Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"دبلوماسية المساعدات" استراتيجية ثلاثية الأبعاد

تعاون روسيا والصين في مواجهة الولايات المتحدة لا ينهي صراعاتهما الخاصة

تتنافس الصين والولايات المتحدة على تقديم مساعدات لدول نامية (أ ف ب)

وظفت الصين أموالها خارج قطرها عبر برامجها الإنمائية ومبادرة "الحزام والطريق" لبسط نفوذها في القارة السمراء، فيما تحاول روسيا استعادة موقعها كدولة كبرى لها حلفاء ووجهة للدول النامية بطرق عدة. كما مدت روسيا يدها للصين للاعتماد عليها اقتصادياً والالتفاف على العقوبات والهيمنة الأميركي، لكن هناك ملفات شائكة بين البلدين على الرغم من علاقتهما الجيدة، فهناك اتهامات لبكين باستنساخ البرنامج الروسي العسكري، فيما يتجذر الصراع التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين بشأن حقوق الملكية الفكرية إلى جانب تخوف واشنطن من تحول بكين إلى عملاق تكنولوجي ينافسها في تملك التقنية المستقبلية.

مساعدات إنسانية

قامت الصين بالإعلان عن برنامجها الإنمائي للمساعدات الخارجية، الذي أثار قلق عدد من الدول الغربية إلى جانب الولايات المتحدة. فمع مطلع عام 2006، أصبح لدى بكين مشاريع تنموية في 68 دولة إلى جانب تلقي 114 بلداً مساعدات منها، معظمها في القارة السمراء.

وتظهر الدراسات أن هذه المساعدات لدول العالم الثالث تسهم في زيادة الإقبال على السلع الصينية، كما تشير إلى أن المساعدات التنموية الصينية لأفريقيا قد أسهمت في نمو الميزان التجاري بين بكين والقارة.

وتوسعت بكين في خطواتها للمساعدات، إذ أنشأت عام 2018 "وكالة الصين الدولية للتعاون الإنمائي". وهي تقدم مساعداتها بأشكال مختلفة منها مجموعات كاملة للمشاريع، ومشاريع التقنية والتعاون في مجال الموارد البشرية والبرامج التطوعية من خلال التبرع أو المنح، معظمها يصب في مشاريع الرعاية الصحية، والقروض بلا فوائد أو بشروط ميسرة.

كما أن مبادرة "الحزام والطريق"، هي أحد مشاريع البنية التحتية الطموحة التي أطلقها الرئيس الصيني تشي جين بينغ عام 2013، وتستهدف إطلاق استثمارات ومشاريع تنموية تمتد من شرق آسيا وحتى أوروبا لزيادة تأثير الصين الاقتصادي والسياسي. 

ومن خلال المبادرة، أسهمت الصين في عدد من مشاريع البناء والطرق والجسور. وفي مارس (آذار) الماضي، وصلت مبادرة الصين "الحزام والطريق" إلى إيران، فقد أعلن البلدان اتفاقاً للتعاون مدته 25 عاماً، يتضمن ضخ استثمارات صينية كبرى في مشاريع البُنى التحتية.

وتسبب هذه المبادرات والقروض والمشاريع قلقاً للولايات المتحدة، حيث تزيد هذه المساعدات والقروض من النفوذ السياسي والاقتصادي في هذه الدول. 

وتزعم بعض المنظمات في الولايات المتحدة أن هذه المشاريع من شأنها أن تزيد من احتمالية تبني النظام الشمولي الموجود في الصين في هذه البلدان النامية، وتقوض الاستقلال السياسي الاقتصادي لهذه الدول على المدى الطويل.

وتكلف المساعدات ما يقل عن 1 في المئة من الميزانية الفيدرالية للدولة، في حين تقدم الولايات المتحدة أكبر مساعدات للدول النامية والفقيرة من بين الدول الكبرى.

وتنقسم المساعدات الأميركية إلى مساعدات إنسانية وتنموية وأمنية، وقدرت عام 2019 بحوالى 34 مليار دولار. وتصف الولايات المتحدة مساعدتها باعتبارها برامج خارجية تهدف إلى مساعدة البلدان النامية في التأهب والطوارئ والإغاثة من الكوارث والتنمية الاقتصادية والحد من الفقر، وتركزت أخيراً بشكل ملحوظ في مجال الخدمات التكنولوجية، بينما تصف واشنطن المساعدات الصينية التنموية عبر قروضها الميسرة بـ"دبلوماسية فخ الديون".

ومع توسع المساعدات الأميركية في محاولة حثيثة لسحب البساط من تحت قدمي بكين، أنشأت الولايات المتحدة وكالة جديدة للتنمية، وهي مؤسسة التمويل للتنمية الدولية، تسعى إلى حشد رأس المال الخاص من أجل التنمية وتوفير الموارد للأسواق الناشئة. وقد أسست بتكلفة بلغت 60 مليون دولار لتزويد البلدان ببدائل عن الاستثمارات المدعومة من حكومات الدول.

وتحاول روسيا استعادة موقعها كدولة كبرى لها حلفاء ووجهة للدول النامية. وبلغت قيمة المساعدات التنموية الدولية الروسية 610 مليون دولار قبل أعوام، كما أصبحت موسكو في الآونة الأخيرة من الدول المانحة، لتقوية وضعها ودورها الجيوسياسي وتحقيق مصالحها الوطنية. لكن يرى بعض الخبراء وجود فجوة بين طموح روسيا السياسي وسياسات المساعدات التنموية للدول النامية.

وصاحب تحول موسكو إلى دولة مانحة، ميلها إلى استخدام مبدأ القوة الناعمة في اتخاذ القرارات والتعامل مع الدول النامية. وتغطي المساعدات الروسية عدداً من بلدان القارة الأفريقية وآسيا وأميركا الجنوبية والوسطى مع تركز لها في وسط آسيا. 

ووضعت إدارة الرئيس فلاديمير بوتين في خطتها للمساعدات الخارجية أهدافاً مثل تقليل الفقر وجهود الإغاثة في الكوارث وتطوير الشراكات التجارية والاقتصادية. فقد أرسلت موسكو في 2 أبريل (نيسان) الحالي 12 طناً من المساعدات الطبية إلى تركمانستان من بين المساعدات الإنسانية الروسية المُخصصة لبلدان الدول النامية.

روسيا تعتمد على الصين

تتمتع الصين وروسيا بعلاقات جيدة إلى حد كبير. وعلى النحو الاقتصادي، كانت الصين في الماضي تستورد كثيراً من منتجات موسكو خلال فترة التسعينيات، حين كانت بلداً نامياً.

لكن الأوضاع تبدلت، فروسيا تعتمد على الأموال التي تضخها الصين في اقتصادها. إذ تقدر قيمة التجارة الروسية بما يزيد على 15 في المئة من إجمالي تجارتها، فيما يقدر حجم التجارة الصينية مع روسيا بما يقل عن 1 في المئة مقارنة مع إجمالي تجارة بكين. كما أن السياحة الصينية في روسيا تقدر بحوالى 30 في المئة من إجمالي السياحة في روسيا. 

من جانب آخر، تتهم بعض الشركات الروسية الصين باستنساخ تقنية الأسلحة العسكرية الروسية بشكل غير قانوني. وعلى الرغم من تصدير روسيا لما يقرب من 70 في المئة من الأسلحة العسكرية الصينية، فإن بعض المحللين يرون أن تقدم الصين في الصناعة العسكرية يُنذر روسيا بإمكانية تخلي بكين عن أسلحتها، والاكتفاء الذاتي بعد تحقيق إنتاج معدات أكثر تطوراً، وهو ما يمكن أن يمثل تهديداً للاقتصاد الروسي على المدى الطويل.

كما أن مبادرة "الحزام والطريق" التي تستهدف بها الصين القارة الأوراسية، من الممكن أن تولد خلافاً مستقبلياً مع روسيا، إذ رأت موسكو فيها تهديداً لاستقلال اقتصادها، أو تغيير القيادات السياسية مستقبلاً.

ويرى المحلل السياسي ويليس سباركس، أن في التقارب الروسي الصيني في بعض الأحيان إضافة لقيمة جيدة على المستوى العالمي. إذ يذكر أن بكين وموسكو استخدمتا الجائحة الأخيرة لتعزيز صورتهما وتأثيرهما الدوليين، وهو أمر جيد لأنهما عملتا على تصنيع اللقاحات وتوزيعها على عدد من الدول والإسهام في تطعيم عدد كبير من الأشخاص على مستوى العالم.

