعتبار، فيما تنتظر الجزائر و"جبهة البوليساريو" اعتمادها لمبدأ تقرير المصير.
ودعا وزير الخارجية المغربي مجلس الأمن إلى "تحديد المسؤول عن خرق وقف إطلاق النار وعرقلة المسار السياسي لحل النزاع حول الصحراء المغربية"، مشدداً على أنه "ينبغي لمجلس الأمن أن يحدد، بكل موضوعية، من يخرق يومياً وقف إطلاق النار ومن أعلن خروجه عن وقف إطلاق النار، وفي المقابل من هو متشبث بوقف إطلاق النار".
وأكد بوريطة أن "هذا الخلط ينبغي أن يتوقف في ذهن مجلس الأمن والمجتمع الدولي، بين من يلتزم وقف إطلاق النار ومن يخرقه، وبين من هو مع المسار السياسي ومن يناور ضده".
في حين ينتظر ممثل "جبهة البوليساريو" في الأمم المتحدة محمد سيدي عمار أن يبدي مجلس الأمن الدولي "وعيه لخطورة الوضع الجديد في الصحراء الغربية"، الناجم عما اعتبره "عملاً عدوانياً عسكرياً شنه الجيش المغربي" في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على "الأراضي المحررة" و"يتخذ إجراءات ملموسة للتعاطي الجاد مع هذا الوضع".
وأشار الباحث البعمري إلى أن جلسة مجلس الأمن التي ستعقد هذا الشهر لتقديم إحاطة، بعد ستة أشهر من قرار 2548 الصادر في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ستكون تقنية، وستطّلع على تطورات الوضع في المنطقة، وستقف عند الخروقات التي قامت بها ميليشيات "البوليساريو"، خصوصاً للاتفاق العسكرى رقم واحد، وكذلك موقف الجبهة من اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقّعته عام 1991 مع الأمم المتحدة.
وذكر أن الجلسة ستُعقد بعد الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء، الذي يُعتبر مستمراً مع الإدارة الأميركية الجديدة، نظراً إلى أن أي تغيير لم يظهر في موقفها، وذلك بحسب الطابع الرئاسي للقرار، إضافة إلى كونه سيادياً واستراتيجياً في علاقة الولايات المتحدة مع المغرب، كما أن المجلس يعقد في ظل وضوح الموقف الأميركي من النزاع، الذي أعلن دعم الحل السياسي الذي قدّمه المغرب.