"العقل المدبر لأحداث باب سويقة"، هكذا قدّم الصحافي التونسي شاكر بسباس ضيفه كريم عبدالسلام، العنصر السابق في التنظيم السري لحركة النهضة، في حوار أثار جدلاً تونسياً واسعاً، أعاد النهضة إلى قفص الاتهام مجدداً، مما دفع رئيسها راشد الغنوشي إلى الرد.
اختراق الجيش
وكشف عبدالسلام عن تورط الحركة في عملية إرهابية قبل نحو ثلاثة عقود في سياق محاولات النهضة الانقلاب على النظام، وقال إن العملية التي جاءت في إطار ما سمّي بتحرير المبادرة استهدفت أحد مركز الحزب الحاكم آنذاك بباب سويقة وسط العاصمة، وراح ضحيتها أحد حراس المركز وعشرات الجرحى.
وعن تفاصيل العملية، سرد كريم، "حُدد موعد التنفيذ في الـ 17 من فبراير (شباط) 1991، لاستهداف مقر لجنة التنسيق الحزبي بباب سويقة". مؤكداً أن التخطيط والتنفيذ كانا "بعلم قيادة الحركة، وجاءا تحت خطة صادقت عليها هياكل النهضة في مؤتمرها".
وأضاف، "لحظة التنفيذ تعالت أصوات التكبير، وهجم 16 عنصراً من النهضة بعد انقطاع التيار الكهربائي على مقر الحزب"، لافتاً إلى أن الحركة "كانت تخطط لاختراق الجيش بإشراف المنصف بن سالم والصادق شورو وبقيادة مباشرة من راشد الغنوشي".
يذكر أن الغنوشي برر في أول لقاء بعد عودته من منفاه في لندن عام 2011، أحداث باب سويقة بأنها كانت "أخطاء فردية" لبعض شباب الحركة، الذين كانوا "يعانون القمع في ظل غياب قيادات النهضة سواء بالنفي أو بالسجن".
وعلى الرغم من محاولات النهضة ترسيخ صورة مغايرة عنها منذ 2011 بأنها "ضحية نظام استبدادي"، وأنها الحزب الذي "جاء لتغيير المشهد نحو الأفضل"، فإنها لم تنجح في تمزيق ماضيها الذي وصفه مراقبون كثر بـ "الدموي".
محاولات بائسة
وعلق رئيس البرلمان وحركة النهضة راشد الغنوشي على ما ذكره عبدالسلام قائلاً، "هذه محاولات بائسة ويائسة لتحويل حركة سياسية منذ 1981، هي الحزب الأكبر في البلاد سواء في المعارضة والحكم، إلى حالة وقضية أمنية وربطها بالإرهاب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأدت عملية "باب سويقة" إلى قطيعة نهائية بين نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي والنهضة، بعد أن اتهم النظام الحركة وجهازها العسكري والسري بالوقوف وراء موجة العنف التي اجتاحت البلاد في بداية التسعينيات.
وواصل عبدالسلام، الذي اعتذر من التونسيين والضحايا في أثناء حديثه، "داخل السجن الذي قضيت فيه 13 سنة، راجعتُ تاريخي الحركي مع التيار الإسلامي الذي دخلته قاصراً في سن 17 عاماً، وتم استغلالي من طرف النهضة". واصفاً العملية بـ "الجريمة التي أسهمت في ترسيخ الديكتاتورية لسنوات".
من جانبها، كذّبت القيادية بحركة النهضة يامينة الزغلامي ما جاء على لسان كريم. وقالت "لم نعتّم على الموضوع، كنت عضو مكتب تنفيذي سابق للحركة ومسؤولة عن متابعة ملفات مناضلي ومناضلات النهضة لدى هيئة الحقيقة والكرامة بعد الثورة".
وأوضحت الزغلامي، في حديثها إلى "اندبندنت عربية"، "أودعنا ملفنا بوصفنا حزباً تعرض للانتهاكات أمام الهيئة، واستدعينا لتقديم شهادتنا". مضيفة، "أجرينا ثماني جلسات استماع مسجلة لدى الهيئة وقدمنا في كل الملفات شهادتنا الرسمية، خصوصاً الاتهامات وما نسب إلينا من أعمال عنف في حقبة نظام بن علي، وأرفقنا أدلة على ذلك".
وتابعت، "عبدالسلام مثل مئات الشباب الذين سجنوا وهم أطفال قبل الثورة. هم جيل المحرقة ومورست عليهم كل أنواع التعذيب، وبعد الثورة عانوا انتهاكات عدة. هم دائماً محل شبهات واتهامات"، مؤكدة أنه لا بد من "إنهاء هذه الحقبة"، معتبرة أن هيئة الحقيقة والكرامة "لم تنجح" في إيصال البلاد إلى المصالحة الوطنية الشاملة.
تاريخ دموي
ويرى متخصص الاتصال السياسي معز بن محمود حسن، أن حديث كريم حول عملية باب سويقة "ينطوي على دلالات مهمة لا يمكن تجاهلها"، موضحاً أن "هذه الاعترافات ليست الأولى من داخل النهضة، فهي تؤكد التاريخ الدموي لما كان يسمى سابقاً بحركة الاتجاه الإسلامي، وتثبت استناد هذا التنظيم إلى أذرع حركية وأجهزة سرية تمارس العنف والتشدد في مستويات مختلفة من تحركاتها في الشارع السياسي".
ويواصل بن محمود، "سبق عبدالسلام في ذلك كثير من الوجوه القيادية في الحركة، منهم لطفي زيتون المستشار السياسي السابق للغنوشي، وقبله رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي، والأخير اعتذر للتونسيين عن باب سويقة، والتصق اسمه بعلاقته مع تفجيرات سوسة والمنستير".
لكن اعترافات كريم، بحسب بن محمود، طرحت أمام التونسيين "التفاصيل الدقيقة لعملية دموية فارقة"، جاءت في شكل "سرد مفصّل ومفكك للأحداث، بما يعزز القناعة بالنزعات المتطرفة لحركة النهضة على الرغم مما شهدته وما تشهده من مراجعات داخلية".
ولفت بن محمود إلى أن هذه الاعترافات "تأتي في سياق انقسامات عدة تعصف بالنهضة داخلياً، وقد تكون مؤشراً إلى إمكان كشف حقائق أخرى عن حقيقة العمل السري والمسلح داخلها". وبرأيه فإن حديث عبد السلام "بمثابة زلزال سيزيد أوضاع الحركة تأزماً في ظرف سياسيّ ساخن ومفتوح على تحولات كبرى، لا تريد النهضة أن تفلت زمام قيادتها والمشاركة فيها".