Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أفلت اقتصاد التنين من المصيدة الأميركية؟

يرى مراقبون أن واشنطن تأخرت جداً في وقف المد الصيني

يذكر التقرير أن الصين تقدم هذه المبادرة بطرق مثيرة للقلق من شأنها تقويض استقرار الاقتصاد الكلي العالمي (أ ف ب)

"مبادرة الحزام والطريق، مشروع السياسة الخارجية المميز للرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي يُعد أكبر برنامج للبنية التحتية في العالم، يشكل تحدياً اقتصادياً وسياسياً كبيراً للولايات المتحدة وكذلك لمستقبل التغير المناخي والأمن والمصالح الصحية العالمية"، هذا ما خلص إليه تقرير حديث لـ "مجلس العلاقات الخارجية الأميركي"، نُشر على موقع المجلس. ويقول التقرير، إنه منذ إطلاق مبادرة "الحزام والطريق" في عام 2013، موّلت البنوك وبنت الشركات الصينية كل شيء، بدءاً من محطات الطاقة وسكك الحديد والطرق السريعة والموانئ، إلى البنية التحتية للاتصالات وكابلات الألياف الضوئية والمدن الذكية حول العالم. وأضاف، إذا نفذت المبادرة بشكل مستدام ومسؤول، ستكون الصين قادرةً على تلبية احتياجات البلدان النامية لأمد طويل وتحفيز النمو الاقتصادي العالمي. لكن التقرير حذر من أن المخاطر بالنسبة إلى كل من الولايات المتحدة والبلدان المتلقية التي أثارها تنفيذ مبادرة الحزام والطريق تفوق إلى حد كبير فوائدها.
فبحسب فريق عمل التقرير، تقدم الصين هذه المبادرة بطرق مثيرة للقلق من شأنها تقويض استقرار الاقتصاد الكلي العالمي وزيادة احتمال حدوث أزمات الديون على مدى السنوات المقبلة من خلال تجنب تحليل القدرة على تحمل الديون إلى حد كبير، وتمويل المشاريع المشكوك فيها اقتصادياً في البلدان المثقلة بالديون، إلى جانب دعم دخول السوق المتميزة للشركات الصينية المملوكة للدولة وغير الموجهة للسوق، وتمكين الصين من حصر البلدان في النظم البيئية الصينية من خلال الضغط على التكنولوجيا والمعايير التقنية المفضلة لدى المتلقين لمبادرة الحزام والطريق، بالإضافة إلى ضمان اعتماد البلدان على الطاقة كثيفة الكربون لعقود من خلال تصديرها لمحطات الطاقة التي تعمل على الفحم، ما يجعل التخفيف من آثار تغير المناخ أكثر صعوبة، وترك البلدان أكثر عرضةً للضغط السياسي الصيني مع منح الصين قدرةً أكبر على إبراز قوتها على نطاق أوسع.
ويجمع محللون ماليون على أن الولايات المتحدة تأخرت جداً في وقف المد الاقتصادي والمالي للصين، بسبب انشغالها في أزماتها المالية والاقتصادية في ظل سياسات فيها كثير من التخبط.

انتقاء الصين للمراكز الاستراتيجية في العالم للاستثمار

يقول وضاح الطه، عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد للأوراق المالية والاستثمار"، لـ "اندبندنت عربية"، إن "موضوع القلق الأميركي من تمدد النفوذ الاقتصادي للصين هو في غاية الأهمية، برأيي إنه الموضوع الاستراتيجي الذي يحتل المرتبة الأولى في كونه سيحدد الملامح الاقتصادية والاستراتيجية للعالم في السنوات المقبلة". ويرى الطه أن "تصاعد هيمنة الصين في مناطق مختلفة من العالم مخطَط له منذ أمد بعيد حيث ركزت الصين منذ عقود طويلة على عملية النمو الاقتصادي، وهو أمر يعود إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية". ويقول الطه إن "إجمالي الناتج المحلي للصين في عام 1958 بلغ 30 مليار دولار أميركي، واليوم بعد أكثر من 60 سنة بقليل تجاوز 15 تريليون دولار"، بالتالي يعتبر أن "العملية ليست عفوية وهناك انتقاء للمناطق الاستراتيجية التي تتواجد فيها الصين، حيث تتواجد اليوم على سواحل البحر الأحمر وفي جنوب غربي باكستان في ميناء جوادر وهو موقع استراتيجي مهم، كما تحاول خلق تواجد على النقاط المهمة لمسار مبادرة الحزام والطريق الجديدة. كما أنفقت بكين مئات المليارات من الدولارات على المشاريع والتمويل والإقراض لتحقيق أهداف المبادرة، وسعت إلى تأسيس شراكات مع دول عدة بما فيها دول أوروبية لتعزيز هذا الاتجاه".

