Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"رسالة" بريطانية في "يوم المسرح" والعروض العربية شبه غائبة

"إيزيس" عرض مصري يستلهم التراث الفرعوني برؤية حديثة

الممثلة البريطاانية هيلين ميرين ألقت كلمة اليوم العالمي للمسرح (أ.ف.ب)

اليوم العالمي للمسرح، في 27 مارس (آذار) من كل سنة، وأضحى هذا اليوم الذي اختاره المعهد الدولي للمسرح عام 1961، وتبنته منظمة اليونيسكو، مناسبة عالمية للاحتفال بـ"أبي الفنون" وإحياء الأمسيات وعقد اللقاءات وتقديم العروض على مسارح العالم. هذه السنة يطل هذا اليوم في ظروف صعبة جداً ومعقدة، يعاني المسرح خلالها أزمات عدة، سواء من ناحية إنتاج العروض وتقديمها وإقامة التمارين ودعوة الممثلين وسائر التقنيين إلى الالتقاء في ظل كورونا المستشري بقوة، أم من ناحية الجمهور الذي بات من الصعب الرهان عليه وسط تفشي الفيروس واعتماد سياسة منع التجمع. ولعل المسرح العربي مثله مثل سائر المسارح العالمية، يعاني أزمات عدة ويواجه صعوبات وعوائق جمة، وقد انعكس انتشار وباء كورونا سلباً عليه وعلى أسرته من مخرجين وممثلين وتقنيين، فوقعت معظم المسارح العربية في حال من الشلل، وألغيت المهرجانات وتضاءل عدد العروض التي قدمت وتقدم على الخشبات. وبدا المسرحيون الذين قدموا أعمالاً في بعض المدن أشبه بمغامرين يخترقون الحواجز بحماسة عالية. أما اللجوء إلى الفضاء الافتراضي الذي اقترحه مخرجون وممثلون أو فرق ومؤسسات، فلم يكن ناجعاً تماماً، فالمسرح لا يقوم من دون علاقة مباشرة بالجمهور أولاً، وثانياً لا يمكن أن يعمل الفريق المسرحي في جو يسيطر عليه هاجس الوباء وخوف الإصابة به. لكن العروض التي قدمت عبر "أون لاين"، تمكنت من كسر الجمود الذي سيطر على الحركة المسرحية، ونقلت إلى ذاكرة الجمهور بعضاً من ألق المسرح وسحره.

وهذه السنة كلفت الهيئة الدولية للمسرح، على عادتها في مثل هذا اليوم، الممثلة البريطانية هيلين ميرين، لكتابة "رسالة" يوم المسرح العالمي لهذا العام، لتوزع على كل المسارح والفرق والنوادي والإعلام في العالم. وجاءت الرسالة معبرة ومؤثرة وتوقفت عند المصاعب التي تواجه «أبا الفنون» في العالم. وجاء في الرسالة "كان هذا وقتاً صعباً للغاية بالنسبة للفنون الأدائية الحية، كافح فيه العديد من الفنانين والفنيين والحرفيين والنساء، في مهنة هي في الأصل محفوفة بانعدام الأمن الذي ارتبط دائماً بهذه المهنة. وهو ما مكن هؤلاء الفنانين من النجاة في ظل جائحة "كورونا"، متسلحين بكثير من الذكاء والشجاعة. ففي ظل هذه الظروف الجديدة، حوّل الفنانون خيالهم إلى طرق إبداعية وترفيهية مؤثرة ليتمكنوا من التواصل مع العالم، ويعود الفضل في ذلك بشكل كبير بالطبع، إلى شبكة الإنترنت". وأكدت أن "ثقافة المسرح الجميلة ستبقى وتستمر"، وبشرت، بإحياء أفق المسرح عندما قالت "لن تختنق أبداً الرغبة الإبداعية للكتاب، والمصممين، والراقصين، والمغنين، والممثلين، والموسيقيين، والمخرجين، وفي المستقبل القريب ستزهر تلك الرغبة مرة أخرى، تدفعها طاقة جديدة وفهم جديد للعالم الذي نتشاركه جميعاً، وكم أتحرق شوقاً إلى ذلك". 

عرض "إيزيس"

في المناسبة، هنا قراءة في عرض "إيزيس" المصري:

في عام 1985 قدم المخرج الراحل كرم مطاوع، على خشبة المسرح القومي في القاهرة، مسرحية "إيزيس" تأليف توفيق الحكيم، بطولة سهير المرشدي، أشعار صلاح جاهين، موسيقى هاني شنودة. حوّل كرم مطاوع العرض إلى ما يشبه الأوبريت، فجاء حافلاً بالرقص والغناء، في سياق درامي، من خلال أكثر من سبعين ممثلاً وممثلة وراقصاً وراقصة، ولكن ظلت السيادة، في النهاية، للكلمة.

 

التحدي الأكبر، إذاً في "إيزيس" الجديدة، التي يتم تقديمها من خلال عرض مسرحي راقص، كان في كيفية التعاطي مع أسطورة مصرية قديمة "إيزيس وأوزيريس" من خلال اختزال الدراما بواسطة التعبير الجسدي الراقص، أو ما يسمى "المسرح الراقص"، الذي يعد – بحسب المعجم المسرحي - جنساً من أجناس المسرح تندرج في إطاره العروض التي تتحقق فيها قوانين أو شروط اللعبة المسرحية من نص (سيناريو)، ومخرج، وممثل (راقص)، وجمهور.

العرض قدمته "فرقة فرسان الشرق للتراث"، التابعة لدار الأوبرا المصرية، وهي فرقة أسسها الفنان وليد عوني عام 2009، بهدف استلهام التراث المصري على خشبة المسرح، في سياق فني، درامي، راقص، وعليه فإن جميع عروض الفرقة تتميز بصبغتها التراثية والتاريخية المصرية الصميمة.

خير وشر

لا نص هنا في العرض (صممته وأخرجته كريمة بدير)، سوى شذرات مفتاحية عن الحب والسلام والخير والشر والعدل والتسامح، وهي لم تكن بالتأكيد، مجانية أو نُثرت هنا وهناك بشكل عشوائي، ولكن وُظِّفت في السياق الدرامي، وجاءت بمثابة مفاتيح في بعض الأحيان تمهد لهذا المشهد أو ذاك، أو تشير بشكل خفي إلى ما يمكن أن يستغلق على الجمهور فهمه. لكنها في كل الأحوال لم تكن أساساً أو عماداً درامياً في العرض. وحده الرقص تكفل ببناء الدراما، فضلاً عن المتعة البصرية التي حققها من خلال صورته الخاطفة لنظر المشاهد، والتي جاءت مؤطرة بإضاءة (صممها رضا إبراهيم) فيها من رشاقة الرقص وفتنة اللون ما جعلها جزءاً فاعلاً ومهماً، بألوانها الصفراء والحمراء والزرقاء، ليعبر كل لون عن الحالة الدرامية المجسدة، من غيرة، وشهوة، وقتل، وتآمر.

هذا إضافة إلى الديكور (صممه أنيس إسماعيل) الذي مال أكثر إلى الرمزية، وأحاط جوانب المسرح بستائر فسيحة ليشير إلى الفخامة والرهبة والجلال، وحدد منطقة التمثيل بثلاثة بانوهات كل منها أشبه بقوس مفتوح، وزِّعت في ثلاثة أركان الخشبة، فبدا كما لو كنا في رحم الأرض أو في إطار معبد فرعوني. فضلاً عن وجود أكثر من مستوى فوق الخشبة، ومنها السلالم، على اليمين واليسار في عمق الخشبة، لينتقل عليها الراقصون لإحداث الأثر المطلوب، مع وجود بعض رؤوس التماثيل التي تسقط دائماً من الأعلى وتشير إلى شخصيات وآلهة بحسب السياق الدرامي المطروح.

الملابس (صممها مهندس الديكور) مزجت هي الأخرى التراثي بالمعاصر، مشيرة إلى تنوع بل ثراء البيئة المصرية وتعدد مظاهرها من فرعوني ونوبي وصعيدي وبحراوي وغيرها، ومضيفة المزيد من البهجة على الصورة المسرحية.

قصة الصراع

أحداث القصة تدور حول صراع الخير والشر، كان أوزيريس ملكاً على مصر، عادلاً ومحبوباً، علم الناس الزرع، وخطط لهم القرى والمدن، وشرع القوانين والأحكام، ما أثار حقد أخيه "ست"، فضلاً عن طمعه في زوجته إيزيس، ما دفعه إلى قتله. فقد أقام حفلاً دعا إليه أخاه أوزيريس والأمراء، وأعد تابوتاً من الذهب معلناً أنه سيكون من نصيب من يأتي مطابقاً لحجمه. وعندما حل الدور على أوزيريس ليشارك في اللعبة - المعدة أصلاً للإيقاع به - دخل التابوت، وبادر أتباع "ست" بإحكام الغطاء على التابوت وحملوه وألقوه في النيل، ليجرفه التيار إلى فينيقيا (لبنان) ثم قذفته الأمواج إلى ساحل جبيل ونبتت فوقه شجرة ضخمة أخفته تماماً عن العيون.

