Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"إنديانا جونز" يعود... لكن هل يمكن أن يحدث ذلك من دون سبيلبيرغ؟

تنطلق عما قريب أعمال إنتاج الفيلم الخامس في هذه السلسلة، وسيتولى جيمس مانغولد مهام الإخراج هذه المرة

فيلم ستيفن سبيلبيرغ الأصلي (1981) اتسم بالوتيرة العالية وروح الدعابة، ونجح هاريسون فورد (يسار) في دور البطولة رغم  أنه كان الخيار الثالث لسبيلبيرغ (أ ف ب)

ما زالت التفاصيل طي الكتمان، لكن ما نعرفه على وجه اليقين حتى الآن هو أن أعمال التصوير للجزء الخامس من سلسلة أفلام "إنديانا جونز" Indiana Jones ستنطلق عما قريب في استديوهات "باينوود" Pinewood (في غرب لندن)، بالتالي فإن هاريسون فورد، بشيخوخته اليانعة اليوم في عمر الـ78، سيعود إلى تلك السترة الجلدية الباهتة والمتقادمة. كما ستعود إلينا مرة أخرى موسيقى جون ويليامز الحماسية، على الرغم من أن ستيفين سبيلبيرغ لن يكون المخرج هذه المرة، إذ إن المهة انتقلت إلى جيمس مانغولد، السينمائي الذي أخرج فيلم سيرة جوني كاش "السير على الخط" Walk the Line، وفيلم المطاردات والمغامرات الكامل "فورد ضد فيراري" Ford v Ferrari. أما سبيلبيرغ من جهته، فسيتولى دور المنتج التنفيذي. وقد حدد في هذا الإطار تاريخ إطلاق الفيلم بشهر يوليو (تموز) 2022.

لكن السؤال الذي يبقى مطروحاً يتعلق بما إذا كان الفيلم، بصيغته الجديدة التي يتم تصويرها، سيمثل فكرة جيدة، إذ إن ثمة خطراً لا بد أن يلحق بإرث سلسلة أفلام "إنديانا جونز" تشويهاً يأتي بفعل إنتاج جديد لا جدوى منه. فهل سيضيف مانغولد لمسات سحرية على العمل؟ هل سيكون بوسعه الارتجال والتحلي بالطرافة الساخرة والقسوة المحضة التي وسم بها سبيلبيرغ سلسلة أفلام "إنديانا جونز" الأصلية؟

ويمكننا أن نتوقع من هاريسون فورد أداءً يضاهي أداء شون كونري بدور البرفيسور هنري جونز، والد إنديانا، بفيلم "الحملة الأخيرة" (1989) Last Crusade، أي إنه (فورد) سيستخدم توقيعاته الزمنية بحكمة وخفة، كي يعوض عن قدراته الجسدية المتراجعة. على أن تترك المخاطرات المثيرة في هذا الإطار للممثلين والنجوم الأصغر سناً، الذين لم يعلن بعد عن أسمائهم (لكن يبدو أن فورد لمح في مقابلة أجريت معه أخيراً أن كريس باين سيكون من المشاركين).

تفصلنا اليوم عن الفيلم الأول من سلسلة أفلام "إنديانا جونز"، الذي حمل عنوان "سارقو التابوت الضائع" (1981) Raiders of the Lost Ark، أربعون سنة. وكان مبتكر أفلام "ستار وورز" Star Wars جورج لوكاس، خلال عطلة على أحد المنتجعات البحرية، ذكر أمام سبيلبيرغ ضمن حديث عابر مشهود أن لديه فكرة مشروع "عن عالم آثار مغامر يسافر بحثاً عن تابوت العهد". وعندما أشار لوكاس في حديثه إلى أن القصة "تحاكي المسلسلات القديمة"، وأن بطلها يكون مرتدياً "قبعة خفيفة ويحمل سوطاً"، صار سبيلبيرغ "مأخوذاً تماماً" بالمشروع، وفق ما قال بنفسه (سبيلبيرغ) لكاتب سيرته، جوزيف ماكبرايد.

