حذرت دراسة علمية جديدة من إمكانية هجرة ثلث الأطباء العراقيين في المستقبل القريب بسبب الأوضاع العامة في البلد، ومشاكل وتحديات تعتري حياتهم المهنية، بينما أكدت نقابة الأطباء هجرة الآلاف منهم في غضون الأعوام الماضية.
ظروف عمل قاهرة
وأظهرت نتائج الدراسة التي أعدها ثلاثة أطباء من (الجمعية العراقية للبحوث والدراسات الطبية) أن "92 في المئة من الأطباء العراقيين لا يشعرون بالأمان لأسباب من أبرزها التهديدات العشائرية، والحوادث الإجرامية، والتعسف الإداري، والخوف من العدوى بأمراض خطيرة، وأن ثلث الأطباء قد أصيبوا بالفعل خلال عملهم في المؤسسات الصحية بأمراض خطيرة، مثل (كوفيد 19)، والتدرن الرئوي، والتهاب الكبد الفيروسي، و75 في المئة من الأطباء المشاركين في الدراسة تعرضوا للعنف، مثل الضرب والسب والإهانة والتهديد، وثلث الأطباء خضعوا إلى لجانٍ تحقيقية، و13 في المئة منهم مثلوا أمام القضاء بسبب عملهم".
وأفادت الدراسة المبنية على استبيان شمل 606 أطباء من مختلف الاختصاصات، ومن جميع المحافظات العراقية، بأن "نصف الأطباء تقريباً لا يملكون عيادات طبية خاصة، وثلثهم لا يملكون سيارات شخصية، و73 في المئة من الأطباء يمثل الراتب الحكومي مصدر دخلهم الأساسي، و25 في المئة فقط من الأطباء يشعرون بالتقدير في أماكن عملهم، و84 في المئة يعانون من عدم توفر فرص التدريب لتطوير مهاراتهم وتنمية خبراتهم، و89 في المئة من الأطباء يشكون نقص الأجهزة والمعدات الضرورية لعملهم في علاج المرضى، و92 في المئة يفتقدون بيئة العمل المريحة، و41 في المئة منهم لن يختاروا الدراسة في كلية الطب لو رجع بهم الزمن إلى الوراء، و50 في المئة منهم لن يختاروا نفس اختصاصاتهم الحالية".
وأشارت الدراسة إلى أن "ثلثي الأطباء يعتبرون شكر المرضى لهم أفضل هدية أو مكافأة يمكن أن يحصلوا عليها، و50 في المئة الأطباء يعتقدون أن راحة الضمير هي أهم مصدر لسعادتهم، بينما اعتبر 25 في المئة منهم أن نجاحهم في عملهم هو مصدر سعادتهم، وذكر آخرون أن شكر المرضى لهم مصدر سعادتهم".
معظمهم يفكرون في الهجرة
ولعل أكثر نقطة مثيرة للقلق في الدراسة تفيد بأن "85 في المئة من الأطباء العراقيين يفكرون في الهجرة، وثلثهم يعملون بشكلٍ جديٍ لترتيب إجراءات هجرتهم".
وقال أحد الأطباء المشاركين في إعداد الدراسة ضرغام الأجودي لـ"اندبندنت عربية"، إن "الظروف الصعبة والمعقدة التي يمر بها العراق تولد ضغوطاً قاسية على الأطباء، وهم في خضم مواجهة صعبة للغاية بين الاحتياجات المتزايدة للمرضى والقدرات المتداعية للقطاع الصحي، فضلاً عن الضغوط الاقتصادية والأمنية والمهنية والاجتماعية والنفسية، والتي أدت إلى هجرة عدد كبير من الأطباء خلال الأعوام السابقة، وتشي بهجرة ثلث المتبقين خلال الفترة القصيرة المقبلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت الأجودي إلى أنه "في ظل جائحة (كوفيد 19) يوجد كثير من الدول ترحب بالأطباء العراقيين للعمل في مستشفياتها ومراكزها الصحية، وهذا يعني أن العراق من المتوقع أن يواجه نقصاً خطيراً في عدد الأطباء".
توصيات للحكومة
وتوصل الأطباء الثلاثة في دراستهم إلى حزمة توصيات معظمهما موجهة إلى الحكومة العراقية، وتصب في مجرى تحسين ظروف عملهم وتطوير المؤسسات الصحية، منها الإسراع في سن قانون فعال للتأمين الصحي للمساهمة في تطوير الخدمات الصحية وتخفيف العبء عنهم نتيجة سوء الخدمات الصحية الحالية، ومطالبة وزارة الصحة ومؤسسات القطاع الصحي الخاص بتأمين وحماية الأطباء من الأخطار الناجمة عن عملهم، مثل العدوى والعنف والأخطاء الطبية وتفعيل قانون الحماية الذي شرعه مجلس النواب عام 2013، وزيادة الإنفاق الحكومي على تطوير وتحديث قطاع الصحة العامة لسد الفجوة مع دول الجوار على الأقل في مستوى الخدمات الصحية، ومراجعة نظام الرواتب والأجور وزيادتها بشكل يضمن الاستقرار الجسدي والنفسي للأطباء ويحول دون هجرتهم، وإنشاء نظام واضح وفعال لمكافأة المتميزين منهم، وإقامة دورات تدريبية لهم.
كما أوصت الدراسة كليات الطب الحكومية والأهلية باستحداث مادة منهجية تعليمية لطلابها تعنى بتنمية قدراتهم على التواصل الاجتماعي الفعال والعمل تحت الضغط وأثناء الأزمات، وأن يكون قبول الطلاب في الكليات الطبية وفق معيار المنطقة الجغرافية، بحيث يتم قبول الطلاب المتفوقين من كل محافظة في كليات الطب الواقعة في محافظاتهم.
كورونا تعمق المعاناة
وبحسب نقيب الأطباء في محافظة البصرة الواقعة جنوب العراق وسام الرديني، فإن "التحديات والمشاكل التي كشفت عنها الدراسة تبدو واقعية"، مضيفاً أنه "خلال الفترة الممتدة من عام 2003 إلى عام 2019 هاجر أكثر من 15 ألف طبيب عراقي إلى دولٍ مختلفة، والأطباء المتبقون في حدود 40 ألفاً، بعضهم يرغبون بالفعل في الهجرة".
وأكد الرديني أن "جائحة كورونا جعلت مهنة الطب في العراق أكثر مشقة وخطورة، وبسبب الإصابة بالفيروس فارق الحياة نحو 100 طبيب عراقي، منهم 13 طبيباً من محافظة البصرة"، معتبراً أن "الحفاظ على الكفاءات الطبية والحد من ظاهرة هجرة الأطباء يتطلب بشكل أساسي تفعيل بعض القوانين الضرورية لحمايتهم وتحسين ظروف عملهم، وأهمها قانون نقابة الأطباء، وقانون دعم الأطباء، وقانون حماية الأطباء، وقانون تشجيع أطباء التخدير، وقانون الصحة العامة، وقانون الضمان الصحي".