تنجح إيزيس في العثور على التابوت، وتعود به إلى مصر، وتلجأ إلى مكان خفي في الأحراج وتبتهل إلى الإله أن يرد الحياة إلى زوجها. فاستجاب لابتهالها، وحملت منه ابنها حورس. وعندما أطلقت صيحات الفرح، سمعها "ست"، الذي تصادف أنه كان يصطاد في مكان قريب، فمزق جثة أوزيريس وألقى بكل جزء فيها في أقاليم مصر الاثنين والأربعين.

عندما كبر حورس الذي أخفته أمه في أحراج الدلتا حتى لا يُلحق به "ست" الأذى، جمع أنصاره للانتقام لأبيه، وانتصر فعلاً على عمه، وحكمت آلهة هليوبوليس بأن يتولى حورس العرش، بينما أصبح "ست" حاكماً للصحراء. وبقي أوزيريس حاكماً لمملكة الموتى لرفضه العودة إلى الأرض بسبب انتشار الشر فيها.

سياق درامي

كل هذه الأحداث جُسدت عبر الرقص من خلال ثلاثين راقصة وراقصاً، في سياق درامي مستجيب لشروط اللعبة بأدواته التي كان واضحاً فيها تدريب الراقصين لفترات طويلة. وهو أمر ليس سهلاً، بخاصة أن الموضوع تراثي منتج من خلال الرقص الحديث. فكيف يمكن المزاوجة بينهما، بل وكيف يمكن التعبير عن أحداث الأسطورة عبر الرقص فحسب، وكيف تحقق رسالة الفرقة التي أنشئت من أجلها، وهي تقديم التراث المصري الصميم، وإن برؤية معاصرة؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نجحت مصممة (ومخرجة) العرض في مهمتها الصعبة إذ أقامت بناءها على شكل متماسك، وحرصت على توظيف طاقات راقصيها بما يجعل الجسد يقول كل شيء، وإن بشكل شفاف. وبخاصة في اللحظات الحميمة أثناء التزاوج وغيرها من المشاهد التي تطلبت مهارات فائقة لتجسيد الحدث بشكل جمالي، بعيداً عن الآلية والنمطية، وبعيداً كذلك عن الإثارة. فقد لعب الخيال دوره في تشكيل الصورة المسرحية على نحو معاصر، ولم ينفصل في الوقت نفسه عن الجذور التي نبت من خلالها الحدث الرئيس.

شروط اللعبة

توافرت للعرض كل الشروط التي حافظت على دراميته، منذ اللحظة الأولى التي هبطت فيها "نوت" إلهة السماء من أعلى المسرح، ليحدث التزاوج بينها و"جب" إله الأرض. ثم ميلاد إيزيس وأوزيريس وست ونفتيس، وحدوث الصراع. وبدء رحلة إيزيس التي تطوف بنا في أقاليم مصر الجنوبية والشمالية، بمصاحبة أنوبيس، مستعرضة العديد من الطقوس المصرية القديمة، في الميلاد، والزواج، والزرع، والموت وما يصاحبه من إنشاد أسيان "العديد" (كتبه محمد زناتي)، مروراً بعودة القمر منيراً بعد أن خُنق. وبرزت طقوس إعادته إلى وضعه الطبيعي، وانتهاء برفع ميزان كان موجوداً طوال العرض في منتصف مقدمة خشبة المسرح، إعلاناً عن تحقيق العدالة بتنصيب حورس ملكاً، وتزامن ذلك مع سطوع القمر.

الموسيقى المصاحبة للأحداث (أعدها محمد مصطفى رجب) استجابت هي الأخرى للصراع الدائر، وعمليات التحول، التي يتم فيها استعادة أرواح الموتى، ولحظات التوتر والعنف والمؤامرات، وحتى أصوات الرياح وعصفها، وغناء الطيور في لحظات الصفو. كل ذلك لعبت فيه الموسيقى دوراً مهماً في بناء سينوغرافيا العرض، وأسهمت كثيراً في تجسيد الأحداث، على الرغم من أنها معدة وليست مؤلفة، ويحسب لمعدها الدقة والذكاء في الاختيار.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة