Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كارتل الفساد على حدود العراق "أسوأ من شريعة الغاب"

غالباً ما يعمل موظف الجمارك الحكومي كوسيط للجماعات المسلحة والأحزاب السياسية

معبر خسروي الحدودي بين إيران والعراق (أ ف ب)

على طول الحدود البرية والبحرية للعراق، يقوم "كارتل" متشابك ومعقد بعمليات تهرب جمركي يحوّل من خلالها ملايين الدولارات التي يُفترض أن تدخل خزائن الحكومة، إلى جيوب أحزاب وجماعات مسلحة ومسؤولين.

ويقول موظف في إدارة الجمارك إن أعمال هذه الشبكة المتداخلة "لا توصَف، الأمر أسوأ من شريعة الغاب". ويضيف، "في الغابة، تأكل الحيوانات على الأقل وتشبع، هؤلاء الرجال لا يقنعون أبداً".

وعلى غرار معظم المسؤولين الحكوميين وعمال الموانئ والمستوردين الذين قابلتهم "وكالة الصحافة الفرنسية" على مدى ستة أشهر، طلب الموظف التحدث من دون الكشف عن هويته خوفاً من تعرض حياته للخطر.

الفساد

وفي البلد الذي يحتل المرتبة 21 في العالم في سلم الفساد، وفق منظمة الشفافية الدولية غير الحكومية، تعبّد البيروقراطية المملة والفساد المزمن طريقاً إلى امتصاص موارد الدولة. وفي اقتصاد يقوم أساساً على النفط، وفي ظل ضعف كبير في القطاعين الزراعي والصناعي وغياب أي إمكانية للحصول على عائدات منهما، تشكّل رسوم الجمارك المصدر الأهم للعائدات.

نهب الدولة

لكن الحكومة العراقية المركزية لا تتحكم بهذه الموارد التي تتوزع على أحزاب ومجموعات مسلحة، غالبيتها مقربة من إيران، تتقاسم السطوة على المنافذ الحدودية وتختلس عبرها ما أمكن من الأموال.

ويقول وزير المالية العراقي علي علاوي لـ"وكالة الصحافة الفرنسية"، إن "هناك نوع من التواطؤ بين مسؤولين وأحزاب سياسية وعصابات ورجال أعمال فاسدين"، مشيراً الى أن "هذا النظام ككل يساهم في نهب الدولة".

ويستورد العراق الغالبية العظمى من بضائعه، ويعتمد في الغالب على إيران وتركيا والصين في كل شيء، من الغاز إلى الكهرباء والطعام والإلكترونيات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رسمياً، استورد العراق ما قيمته 21 مليار دولار من السلع غير النفطية في عام 2019، وفق أحدث البيانات التي قدمتها الحكومة، مرت بمعظمها عبر خمسة معابر رسمية على الحدود مع إيران التي يبلغ طولها 1600 كيلومتر، بالإضافة إلى معبر واحد على الحدود مع تركيا الممتدة على قرابة 370 كيلومتراً، وعبر ميناء أم قصر العملاق في محافظة البصرة الجنوبية، لكن نظام الاستيراد العراقي مرهق وعفا عليه الزمن، فقد تحدث تقرير للبنك الدولي العام 2020 عن "تأخيرات لا تنتهي، ورسوم مرتفعة واستغلال".

نظام استيراد مواز

وقال مستورد يتخذ من دولة في الشرق الأوسط مركزاً لعمله، "إذا كنت تريد أن تستورد بالطريقة الصحيحة، ينتهي بك الأمر إلى دفع آلاف الدولارات كغرامة تأخير"، مضيفاً أن هذا النظام "مصمَم للفشل". وأدى ذلك، وفق مسؤولين وعمال موانئ ومستوردين ومحللين، إلى نشوء نظام استيراد موازٍ عبر المعابر البرية وميناء أم قصر، تتولاه أحزاب ومجموعات مسلحة، تتحقق معظم الأرباح من ميناء أم قصر، كونه المنفذ الذي تدخل عبره الكمية الأكبر من البضائع إلى البلاد.
وأكد مسؤولون أن غالبية نقاط الدخول تسيطر عليها بشكل غير رسمي فصائل تنتمي إلى "الحشد الشعبي". وقال ضابط في الاستخبارات العراقية حقق في قضية التهرب الضريبي، "إذا كنت تريد طريقاً مختصراً، تذهب إلى الميليشيات أو الأحزاب". وأضاف، "يقول المستوردون إنهم يفضلون خسارة 100 ألف دولار (تُدفَع كرشوة) بدلاً من خسارة بضاعتهم بالكامل".

نفوذ لفصائل مختلفة

ويعمل أعضاء الأحزاب والفصائل المستفيدة من ذلك الوضع، أو معارفهم وأقاربهم، كوكلاء حدود أو مفتشين وفي الشرطة، ويتقاضون مبالغ مالية من المستوردين الذين يريدون تجاوز الإجراءات الرسمية أو الحصول على حسم على الرسوم، بينما ينفي "الحشد الشعبي" هذه المزاعم علناً. لكن مصادر مقربة من فصائل مثل "عصائب أهل الحق" وكتائب "حزب الله"، أقرت بوجود نفوذ لفصائل مختلفة على الحدود، معددةً الأرصفة والمراكز التي يتم عبرها التهرّب الضريبي لأنواع من البضائع، بما يتطابق مع ما قاله مسؤولو الجمارك وضابط الاستخبارات.
وأكد عمال ميناء أم قصر ومسؤولون ومحللون أن "منظمة بدر" مثلاً، وهو فصيل تأسس في إيران في الثمانينيات، تدير معبر مندلي على الحدود الإيرانية. وقال ضابط في الاستخبارات، "إذا كنت تاجر سجائر، اذهب إلى المكتب الاقتصادي لكتائب حزب الله في الجادرية (في بغداد)، أطرق الباب، وقل أريد التنسيق معكم".

"المخلّص"

كما أن أحد الأشخاص الرئيسين في عجلة الفساد، هو "المخلِّص"، أي موظف الجمارك الحكومي الذي غالباً ما يعمل كوسيط للجماعات المسلحة والأحزاب السياسية.
وبعد الدفع نقداً مقابل عمليات صغيرة أو عبر تحويلات مصرفية لصفقات أكبر، يزوّر "المخلّص" الأوراق الرسمية، عبر تحريف نوع السلعة التي تُستورَد أو عددها وقيمتها الإجمالية، ما يؤدي إلى خفض قيمة الرسوم الجمركية التي يُفترض على التجار دفعها، وتكون في النهاية أقل بكثير من القيمة الفعلية للبضائع.

ويتلاعب "المخلّصون" أيضاً بالقيمة الإجمالية المقدَّرة للشحنة، فتسجَّل تلك القيمة بدايةً على رخصة الاستيراد، لكن "المخلّص" يملك صلاحية إعادة النظر فيها عند نقطة الدخول، بالتالي تخفيضها بهدف تخفيف قيمة الرسوم.

إيصالات مزورة

في حالات أخرى، يأخذ التجار تراخيص استيراد وإيصالات مزورة إلى البنك المركزي العراقي الذي يرسل بعد ذلك دفعةً بالدولار الأميركي إلى شركة شحن وهمية خارج العراق. وتسمح هذه المعاملات بغسل الأموال، بحسب وكيل جمركي ومسؤولين مصرفيين عراقيين.
وكونهم يعتبرون المنافذ الحدودية مصدراً لا متناهياً للمال، يدفع الموظفون العامون أموالاً لرؤسائهم لتعيينهم هناك. ويعرب وزير المالية العراقي علاوي عن أسفه قائلاً "يتراوح سعر أصغر وظيفة في الجمارك بين 50 ألف دولار إلى 100 ألف دولار، وفي بعض الأحيان ترتفع إلى أضعاف ذلك".

وتستخدم الأحزاب والجماعات المسلحة نفوذها السياسي للاحتفاظ بمواقعها هذه التي تسمح لها بتكديس الأموال، ولا تتوانى عن التهديد باستخدام العنف.

تهديد

وروى ضابط استخبارات عراقي أن مخبِراً في معبر زرباطية على الحدود مع إيران، الذي تديره "عصائب أهل الحق"، وُضع مراراً في إجازة إدارية بسبب عرقلته عمليات استيراد منتجات إيرانية من دون رسوم جمركية. وفي النهاية، لم يستطع المخبِر تحمل الضغط، وقال الضابط، "عدنا لاحقاً للتحدث معه مرة أخرى ووجدنا أنه انضم إلى العصائب".
وقال موظف كبير في المنافذ الحدودية، إنه يتلقى مكالمات منتظمة من أرقام خاصة تهدد بالتعرض لأقاربه بالاسم، في محاولةٍ لترهيبه ودفعه إلى وقف عمليات التفتيش على البضائع في الموانئ.
وأضفت هذه الأطراف طابعاً احترافياً على موضوع التمويل غير المشروع هذا بعد هزيمة تنظيم "داعش" في العام 2017، وازدادت هذه الشبكة نشاطاً بعد فرض الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترمب عقوبات قاسية على إيران.

فرض عقوبات

وفي مارس (آذار) 2020، أدرجت الولايات المتحدة شركة "الخمائل البحرية للخدمات"، وهي شركة شحن في أم قصر، على القائمة السوداء، لتنسيقها مع مجموعات شيعية مسلحة لمساعدة "الحرس الثوري" الإيراني على "التهرب من بروتوكول التفتيش الحكومي العراقي".
كما فرضت عقوبات على عراقيَين وإيرانيَين مرتبطَين بالشركة لتمويلهم "الكتائب" و"حزب الله" اللبناني.

النظام الموازي

ويحرم هذا النظام الموازي الدولة من مصادر تمويل كان يمكن تخصيصها للمدارس والمستشفيات والخدمات العامة الأخرى.

وفي هذا الإطار قال الوزير علاوي، "يجب أن نحصل على سبعة مليارات دولار من الجمارك سنوياً، لكن في الواقع، يصل إلى وزارة المالية 10 إلى 12 في المئة فقط من موارد الجمارك".

وأفادت منظمة الشفافية الدولية في عام 2020 بأن تركيا والصين (من أكبر المصدّرين للعراق) هما أقل دولتين تراقبان ضبط الفساد في إطار تصديرهما إلى العراق، ويدفع ثمن كل ذلك الفساد، المستهلك العراقي.

إصلاح المعابر الحدودية

ومنذ الأسابيع الأولى لتوليه رئاسة الوزراء في مايو (أيار) 2020، جعل مصطفى الكاظمي من إصلاح المعابر الحدودية أولويةً قصوى، فمع الانخفاض الشديد في أسعار النفط، بات العراق بأمسّ الحاجة إلى عائدات إضافية. وفي رحلات حظيت بتغطية إعلامية واسعة إلى أم قصر ومندلي، تعهد الكاظمي بإرسال قوات جديدة إلى كل منفذ حدودي وتطبيق المداورة في وظائف الجمارك بانتظام لتفكيك دوائر الفساد.
وعلى الورق، يُفترض أن يكون ذلك مجدياً. وتفيد هيئة المنافذ الحدودية بشكل شبه يومي، عن عمليات ضبط بضائع جرت محاولات لتهريبها من دون دفع رسوم.

إغلاق مكتبها الاقتصادي

وفي سياق متصل، قال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية إن "كتائب حزب الله" المتهمة بإطلاق صواريخ على السفارة الأميركية، أُجبرت على إغلاق مكتبها الاقتصادي في مطار بغداد الدولي لمنع وصولها إلى بضائع ثمينة معفاة من الرسوم الجمركية. وأضاف، "لكن لا يزال بإمكانها الصعود إلى الطائرة والقيام بما تريد، الفساد ما زال موجوداً".

المزيد من العالم العربي