أسلاك الكهرباء، أغطية أقنية المياه، وأسوار الكورنيش، أملاك عامة تحولت إلى فريسة للسرقة في لبنان، في ظل الأزمة المالية والاقتصادية وتزايد الفقر ونسبة البطالة.
من أكثر الجرائم الشائعة حالياً في لبنان هي سرقة أغطية "الفونت" لأقنية المياه والصرف الصحي. هذه العملية تحوّلت إلى ما يشبه النمط الاعتيادي للسرقات شبه المنظمة.
تستغل العصابات الليل، وما إن ينتصف حتى تتحرك نحو أهدافها المنتشرة على الطرقات الدولية. ويؤكد المدير العام المكلف لوزارة الأشغال العامة والنقل طانيوس بولس تزايد هذه الاعتداءات، كاشفاً أن الوزارة تقوم بوضع أغطية بديلة ولكن سرعان ما تتم سرقتها من جديد".
ويؤكد بولس أن الكلفة عالية جداً، خصوصاً أن الوزارة لا تمتلك المال الكافي لتأمين الأغطية البديلة وبصورة مستمرة في حال استمرار السرقات.
أسلاك الكهرباء
لا تقتصر السرقات على المستوى الأرضي إنما تجاوزتها إلى سرقة الأسلاك الكهربائية النحاسية. ويعتبر هذا النوع من السرقة من الأمور التقليدية المتعارف عليها في لبنان، وفي الأيام الماضية سُرقت أجزاء أساسية من عمود التوتر العالي والأسلاك التي تربط الشبكة في إحدى المناطق. وتميّز مصادر إدارة التوزيع في مؤسسة كهرباء لبنان بين أنواع مختلفة من السرقات. وإذا ما تمت سرقة الشبكة المحلية ضمن قرية محددة، يبقى التأثير محدوداً ضمن نطاق القرية، أما إذا سرق خط التوتر المتوسط فيكون التأثير على مستوى مجموعة قرى، ويكون التأثير أكبر. أما الأكثر خطراً وتأثيراً فهو سرقة خطوط التوتر العالي لأنها تربط محطات ومعامل عدة. وترتفع نسبة السرقات في المناطق الفقيرة وتحديداً بلدات وقرى الأطراف البعيدة من العاصمة.
وتعتقد مصادر كهرباء لبنان أن "الهدف هو النحاس والقطع الحديدية ذات الوزن المرتفع من أجل إعادة بيعها بالوزن وتجار الخردة"، مطالبةً الأجهزة الأمنية بملاحقة شبكات السرقة ومعرفة أماكن نشاطها. وتشير إلى أن ذلك ممكن من خلال تتبع داتا الاتصالات لاكتشاف الحركة في مناطق السرقة. وتضيف المصادر "عندما تكون هناك سرقة واحدة تصعب ملاحقتها، ولكن عندما يصبح هناك عشرات فإن الأمر أسهل، بسبب القدرة على تقاطع المعلومات".
وتثير سرقة الأسلاك الكهربائية السخرية لدى المواطنين، لأن "السارق على ثقة كبيرة بأن التيار لن يصل إليها بصورة مفاجئة".
وتقول المصادر إن "الشبكة الكهربائية ممتدة على الطرقات العامة، وهي بطول آلاف الكيلومترات، وكذلك عدد المحطات هائل، ولا يمكن تأمين نقاط حراسة للخطوط كلها". ويوضح المصدر أن "السارقين يستغلون فترة التقنين القاسي للعمل بحرية، والسرقة لا تحتاج إلى وقت طويل".
وتتضمن مؤسسة كهرباء لبنان مصلحة مختصة بملاحقة الملفات القانونية، وفي كل مرة تتم سرقة الأسلاك، تستحصل المؤسسة على نسخة من محضر قوى الأمن الداخلي للادعاء ومتابعة الملف.
خردة للبيع
من المشاهد الصادمة، سرقة أجزاء واسعة من السور الحديدي للكورنيش البحري لمدينة الميناء في شمال لبنان. ويؤكد المهندس عامر حداد المكلّف بإدارة البلدية أن الكورنيش تعرض لحوالى سبع عمليات سرقة متتالية لأجزاء مختلفة من السور بسبب غياب الأمن وعدم وجود كاميرات مراقبة، وكذلك الظلام. فالعصابات تستغل حال الفراغ التي يعيشها البلد لانتزاع أجزاء من "درابزين" الكورنيش، ونقلها عبر الدراجات النارية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير المهندس حداد إلى أن الحرس البلدي تمكن من استعادة ثلاثة أجزاء من السور، وهي موضوعة في المستودعات ريثما تتمكن من إعادتها إلى مكانها. ويروي أن السارقين تركوا الأجزاء في مكانها بعدما تحركت دوريات الشرطة البلدية، ولاذوا بالفرار.
ويؤكد أن السرقات تشوّه جمالية الكورنيش، إلا أنه يعتقد أن الأساس هو "استعادة هيبة الدولة" من أجل الحفاظ على الأمن، والحؤول دون الوصول إلى الفوضى. ويتحدث عن اتساع دائرة المخالفات، من الاعتداء على الأملاك البحرية العامة، إلى سرقة أغطية المجارير (الفونت)، وتقوم فرق البلدية باستبدالها من خلال المتبقي في المستودعات. وبسبب ارتفاع ثمنها وعدم توافر الكمية الكافية منها، لجأت البلدية إلى حلول مؤقتة، وصب الباطون مؤقتاً فوقها.
الجريمة المشددة
يعتقد المحامي رفيق هاشم أن المشترعَ اللبناني تيّقظ من الزاوية النظريّة لمعظم أشكال التعدي على الكهرباء والمياه، فأحاط هذه الموارد والطاقات بحماية قانونية محكَمَة طاولت شتّى أنواع التعديات والمخالفات، وأنزل بحق المعتدين ومخالفي هذه الأحكام عقوبات جزائيّة صارمة. ولكن، تبقى العبرة في كيفيّة تطبيق هذه النصوص القانونية والعقوبات الجزائية.
ويضع المحامي هاشم جرائم سرقة أغطية المجارير والشبكات المائية والكهربائية في دائرة "الاعتداء على حق المواطن في الحصول على الموارد الأساسية، وثروات حياتية نفيسة، تستدعي الحماية على كل الأصعدة، لا سيما على الصعيد القانوني".
ويلفت هاشم إلى أن "المشترع اللبناني أفرد أحكاماً قانونية خاصة لصون هذه الثروات، تجسدت بعقوبات مشدّدة بحق كل من يعتدي عليها"، مذكراً بالقانون المتعلّق بتشديد العقوبات على جرائم التعدّي على الكهرباء والهاتف والمياه، إضافة إلى فصل خاص في قانون العقوبات يتعلّق بالجرائم المتعلقة بنظام المياه، ومادة قانونيّة تتعلّق بسرقة الطاقات المحرَزَة، لا سيّما الطاقة الكهربائية.