Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مؤتمر المانحين لدعم النازح السوري بين العودة الآمنة والضغط الدولي

أخطار تهدد اللاجئين بسبب تواجد العديد من الميليشيات

نازحون سوريون داخل أحد المخيمات في لبنان (أ ف ب)

تتشعب مأساة النازحين السوريين وتتعدد بخاصة في أشهر الشتاء، فإضافة إلى ما يعانونه من الأوضاع المعيشية الصعبة، يهاجمهم البرد والثلج في خيمهم حاصداً الأرواح لا سيما من الأطفال، في غياب وسائل التدفئة حيث يعيشون تقريباً في العراء.

 ودخلت على هذه المآسي جائحة كورونا مضيفة هموماً وأوجاعاً، وعلى الرغم من هدوء الجبهات القتالية في الداخل السوري إلا أن أزمة اللاجئين لا تزال مستمرة مع عودة القتال شمال البلاد، مما يدفع بكثير من السوريين إلى ترك أماكن وجودهم، أما من هم في الخارج أصلاً فيخافون العودة لأسباب عدة، ومنهم من يعتبر أن حلم العودة أصبح من المحال.

أعداد النازحين في ارتفاع مستمر

وصلت نسبة اللاجئين السوريين إلى 8.25 بالمئة من نسبة اللاجئين عالمياً حتى نهاية العام 2019، لتصنّف سوريا بذلك بلد المنشأ الأول للاجئين منذ العام 2014، بحسب تقرير "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" الصادر في يونيو (حزيران) 2020، وذكر التقرير أن عدد اللاجئين السوريين وصل إلى نحو 6.6 مليون لاجئ موزعين في 126 دولة، في وقت كان عدد اللاجئين حول العالم يتجاوز الـ 80 مليون شخص حتى نهاية 2019.

ووفق أحدث إحصاء لفريق "منسقو استجابة سوريا" في الشمال السوري، فإن أعداد النازحين السوريين بلغت حتى شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، 2.1 مليون نازح، من أصل 4 ملايين سوري يسكنون مناطق المعارضة السورية، في حين يبلغ عدد سكان المخيمات أكثر من 1.43 مليون نازح، يعيشون ضمن 1293 مخيماً، بينها 282 مخيماً عشوائياً أقيمت في أراض زراعية، ولا تحصل على أي دعم أو مساعدة إنسانية أممية.

ويضيف إحصاء "منسقو الاستجابة" أنه خلال أغسطس (أب) الماضي، عاد 33.37 بالمئة من النازحين إلى بلداتهم وقراهم، مقدرة أعدادهم بنحو 347 ألف شخص من أصل مليون نزحوا جراء الحملة العسكرية التي نفذها النظام وحلفاؤه مطلع العام. وقدر الفريق نسبة النازحين غير القادرين على العودة إلى مناطقهم بسبب سيطرة النظام عليها بـ 45.09 بالمئة، ونسبة المهجرين الوافدين من محافظات أخرى وغير القادرين على العودة إلى المناطق التي نزحوا إليها سابقاً بـ 7.98 بالمئة.

مؤتمر بروكسل للمانحين

في هذا الإطار، انعقد المؤتمر الدولي الخامس للمانحين في بروكسل، الثلاثاء 30 مارس (آذار) الحالي، وذكر بيان مشترك صادر عن الرئيسين المشاركين للمؤتمر، الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، أن مؤسسات مالية دولية ومانحين دوليين أعلنوا قرابة 7 مليارات دولار على شكل قروض ميسرة، وذلك بحسب موقع الأمم المتحدة، ورحب المؤتمر بحرارة بما قدمه المجتمع الدولي من أموال فاقت التعهدات التي تم إعلانها خلال مؤتمر بروكسل الرابع للعام 2020.

وكانت الأمم المتحدة طالبت بتوفير مساعدات قيمتها 10 مليارات دولار للاجئين السوريين، وأعلنت الولايات المتحدة خلال المؤتمر أنها ستمنح 596 مليون دولار لبرنامج المساعدات الإنسانية، وتعهدت ألمانيا تقديم 1.7 مليار يورو (1.996 مليار دولار)، والمفوضية الأوروبية مبلغ 580 مليون يورو (681 مليون دولار)، وقطر 100 مليون دولار، والإمارات 30 مليون دولار. وقال المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن خلال الجلسة الافتتاحية، إن العقوبات المفروضة على سوريا يجب ألا تؤثر في وصول المساعدات الإنسانية، في ظل الوضع الذي تعانيه البلاد منذ سنوات، ودعا بيدرسن إلى "تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في شكل عاجل، من دون أن ننسى التحديات الأخرى المرتبطة بالخلايا الإرهابية النائمة، علماً ألا حل عسكرياً، ولا يمكن أن تستمر الأزمة السورية الى ما لا نهاية". وأضاف أن العمل جار للتوصل إلى إصلاح دستوري وتنظيم انتخابات حرة، موضحاً أن "الطريق الدستوري هو أحد أوجه العمل وفقاً لقرار مجلس الأمن، ويتطلب التنازل والمرونة من جميع الأطراف".

اللاجئ السوري في لبنان

ومنذ اندلاع الحرب السورية العام 2011، لم تتعامل الحكومات اللبنانية المتعاقبة مع ملف النازحين كما يجب، بل استخفت بالأمر حتى وصل إلى اعتبار أن أزمة النازحين السوريين أنهكت البلد، كما جاء على لسان رئيس الجمهورية ميشال عون، "وصل (أي لبنان) إلى مرحلة الإنهاك نتيجة تداعيات هذا النزوح"، وكان صرح في وقت سابق أن "لبنان لم يعد قادراً على تحمل مزيد من التداعيات السلبية لهذا اللجوء، الذي كبّده خسائر تجاوزت الـ 40 مليار دولار أميركي، وفق أرقام صندوق النقد الدولي".

لبنان الذي يستضيف أكبر نسبة من اللاجئين السوريين في العالم، قياساً إلى مساحته وعدد سكانه، لم يوقع على اتفاق 1951 الخاص بوضع اللاجئين. وعمد المسؤولون إلى استخدام مصطلح "نازحين" بدلاً من "لاجئين" في معرض الحديث عن السوريين، ولم تحاول سلطاته صياغة سياسة وطنية موحّدة للتعامل معها، بل اعتمدت سياسة اللامبالاة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي وقت تزداد أوضاع البلد سوءاً نتيجة الانهيار الاقتصادي، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب إن "الظروف تزداد صعوبة، في حين أننا جميعاً في القارب نفسه، ونحاول الصمود في وجه العاصفة الاقتصادية التي تفاقمت بسبب تفشي جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت المأساوي"، وأضاف أن "إقامة النازحين السوريين في لبنان مؤقتة، ولا يجب أن تفسر تحت أي ظرف على أنها اندماج محلي، فهذا قرار سيادي وعمل عائد للدول".

وأتت في هذا الإطار زيارة وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال رمزي المشرفية إلى دمشق، حيث أجرى مع نظيره السوري فيصل المقداد قبيل انعقاد مؤتمر المانحين في بروكسل محادثات في ما يتعلق بمسألة عودة اللاجئين السوريين في لبنان إلى ديارهم، وصدر بيان عن اللقاء بحسب وكالة "سانا" مما جاء فيه، "تعزيز التعاون من أجل عودة جميع اللاجئين السوريين إلى وطنهم بطريقة طوعية آمنة، وتهيئة الظروف التي تسهل هذه العودة وتشجعهم عليها".

"استغلال" أزمة اللاجئ السوري

وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد دعا السوريين للعودة إلى الوطن بعد مؤتمر اللاجئين السوريين الذي انعقد في دمشق، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، وأثارت تلك الدعوة ردود فعل داخلية وخارجية مختلفة، من اللاجئين المنتشرين حول العالم، وتؤثر هذه الدعوة في لبنان بشكل مباشر نظراً إلى عدد اللاجئين السوريين الذين يستضيفهم، إذ وصل عدد المسجلين منهم إلى أكثر من 865500 لاجئ في أواخر ديسمبر (كانون الأول) 2020، لكن هناك اتهامات تقول إن لبنان سعى ويسعى إلى الاستفادة من أزمة اللاجئين من خلال التماس مساعدات مالية أوروبية لمعالجة المشكلة، وهي مقاربة يسميها الخبراء بـ "تحقيق الريع من اللاجئين"، بدل إعداد خطة واضحة تحدد الإطار الزمني والوسائل المناسبة في سبيل عودة اللاجئ إلى بلاده.

وفي هذا السياق، قال بشار الأسد خلال (مؤتمر نوفمبر 2020) إن "بعض الدول قامت باحتضان اللاجئين انطلاقاً من مبادئ إنسانية، بينما قامت دول أخرى في الغرب وفي المنطقة باستغلال اللاجئين أبشع استغلال من خلال تحويل قضيتهم الإنسانية إلى ورقة سياسية للمساومة"، وتابع أن الحكومات التي "عملت بجد لنشر الإرهاب لا يمكن أن تكون هي نفسها السبب والطريق لعودتهم إلى وطنهم"، وهو الحديث الذي اعتبر بعضهم أنه موجه إلى بعض الجهات اللبنانية المسؤولة.

وقدم الاتحاد الأوروبي منذ العام 2011 مساعدات إنسانية تجاوزت قيمتها 2.3 مليار يورو (2.702 مليار دولار) إلى لبنان، ونظراً إلى انهيار الليرتين اللبنانية والسورية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية في البلدين، رأى البعض أن زيارة المشرفية إلى دمشق هي في إطار التنسيق لممارسة مزيد من الضغوط على المجتمع الدولي لتوفير التمويل، واستخدام ورقة عودة اللاجئين لرفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا.

