اعتمدت لجنة الانتخابات المركزية 36 قائمة متنافسة على الدخول لمظلة المجلس التشريعي، بعد مطابقة جميع الطلبات لشروط الترشح، ويدفع ذلك إلى مواجهة معركة حاسمة ومقررة لمستقبل النظام السياسي الفلسطيني.
ويمثل العدد المذكور أكثر من ثلاثة أضعاف عدد القوائم التي ترشحت في آخر انتخابات تشريعية جرت عام 2006، وخلالها تنافست 11 قائمة، تمكّنت ست منها من اجتياز نسبة الحسم.
ويضم هذا العدد الكبير 28 قائمة غير حزبية، شكّلها مستقلون وعائلات وشباب، والبقية قوائم تتبع لقوى سياسية، وجميعهم يتنافسون على 2.622 مليون مواطن يحق لهم الاقتراع.
ويعتقد المراقبون للانتخابات أن كثرة القوائم تنذر بتشتت غير متوقع لأصوات الناخبين وتوجهاتهم، وستكون بوابة لضعف الحالة السياسية المقبلة، وأيضاً بصعوبة التكهن بخريطة مقاعد القوائم الفائزة.
الكثرة دليل على حالة الفوضى
لكن، عوامل كثيرة دفعت الفلسطينيين إلى تشكيل قوائم انتخابية منافسة على عضوية المجلس التشريعي، أبرزها تخفيض نسبة الحسم للحصول على مقعد في البرلمان من اثنين في المئة إلى 1.5 في المئة، إلى جانب يأس الغزيين من الحالة السياسية التي يعيشونها وتعطشهم لواقع أفضل.
يقول الباحث السياسي محسن عبدو، "على الرغم من تعطش الفلسطينيين للعودة إلى صندوق الاقتراع والبحث عن الديمقراطية، لكن اعتماد تسجيل 36 قائمة انتخابية أقرب إلى حالة الفوضى، ويعكس حالة تشتت وتفتت المجتمع الفلسطيني، أكثر مما يبرز تنوعاً صحياً وبحثاً عن الديمقراطية، خصوصاً مع وجود انقسام وخلافات داخل التيارات السياسية الواحدة".
وبحسب عبدو، فإن العدد الكبير من القوائم الانتخابية سيكون له "تداعيات سلبية" على مستوى الناخبين في تشتيت الأصوات والحرية في اختيار أفضل ممثل عنهم، لا سيما ما يتعلق بفرض دعم القوائم المستقلة.
نسبة الحسم لعبت دوراً في كثرة القوائم
وبحسب القوائم التي سجلت لدى لجنة الانتخابات، فإن أغلبهم محسوب على مستقلين وعائلات وشباب، يرى عبدو أن كثرتهم ستضعف فرص وجود تأثير فعلي لهم داخل مظلة البرلمان في حال اجتازوا نسبة الحسم، والعدد الكبير يضعف كذلك الخريطة السياسية للمجلس التشريعي المنتخب.
وتبلغ نسبة الحسم 1.5 في المئة لعضوية البرلمان، بينما وصلت نسبة التصويت في آخر انتخابات تشريعية 77.7 في المئة من إجمالي حجم الكتلة القادرة على التصويت، ما يعني أن قيمة المقعد الواحد ستتراوح ما بين 20 إلى 30 ألف صوت انتخابي.
ويشير عبدو إلى أن التشتت في القوائم "سيؤثر في نتائج المجلس التشريعي المنتخب"، وبهذه الحالة "لا يمنح أي جهة الأغلبية اللازمة"، وكذلك سيفرض "مداولات صعبة" بشأن تشكل حكومة ائتلافية تدير قطاع غزة والضفة الغربية في ذات الوقت.
تعطش للديمقراطية
يخالفه الرأي الباحث السياسي منصور أبو كريم الذي يعتقد أن العدد الكبير من القوائم "دليل على التعطش للديمقراطية" التي تعطلت 15 عاماً، ودلالة على ضعف مصداقية الأحزاب، التي لم تعد تمثل إرادة الشعب بشكل حقيقي، لذلك برزت قوى مجتمعية وشبابية مختلفة تطالب بالدخول إلى قبة التشريعي وترفض هيمنة الفصائل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعدد القوائم الشبابية "أمر إيجابي" وفق أبو كريم، مشيراً إلى أن ضعف تمثيل الشباب في قوائم الأحزاب، واقتصارها على القادة التاريخيين لديها، "دفعهم للدخول في قوائم خاصة بهم". ولا يستبعد فشل كثير من القوائم في بلوغ نسبة الحسم، فكل القوائم تتنافس على الكتلة العائمة التي ستكون هدفاً للدعاية الانتخابية من قبل الجميع.
والكتلة العائمة هي المواطنون الذين لا ينتمون إلى أي أحزاب، وتبلغ نسبتها في غزة حوالى 30 في المئة من مليون مواطن قادر على الانتخاب.
ويؤكّد أبو كريم أن تعديل قانون الانتخابات وتخفيض نسبة الحسم إلى 1.5 في المئة السبب الرئيس الذي أسهم في زيادة أعداد القوائم، وهو ما سمح للقوائم بالذهاب منفردة وعدم التوحد ظناً منهم أنّ بوسعهم بلوغ نسبة الحسم.
وفي الواقع، لم يجر تثبيت العدد النهائي على الرغم من قبول جميع طلبات القوائم المرشحة، إذ بات لديهم الحق في الانسحاب حتى اليوم الذي يسبق انطلاق الدعاية الانتخابية، لكن المراقبين لا يتوقعون انسحاب أي قائمة أو حدوث تحالفات بينهم.
بحثاً عن امتيازات ومنصب
هذا العدد الكبير من القوائم، لا تراه الباحثة السياسية دنيا الأمل إسماعيل "إيجابياً"، تقول، إنه دلالة على أننا "نعاني تشتتاً واضحاً في الرؤية السياسية، وتفسخاً في صورة الذات والوطن".
وبحسب دينا الأمل فإن كثيراً من القوائم ينظر إلى عضوية المجلس التشريعي من منطلق الامتيازات التي قد يحصل عليها، فمبلغ 15 ألف دولار لتحسين الوضع المعيشي، وراتب شهري يقدر بنحو ثلاثة آلاف دولار، وجواز سفر دبلوماسي دائم للنائب وزوجته، وسيارة، ومرافقين، ونحو ألفي دولار كنفقات مكتب هي امتيازات مادية، جعلت من الوصول للمنصب طموحاً شخصياً وليس وطنياً. على حد تعبيرها.
بينما تعتقد بأن غالبية المرشحين لا يعرفون مهمات النائب، وآليات العمل داخل المجلس، وهذا سيدفع مؤسسات المجتمع المدني إلى تدريبهم حول كيفية سن القوانين، وتحجيم السلطة المطلقة، وهذه إشكالية خطيرة.
ومن جهة أخرى، فإن هذا العدد من القوائم قد يفتح الباب أمام "معركة قضائية" حولها إذا اعترض أي مواطن على القائمة أو مرشح داخلها، وبحسب أستاذ القانون عصام عابدين، فإن الفترة المقبلة "ستشهد كثيراً من الطعون، خصوصاً بين القوائم الحزبية، وسيكون هناك معترك قضائي ليس سهلاً".