وما لبثت القصة الملهمة لـ"سارقو التابوت الضائع" أن حظيت باهتمام كبير. وقام لوكاس وسبيلبيرغ بضم كاتب الإعلانات لورنس كاسدان إلى فريق عمل الفيلم كي يكتب السيناريو. فالتقوا وناقشوا مشروع الفيلم للتوصل إلى أفكار حوله، فراجعوا واستلهموا أفلام "الويسترن" لجون فورد، وأفلام "كوروساوا" عن الساموراي، وفيلم "كازابلانكا"، إضافة إلى أعمال هوارد هوكس الرومانسية المجنونة، ومغامرات فلاش غوردون، وزورو، وطرزان، وتقريباً كل الأعمال المشابهة التي تخطر في بال المرء. وقد دارت أحداث "سارقو التابوت الضائع" في منتصف أعوام الثلاثينيات، وظهر فيه أوغاد نازيون، كما تشمل أبعاداً روحانية صوفية، وإيحاءات هزلية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكانت مخطوطة سيناريو الفيلم تبلورت من مؤتمر لتداول المشروع ومناقشته سنة 1978، إذ كان يحمل اسم "إنديانا سميث". وعن أفكاره المتعلقة بإنديانا جونز في ذلك الوقت أدلى لوكاس ببعض الملاحظات المتسرعة قائلاً "إنه فيلم من نمط سباغيتي ويسترن، لكن الفارق أن أحداثه تقع في الثلاثينيات. أو إنه مثل أفلام جيمس بوند وأحداثه تقع في الثلاثينيات. الفارق الوحيد هو أن جيمس بوند يميل أحياناً إلى الغضب بعض الشيء. ما سنقوم به في هذا السياق هو تحريره من الأشياء غير الواقعية، وجعله أقرب إلى أفلام ويسترن كلينت إيستوود. ما يحملنا على هذا يتمثل بأننا نريد بناء شخصية يصدقها الجميع". كلمات لوكاس هذه تلقفها المعجبون بالفيلم كما لو كانت لمحات عرفانية صادرة من عابد متصوف.

وقد جرى منذ البداية اختبار هاريسون فورد للعب دور البطولة في الفيلم، لأن الخيار الأول، الممثل الوسيم توم سيليك، نجم المسلسل التلفزيوني "ماغنوم بي آي" Magnum PI، كان مرتبطاً بمشاريع أخرى. كما أن الخيار الآخر، نيك نولتي، لم يبد اهتماماً بالمشروع. ومضى صناع الفيلم في مناقشات ومعالجات مطولة لتمييز الشخصية التي سيؤديها هاريسون فورد في "إنديانا جونز" عن شخصية "هان سولو" التي أداها في "ستار وورز"، لأنهم بالطبع لم يرغبوا في أن يقوم الفيلم الجديد آنذاك باستحضار أشياء توحي بالمجرات البعيدة جداً التي في فيلم "ستار وورز". هذا، فإن الفيلم على الورق بدا، ربما، أشبه بأفكار شاب يافع منغمس في الملذات. أحلام ولد دفينة، تقوده رغبات يود تحققها – وذاك ما لبث أن صار فيلماً عالي الميزانية، تعود جذوره إلى هوس مبتكريه المشترك بأفلام ومسلسلات الدرجة الثانية المبتذلة، لكن الغنية بالخيال والمغامرات. وبفضل قدرات سبيلبيرغ ولوكاس السينمائية السحرية، جاء "سارقو التابوت" ليحقق الدخل الأعلى بين أفلام سنة 1981. واعتبره النقاد على الفور من كلاسيكيات الثقافة الشعبية، فيما رأى الجمهور فيه واحداً من أكثر الأفلام التي شاهدوها في حياتهم تشويقاً وإمتاعاً.

من جانب آخر، ينعم فيلم "سارقو التابوت" اليوم بتقدم هانئ في العمر، وذلك بغض النظر عن بعض لحظات الشوفينية والتشاوف القومي التي تتخلله، إذ إنه واحد من أفلام قليلة من تلك الحقبة ظلت تحظى بتداول وحضور مستمرين منذ ذلك الحين. ولسخرية قدر خالصة فإن الفيلم الذي بني على مشاعر الحنين، أو النوستالجيا، غدا الآن نفسه تجسيداً لتلك النوستالجيا (الحنين) بعينها.