عقوبات بالجملة 

تجمع روسيا والولايات المتحدة علاقات اقتصادية وتجارية كبرى باعتبارهما دولتين كبيرتين. ووصل حجم التجارة بين البلدين عام 2019 إلى ما يقرب من 35 مليار دولار، كما احتلت موسكو المرتبة الـ40 بين أكبر سوق لتصدير السلع للولايات المتحدة في العام نفسه، كما وصلت روسيا إلى المرتبة الـ20 بين أكبر الموردين للبضائع المستوردة في الولايات المتحدة. 

غير أن هذا الحجم من التبادل التجاري لم يمنع الولايات المتحدة من إقرار عقوبات اقتصادية على روسيا في عدد من المرات. ففي عام 2014، أوقفت واشنطن المحادثات التجارية والاستثمارية والتعاون العسكري مع موسكو بسبب الأزمة الأوكرانية، كما فرضت حظراً في 2018 على مبيعات الأسلحة والائتمان الحكومي الأميركي وتصدير السلع الحساسة بالنسبة إلى الأمن القومي. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأخيراً، جددت أميركا عقوباتها على روسيا بسبب استخدام الأسلحة الكيماوية على سيرغي سكريبال. وفي مارس الماضي، أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة على موسكو، على خلفية الاتهام بتسميم المعارض الروسي أليكسي نافالني. وكان من بين العقوبات التي أعلنت عنها، وقف وإنهاء المساعدات الأجنبية لروسيا وإنهاء بعض مبيعات الأسلحة لها.

وقد رفضت الصين، متضامنة مع روسيا، العقوبات الأميركية والأوروبية التي تُفرض على البلدين بين حين وآخر. إذ أعلن وزيرا خارجيتي الصين وروسيا في 23 مارس الماضي استنكارهما للعقوبات الغربية، واتهما الولايات المتحدة بالتدخل في الشؤون الداخلية السياسية للبلدين.

وعلى جانب آخر، أثر استمرار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين على الاقتصاد الروسي. فمع الوضع الحالي، يصبح التوسع في التعاون بين موسكو وبكين أكثر ترجيحاً. ففي عام 2018، وصل حجم التجارة بينهما إلى 108 مليارات دولار بزيادة وصلت إلى 27 في المئة عن العام الذي سبقه، وكانت الزيادة الكبرى في الصادرات الروسية للصين من منتجات الطاقة والنفط والنحاس.

ومن الممكن أن يحدث تأخر التنمية الاقتصادية الصينية الناتج من الحرب التجارية تأثيراً على روسيا، باعتبارهما شريكين تجاريين تربطهما علاقات اقتصادية قوية. 

حقوق فكرية

تسعى الصين للوصول عام 2027 إلى سياسة "صُنع في الصين". ويهدف الطموح الصناعي إلى زيادة المحتوى المُصنع محلياً والتحول من كونها مصنعاً للقطع منخفضة التكلفة إلى شركة منتجة للسلع ذات التقنية العالية، مستفيدة من قاعدة المستهلكين الأثرياء في الداخل وقطاع التوريد العالمي ذي القيمة المضافة. 

لكن الولايات المتحدة تنظر إلى هذه السياسة باعتبارها خطراً على صناعتها للتقنية وحقوق الملكية الفكرية، حيث تسعى السياسة الصينية إلى زيادة قدرة التصنيع في إمدادات المكونات الرئيسة للتكنولوجيا في عدة مجالات. ومع نشر سياسة الصين (صُنع في الصين 2025) في 2015 اتهمت الولايات المتحدة أشخاصاً وشركات صينية بسرقة حقوق الملكية الفكرية التي نُفذت على الأقل في ثمانية من عشرة قطاعات ضمن الخطة. 

ومنذ عام 2018، بدأت واشنطن وبكين في تطبيق إجراءات صارمة على التجارة بينهما، ومنها زيادة التعريفات الجمركية على السلع، ومن بين الأسباب التي وضعتها الولايات المتحدة لزيادة التعريفات الجمركية، قلة حماية حقوق الملكية الفكرية في الصين والنقل القسري للتكنولوجيا من الشركات الأجنبية المستثمرة فيها، والمشاركة المكثفة للحكومة الصينية في اقتصادها من خلال دعم الشركات المملوكة للدولة. 

وتتهم واشنطن بكين بخرق اتفاقية منظمة التجارة العالمية في الجزء الخاص بالملكية الفكرية في العلاقات التجارية.

على سبيل المثال، أكدت الولايات المتحدة أن لوائح الصين تمنح الطرف الصيني الحق في الاستمرار باستخدام التكنولوجيا المنقولة بموجب اتفاقية الشروط المشتركة حتى بعد انتهاء مدتها وتخرق حق أصحاب البراءات الأجانب في ممارسة حقهم ببراءة الاختراع.

في حين تنفي الصين امتلاكها لأي برامج حكومية تستهدف سرقة حقوق الملكية الفكرية والتقنية. كما تؤكد أن الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة ضد السلع الصينية، بزعم انتهاك حقوق الملكية الفكرية، تنتهك التزاماتها والتفاهم بشأن القواعد والإجراءات التي تحكم تسوية المنازعات، وقد تقدمت بكين بشكوى ضد واشنطن لدى منظمة التجارة العالمية.

وأعلنت حكومة تايوان، التي تشهد صراعاً مع الحكومة الصينية، اتفاقها مع الاتهامات الأميركية بسرقة الصين لحقوق الملكية الفكرية، وقبل أيام قليلة، أعلنت تايوان أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تدفع بكين إلى سرقة التقنية وتصيد المواهب التايوانية رغبة في تعزيز الاكتفاء الذاتي من صناعة أشباه الموصلات في الصين.

حرب التقنية

يرتبط الصراع التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين بحقوق الملكية الفكرية إلى جانب تخوف واشنطن من تحول بكين إلى عملاق تكنولوجي ينافسها في القوة العالمية. 

ويصف أستاذ العلوم السياسية غراهام أليسون، العلاقة التنافسية بين بكين وواشنطن بحالة "فخ ثيوسيديدز" التي تشير لرؤية قوة عظمى لتهديد في موقعها المهيمن من قبل قوة صاعدة جديدة، مع ميل الاتجاه العام إلى القوة الجديدة، لذلك فالقوة المهيمنة تعمل على إيقاف مسارها. 

وفي محاولات لتقويض دور الشركات التكنولوجية الصينية، أضافت الولايات المتحدة شركة "هواوي" والشركات التابعة لها في مايو (أيار) 2019 في قائمتها للكيانات التي تعتبرها الدولة تهديداً لأمنها القومي. كما منعت الشركات الصينية من استخدام التكنولوجيا الأميركية في إنتاج سلعها وخدماتها. وصعدت في أغسطس (آب) الماضي من تلك العقوبات بإيقاف إمدادات الرقائق التكنولوجية المتطورة لشركة "هواوي". 

كما أمر الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترمب، العام الماضي شركة "بايت دانس" الصينية المالكة لتطبيق "تيك توك" ببيع منتجها إلى شركة أميركية وهدد بحظر التطبيق في بلاده، وحظر شركة "تينسيت" المالكة لتطبيق المحادثات الصيني "وي تشات" من العمل في الولايات المتحدة.

وذكرت مصادر أن الشركة الصينية "شاومي" كثفت من استثماراتها في قطاع الشركات الصينية المنتجة للرقائق التكنولوجية للحد من الاعتماد على التقنية الأجنبية. فيما صرحت "شاومي" في مارس الماضي بأن طموحها في تطوير الرقائق بات يؤتي ثماره، كاشفة عن شريحة معالج الصور المصممة داخلياً في الصين لاستخدامها في أول هاتف ذكي قابل للطي، بالإضافة إلى مجموعة واسعة من الأجهزة الجديدة.

وأوضحت خبيرة شؤون التكنولوجيا والاقتصاد الصيني، سارة هسو، أن المحادثات بين الصين والولايات المتحدة أساسية لإنهاء الحرب التجارية والتكنولوجية بين البلدين، مؤكدة أن المباحثات ليست كافية وحدها، إذ يجب أن يتطرق البلدان إلى حل مشكلات حقوق الملكية الفكرية وانتهاكات حقوق الإنسان والتدخلات العسكرية، لإصلاح العلاقات بينهما.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير