Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العرقلة في قناة السويس ستستمر تأثيراتها سنوات طويلة

جرى تدارك كارثة مع إعادة تعويم "إيفر غيفن" لكن جنوحها سيؤدي إلى مطالبات قانونية مديدة وإثارة أسئلة حول السفن الفائقة الضخامة

جنوح سفينة "إيفر غيفن" العملاقة التي بلغت حمولتها مئتي ألف طن شل حركة الملاحة الدولية لمدة أسبوع تقريبا (أ ف ب وغيتي)

أصبحت أشهر سفينة في العصر الحديث، أو السفينة التي أطلقت ألفاً من الـ"مايم" memes على الإنترنت. وبعد ستة أيام من القلق في قناة السويس، أُعِيد تعويم "إيفر غيفن" السفينة العملاقة المنكوبة التي يبلغ وزن حمولتها 200 ألف طن، لكنها تركت وراءها أسطولاً ضخماً من السفن المملوءة بالأشياء كلها من الماشية والنفط إلى الأثاث الجاهز للتركيب والألعاب الحسيّة.

وبدأت التداعيات بصورة فورية. إذ تتوقع شركة "ميرسك" Maersk العملاقة للشحن البحري أن تستغرق معالجة أثر التأخير عبر سلاسل الإمداد العالمية، أشهراً عدّة.

وأبعد من هذا، ستبدأ قريباً معركة قانونية تبلغ قيمتها عدّة ملايين من الجنيهات الإسترلينية. ويرى خبراء إن حل المشكلة قد يستغرق خمس سنوات.

وكذلك يثير الأمر كله تساؤلات حول مدى استدامة اعتماد التجارة العالمية على سفن بطول ناطحة السحاب الشهيرة "إمباير ستايت"  Empire State Building، تُوجَّه عبر خندق مائي ضيق من صنع الإنسان مئات المرات في العام.

وبين بعض محللي الشحن، جاء رد الفعل الأول على أنباء السفينة الجانحة على هيئة قلق يكسر التفاؤل حدته. إذ تستطيع قوارب الجذب وخبراء الإنقاذ النزول بسرعة إلى القناة، فيعيدوا تعويم السفينة ويقفلوا راجعين في غضون يوم أو يومين، وفق ما راج حينها.

في المقابل، تمثّل ما لم يكن في الحسبان تماماً في المشكلة الإضافية التي تسبب بها الحجم الضخم لـ"إيفر غيفن". ففي خضم سعيها إلى تلبية الطلب العالمي المتزايد على شراء مزيد من الأشياء بأسعار أرخص، انخرطت شركات الشحن في "سباق تسلح" بحري لبناء سفن متزايدة الضخامة.

وفي السنوات الـ20 الماضية، شارك القطاع في "لعبة ذكورة [تجسّدت] في مسعى يشبه [حكاية] تشييد "برج بابل" بهدف السيطرة على المحيط"، بحسب وصف شارماين تشوا، الأستاذة المساعدة في "دائرة الدراسات العالمية" بجامعة كاليفورنيا.

وتمثّل الهدف من اللعبة في حشر أكبر عدد ممكن من الحاويات التي يبلغ طولها 20 قدماً (ستة أمتار) أو 40 قدماً، ضمن منصة عائمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأثناء "حرب الأيام الستة" 1967، أدى إغلاق مصر قناة السويس، إلى حفز السعي نحو إنشاء سفن عملاقة. فقد ظلت القناة مغلقة ثماني سنوات، الأمر الذي أرغم الشركات على سلوك طرق أطول وتأمين استمرارية إمدادات الاقتصادات العالمية بواسطة سفن ضخمة تماماً.

وفي زمن جمال عبد الناصر، تمثّلت حمولة أضخم سفينة حاويات في 736 حاوية، تساوي كل منها "وحدة شحن معيارية موازية" طولها 20 قدماً. ومع حلول 2003، كَسَرَتْ سفينة الحاويات حاجز الـ10 آلاف وحدة شحن موازية. وبعد 15 سنة، أبحرت "إيفر غيفن" حاملة ضعفي ذلك الحجم.

وإذا وضعتم حمولتها في صف، ستمتد من ضواحي لندن، وصولاً عبر مدينة "كِنْتْ" ومعظم الطريق الممتد عبر نفق القناة الإنجليزية [تحت بحر المانش] إلى مدينة "كاليه" الفرنسية. وعلى الرغم من هذا الحجم، لا يزيد عدد أفراد طاقم "إيفر غيفن" على 25 شخصاً.

وفي ذلك الإطار، يذكر أن قناة السويس وُسِّعت على مر السنين لكن ليس بالدرجة نفسها التي تضخّمت فيها السفن التي تعبرها.

واستطراداً، لقد كادت الـ20 ألف وحدة شحن موازية المحمّلة على متن "إيفر غيفن"، أن تُنقَل على عجل إلى الرمل المصري، قبل أن تُحقق فرق الإنقاذ الاختراق الحيوي صباح الإثنين. وبكلمات أخرى، أوشكت الأمور أن تكون أسوأ بكثير.

في ذلك الصدد، يشير جاي شارما من شركة "كلايد وشركاه" للمحاماة، إلى أنه "من الصعب تحريك سفينة ضخمة كهذه ["إيفر غيفن"] في حيز محدود كـقناة السويس. لقد تحدث الناس طويلاً عن وقوع واحدة من هذه السفن ضحية حادثة كبرى".

وكذلك يورد شارما إنه لو توجّب نقل تلك الحمولة [إلى البر المصري] حيث جنحت السفينة، لكان "صعباً للغاية" العثور على رافعات تملك القدرة على الوصول بشكل كافٍ [إلى الحاويات المرتصة على متن "إيفر غيفن"]. ولو تعرضت [تلك السفينة] إلى أضرار بالغة، فليس سوى قلّة من الموانئ التي تتمتع بقدر كافٍ من الضخامة كي توفّر الملاذ الآمن لها.

وعندما ظهرت صور حفارة منفردة تحاول إصلاح الأضرار الثلاثاء الماضي، اتَّضح تماماً أن خطط الطوارئ ربما لم تواكب التوسع الهائل في شحن البضائع. وقد ألهم ذلك آلاف الـ"مايم" التي تناولت الأدوات غير الكافية على الإطلاق في أداء مهمة الإصلاح المطلوبة.

وفي المقابل، وفرت الحفّارة بعض الراحة الخفيفة المطلوبة بشدة، ومن حسن الحظ أن فرق الإنقاذ تحركت بسرعة. فقد وصلت فرقة من قوارب السحب والجذب بهدف شفط آلاف الأطنان من الرمال وسحب "إيفر غيفن" ببطء إلى الأمان.

واستطراداً، ربما تسبّب عمل ذلك الفريق في ادّخار مليارات من الجنيهات الاسترلينية في التكاليف المترتبة على التجارة العالمية [بتأثير انسداد قناة السويس]، لكنه سيترك فاتورة ضخمة لأصحاب "إيفر غيفن" وحمولتها.

وفي ذلك الإطار، يشرح شارما أن فرق الإنقاذ تعمل على أساس أن "لا رسوم من دون معالجة". وثمة عملية تفاوض جارية بهدف تحديد قيمة جهود تلك الفرق.

ويعني حجم العملية أن عمال الإنقاذ في انتظار مكافأة قدرها ملايين من الجنيهات الاسترلينية، وكذلك يرجح أن تتقاضى هيئة قناة السويس رسماً باهظاً نظير خدماتها.

وستتحمل شركات التأمين قدراً كبيراً من الخسائر التي يتكبدها أصحاب الشحنة، ثم تقضي سنوات في المحاكم وهيئات التحكيم تطالب بقدر ما تستطيع المطالبة به من مالكي السفينة ومستخدميها.

وفي سياق متصل يتعلق بالشركات التي تأخرت بضائعها في مئات من السفن التي اصطفت خلف "إيفر غيفن"، فقد يكون من الصعب استرداد المال الضائع، وفق شارما.

وبالنسبة إلى تلك السفن التي انعطفت إلى طريق آخر يمتد بطول ستة آلاف كيلومتر حول "رأس الرجاء الصالح" [في جنوب أفريقيا]، تبدو احتمالات استرداد أي خسائر أشد بُعداً.

ويعلق شارما على ذلك مشيراً إلى أنه "من منظور القانون الإنجليزي، لا أعتقد بأنه يتوجب على "إيفر غيفن" الاهتمام بهذه الشركات. ستقع خسائر هائلة، لكنها ستتوزع على نطاق واسع، وسيصعب استردادها لهذا السبب".

وفي ذلك المنحى، تُقدّر شركة "بارسل هيرو" للتسليم أن شركات التجارة الإلكترونية عالمياً ستعاني ضربة مقدارها أربعة مليارات جنيه إسترليني (حوالي 5.5 مليار دولار أميركي) بسبب تعطل سلاسل الإمداد وزيادة تكاليف الشحن.

إذاً، هل تدق هذه الخسائر كلها ناقوس الموت للسفن الضخمة؟ على الأرجح، لا. إذ لا تزال تلك الحفنة من الشركات التي تهيمن على الشحن العالمي، قادرة على اقتراض المليارات بأسعار فائدة منخفضة للغاية بهدف بناء مزيد من السفن العملاقة. في المقابل، يبدو من المشكوك فيه تماماً توفر تمويلات إلى صنع سفن أضخم كثيراً من "إيفر غرين".

واستطراداً، من الضروري أن تكون أكبر سفن الحاويات مملوءة بـ91 في المئة كي تستطيع أن تكون أكثر توفيراً للمال بالمقارنة مع السفن الصغيرة. ولقد أظهرت شركات التأمين بعض التردد في توفير غطاء للسفن الضخمة، خشية تكبد خسائر فادحة في حال وقوع حادث خطير.

وكخلاصة، بعد نصف قرن من إغلاق قناة السويس الذي أطلق السعي إلى حجم متزايد لسفن الشحن العالمي، فقد تفاقم التداعيات الناجمة عن إغلاق قناة السويس الأسبوع الماضي، تلك المخاوف كلها.

© The Independent

المزيد من اقتصاد