Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"بابجي" في مرمى البرلمان المصري والأزهر

تجعل الشباب يعيشون عالماً افتراضياً ويحلقون بعيداً من واقعهم

تحظى لعبة بابجي بشعبية جارفة في الدول العربية (أ ف ب)

آلاف من ألعاب الكمبيوتر والهواتف الذكية تجتاز الحدود، وتخترق البيوت وتستقر في غرف الأبناء والبنات الموصدة. ملايين الهواتف الذكية في أيادي الأبناء والبنات، إذ لا يظهر منها للآباء والأمهات إلا ما يرغب الصغار في إظهاره، أما ما خفي فهو أعظم وأفدح.

فداحة بعض الألعاب المتداولة بين الصغار والمراهقين والشباب وأحياناً الكبار لا تقتصر على كلاسيكيات العنف وإراقة الدماء، لكن الآثار منصوص عليها في قوائم سنّها خبراء علم النفس والاجتماع، الصداع النصفي، وضعف الانتباه، والميل إلى العزلة والانطواء، والعنف والعصبية غير المبررين، والقلق والتوتر، والميل إلى اعتبار العنف أسلوب حياة والقائمة طويلة ومعروفة للصغير قبل الكبير.

أكتب عن أضرار الألعاب

مروان علاء (12 عاماً) يقول إنه كتب من قبل موضوعين عن أضرار الألعاب الإلكترونية التي يعشقها. يبتسم ابتسامة باهتة ويضيف، "نحفظ عن ظهر قلب قائمة الأضرار التي تتسبب فيها، وأهمية ممارسة الرياضة والحفاظ على العلاقات الأسرية، لكن الواقع يقول إن هذه الألعاب جزء لا يتجزأ من حياتنا، حتى لو رأى الكبار أن علينا أن نعيش كما عاشوا طفولتهم وشبابهم".

لكن هناك من الشباب والأطفال من لا يتأثر سلباً فقط بهذه الألعاب، بل يفقد حياته بسببها. يهز علاء كتفيه ويقول، "شيء مؤسف حقاً. الحادثة تنبهنا أن أحدهم اقترف خطأ ما وعلينا أن نكون حذرين".

الحذر لا يمنع القدر بالضرورة، ونظراً إلى تعذر الحذر المتمثل في قيام الأهل بدور المراقب والمتابع، فإن مطالبات برلمانية تصدر بين الحين والآخر لفرض الرقابة على مثل هذه الألعاب ومنع وحجب ما يجري تصنيفه باعتباره عنيفاً، أو يدعو إلى العنف، أو يحمل أفكاراً أو مشاهد تتناقض والثقافة السائدة.

التأثيرات السلبية للعبة

مطالبات المنع كثيرة، وحالياً تهب موجة عاتية في البرلمان المصري على لعبة "بابجي" الإلكترونية المشهورة، ويشار إلى أن "بابجي" أو Player Unknown’s Battleground تعني أرض معركة اللاعب غير المعروفة.

 

النائبة البرلمانية عن حزب الوفد سوسن حسني حافظ، تقدمت بطلب إحاطة عن ضرورة حظر الألعاب الإلكترونية العنيفة مثل "بابجي" وغيرها، إذ "إن هذه الألعاب يكون لها تأثير مباشر في حياة الأطفال، وهي تؤثر سلباً على صحتهم، وتعد أحد أبرز عوامل ميل الصغار للعنف".

وأضافت محذرة في طلبها للبرلمان بأن استمرار إتاحة مثل هذه الألعاب سيؤدي إلى تدمير الأجيال الحالية.

فكرة "بابجي" تقوم على خوض اللاعب معارك عنيفة يشارك فيها لاعبون كثر من مختلف دول العالم عبر الإنترنت من خلال الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر، وهي معارك يشارك فيها لاعبون ينطلقون من النقطة صفر حيث لا أسلحة أو ذخيرة أو ملابس، وعلى كل لاعب أن يجمع ما يراه مناسباً في طريقه.

شهرة عربية جارفة

اللعبة ذات الشهرة العالمية تحظى بشعبية جارفة في الدول العربية، ويمكن القول إن لها قاعدة جماهيرية جارفة شبه سرية. لماذا الجماهيرية العربية؟ لا توجد أسباب مؤكدة، لكن هناك تفسيرات تبدو منطقية.

مقالة منشورة في مجلة "إيكونيميست" في أبريل (نيسان) الماضي عن الألعاب الالكترونية، أشارت إلى أنه قبل ظهور وباء كورونا كانت الألعاب الإلكترونية تحظى بشعبية هائلة بين شباب ومراهقي المنطقة العربية الذين يمثلون قطاعاً كبيراً وشاباً وغالباً بلا عمل في العالم العربي، لكن لم تحظ لعبة بشعبية جارفة كتلك التي حظيت بها "بابجي".

بعيداً من العيون المتلصصة

تحوّلت اللعبة التي تفاخر بنحو 50 مليون لاعب ناشط حول العالم إلى ساحة اجتماعية يلتقي فيها الشباب العرب بعيداً من العيون والآذان المتلصصة، وحين اندلعت تظاهرات عارمة في العراق في عام 2019، شارك عدد من الشباب وهم يرتدون ملابس شخصيات من لعبة "بابجي".

 

والعوائد الاقتصادية للألعاب الإلكترونية في الشرق الأوسط وأفريقيا ضخمة، فقد حققت نحو 5 مليارات دولار في 2019.

ويبدو أن الألعاب الإلكترونية وعلى رأسها "بابجي"، تعاني ما يشبه الفصام في العالم العربي، فهناك توجهات اقتصادية لتنمية عوائد الألعاب الإلكترونية التي تحظى بشعبية جارفة، وفي الوقت نفسه تواجه هذه الألعاب رفضاً كلاسيكياً عميقاً. وتشير المقالة إلى أن محتوى نشرات الأخبار المسائية العربية يتفوق محتواها من أخبار العنف التراجيدية محتوى العنف الافتراضي في "نداء الواجب" في "بابجي".

إدارة الوقت وتعظيم الربح

نداء الربح والحفاظ على المنطقة التي "تبيض ذهباً" دفع القائمين على "بابجي" إلى إضافة ميزة إدارة وقت اللعب التي تم تفعيلها في الإمارات والسعودية والكويت والعراق ومصر مع قرب إضافة عشر دول عربية أخرى هي لبنان وعمان والأردن والجزائر وفلسطين والبحرين وليبيا والمغرب وتونس واليمن.

مدير عمليات ببجي موبايل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هيرمان تشاو قال في حينها، "نسعى دائماً لتوفير أفضل بيئة لعب للمستخدمين، مما يجعلنا أحد أشهر الشركات المطورة لألعاب المحمولة في العالم، ونعتبر صحة لاعبينا من أهم أهدافنا، ولهذا لدينا مبادرة مستمرة لحث اللاعبين على ممارسة لعبة بابجي موبايل بتوازن".

توازن عصي

لكن التوازن ظل عصياً على التحقيق، ففي مصر توالت الحوادث على مدى السنوات القليلة الماضية التي فقد صغار فيها حياتهم بسبب "بابجي". وعقب كل حادثة تقوم قومة البرلمان، وإن لم يكن في فترة الانعقاد فتقوم قومة الإعلام، وإن كان غارقاً في حدث جلل آخر فتتولى المؤسسات الدينية الرسمية مقاليد القيادة المطالبة بالحجب والمنع والعقاب، وهلم جرا.

قبل أيام شنقت قمر (11 عاماً) نفسها في غرفتها بعد ساعات طويلة أمضتها في ممارسة اللعبة. الصدمة دفعت الأم إلى اتهام صديقاتها في المدرسة بأنهن السبب وراء إدمان ابنتها الألعاب الإلكترونية، وتحكي الأم كيف أن قمر اعتادت قضاء ساعات طويلة في اللعب، وأنها "أدمنت" الألعاب الإلكترونية، وكيف أنها كانت تندمج في اللعب لدرجة عدم الرد على ذويها والصراخ بصوت عال أثناء للعب للاحتفال بنقاط هنا أو الغضب على خسائر هناك.

قمر ليست الأولى

قبلها بأشهر انتحر طفل في الـ 11 من عمره أيضاً شنقاً، لأن أهله اعترضوا على قضائه وقتاً طويلاً في ممارسة اللعبة نفسها، وقبله بأيام توفي طفل مصري ثالث عقب إصابته بارتفاع مفاجئ في ضغط الدم أثناء لعب "بابجي". وقال والداه إن ابنهما المتوفى دأب على لعب "بابجي" بضع ساعات يومياً.

اللافت أن الغالبية المطلقة لحوادث وفيات الأطفال من محبي لعبة "بابجي" لم تكن نتيجة تقليد العنف الذي يمارسونه افتراضياً في اللعبة، بل بسبب فشل في الإحراز أو إفراط في ساعات اللعب.

وهذا ما ألمح إليه نائب رئيس الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لتكنولوجيا البنية التحتية في مصر السيد عزوز في إطار رده على طلب الإحاطة المقدم من نائبة البرلمان سوسن حسني حافظ لحجب اللعبة.

وقال عزوز إن اختصاص الجهاز هو الشبكات وتوفير الإنترنت، أما المحتوى فلا صلة للجهاز به إلا في حال أصدرت الجهات المختصة قراراً بغلق موقع أو لعبة، فإن القرار يتم إرساله إلى الجهاز القومي الذي يخاطب بدوره المشغلين أو الشركات لتنفيذ الحجب في حال كان ذلك ممكناً فنياً.

بمعنى آخر، فإن أجهزة الدولة الفنية والتقنية لا يمكن أن تقوم بدور المربي الفاضل أو المراقب التربوي.

الحجب الصعب

يشار إلى أن الرئيس السابق للجنة التشريعات والقوانين في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية أكد أن لعبة "بابجي" لا يمكن حجبها من وجهة نظر تقنية، لكنه أكد أن الأهم من الحجب هو نشر التوعية الخاصة بالألعاب الإلكترونية، إذ إنها كغيرها فيها عيوب ومميزات، مشيراً إلى أنه لا يمكن اختزال أسباب انتشار العنف والجرائم في الألعاب التي تحوي عنفاً فقط.

كما أن أصوات عدة تلقي باللوم على الأهل الذين يعرفون ويرون ويسكتون على "إدمان" صغارهم للألعاب الإلكترونية، سواء التي تحوي قدراً كبيراً من العنف أو العادية، لكن قليلين فقط هم من ينظمون عملية اللعب أو حتى يشرفون أو يطلعون على محتوى ما يقوم به صغارهم.

إغراق الأمهات الرقمي

وتحفل مجموعات الأمهات على منصات التواصل الاجتماعي، حيث القدر البالغ من الإغراق الرقمي، بقدر كبير من صب الغضب على التكنولوجيا الحديثة وترك الباب مفتوحاً أمام الصغار ليفعلوا ما يحلو لهم دون ضابط أو رابط.

جدل عنيف نشأ في إحدى هذه التجمعات على "واتسآب" بين مجموعتين، الأولى تطالب بحجب هذه الألعاب القاتلة ومعها تماماً، والثانية تتهم الأولى بأن أغلبهن يمضين ساعات على "فيسبوك" ومجموعات الأمهات، تاركات الصغار في غرفهم أو إلى جوارهم منغمسين في شاشاتهم، وهن غير مدركات لما يدور على بعد سنتيمترات منهن.

طلب الإحاطة والحجب

وبينما يشمر البرلمان المصري أكمامه استعداداً لمناقشة طلب الإحاطة حول "بابجي" و"ضرورة حجبها" كالعادة، يمضي متخصصو الطب وعلم النفس والاجتماع قدماً في التحذير من هذه الألعاب. أستاذ الطب النفسي محمد مهدي يحذر من أثر هذه الألعاب على الصغار، إذ يشبه مفعولها إدمان المواد المخدرة في الآثار والارتباط نفسه.

وأضاف أن الإفراط في مثل هذه الألعاب، لا سيما ذات الطابع العنيف، له آثار بالغة السوء على الأطفال والمراهقين الذين يصبحون أكثر ميلاً للعزلة والعنف، وقد يصل الأمر بالبعض إلى ممارسة العنف في داخل البيت ومع أسرته.

"بابجي" حرام؟

كما دخلت مؤسسات الدول الدينية الرسمية على خط التحذير من "بابجي". مدير "مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية" أسامة الحديدي أكد غير مرة أن الأزهر أصدر بيانات عدة تحذر من لعبة "بابجي" وغيرها، ووصف هذه الألعاب بأنها تجعل الشباب يعيشون عالماً افتراضياً ويحلقون بعيداً من واقعهم.

يشار إلى أن "مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية" أصدر بياناً في يونيو (حزيران) الماضي أكد فيه "حرمة كل الألعاب الإلكترونية التي تدعو إلى العنف أو تحتوي على أفكار خاطئة يُقصد من خلالها تشويه العقيدة أو الشريعة وازدراء الدّين، وتدعو للركوع أو السجود لغير الله سبحانه، أو امتهان المقدسات أو العنف أو الكراهية أو الإرهاب أو إيذاء النفس أو الغير.

وتجدر الإشارة أيضاً أن ما دفع الأزهر إلى ذلك هو خاصية أضافتها اللعبة يطلق عليها "وضع الغابة الغامض" إذ تطلب من اللاعبين القيام ببعض "العبادات" أمام "صنم" في اللعبة، وهو ما أثار غضب عدد من المسلمين في دول كثيرة، وسارعت "بابجي موبايل" إلى إصدار بيان باللغة العربية عبرت فيه عن "أسفها الشديد لتسبب خصائص جديدة في اللعبة في الاستياء لدى بعض اللاعبين، مؤكدة أنها تقدر وتحترم تقاليد وممارسات لاعبيها". وأضافت أن فريق اللعبة يقدر ويحترم كل الأديان والثقافات، وأنه يبذل كل جهده لتوفير بيئة لعب آمنة وشاملة للجميع.

قط وفأر وكر وفر

لعبة القط والفأر بين الرافضين للألعاب من أهل وبرلمانات وصناع رأي عام تقليديين ومؤسسات دينية من جهة، وعشاقها من جهة أخرى تجد نفسها في خط متواز ولعبة شبيهة هي الكر والفر. كر محاولات المنع والحجب، وكثير منها تكلل بفشل فني ذريع ناهيك عن خروج العشرات من الألعاب البديلة، وفر للقائمين على أمر الألعاب الإلكترونية المليارية ومعهم المنتفعين منها أمراً لن ينتهي في المستقبل القريب.

واقع الحال يشير إلى أن الألعاب الإلكترونية في العالم العربي لم تعد "خناقة" من جهة بين تيارات كبيرة سناً، ورسمية مكانة، ومحافظة توجهاً، وبين عالم "بزنس" خارق وقاعدة جماهيرية شبابية مختلفة، فالأمر أكبر بكثير، و"الرياضة الإلكترونية" أصبحت مجال عمل قائماً بذاته، لا سيما في كنف كورونا حيث اتجاه عالمي لأنشطة تجارية وترفيهية ذات طبيعة خاصة.

اللاعبون في غرف نومهم

اللاعبون في غرف نومهم يشاركون في بطولات تدر على بعضه أرباحاً خيالية، ومنهم من يحظى برعاية من قبل شركات التطبيقات والألعاب، ونماذج الشباب الذين احترفوا الرياضة الإلكترونية كثيرة، ومنهم من أصبح قدوة لملايين الشباب، ولكنها تبقى منظومة أقرب ما تكون إلى السرية.

يوسف أحمد (22 عاماً) طالب جامعي حقق مكاسب مالية كبيرة جراء موهبته في اللعب، ومن ثم حظي برعاية من إحدى الشركات الكبرى، ومتابعوه بآلاف، ويحقق مكاسب بصفة يومية، ويشارك في بطولات محلية ودولية من غرفة نومه. يقول ضاحكاً، "أهلي لا يعرفون شيئاً عما أفعل، ولأني أدرس هندسة الكمبيوتر فقد أخبرتهم أنني أستغل وقت الفراغ في تصميم برامج وتطبيقات وأبيعها وأحقق ربحاً، وهم فخورون جداً بي، ولو أخبرتهم أنني محترف لعب فأغلب الظن أنهم سيشهرون بي أمام الأهل والجيران".

في الوقت نفسه، فإن مئات الصفحات والحسابات على منصات التواصل الاجتماعي المدشنة لتجميع عشاق ولاعبي "بابجي" ترفع شعار "العمل كالمعتاد"، حيث أخبار اللعبة وطلبات الشحن وأسئلة الدعم وغيرها كثير يمضي قدماً من دون التفات لما سيجري تحت قبة البرلمان، أو ما يدور في "غروبات الماميز"، أو ما تموج به اجتماعات إصدار الفتاوى ومطالبات المنع.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات