Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وساطة بري الحكومية لم تثن عون عن الثلث المعطل

تصر الرئاسة على تسمية الوزراء المسيحيين الـ12 على الرغم من الضغط الدولي لتسريع الحكومة

الراعي مستقبلاً عون في بكركي السبت 3 أبريل الحالي (دالاتي ونهرا)

يتعاطى الوسط السياسي اللبناني بكثير من الحذر والشكوك مع المحاولة الجديدة التي يقوم بها رئيس البرلمان نبيه بري من أجل الخروج من مأزق الفراغ الحكومي هذه المرة، نظراً إلى أن المحاولات السابقة فشلت خلال الأشهر السبعة الماضية، نتيجة تباعد المواقف بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري.
ما تجمع عليه مصادر المعلومات هو أن هناك مناخاً ضاغطاً متعدد الأوجه باتجاه وجوب إخراج لبنان من عنق الزجاجة لأن وضعه المالي والمعيشي شارف على الانحدار نحو هوة سحيقة، في حال استمر الفراغ الحكومي الذي يحول دون استدراك أزمته، إذ حذر وزير المال غازي وزني في 2 أبريل (نيسان) الحالي، من أن دعم سلع أساسية، لم يخضع ارتفاع أسعارها لقفزات سعر صرف الدولار، من الأموال الاحتياطية في مصرف لبنان، سيتوقف في آخر مايو (أيار) المقبل. ودفع هذا المناخ نحو إطلاق يد بري لمحاولة إيجاد حلول وسط لإنتاج حكومة من 24 وزيراً بدلاً من صيغة الـ18 وزيراً التي اقترحها الحريري، ورفضها عون، لكن مع ضمان ألا يحصل أي فريق على الثلث المعطل في الصيغة الجديدة، خصوصاً أن هذا الأمر يرفضه الحريري وبري و"حزب الله" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" بقوة.
وعلمت "اندبندنت عربية" من مصادر عدة أنه في وقت يقضي الحل الوسط أن يحصل عون على حق تسمية 8 وزراء، بحيث لا يحصل فريقه على الثلث المعطل، مع توزيع للوزارات على التحالفات وفق صيغة ثلاث ثمانيات، فإن بري لم يحصل على تأكيد نهائي من عون بقبوله حصر حقه بتسمية 8 وزراء فقط من ضمنهم وزير أرمني يسميه حليفه حزب "الطاشناق"، والوزير الدرزي الثاني الذي سيسميه عضو تكتله النيابي النائب طلال أرسلان. ويعتبر الفريق الرئاسي أن "الطاشناق" مستقل عن حصة الرئاسة، ويطالب بحق عون في تسمية الوزراء المسيحيين الاثنى عشر (نصف مقاعد الحكومة في حال كانت من 24 وزيراً)، رافضاً تدخل الحريري في تسمية أي منهم، ما يعني حصوله على أكثر من الثلث المعطل.
وسواء صحت الذرائع الخارجية أو المحلية لاستمرار معاناة اللبنانيين، فإن التداخل بين العوامل الداخلية للمأزق اللبناني والعوامل الخارجية، يجعل الأمور ملتبسةً في كثير من الأحيان، فهل أن ما أخر قيام الحكومة التي يفترض أن تبدأ مسار الحلول هو الخلاف على الثلث المعطل بين عون والحريري، والتنافس على صلاحيات تسمية الوزراء وعدد أعضاء الحكومة؟ أم أن الأمر يتعلق بقرار إيراني بالتشدد في تعطيل قيام حكومة وفق المبادرة الفرنسية التي تدعمها الدول الغربية، ومعها روسيا، أسوةً بالتصعيد الذي تمارسه طهران في المنطقة تجاه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على امتداد الإقليم، في إطار تبادل الضغوط قبل المفاوضات على الملف النووي ودور إيران الإقليمي؟
وعلى الرغم من أن قراءة التعطيل على أنه يمارس بقرار إيراني في انتظار المفاوضات في شأن البرنامج النووي، تستند إلى تكهنات وإلى الاعتقاد أن "حزب الله" لو أراد، لكان قد مارس نفوذه على حليفه الرئيس عون وصهره رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل لتليين موقفهما من تشكيل الحكومة، فإن أصحاب هذه القراءة يشيرون إلى الاجتماع الذي سينعقد الثلاثاء 6 أبريل (نيسان) الحالي، في فيينا بين الدول الأوروبية المعنية وإيران بحضور الجانب الأميركي للتفاوض مع طهران في شأن رفع العقوبات الأميركية المفروضة عليها، لعل بدء التفاوض يغني عن استخدام لبنان ورقة ضاغطة بيد إيران على الدول الغربية، ويفرج عن الحكومة.

تحرك ماكرون والمناخ الدبلوماسي الضاغط

ويقول أحد السياسيين المشاركين في الاتصالات التمهيدية التي سبقت استعداد رئيس البرلمان نبيه بري للوساطة بين عون والحريري، إن "من العوامل الخارجية التي دفعت نحو تحرك بري، ما سمعه المسؤولون اللبنانيون كافة من مواقف تلح على تأليف الحكومة وتضغط في هذا الاتجاه، بحيث باتت الدول قلقةً من أن يسقط التدهور المالي الاقتصادي الدولة اللبنانية بشكل كامل". كما أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مروحة اتصالات مع زعماء دول أوروبية ومع الجانب الأميركي، سواء شخصياً، أو عبر معاونيه، لإبلاغهم بأن لبنان ينزلق إلى وضع خطير، وهناك ضرورة للضغط من أجل تأليف حكومة يصعب من دونها تنفيذ الخطوات الإنقاذية.
وقبل اتصالات ماكرون بسائر الدول المعنية، كان الدبلوماسيون العاملون في بيروت توصلوا بمعظمهم إلى قناعة بوجوب تدارك الفراغ الحكومي بسرعة. وتوافقت هذه الدول على أنه يجب عدم التخلي عن البلد الذي بلغ وضعاً مزرياً من ناحية الأمن الغذائي، في حين تستمر أزمته الحكومية في ظل عدم قدرة حكومة تصرف الأعمال على تنفيذ أي من الإصلاحات المطلوبة لضخ بعض المال في أسواقه، ما يحتم استعجال الحكومة. فلا ثقة لدى أي مستثمر بالقطاع المالي والمصرفي اللبناني من دون إجراء الحد الأدنى من الإصلاحات. وبات برنامج الحكومة الإصلاحي يوازي تشكيلها أهمية، خصوصاً أن خريطة الطريق الفرنسية التي اتفق ماكرون مع القوى السياسية عليها في 1 سبتمبر (أيلول) الماضي، باتت تحتاج إلى تحديث، إذ إن تطورات طرأت على الأوضاع المالية الاقتصادية، وانعكست على الظروف المعيشية، بالتالي يجب إضافة بنود عدة إليها. فليس تفصيلاً بسيطاً أن يصبح نحو 55 في المئة من اللبنانيين في حالة فقر، في حين تقول إحصاءات المنظمات الدولية إن الفقر سيزداد في كل شهر بنسبة 2 في المئة.
 


هل تكون الأزمة فرصة لتغيير المسار؟

من القواعد في عمليات إصلاح الاقتصاد في دول متعثرة مالياً، تفترض أن الأزمة التي يمر فيها تكون مناسبة أو فرصة لتغيير المسار. فالنموذج الاقتصادي اللبناني ليس صالحاً للنهوض من المأزق، بالتالي وجبت الإفادة من الظرف لإطلاق أسس جديدة للاقتصاد، بحيث يصبح متنوعاً ومنتجاً، ولذلك فإن ما كان يحتاج إليه لبنان من استثمارات قدرت بـ11 مليار دولار للنهوض به، بات اليوم يتطلب ضعف هذا المبلغ. كما أن الحاجة إلى الحماية الاجتماعية، في ظل ترشيد الدعم لعديد من السلع لوقف استنزاف احتياطي المودعين في مصرف لبنان، صارت الآن أكثر من ضرورية.

وتشدد البعثات الدبلوماسية منذ أسابيع على ضرورة الإسراع في العملية الإنقاذية كأنهم يقولون للقادة السياسيين في لبنان "استيقظوا"، لكن عدم الاستجابة تسبب إحباطاً لهم، لأن الزعماء لا يكترثون لسوء الأوضاع، فهم مطمئنون إلى أن الولاء لهم مستمر، ولا تغيير في دورهم في الخريطة السياسية، بينما دخل لبنان منطقة الخطر الفعلي، في ظل غياب أي جاذب للاستثمار فيه.

موسكو وبكين تلحان على قيام الحكومة

في الموازاة، فإن رهانات "حزب الله" وحلفائه على "التوجه شرقاً"، كما قال أمينه العام، حسن نصر الله، عبر طلب الاستثمارات الصينية والروسية (والإيرانية)، لا يلقى آذاناً صاغية من موسكو وبكين. فروسيا تمارس ضغوطاً وتستعجل قيام الحكومة برئاسة الحريري من دون حصول فريق رئيس الجمهورية على الثلث المعطل، لتنفذ الإصلاحات، وتتمكن من الحصول على المساعدات المالية من الدول الغربية. أما الصين فأوضحت سفارتها في بيروت أكثر من مرة استعداد شركاتها للاستثمار في البلد والاتفاق مع الحكومة على بعض المشاريع. كما أن الدولتين الكبيرتين تصران مثل واشنطن وباريس وسائر دول أوروبا على تشكيل الحكومة بسرعة، كونهما في عداد "مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان" التي كررت في بيان لها في 11 مارس (آذار) الماضي "الدعوة العاجلة لقادة لبنان لعدم تأخير تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات وقادرة على تلبية احتياجات البلاد الملحة وتطبيق الإصلاحات الحيوية".

ويلاحظ المراقبون للحركة الخارجية الضاغطة، أنه تقصد الرئيس ماكرون الإعلان عن اتصال حصل بينه وبين مسؤول سعودي رفيع قبل أيام لتسريع حل  أزمة الحكومة.
 وقال مصدر في الرئاسة الفرنسية إنهما "يتشاركان الرغبة نفسها في رؤية حكومة ذات صدقية" في لبنان لإخراجه من أزمته الحادة. وأضاف المصدر أن ماكرون والمسؤول السعودي "يعتبران أنه لا بد من حكومة قادرة على تنفيذ خريطة الطريق للإصلاحات المطلوبة للنهوض، والتي التزم ها القادة السياسيون اللبنانيون"، مشدداً على أن تشكيلها "شرط لحشد مساعدة دولية طويلة الأمد".

التباين بين بري و"حزب الله"

لكن هناك عوامل داخلية ضاغطة قد لا تقل أهمية بالنسبة إلى بعض الجهات الخارجية، وربما تكون أكثر تأثيراً في الدفع نحو تسريع الحكومة. وأرجع مراقبون حديث نصر الله عن أن لبنان استنفد وقته في أزمة التأليف، وأن هناك جهداً جاداً سيبذل لإنهاء الفراغ الحكومي، إلى معالجات حدثت بعد الخلاف العلني الذي ظهر بين "حزب الله" وبري إثر إعلان الأول في 18 مارس أنه مع حكومة "تكنو – سياسية"، أيدها باسيل. فقد تعمد بري إصدار بيان عن حركة "أمل" بعد 3 أيام، يتمسك فيه بتشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين وفقاً للمبادرة الفرنسية، من دون ثلث معطل لأي فريق فيها. واستدعى ظهور الخلاف إلى العلن بين ركني الثنائي الشيعي الحليفين اجتماعات بين قيادتيهما انتهت إلى تفهم نصر الله وجهة نظر بري، وطالبه نصر الله بأن يسعى إلى تقريب وجهات النظر بين عون والحريري، لكن رئيس البرلمان اشترط الحصول على تسليم من قبل رئيس الجمهورية وفريقه بعدم الحصول على الثلث المعطل كي يعلن عن مبادرته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


التململ داخل "التيار الحر"

ومن العوامل الداخلية التي يأمل بعض الأوساط المتابعة لإمكان انطلاق مبادرة بري، أن قياديين في "التيار الوطني الحر" من بينهم نواب، عبروا عن امتعاضهم من تصرفات رئيس "التيار" النائب جبران باسيل الذي يضع شروطاً تصعيدية إزاء تأليف الحكومة، يوافقه عون عليها. واجتمع وفد من هؤلاء القياديين مع رئيس الجمهورية لإبلاغه اعتراضهم على تأخير الحكومة بحجة مطالب تطرح باسم حقوق المسيحيين، وللتمسك بصلاحيات رئيس الجمهورية، بينما الوضع في البلاد يتدهور كل يوم، وتزداد أوضاع المواطنين، ومنهم جمهور "التيار الحر"، سوءاً بشكل لم يعد يحتمل.

موقف الراعي من "حزب الله" وعون

العامل الداخلي الثالث الذي قد يؤثر في الضغط لتسريع قيام الحكومة هو مواصلة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي انتقاداته لـ"حزب الله"، وتنسيقه مع بري من أجل التوسط في شأن تسريع الحكومة. ففي 1 أبريل وجه الراعي انتقادات لاذعة إلى "الحزب" في تسجيل مصور جرى تسريبه بعد "فيديوكونفرانس"، مع مجموعة من الرعايا اللبنانيين في أميركا، وسأل "لماذا تقف ضد الحياد؟ هل تريد إجباري على الذهاب إلى الحرب؟ هل تريد إبقاء لبنان في حالة حرب؟ هل تأخذ برأيي حين تقوم بالحرب؟". وتابع "هل تطلب موافقتي للذهاب إلى سوريا والعراق واليمن؟ هل تطلب رأي الحكومة حين تعلن الحرب والسلام مع إسرائيل؟ علماً بأن الدستور يقول إن إعلان الحرب والسلام يعود إلى قرار بثلثي أصوات الحكومة". وقال الراعي "ما أقوم به أنا هو في مصلحتك، أما أنت فلا تراعي مصلحتي ولا مصلحة شعبك".
كما لم يتوقف البطريرك الماروني عن انتقاداته الهادفة إلى فريق الحكم، حيث قال في عظة عيد الفصح في 3 أبريل "كم يؤلمنا أن نرى الجماعة الحاكمة ومن حولها يتلاعبون بمصير الوطن. ويؤلمنا أكثر أنها لا تدرك أخطاء خياراتها وسياساتها، بل تمعن فيها على حساب البلاد والشعب. وكم يؤلمنا أيضاً أن بعضاً من هذه الجماعة يتمسك بولائه لغير لبنان وعلى حساب لبنان واللبنانيين. وما القول عن الذين يعرقلون قصداً تأليف الحكومة ويشلون الدولة؟". وكرر المطالبة بحكومة "اختصاصيين مستقلين غير حزبيين لا يملك فيها أي طرف سياسي أو حزبي أو نيابي الثلث المعطل، تلبي حاجات المواطنين، ويرتاح إليها المجتمعان العربي والدولي".
وجاء كلام الراعي قبل بضع ساعات من استقباله الرئيس عون الذي بحث معه في آخر الجهود لتأليف الحكومة. وخرج عون ليقول إنه كلما عالجنا عقدةً في تأليف الحكومة تظهر أخرى، مشيراً إلى أن استكمال البحث الحكومي ينتظر عودة الحريري من الخارج (هو في زيارة عمل في أبوظبي)، وهو أوحى بذلك أن التأخير في معالجة العقد سببه الحريري.

المزيد من العالم العربي