Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وثائقي "تينا" تيرنر يصور عزيمتها على الصمود والنجاح

الفيلم الوثائقي الجديد عبارة عن نظرة دقيقة إلى الطريقة التي تغلبت بها المغنية على إساءة زوجها لها وكيف تمكنت من الانطلاق مرة ثانية في مسيرتها المهنية على الرغم من كل الصعاب

تينا تيرنر عانت العنف الأسري وشقت طريقها إلى النجومية (غيتي)

يبدأ الفيلم الوثائقي "تينا" TINA من لحظة محورية في حياة المغنية تينا تيرنر: إنه عام 1981، ونحن نرى الأسطورة الموسيقية تتهيأ للبوح بكل ما لديها في مقابلة مع مجلة "بيبول" People Magazine . فلأول مرة، ستتحدث المغنية علناً عن الإساءة المستمرة التي كانت تعاني منها لفترة طويلة خلال علاقتها مع زوجها السابق وشريكها الفني آيك تيرنر. تعتبر هذه الخطوة في ذلك الوقت، مثل القصص التي تكتسح الإنترنت في يومنا هذا.

تقول تيرنر في الفيلم "كان ذلك محطماً للأعصاب... اتصلت بطبيبتي النفسية وقلت لها ما الذي يمكن أن يحدث؟، كنت قلقةً حقاً من البوح بالقصة لأنها معبرة، بالفعل معبرة... لكن طبيبتي قالت (لا يا تينا... سيكون مفعولها معاكساً... إنها ستفضح كل المستور)".

الفيلم الوثائقي، الذي قام بإخراجه الحائزان على جوائز أوسكار دان ليندسي وتي جيه مارتن، هو تصوير عميق لامرأة تمكنت، رغم كل الصعاب، من الانطلاق وإعادة الانطلاق بمسيرة مهنية ضخمة غير مرتبطة بجنسها أو عمرها. يعرض الوثائقي لأول مرة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة هذا الأسبوع، ويقتفي تاريخها كفنانة تمكنت من تحقيق مبيعات تجاوزت 100 مليون أسطوانة وربحت 12 جائزة غرامي، وثلاث جوائز "غرامي هول أوف فايم" [جوائز ممر الشهرة]، وجائزة غرامي عن الإنجازات مدى الحياة، حتى أن هناك مسرحية غنائية على خشبات برودواي مخصصة لها.

يُسرد الفيلم الذي يمتد طوال مسيرة تيرنر المهنية من خلال مقابلات مع الفنانة، وبعض شركائها، مثل روجر ديفيز الذي عمل لفترة طويلة مديراً لأعمالها، والصحافية والكاتبة المسرحية كاتوري هول التي كتبت "مسرحية تينا تيرنر الغنائية" The Tina Turner Musical. يغطي الوثائقي الفترة الممتدة من شراكتها مع آيك إلى انفصالهما في نهاية المطاف، إلى ولادتها الفنية من جديد في مجال موسيقى البوب والروك في الثمانينيات. وفي حين أن العمل يزخر بروعة بأغنيات تيرنر المستخدمة فيه، إلا أن اهتمام المخرجين مارتن وليندسي الأول كان منصباً على سرد قصة أكبر، عن الصمود، والاعتماد على الذات، والانعتاق، وتعلم كيفية الحب. إنه بالتأكيد النظرة الأكثر قرباً وذاتية حتى الآن لحياة تيرنر التي انطوت على فصول عدة.

أراد المخرجان التأكد من تعاملهما مع القصة بتفرد. ويقول ليندسي، "لقد كنا مترددين في تقديم عمل على هيئة سيرة ذاتية أو وثائقي موسيقي من نمط الأفلام التعريفية بالفنان، لأن تلك الأعمال بدت بالنسبة لنا دائماً مثل كتالوج موسيقي يفتقر إلى قصة بدلاً من تقديم قصة جيدة". اشتهر كلا المخرجين بفيلمهما الوثائقي الرياضي الحائز على جائزة الأوسكار عام 2011 بعنوان "غير مهزوم" Undefeated. وقد استخدما كمرجع وثائقي عام 2015: "ما الذي حصل يا آنسة سيمون؟" What Happened Miss Simon? الذي يسلط  الضوء على حياة (المغنية الشهيرة) نينا سيمون. يضيف ليندسي "مثله مثل ذلك الوثائقي، ما قدمه فيلم "تينا" كان طريقة لعمل فيلم مناسب يحكي قصة صادف أن أيقونة موسيقية موجودة في مركزها".  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع ذلك، تعتبر قصة تيرنر مثيرة أكثر من غيرها. فعندما التقت تيرنر به، المولودة في نتبوش بولاية تينيسي باسم آنا ماي بولوك، بـآيك في عام 1957، كانت قد ذهبت لمشاهدة عروض فرقته "كينغز أوف ريذم" في إيست سانت لويس. وتمكنت في النهاية من جعله يستمع إلى غنائها، ووحدا جهودهما لتشكيل الثنائي الناجح جداً في مجال موسيقى الريذم آند بلوز والسول، الذي يحمل اسم "آيك أند تينا تيرنر ريفيو"، حيث أنتجا أغنيات باتت عنواناً لتلك الحقبة مثل "أ فول إن لوف" A fool in love و"ريفر ديب - ماونتن هاي" River deep- Mountain high و"براود ماري"  Proud Mary. حتى أن آيك أطلق على تيرنر اسمها الفني، الذي استوحاه من شخصية  "شينا" ملكة الغاب في القصص المصورة الشهيرة.

لكن وكما سيعلم الجمهور لاحقاً، فإن تيرنر بصحبة آيك كانت محاصرة لسنوات ضمن دائرة مرعبة من الإساءة الجسدية والعاطفية. وكل ما طلبته عندما حصلت، أخيراً، على الطلاق في عام 1978 (توفي آيك في عام 2007) كان حقوق الملكية الفكرية المسجلة باسمها. كانت في حالة شلل على الصعيد المهني. فبعد الطلاق، كانت تيرنر تكافح للفت انتباه قطاع الموسيقى (كمغنية لوحدها) من دون الشراكة مع آيك، واضطرت إلى تقديم عروض في كباريهات لاس فيغاس والمشاركة بين الحين والآخر في فقرات ضمن برامج تلفزيونية.

وبينما يروي فيلم "تينا" كيف أن آيك قام برسم الشخصية الفنية لـتينا بالكامل من دون الرجوع إليها، وكيف كان يضربها ويسيء معاملتها، وكيف ينقلب إلى العنف بسرعة وبشكل غير متوقع، فإن الوثائقي ينظر أيضاً في الأسباب النفسية لتصرفاته، ويركز على خوفه العميق من الهجران. يبدو الأمر صادماً لكنه معقد أيضاً، عندما تتحدث تيرنر عن بداية "التعذيب"، وكيف كان آيك "يضربني بقالب حذاء"، لأنه كان يخشى من أنني "أصبح نجمة وسأتابع مسيرتي بمفردي".

يقول مارتن "إن إضفاء الطابع الإنساني على آيك، لا يعطي مبرراً لأفعاله... على الأغلب، إنه في الواقع يجعل الأمر أكثر إخافة بعض الشيء لأن الناس الذين يعيشون في ظروف مسيئة عادة ما يكون لديهم نوع من العلاقات المعقدة و/ أو القوية فعلاً [مع من يسيئون إليهم]. إنه مزيج فوضوي من الصدمة والحب والإساءة... لم نكن نريد إخفاء فكرة أن تيـنا في الواقع كانت تحب آيك. بالفعل لقد تعلمت تيـنا كثيراً منه. لقد أرادت تيـنا حقاً حياة صحية لـ آيك، لكنه اتخذ بعض القرارات السيئة اللعينة، ولا يحوله هذا إلى الشرير، لأن تشويهه بالكامل سيكون من السهل جداً إذن، وهو الأمر الذي لا يعد انعكاساً دقيقاً لطبيعة الحياة".

وفي الوقت نفسه، يقوم وثائقي "تيـنا" بجهد جبار من خلال الخوض في الصعوبات التي واجهتها تيرنر أثناء محاولتها إعادة إطلاق مسيرتها المهنية في الثمانينيات، وهو ما فعلته في النهاية بأغنيات ضجت بها المسارح مثل "واتس لاف غات تو دو ويذ إت" What’s love got to do with it و"ذا بيست"  The best .

تيرنر التي كانت معروفة في المقام الأول بأنها مغنية موسيقى الريذم آند بلوز لفترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وضعت هدفاً لنفسها بعد الانفصال عن آيك وهو: الانتقال إلى موسيقى الروك. في النهاية، لا ينبغي أن يكون الأمر صعباً عليها، إذ يقال إنها ألهمت بشكل مباشر الموسيقى الإيقاعية الراقصة للمغني ميك جاغر، حتى أنها اختيرت لافتتاح حفلات فرقة رولينغ ستونز (أثناء جولة المجموعة في الولايات المتحدة) عام 1981. لكن وكما أوضح ليندسي ومارتن، فإن صناعة الموسيقى المشهورة بتصلبها لم تجعل تحول المغنية من نوع غنائي إلى آخر أمراً سهلاً بالنسبة لـتيرنر التي كانت حينها على مشارف الأربعين من عمرها. يقول ليندسي "كانت شركات التسجيل الأميركية تراها عضوة في فرقة (ذا بوينتر سيسترز) [لموسيقى الريذم آند بلوز]... لكن تيرنر قالت (لا، أريد أن أكون مغينة روك آندر رول). لتقول لها الشركات (لا، أنت مغنية (موسيقى) ريذم آند بلوز وسول)".

في الواقع، عندما زار ليندسي لأول مرة منزل تيرنر في سويسرا، اندهش من طابع التفرقة العنصرية الذي يصبغ جوائزها العديدة، حتى تلك التي حصلت عليها في الثمانينيات (على كل حال، كان أول من اعترف بأنه ما كان يجب عليه أن يتفاجأ). يقول ليندسي "في عام 1985 أو 1986، فازت بجائزة  (أفضل فيديو كليب أسود) و(أفضل فنانة سوداء). إنه أمر مثير للدهشة... هذه هي جوائز الموسيقى الأميركية. حتى في منتصف الثمانينيات، كانت مفرقة عنصرياً. إذا ذهبت إلى صفحة ويكيبيديا الخاصة بالجوائز الآن، فستجد أن التصنيف لا يسير على هذا النحو. سيكون عليك التعمق في البحث لاكتشاف الأمور. هذه هي الطريقة التي كانت متبعة في توزيع الجوائز، فقط لتبين لكم مستوى التفرقة في صناعة الموسيقى. هذا الهراء يحيرني.

يتابع ليندسي قائلاً "أعتقد أن الأمر بالنسبة إلينا يتلخص في أن تيرنر لم تدرك أبداً على ما يبدو مفارقة [كيف] أنها جزء من الأساس الموسيقي الذي أثر على فرقة رولينغ ستونز. كانوا يبحثون في أعمالها وأعمال آيك من أجل [الإلهام]. وفي وقت لاحق من حياتها، راحت تحاول أن تكون مثل الرولينغ ستونز. أرادت أن تغني عن الأشياء السعيدة وأن تقضي وقتاً ممتعاً. أعتقد، وقد أكون مخطئاً أو مصيباً، أنها ربطت (موسيقى الريذم آند بلوز) بالحزن".