أميركا انزوت لحل أزماتها المالية والاقتصادية الداخلية

ويتابع الطه "للأسف، الولايات المتحدة انشغلت داخلياً وزادت ديونها في وقت تراكم فيه الفائض الصيني، حيث أصبحت الصين أكبر دائن للولايات المتحدة من خلال شراء سندات الخزينة الأميركية". ويضيف أنه "من الصعب اليوم احتواء الصين. التنين الصيني أفلت من أي محاولات للهيمنة عليه، وربما يحتاج الأمر إلى ولادة تحالف وقد رأينا ملامحه بين الولايات المتحدة وبريطانيا، عبر خلق مبادرة موازية لمبادرة الحزام والطريق الصينية، وأعتقد أن تحقيق ذلك يحتاج إلى تخطيط وتركيز وسرعة عمل وهذا الأمر غير متوفر لدى الجانبين".

وزاد الطه أن "الفروقات على مستوى إجمالي الناتج المحلي لأميركا والصين تكاد تقترب من بعضها بعضاً، وأتوقع قبل حلول عام 2025 أو على الأكثر 2028، أن تصبح الصين القوة الاقتصادية الأولى في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي في ظل التسارع في تقليص الفارق بين إجمالي الناتج المحلي بين البلدين". ويعتقد الطه أن "أمام الولايات المتحدة فرصة أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ظل سياسات يشوبها كثير من التخبط". ويرى أن "أميركا بحاجة إلى العمل مع شركائها وأن تركز على الجوانب الاقتصادية".

قروض صينية تحولت إلى استثمارات

من جانبه، قال محمد على ياسين، الرئيس التنفيذي للاستراتيجيات والعملاء في "الظبي كابيتال"، إن "الاقتصاد الصيني أظهر نمواً كبيراً خلال السنوات العشر الأخيرة،  وأصبح ينافس بقوة نظيره الأميركي للتربع على عرش الاقتصاد عالمي". وأضاف أن "اقتصاد الصين لا يزال في نمو، بخاصة مع انحسار الاقتصاد الأميركي في ظل تعدد أزماته والتغير الذي طرأ على السياسات الأميركية عقب الانتخابات". وأشار إلى أن "للصين خطةً واضحة لإعادة ترسيخ طريق الحرير في العالم. لقد رأينا كيف نشرت جنودها الدبلوماسيين في مختلف أنحاء العالم، بخاصة في العالم الثالث من أجل تعزيز نفوذها وقيادتها الاقتصادية والمالية في مناطق العالم عبر تقديمها المساعدات والتمويلات ومنحها القروض التي لا تُرَد وتتحول إلى استثمارات مشتركة. وكان هذا النهج بارزاً في أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وأميركا الجنوبية وبعض دول آسيا، وهو واقع أصبح من الصعب القول إنه لا يؤثر على سياسات تلك الدول وضمان أن تكون صديقة لتوجهات بكين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ردم فجوة تصنيعية عرتها الجائحة

ويرى الرئيس التنفيذي للاستراتيجيات والعملاء في "الظبي كابيتال"، أن "الصين ردمت فجوة كانت أهملتها الولايات المتحدة لسنوات طويلة بسبب الأزمة المالية العالمية التي جعلتها تنأى بنفسها لتضميد جراحها. ما تفعله اليوم الولايات المتحدة هو محاولة اللحاق بما فاتها. وفي رأيي، إن كل دولة تتلقى مساعدات أو تمويلاً أو قروضاً من الصين يكون وراءه هدف اقتصادي صيني وهو تأمين المواد الأولية الرئيسة للصناعات من أجل استمرارية النمو الاقتصادي للصين. لذلك تحرص الصين على الذهاب إلى المصادر الرئيسة للسلع وليس إلى أميركا وأوروبا لتأمينها مثل النفط والمعادن عبر تأمين حصص في تلك الموارد. فعلى سبيل المثال، المادة الطبيعية التي تخرج من الأرض وتُستخدم في صناعة رقائق الكمبيوتر، أصبحت الصين تمتلك حصة 40 في المئة من كمياتها الإجمالية المتوفرة على مستوى العالم. واليوم بدأت أميركا وأوروبا بتصنيع رقائق الكمبيوتر حتى لا تضطر لاستيرادها من الصين وتايوان ودول أخرى لردم الفجوة التصنيعية التي عرتها الجائحة".

