Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحجيب القاصرات يغضب التونسيين

اجتماعيون وتربويون يطلقون صرخة "تحجيب الفتيات الصغيرات يُعتبر اعتداء على الطفولة، وشكلاً من أشكال انتهاك حرية الأطفال"

فتيات محجبات داخل إحدى روضات الأطفال في تونس (مواقع التواصل الاجتماعي)

أثار انتشار صور لفتيات صغيرات محجبات بإحدى روضة الأطفال في محافظة نابل التونسية، الجدل مرة جديدة بين من يرى فرض الحجاب عليهن جريمة، ومن يرى أنها نوع من التربية على مبادئ الإسلام.

صيحة فزع

تحجيب الفتيات الصغيرات بدأ في تونس مع تزايد سطوة الجماعات المتشددة، عقب انتفاضة يناير (كانون الثاني) في العام 2011، خصوصاً بين الفئات الاجتماعية الهشة التي ترتفع فيها نسبة الأميّة، سواء في الأحياء الشعبية أو في الجهات الداخلية للبلاد. وإزاء تنامي الظاهرة، أطلق الاختصاصيون النفسيون والاجتماعيون والتربويون صيحة فزع، مشددين على أن "تحجيب البنات الصغيرات يُعتبر اعتداء على الطفولة، وشكلاً من أشكال انتهاك حرية الأطفال".
وقالت الطبيبة النفسية إسلام لزعر السليمي "أستقبل يومياً عدداً من الفتيات المحجبات بسبب الاضطرابات النفسية التي يعشنها، من السهل بالنسبة إلي التعرف على أسباب هذه الاضطرابات ، فلا داعي لأن أكون طبيبة مختصة في الأمراض النفسية لتشخيص المرض"، وتابعت "الحجاب يخنقهن ويكبل حريتهن".
وتقول اسلام لزعر "أجد نفسي في مواجهة أسرة محايدة، ونظام تعليمي غير محكم"، مضيفة "والأسوأ من ذلك، عندما أتحدث إلى  أطباء الأطفال يجيبون بأنه يجب احترام خيارهن، والأكثر ذكاء منهم يجيبني بأنه عندما سأل الفتاة عن الحجاب أكدت أن أحداً لم يجبرها". وتعتبر لزعر أن نظرية احترام الأطفال في بعض الأمور "هراء، لا أستطيع إلا إدانة هذه النظرية الشريرة للشخص البالغ الذي يفرض لباساً معيناً من أجل الاحتشام".
يذكر أن الثورة التونسية أنهت الحظر الذي كان مفروضاً على الحجاب في البلاد منذ الثمانينيات، حين أصدر الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة ما يعرف بمرسوم 108 لسنة 1981 يمنع فيه ارتداء ما أطلق عليه بـ "اللباس الطائفي" من قبل الطالبات والمدرسات والموظفات في شتى المؤسسات العمومية. وتواصل العمل بالمرسوم في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، ليعود الجدل هذه المرة بشأن الحجاب، إنما مع البنات القاصرات.

الحجاب بدعة

يقول الباحث الاسلامي الإمام الخطيب محمد بن حمودة "أسوة بالسيرة النبوية سيدنا محمد لم يعامل بناته الصغيرات بهذه الطريقة"، مضيفاً "علّم بناته أن يعشن حياتهن العادية وأن يتمتعن بطفولتهن من دون إكراهات"، ويعتبر "أن تحجيب الفتيات الصغيرات بدعة وأن من يجبر فتاة صغيرة على الحجاب، ليس أكثر تديناً من سيدنا محمد".
كما يرى بن حمودة "أن لا وجود للباس فضيلة ولباس رذيلة عند الأطفال، وأن تعليم الأخلاق الحميدة خصوصاً لدى الفتيات، لا يمكن أن يكون عبر الحجاب" الذي اعتبره بن حمودة "ظلماً في حقهن".

مقاومة الحجاب داخل المدارس

في مناسبة سابقة، دعا الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي عقب انتخابه في العام 2015 إلى "مقاومة الحجاب داخل المدارس بتطبيق القانون". لكن على الرغم من تنبيه رئيس الدولة بقيت الظاهرة موجودة. وصف السبسي حينذاك تحجيب الفتيات الصغيرات بـ "الظواهر المتخلّفة"، مشدداً على أنه "لم يعد مقبولاً في مجتمع كان السباق في تعليم البنات، أن تحجب ابنة الأربع سنوات، أو التي لا تزال في المدرسة الابتدائية، باعتباره أمراً منافياً لحقوق الطفل ولأبسط قواعد التربية العصرية التي وضعتها الدولة ومؤسساتها التربوية".
وأبدى قائد السبسي رفضه بعض المظاهر التي وصفها بـ "المتخلفة  في معاملة الفتيات الصغيرات في بعض دور الأطفال الخارجة عن القانون والمتمردة على أساليب التربية العصرية التي وضعتها الدولة ومؤسساتها التربوية، مثل تحجب فتيات صغيرات في مجتمع كان له السبق فى تعليم الفتيات".
واعتبر أن "ما يتم تلقينه في هذه المؤسسات مناف لحقوق الطفل ولأبسط قواعد التربية العصرية"، مشدداً على "ضرورة أن تطبق الحكومة القانون في هذا المجال وأن تعمل الدوائر المسؤولة في الدولة على مقاومة مثل هذه الممارسات". وجاءت دعوة قائد السبسي في وقت انتشرت ظاهرة تحجيب الفتيات الصغيرات في المؤسسات التربوية الحكومية وفي دور الأطفال الخارجة عن سيطرة الدولة.

انتهاك حقوق الطفولة

ولا تخفي السلطات التونسية أن انتهاك حقوق الطفولة اتّخذ خلال السنوات الماضية، أشكالاً عدة، منها انتشار "مدارس قرآنية عشوائية" خارجة عن سيطرة الدولة، تسعى إلى تنشئة الأطفال على فكر متشدد، يتناقض مع أبسط الطرائق البيداغوجية الكفيلة بنحت ملامح الشخصية المتوازنة.
وأعلنت وزارة المرأة والأسرة والطفولة في وقت سابق، الكشف عن "مدارس قرآنية" تدرّس مناهج تعليم "أفغانية" و"باكستانية" وأخرى "إيرانية"، معتبرة أن "تلك المدارس تعتمد مناهج من شأنها تدمير شخصية الطفل، من خلال تلقينه دروساً تركز على التخويف من النار وعذاب القبر".

"انظري الى الدنيا من غير حجاب"

وفي حادثة أخرى مماثلة، أثار متجر لبيع الحجاب الشرعي للأطفال في مدينة بن عروس في العاصمة تونس، الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ رفض عدد من التونسيين أن تُستغل فتيات دون سن العاشرة لتسويق الخِمار الإسلامي عبر نشر صورهن على صفحة المتجر على فيسبوك، مرفقة بدعوة إلى ستر الفتيات الصغيرات. واعتبر رواد مواقع التواصل الاجتماعي أن استغلال القاصرات في الإعلانات التجارية، مسيء للطفل، وحمّل البعض المسؤولية لأولياء هؤلاء الأطفال.
تاريخ تونس حافل في الجدل الحاصل بشأن الحجاب وعلاقته بحرية المرأة، ولا يمكن أن ننسى عقب صدور منع ارتداء النساء الحجاب في العام 1981، كيف ظهر الزعيم الراحل الحبيب بورقيبه على شاشة التلفزيون، في احتفال شعبي، وهو ينزع أغطية الرأس عن بعض النساء قائلاً لهن "انظرن إلى الدنيا من غير حجاب".

المزيد من العالم العربي