هل عودة اللاجئ إلى سوريا آمنة؟

وفي تقرير لنشرة "الهجرة القسرية"، كشف عن تحديات تواجه العودة الطوعية الأمنة التي تصان فيها الكرامة، ويقول التقرير، مع استعادة نظام الأسد السيطرة على معظم أجزاء سوريا، يتعرض اللاجئون السوريون لضغوط تزداد أكثر فأكثر للعودة من البلاد المجاورة، ومنها لبنان، ومع ذلك يظهر تحليل للساحة السياسية المعقدة، ولما يمارس في العودة اليوم، أنه ما يزال يحتاج إلى كثير من العمل من أجل ضمان عودة السوريين عودة طوعية آمنة، صحيح أن لبنان استمر في سياسة إعفاء السوريين من التأشيرة في المراحل الأولى من الحرب، لكن التوتر بين الأحزاب السياسية وبين السوريين و السكان المحليين اشتد سريعاً، فبدأت بعض البلديات فرض حظر تجول على السوريين في أوائل العام 2014، وطبق لبنان في إدارة الحدود سياسات أكثر قسوة تزيد شيئاً فشيئاً، ففي شهر يناير من العام 2015، أنهى لبنان سياسة الإعفاء من التأشيرة، وطلب رسمياً من المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن تتوقف عن تسجيل اللاجئين السوريين.

في السياق نفسه، ترى الناشطة في مجال حقوق الإنسان والباحثة السورية في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش" سارة الكيالي في حديث إعلامي، أن "الأسباب الأساسية التي أجبرت السوريين على النزوح في المقام الأول ما زالت موجودة، مثل الاعتقالات التعسفية والتعذيب داخل السجون، والوضع الإنساني والاقتصادي المأساوي وبخاصة في مناطق النظام السوري". وأشارت كيالي إلى انتهاكات حقوق الملكية والأرض وحق الحصول على منزل، وهي حقوق انتهكتها الحكومة السورية حتى بعدما تراجعت مظاهر الحرب في عدد من المناطق السورية. وترى أن تأثير هذا المؤتمر ينحصر في زيادة الضغط على اللاجئين، وبخاصة من قبل حكومات دول الجوار في ما يتعلق بالعودة الطوعية.

وتعود دفعات محدودة من اللاجئين في لبنان إلى سوريا بالتزامن مع تصاعد خطاب الكراهية ضد اللاجئين، وحملات رسمية وشعبية تنادي بعودتهم، إلى جانب تضييقات أمنية وحقوقية تجاههم، ويوجد في لبنان وحده ما يقدر بنحو 1.5 مليون لاجئ من سوريا بحسب الأرقام الرسمية، لكن المسجلين رسمياً لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة يبلغ عددهم حوالى 950 ألفاً فقط.

وكانت وزارة الخارجية الألمانية صرحت في يونيو من العام الماضي، أن سوريا لا تزال مكاناً غير آمن للاجئين السوريين، وأصدرت بياناً قالت فيه، "لا تزال هناك أخطار جمة على اللاجئين في سوريا، سواء بسبب الميليشيات ونقاط التفتيش التابعة لها، أو الأسلحة الموجودة في يد هذه الميليشيات التابعة للنظام، والذي لا يزال يستخدمها بلا رحمة ضد الشعب السوري من خلال أجهزة الاستخبارات التابعة له".

 لكن هذا الموقف لا يشمل دول الاتحاد الأوروبي كلها، إذ قال وزير الهجرة والاندماج الدنماركي، ماتياس تيسفاي، "يجب على دائرة الهجرة البدء في مراجعة تصاريح الإقامة الممنوحة في الدنمارك للاجئين السوريين القادمين من دمشق"، بحسب ما ذكر موقع الهجرة والاندماج الدنماركي، وأشار تيسفاي إلى أن ما يقارب 100 ألف لاجئ عادوا إلى سوريا من المناطق المحيطة، معتبراً أن على السوريين في أوروبا العودة إذا سمحت الظروف بذلك.

المنظومة الأمنية

ويكشف تقرير ميداني موسع أعدته الرابطة السورية لكرامة المواطن (SACD)، بعنوان "نحو سوريا"، عن نتائج مسح ميداني شارك فيه 1100 نازح سوري، ويستطلع دوافع النزوح والحد الأدنى لشروط العودة.

واستغرق إعداد التقرير الميداني ستة أشهر، وشمل اللاجئين السوريين في لبنان وتركيا والأردن ومصر وكذلك في حلب وإدلب، وهو يتحدث عن 13 مليون سوري مهجر، بينهم 6.2 مليون مهجرون قسراً داخل سوريا.

 وتقول مسؤولة العلاقات الإعلامية في الرابطة هيا الأتاسي، "أهم نتيجة توصلنا إليها أن 76 في المئة من اللاجئين السوريين الذين تحدثنا معهم يعتقدون أن إصلاح المنظومة الأمنية في سوريا شرط أساس لعودتهم الطوعية، وهو ما ينطبق مباشرة على اللاجئين السوريين في لبنان".

وأدى انعدام الاستقرار في سوريا والقيود المفروضة على التنقل بسبب كورونا إلى تراجع عدد الأفراد العائدين إلى بلادهم طوعاً ليسجل نسبة متدنية، إذ بلغ 21618 في العام 2020. وخلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2020، وثقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" ما لا يقل عن 62 عملية اعتقال للاجئين عائدين من لبنان، بحسب "مركز كارنيغي للشرق الأوسط".

المزيد من تقارير