وتماماً كما استلهم سبيلبيرغ ولوكاس مسلسلات وأفلام المغامرات التي تدور في حقبة الثلاثينيات، وراجعاها بمتعة كاملة، ظل جمهور "سارقو التابوت" يكن لهذا الفيلم عاطفة خاصة مماثلة، كونه يذكرهم بفترة مطلع الثمانينيات. كما يكمن جانب من جاذبية الفيلم في ألفته؛ إذ يتملك مشاهديه إحساس بأنهم يعرفون جميع جوانبه، وأنهم سبق وعاينوا مطارداته ومشاهد مغامراته في مكان ما من قبل. وهذا لأنهم قاموا فعلاً بذلك، إذ إن سبيلبيرغ وشركاءه، من دون حرج، استعاروا أفكاراً من مصادر عديدة. وعليه، فإن الافتتاحية المشوقة التي يتوغل خلالها إنديانا جونز عميقاً في الأدغال، ويعثر على المعبد المحاط بالمصايد، قد استلهمت من مغامرات "دونالد داك" في الرسوم المتحركة. أما مشهد المخاطرة الذي يقوم خلاله إنديانا جونز بالتعلق بأسفل شاحنة، ويدعها تسحبه معها، فقد استمد من أفلام "ويسترن" قديمة قام فيها رجل المخاطرات الهوليوودية الأعظم، ياكيما كانوت، بأداء مجازفات مماثلة، متعلقاً بأسفل عربات الخيول. وقد أشار سبيلبيرغ بصراحة في هذا الإطار إلى استلهامه فيلم "العرض الأعظم على وجه الأرض" The Greatest Show on Earth لـسيسيل بي دو ميل، الذي يعده واحداً من اول الأفلام التي شاهدها في حياته.

ودو ميل هذا، كان مشهوراً بجانب من جنون العظمة في شخصيته، الأمر الذي يشترك به سبيلبيرغ إلى حد ما أيضاً. وثمة في هذا الإطار لحظة كاشفة ترد في الوثائقي الذي يصور صناعة الفيلم، إذ يضطرب المخرج تماماً حين يكتشف أن لديه فقط 2000 أفعى لتصوير أحد المشاهد المهمة. فيخبر مساعديه أن المطلوب 7000 أفعى إضافية على الأقل. ويروي المتحدث في الوثائقي عن ذلك قائلاً "يهز مساعدوه برأسهم استعداداً لتلبية تعليماته (سبيلبيرغ)، كأنه لم يطلب منهم سوى أوراق محارم، لكن بعد مرور يومين كان جميع الزواحف قد نفد من محال بيع الحيوانات الأليفة في لندن وأنتويرب".

 

ويبدو سبيلبيرغ في الوثائقي المذكور أشبه بطاغية إلى حد ما، وذلك حين يجبر النجمة كارين آلن على الصراخ بصوت أعلى كي تظهر علامات ذعر أكبر. فيشير إليها موبخاً "عندما أقول لك أعلى وأعلى، تعطيني صوتاً أعلى ببضعة سنتيمترات بدل أن يكون أعلى بقدم".

وثمة في سياق الفيلم أيضاً عناصر محددة تثير الاستياء. فالمرء لا يرى حنكة كبيرة وبراعة في تناول سبيلبيرغ وتصويره للعالم العربي. في هذا الإطار تحديداً تبدو الشخصيات المصرية في الفيلم مشوهة على نحو كاريكاتيري. إذ إن إنديانا جونز أينما حل، سواء في أدغال البيرو، أو في الحانات بأعلى جبال النيبال، أو في القبور المحجوبة والسراديب بأطراف القاهرة، فإنه يعتبر تلك الأمكنة ملاعب وحقول لمغامراته. والناس المحليون هناك هم إما هدفاً لمطارداته، أو عدواً يفر منه، كما يحدث على نحو صارخ عندما يواجه رجلاً عربياً مسلحاً بالسيف، فيطلق عليه النار ويرديه.

وكان سبيلبيرغ في الفيلم مصمماً جداً على تسريع الايقاع ورفع وتيرته، الأمر الذي جعله لا يتنبه على الدوام إلى التفاصيل والفوارق الدقيقة في السيناريو الذي كتبه كاسدان. والأخير علق فيما بعد على هذا الأمر، قائلاً "شعوري أنه كان علينا إجراء القليل من المونتاج لمشاهد المطاردات، وذلك كي نحظى بوقت أطول لبناء الشخصيات"، لكن، على الرغم من هذا، فإن الإيقاع السريع يبقى واحداً من النجاحات الباهرة الأساسية في الفيلم، إذ إن سبيلبيرغ ولوكاس كانا في عقدهما الثالث في ذلك الوقت ومفعمين باندفاعة وحماسة الشباب.

ثم جاءت الأفلام اللاحقة من السلسلة لتحظى أيضاً بشعبية هائلة، لكن مع انطلاق العروض الأولى لـ"إنديانا جونز ومملكة الجمجمة الكريستالية" Indiana Jones and the Kingdom of the Crystal Skull، في مهرجان "كان" 2008، ساد شعور بأن هذه السلسلة قد بدأت تتلعثم. وقد جاء الجزء الرابع في هذا الإطار، ناجحاً جداً، بيد أن شعوراً مضمراً خيم عليه وأثقله، فبدا أن الأفكار التي كانت تلقائية سنة 1981 بدت الآن مفتعلة ومتكلفة.

جيمس مانغولد من جهته هو مخرج متميز، إلا أن أكثر ما يميزه يتمثل بالافلام السوداوية والدراماتيكية، وليس بأفلام المغامرات المشوقة. كما أن "سارقو التابوت الضائع" تميز ببراءة سحرية لأن سبيلبيرغ ولوكاس كانا يبذلان جهودهما لاسترجاع حلم الذهاب إلى السينما الذي خبراه في طفولتيهما. وسيكون من الصعب على نحو خاص محاكاة هذا الأمر إن لم يكن سبيلبيرغ، سيد الفيلم، موجوداً كي يتولى المهمة.

في الإطار ذاته، يكتب سيناريو الفيلم الجديد اليوم ابن لورنس كاسدان، جوناثان، الذي عمل أيضاً على فيلم "سولو: قصة من ستار وورز" Solo: A Star Wars Story. ويتمثل التحدي الكبير أمام جوناثان في إعادة إحياء سلسلة "إنديانا جونز" من دون إحداث انقلاب أو شرخ في مسيرتها. هذا وسيتولى تصميم الإنتاج آدم ستوكهاوسين، الذي حقق أعمال خارقة للمخرج ويس أنديرسون في فيلم "فندق بودابست الكبير" (2014) Grand Budapest Hotel. سيكون ستوكهاوسين إذاً مسؤولاً عن مظهر الفيلم، ومن المرجح أن يأتي بأفكار بصرية لا تتهاون في شد الانتباه.

من دون شك، إنه من العبث أن يشعر المرء بالقلق من أن يلقى مشروع ما نهاية مخيبة، حتى قبل أن تنطلق أعمال تصويره. فالفجوة بين "مملكة الجمجمة الكريستالية" (2008) وبين فيلم "إنديانا جونز" الجديد هي أصغر من الفجوة التي كانت بين "مملكة الجمجمة" و"الحملة الأخيرة" The Last Crusade، هذا الأخير الذي أطلق سنة 1989، لكن مع هذا، فإن إعادة جمع فريق العمل ذاته من جديد ليست دائماً الفكرة الأمثل. المشكلة بالأجزاء المتأخرة (من أي مشروع) تتمثل بتقدم جميع الممثلين بالسن، وبفقدانهم اللياقة والقدرات الجسدية. وسواء تعلق الأمر بأفلام كوميدية، مثل "الغبي والأغبى تو" Dump and Dumper To (الذي أطلق في 2014، بعد عشرين سنة من "الغبي والأغبى")، أو بأعمال درامية، مثل الفيلم الكئيب "تكساسفيل" (1990) Texasville، الذي يمثل رؤية جديدة حققها بيتر بوغدانوفيتش لفيلمه الكلاسيكي من سنة 1971 "عرض الفيلم الأخير" The Last Picture Show، فإن السحر لا بد أن يتبدد مع مرور السنوات.

بيد أن جيمس بوند، وسلاسل أفلام الأبطال الخارقين، تمكنت باستمرار من إعادة تجديد نفسها. ومن هنا، إن تمكن "إنديانا جونز 5" من تحقيق النجاح، فإن "إنديانا جونز 6" سيتبعه لا بد. وثمة فوائد عرضية عديدة من هذه الظاهرة بالتأكيد، إذ إن لوكاس نفسه شارك بقوة في السلسلة التلفزيونية بأعوام التسعينيات التي حملت عنوان "حكايا إنديانا جونز الشاب"، لكن، إلى هذا، فإن التوقعات التي تشير إلى أن الفيلم الجديد "سيطلق العديد من الأفلام المتحدرة منه" لاحقاً هي توقعات مخيبة، لأنها تشير إلى أن "إنديانا جونز"، الذي كان في يوم من الأيام أحد أكثر أفلام الشخصيات نضارة، تحول إلى مجرد علامة تجارية أو ماركة من ماركات هوليوود. فمغامراته الجديدة اليوم يجري التخطيط لها على ضوء الفرص الإعلانية، بدلاً من أن يكون هدفها منح الجمهور رحلة سينمائية جديدة مثيرة، كتلك التي منحه إياها "سارقو التابوت الضائع"، على نحو لا ينسى.

(فيلم إنديانا جونز الجديد، الذي لم يكشف عن عنوانه بعد، سيطلق في يوليو (تموز) 2022)

© The Independent

المزيد من سينما