Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قرى النقب غير المعترف بها "خارج الخريطة" الإسرائيلية

مخطط لتهجير 140 ألف بدوي لتعزيز الحضور الأمني

يبلغ عدد البدو في النقب 280 ألف نسمة (اندبندنت عربية)

للمرة الخامسة والثمانين بعد المئة، تُهدم قرية العراقيب البدوية في صحراء النقب شمال مدينة بئر السبع (جنوب فلسطين)، ليس بفعل عوامل الطبيعة القاسية في تلك الصحراء، بل لأن السلطات الإسرائيلية تعتبرها و34 قرية عربية أخرى غير معترف بها (غير قانونية). فأكثر من 300 فرد من سكان العراقيب شُردوا في العراء، ويستعدون لخوضِ معركة جديدة لإعادة نصب خيامهم التي هدمت، على الرغم من أنهم يملكون وثائق (شهادات ملكية للأرض) صادرة أيام الحكم العثماني.

مختار قرية العراقيب في النقب صياح الطّوري (75 سنة) يقول "في 25 مارس (آذار) الماضي وبعد يومين من انتخابات الكنيست الإسرائيلي، هدمت السلطات الإسرائيلية قريتنا للمرة 185 منذ عام 2000، وذلك في إطار مخطط ممنهج لتهجير عرب النقب في القرى غير المعترف بها ويصل عددهم إلى قرابة 140 ألف نسمة. وعلى الرغم من أن إسرائيل لا تمتلك وثائق تؤكد ملكيتها الأرض، إلا أنها تسعى من خلال الهدم والتهجير وعدم الاعتراف بقرى النقب (35 قرية) إلى السيطرة المباشرة على 800 مليون متر من أراضي منطقة النقب وطرد أهلها العرب".

تجمعات حضرية

في سبعينيات القرن الماضي، أقامت إسرائيل 7 بلدات في النقب، ونَقلت إليها قرابة نصف السكان البدو (العدد الكلي للبدو في النقب يبلغ 280 ألف نسمة)، وبعد نزاع مستمر مع السكان، اعترفت قبل سنوات بـ 11 قرية بدوية من أصل 46، لتبقى 35 قرية غير معترف بها، وتَعمل السلطات الإسرائيلية على هدمها وتجميع سكانها في البلدات أو التجمعات الحضرية التي أقامتها لهذا الغرض، بناء على قرار اتخذته المحاكم الإسرائيلية عام 1948 بأنه "لا ملكية للبدو في أرضهم".

ويروي رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب عطية الأعصم "منذ عام 2015 حتى 2020 تم هدم 11 ألف و600 منزل في القرى غير المعترف بها، في المقابل استطاعت السلطات الإسرائيلية إقامة أكثر من 200 مستوطنة وبلدة للمواطنين اليهود، وأكثر من 100 مزرعة فردية من دون أن تكون لهم ملكية على الأرض أو أي أوراق ثبوتية، وتشجع باستمرار على انتقال السكان اليهود من جميع أنحاء إسرائيل إلى النقب. لكن، السياسة الرسمية التي انتهجتها تل أبيب على مر السنين، كانت عدم الاعتراف في القرى البدوية، بل تركيز وتجميع السكان في مناطق حضرية ليتم تقليص مساحات الأراضي الموجودة بحيازة المواطنين البدو والتضيق عليهم، علماً أنهم يحملون الهوية الإسرائيلية. في القرى غير المعترفِ بها، لا تُوجد مرافق عمومية، وهناك 4 عيادات فقط في 35 قرية لقرابة 90 ألف نسمة، والبيوت غير متصلة بشكل منظم بشبكة المياه والكهرباء، إذ يحصلون على المياه من النقاط المركزية التي قد توجد على بعد كيلومترات من بيوتهم، ما يمس بجودة المياه ويزيد من تكلفتها، إضافة لذلك لا توجد شوارع معبدة، ومعظم القرى مقطوعة عن خدمات المواصلات العامة أو خطوط الهاتف وأبراج الاتصالات الخلوية".

تطوير البدو

في المقابل، تؤكد سلطة توطين البدو في النقب (مؤسسة حكومية إسرائيلية)، عبر صفحتها الرسمية، أن الخطة الخمسية التي امتدت بين أعوام 2017 و2021 ضخت أكثر من 3 مليارات شيكل (قرابة 800 مليون دولار) في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع البدوي في النقب، شملت خدمات اجتماعية وتعليم وبنى تحتية، كزيادة نظام النقل العام في التجمعات البدوية، وتسويق حوالى 30 ألف وحدة سكنية في التجمعات البدوية، والمساعدة في دعم قطع الأراضي وتطوير 10 مناطق صناعية وتجارية وتشغيلية في التجمعات البدوية في النقب، إضافة إلى منح خاصة للشركات التي توظف السكان البدو.

في حين قال الوزير الإسرائيلي الأسبق بيني بيغن في وقت سابق "لا يمكننا مد آلاف الكيلومترات من أنابيب المياه لإيصال المياه لكل مجموعة من بعض أكواخ في الصحراء، فإذا أردنا تحسين أوضاع البدو، علينا إيجاد مجتمعات معقولة الحجم، لنستطيع بناء مدرسة لكل منها، وضمان عدم الإفراط في التباعد بين البيوت، لكي يتمكن أصغر التلامذة سناً من الوصول إلى مدرسته".

وأكد بيغن أن 15 في المئة من البدو، ممن لديهم مطالبات تتعلق بملكية الأرض، وقد يترتب عليهم التحول إلى مكان آخر، سيتلقون 100 في المئة من التعويض. وأضاف أن "البدو مواطنون متكافئو الحقوق وهم جزء لا يتجزأ من النقب، ونحن نتحمل مسؤولية مساعدتهم على الخروج من المأزق وضمان مستقبل أفضل لأطفالهم، وننتظر من المجتمع البدوي الذي كنا قد عقدنا معه سلسلة ممتدة غير مسبوقة من جلسات الاستماع، أن يقارب هذه القضية بشكل مسؤول".

موارد ضئيلة

الجمعية العربية اليهودية لدعم المساواة في إسرائيل "سيكوي"، كانت قد لفتت إلى أن إحدى مشاكل الخطة الحكومية لتطوير البدو (الخطة الخمسية 2017- 2021) هي أنها لا تتطرق إلى المشكلات الأساسية النابعة من عدم الاعتراف بالقرى، لذلك عملياً، كمية الموارد التي تصل إلى سكان القرى غير المعترف بها ضئيلة جداً. فهنالك نحو 4 آلاف طفل (3- 5 سنوات) لا يذهبون إلى الأطر التربوية، و25 في المئة من طلاب البلدات البدوية لم يُنهوا الثانوية العامة عام 2018 (مقارنة مع 12 في المئة في المجتمع العربي عامة و6.5 في المئة في المجتمع اليهودي)، وأن أحد الأسباب لفقر ثلثي سكان النقب العرب، هو نسبة العمل المتدنية وبعدهم عن مراكز العمل، إضافة إلى البنى التحتية الرديئة وغياب للمواصلات.

مخططات

حسب مركز الدفاع القانوني لحقوق الأقلية العربية (عدالة)، فإن السلطات الإسرائيلية لا تطمع بالسيطرةِ على 800 مليون متر التي يعيش عليها بدو النقب في القرى مسلوبةِ الاعتراف فحسب، بل تعمل لتعزيز الحضور الأمني الإسرائيلي هناك، وتشبيك المنشآت العسكرية والصناعية الإسرائيلية، وربطها بشبكة طرق ومواصلات متطورة، حيث تسعى السلطات الاسرائيلية (حسب عدالة) لإقامة المئات من المشاريع والشركات الناشئة، من خلال توظيف موارد مالية كبيرة لاستثمارها في النقب، ومن ضمنها المصانع العسكرية وذلك ضمن الخطة الحكومية الاستراتيجية التي بموجبها يتم نقل المصانع والمراكز العسكرية من شمال إسرائيل إلى جنوبها، لتوسيع رقعة الأحياء الاستيطانية السكنية على حساب مصادرة الأراضي في النقب.

تقول مسؤولة وحدة الأرض والتخطيط في مركز عدالة ميسانة موراني، "عام 2013 تم إسقاط مخطط برافر (يقضي بتهجير سكان قرى النقب وضمهم إلى ما يسمى ببلديات التركيز) بعد مظاهرات ومحاكم واعتراضات، لكننا اليوم نشهد المئات من المخططات الإسرائيلية المتلاحقة، التي تسعى لتهجير بدو النقب بطرق وأساليب قانونية وبحجج أمنية، إذ ما زالت المنشآت والمنازل العربية لبدو النقب تهدم، استناداً إلى ما يسمى قانون التنظيم والبناء الذي يعتبر قانون كامينتس جزءاً منه، إضافة إلى قانون الأراضي، وهو ما تسبب في تسريع عمليات الهدم وتغريم الأهالي التي قد تصل إلى 300 ألف شيكل (90 ألف دولار)، وهناك غرامات مالية يومية لاستخدام المنازل غير المرخصة".

معسكرات ومناجم

عام 2019 صادقت السلطات الإسرائيلية على مخطط "رامات بيكاع"، الذي ستُنقل بموجبه مصانع عسكرية وصناعية إسرائيلية ومصانع كيماويات خطيرة من شمال إسرائيل إلى منطقة النقب، أدت حسب الصحافة الإسرائيلية لارتفاع درجات التلوث في المناطق الساحلية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تضيف موراني "مخطط رامات بيكاع الذي سيبدأ تنفيذه عام 2023 يهدد بترحيل 550 عائلة فلسطينية من ست قرى بدوية، وفي حال رفض العائلات ستتعرض لأخطار مباشرة ناجمة من المصانع الكيماوية التي ستُقام هناك، إذ تبلغ المساحة التي ستبنى فوقها المصانع نحو 113 مليون متر، سيخصص 40 في المئة منها لتجربة السلاح. ما سيعرض أهالي المنطقة لمزيد من الأخطار، وتمت المصادقة على المخطط من دون أي اعتبار لملكية الأرض. وفي رقعة أخرى من النقب صادقت الحكومة الإسرائيلية على مخطط لبناء منجم فوسفات بمحاذاة أربع قرى (واحدة معترف بها) متجاهلة وجود 15 ألف بدوي، فإلى جانب هدم قرابة 2000 مبنى ومدرستين ابتدائيتين تضمان أربعة آلاف طالب لمصلحة منجم "سدي برير"، أكدت جهات صحية إسرائيلية عدة أن المواد المنبعثة من عملية استخراج الفوسفات، يمكنها أن تؤدي لأمراض خطيرة لسكان المنطقة، كما يستهدف أراضي النقب والقرى الفلسطينية التي لا تعترف بها إسرائيل مخططين آخرين، هما مخطط سكة حديد يروحام- ديمونا وسكة عراد بهدف تقصير المسافات وتخفيف عناء السفر على الجنود، إذ تفصل سككك الحديد بين القرى وتشكل حاجزاً بين عائلاتها وبيوتها مهددة ببقائها كتلة واحدة".

وعود نتنياهو وإدانة دولية

بداية مارس الماضي، زار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بعض قرى النقب، واعداً، وفق هيئة البث الإسرائيلية "مكان"، بـ" أنه سينقل ملف المواطنين البدو في النقب إلى مكتبه وسيتولى متابعته شخصياً، كما تعهد بتحويل مليار و500 مليون شيكل (430 مليون دولار) لمكافحة العنف في الوسط العربي". في حين دعت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل، رؤساء السلطات المحلية العربية في النقب والمجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها، إلى استمرار التظاهرات أمام مكتب رئيس الحكومة في القدس، احتجاجاً على سياسة الهدم والتهجير والتحريش (زراعة أشجار بجانب القرى البدوية لمنع سكانها من الرعي والتمدد العمراني) التي تمارسها السلطات الإسرائيلية.

يذكر أن المنظمة الحقوقية الدولية "هيومن رايتس ووتش"، كانت قد دعت إسرائيل في تقريرها الصادر في مارس 2008، إلى التجميد الفوري لأوامر هدم المنازل في النقب، وسن آلية مستقلة للتحقيق في هذه الأساليب التمييزية وغير القانونية في طريقة تنفيذ هدم البيوت، مؤكدة أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يحظر التمييز العرقي ويدين الفصل العنصري، ويحمي الحق بالمسكن اللائق.

وأكدت المنظمة في تقريرها الصادر عام 2020 أن "السياسة الإسرائيلية، تعامل البلدات داخل حدودها بغياب فاضح للمساواة حيث تحشر الفلسطينيين في أماكن مكتظة، بينما تمنح أراضي واسعة للبلدات اليهودية".

المزيد من تقارير