واقع يجب القبول به

ويعتقد ياسين أن "نفوذ وتمدد الاقتصاد الصيني الذي نراه اليوم أصبح واقعاً يجب القبول به، في حين أن محاولة حصره صعبة للغاية، ولا بديل سوى التعايش معه"، مضيفاً أن "ما يحصل اليوم مع تغير الإدارة الأميركية والاجتماعات الجارية بين الجانبين الأميركي والصيني وربما دخول روسيا على الخط، ما هي إلا محاولة لإيجاد صيغة لتعايش الاقتصادات الثلاثة مع بعضها بعضاً، لمنع نشوب حرب اقتصادية أو لمنع العودة إلى حرب الرسوم التجارية التي انتهجها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في التعامل مع التمدد التجاري للصين". ويتابع ياسين أن "الولايات المتحدة تجاوزت مرحلة القلق واستيقظت اليوم على فقدان كثير من نفوذها الاقتصادي في العالم، وأصبحت القرارات في يد الصين الأقوى اقتصادياً ومالياً، في ظل نمو الاقتصاد الصيني بوتيرة أسرع". ويزيد "أعتقد أن التحدي الأكبر والحقيقي الذي تواجهه أميركا خلال السنوات الخمس المقبلة، هو محاولة الحفاظ على تربعها على عرش الاقتصاد العالمي، وهي متخوفة جداً من خسارة هذا المركز فخسارته ستكون لها تبعات كبيرة ليس فقط على اقتصادها، ولكن أيضاً على الدولار الأميركي وتبعاته". 

تدويل "اليوان"

ولدى سؤال الرئيس التنفيذي للاستراتيجيات والعملاء في "الظبي كابيتال"، عن جهود بكين في تدويل "اليوان" الصيني، وما إذا كانت هذه الجهود تعكس تمدد نفوذها الاقتصادي الحاصل، أجاب "بالتأكيد، كثير من الدول، بما فيها دول المنطقة، عادةً ما يكون تعاملها مع العملات الأخرى عبر التحويل إلى الدولار، ومن ثم إلى العملات الأخرى. كان في نيويورك مركز لتحويل العملات لديه إلمام من أين تأتي العملات وأين تذهب وكان له أيضاً دور في وقف عملات بعينها في حال كان هناك تضارب مع مصالح معينة، واليوم فتحت البنوك المركزية في العالم بما فيها تلك الموجودة في الإمارات والسعودية، خطوط إمداد مالية تتيح امكانية التعامل باليوان الصيني. وقد لا تتجاوز هذه التعاملات 10 إلى 20 في المئة، ولكنها أصبحت ضرورية باعتبار أن الصين أصبحت دولة رئيسة في عمليات استيراد النفط، بالتالي الدفع بالعملة الصينية وليس فقط بالدولار الأميركي مقبول في هذه الدول مقابل الخدمات. وفي رأيي فإن هناك تحولاً اقتصادياً قادماً، فلو نظرنا إلى الاقتصاد الأميركي سنجد أنه نما في حدود 2 إلى 3 في المئة خلال السنوات العشر الماضية في حين نما الاقتصاد الصيني بحدود 6 إلى 7 في المئة، ولو قلنا إن الفارق هو 4 في المئة على امتداد 10 سنوات، فنحن نتحدث عن 40 في المئة من اللحاق الأميركي بالنمو الصيني، ولو بقينا على هذا المنوال من النمو لعشر سنوات أخرى فسيتجاوز الاقتصاد الصيني نظيره الأميركي كأكبر اقتصاد في العالم".

الغرب خذل أفريقيا
في المقابل، قال محي الدين ما، المتخصص في الشؤون العربية - الصينية، إن "الولايات المتحدة قلقة جداً من إمكانية تجاوز الصين لها في أن تصبح أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر مزود للتكنولوجيا المتقدمة". وأضاف أنه "على الرغم من تقدم أميركا على الصين حتى الآن في هاتين المرتبتين، إلا أن الولايات المتحدة قلقة من تفوق الصين مع تسارع نمو الاقتصاد الصيني مقارنة مع نظيره الأميركي وتراكم الديون الأميركية". وأضاف، "الحكومة الصينية لا تتدخل في الشوؤون السياسة للدول التي تستثمر فيها"، مؤكداً أن "الهدف الأساس للصين هو تطوير اقتصادات الدول عبر الشراكة على طول خط طريق الحرير الجديد انطلاقاً من مبادرة الصين الحزام والطريق".
ورفض محي الدين الأحاديث القائلة برفض دول أفريقية أخيراً للاستثمارات الصينية، قائلاً "لم أسمع بدولة أفريقية ترفض الاستثمارات الصينية التي تصب في مشاريع تطوير البنية التحتية في القارة". وقال إن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، خذل القارة الأفريقية، فلم نر استثمارات غربية ضخمة تصب في دول أفريقية". وزاد "محي الدين ما"، "السياسات الصينية تختلف عن نظيراتها الأميركية والبريطانية والأوروبية، فالصين لا تتدخل في الشؤون السياسية للدول، في حين أن الغرب يتحجج بالمشاريع الاقتصادية للتدخل في شؤون الدول الأخرى". واتهم محي الدين الغرب بـ"الترويج لمخاطر تواجد الاستثمارات الصينية في أفريقيا ومناطق العالم الأخرى".