حتى عندما انتقلت تيرنر إلى السينما، حيث كان لها ظهور بارز عام 1985 في دور "آنت إنتيتي" في فيلم الآكشن ماد ماكس: بيوند ثاندردوم Mad Max Beyond Thunderdome، فقد واجهت صعوبة في الحصول على أدوار لم تكن متجذرة في مآسي السود، القضية التي ما زالت موضوع سجال رئيساً حتى يومنا هذا. يقول ليندسي "هذا جزء من الفيلم لم يكن لدينا وقت لاستكشافه... لقد أتيحت لها فرصة المشاركة في فيلم ماد ماكس، وكانت جميع الأدوار التي حصلت عليها فيما بعد هي شخصية العاهرة. عرضت عليها المشاركة في مسلسل "الجذور"  Roots [وهو سلسلة تلفزيونية قصيرة حائزة على عدة جوائز أنتجت عام 1977 عن العبودية الأميركية] لكنها رفضته".

يوافق مارتن على أن "المشاركة في أحد أفلام ماد ماكس كانت تتماشى إلى حد كبير مع إدراكها... حتى لو سألت تيـنا، فلن يكون جوابها أنها تريد أن تظهر للعالم كيف يكون التمكين. ستكون إجابتها، لا، إنني أريد قيادة السيارات السريعة اللعينة وأريد القيام بالأمور التي يفعلها الرجال. لماذا ينبغي أن يكون كل شيء محسوباً إلى هذه الدرجة؟ أدرك ذلك النوع من التقدير والتحرر الذي يتمتع به الرجال- أريد الحصول على ذلك أيضاً".

في الفيلم الوثائقي، حتى تيرنر نفسها تعترف بعدم رغبتها في مشاهدة فيلم السيرة الذاتية الذي يدور حول حياتها وقامت ببطولته أنجيلا باسيت، والذي يتناول علاقتها المضطربة مع آيك، وطلاقهما ونجاحها الفردي لاحقاً. على الرغم من ذلك، فإن نبش الإساءات التي عانت منها على يد آيك كانت شيئاً تتجنبه تيرنر دائماً.

يقول مارتن "لا أعتقد أن الناس يتفهمون العبء العاطفي الذي تتحمله جراء النظر باستمرار إلى ماضيك والتفكير تباً، ها هي مرة أخرى تتعرض للإساءة. ها هي مرة أخرى لا أحد يهتم بشأنها. ها هي مرة أخرى، غير مرغوبة... بعد فترة من الوقت تقول لنفسك نعم، ما زلت أرغب في صنع فن راق، لكن هل يجب أن يكون الأمر طوال الوقت متعلقاً بالألم الذي عشته في وسطي؟ هناك أثر لهذا عليك".

تعد تيرنر في يومنا هذا، واحدة من الفنانين الحاصلين على أكبر عدد من التكريمات في التاريخ، حيث تمتلك "نجمة" تحمل اسمها في ممر المشاهير في هوليوود، ولها موقع في ممر مشاهير موسيقى الروك آند رول، وحاصلة على مرتبة الشرف من مركز كينيدي، وبالطبع مسرحية برودواي الغنائية المخصصة لها المذكورة سابقاً (العرض متوقف بشكل مؤقت بسبب أزمة فيروس كورونا). يرجع كثير من هذه الجوائز إلى موهبتها الهائلة، بالطبع، لكن كما يشير مارتن، فإن صمود مسيرة تيرنر المهنية مرتبط بحقيقة أنها "عثرت على صوتها مرة ثانية ولم تحاول التكيف".

يتابع مارتن "يتعلق الأمر بالحب، وحب الذات، وحب الآخر وكل تلك الأشياء... في نهاية المطاف يتضح هذا الأمر بشدة في حياة تيرنر، بعد الغوص في مقابلات لا حصر لها أجريت معها، والتحدث إليها وما إلى ذلك".

*عرض فيلم "تينا" لأول مرة عبر خدمتي "سكاي دوكيومنتاريز" Sky Documentaries وقناة البث التدفقي "ناو"  Now (في 28 من مارس في المملكة المتحدة) وعبر شبكة "أتش بي أو"   HBO (بتاريخ 27 مارس في الولايات المتحدة).

© The Independent

المزيد من منوعات