Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجزائر تصدر مذكرات توقيف دولية ضد "معارضين" بتهمة الارهاب

يمنع القانون في بريطانيا وفرنسا تسليم مطلوبين إلى البلدان التي تنفذ أحكام الإعدام

أثارت التهم الموجهة إلى أشخاص في الخارج استغراب الشارع الجزائري (موقع التلفزيون الجزائري)

سرّعت الجزائر معالجتها لملفات الفساد والإرهاب والتآمر على الدولة، بعدما أصدرت مذكرات توقيف دولية ضد أربعة أشخاص بتهم "الانتماء إلى جماعة إرهابية، واستهداف أمن الدولة"، فيما تم توقيف المدير الأسبق لشركة "سوناطراك" البترولية الحكومية عبدالمؤمن ولد قدور الملاحق بتهم الفساد في مطار دبي.

وأفادت النيابة الجزائرية في بيان بأنه تجري ملاحقة المدعو محمد العربي زيطوط، وهو عامل سابق في سفارة الجزائر في العاصمة الليبية طرابلس، المقيم حالياً في بريطانيا، على خلفية جناية "تسيير وتمويل جماعة إرهابية تقوم بأفعال تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية"، وجنحة "المشاركة في التزوير واستعمال المزور في محررات إدارية وتبييض الأموال في إطار جماعة إجرامية"، فيما يلاحق كل من الضابط السابق بالجيش الجزائري هشام عبود، والمدوّن بوخرس أمير، المعروف باسم "أمير دي زد"، إضافة إلى محمد عبدالله، المجهول لدى عامة الناس، عن جناية "الانخراط وتمويل جماعة إرهابية تقوم بأفعال تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية"، وجنحة "تبييض الأموال في إطار جماعة إجرامية".

وأثارت التهم الموجهة إلى الأشخاص السالف ذكرهم، استغراب الشارع الذي لم يكن ينظر إلى هؤلاء سوى كمعارضين للسلطة في الخارج، ينشطون على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن المحامي المعتمد لدى المحكمة العليا ومجلس الدولة، عابد نعمان، رأى في تصريح مقتضب لـ "اندبندنت عربية"، أن "الاتهامات مكيفة بحسب قوانين الجمهورية وبحسب التصرفات المثبتة، كمؤشر على معالجة المسألة قانونياً، خلافاً لما يراه البعض بأنه يجب حل المسألة سياسياً وأمنياً"، معتقداً بخصوص تسليم المتهمين، أن "وزن الجزائر دولياً، وبناء على اتفاقات التعاون القضائي، فإن بريطانيا لا تدخر جهداً في تسليم المطلوبين". وتابع أن "فرنسا ملزمة أيضاً طبقاً للاتفاق المبرم بخصوص التعاون الفضائي، وسيترتب على مخالفتها الاتفاقات الدولية آثار سلبية على المستوى الدبلوماسي".

من جانبه، أكد المطلوب أمير بوخرس، المعروف باسم "أمير دي زاد"، أن مذكرة التوقيف الدولية التي أصدرتها النيابة الجزائرية بحقه وعدد من رموز المعارضة في الخارج، لا سند قانوني لها، وهي واحدة من مؤشرات الارتباط والتهاوي التي يعاني منها النظام.

وأضاف في تعليق على "فيسبوك"، أن "مذكرة التوقيف التي صدرت بحقي وبحق الدبلوماسي السابق محمد العربي زيطوط والضابط المنشق هشام عبود والضابط المنشق محمد عبدالله، بتهمة الإرهاب، تعكس حالة ارتباك النظام في مواجهة الحراك الشعبي المطالب بالتغيير الجذري".

وتابع أن كل الأسماء التي تضمنتها مذكرة التوقيف تعيش في دول أوروبية معروفة بقوة أجهزتها الأمنية، ولا يمكن لها أن تسمح بإقامة إرهابيين بينها، فضلاً عن "أنني شخصياً أعيش منذ يوليو (تموز) الماضي، تحت الرقابة القضائية في فرنسا، وهو أمر يستحيل معه أن تكون إرهابياً". 

من جانبه، تساءل المتهم العربي زيطوط، المقيم في بريطانيا، على صفحته في "فيسبوك"، عن "الأعمال الإرهابية التي تتهمني بها العدالة الجزائرية"، وعن علاقته بالمدعو أحمد منصوري المعتقل في الجزائر، وفق ما جاء في بيان النيابة. 

أما المتهم الضابط في الجيش الجزائري هشام عبود، فقد تعذّر الاتصال به.

الحراك والمطلوبين

من جهة أخرى، صرح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، سمير محرز، أن "أي دولة في العالم تنتهج نهجاً ديمقراطياً تسعى لتمكينه في الواقع، لكن أحياناً تعمل بعض الأطراف على تجاوز أخلاقيات الديمقراطية، وهذا ما لاحظناه مع بعض الناشطين السياسيين والمدونين في فرض توجهات تخرق قيم الديمقراطية".

وقال محرز إن "هؤلاء يسعون من خلال خطابهم، التحريض وفرض الفوضى داخل البلاد من أجل أغراض خاصة، وهم الذين طلبهم القضاء الجزائري بعدما وصل بهم الأمر إلى محاولة زعزعة أمن واستقرار الدولة". وختم بخصوص التأخر في استصدار الأمر الدولي بالقبض، قائلاً إن "هناك خطوات ومراحل لم ترغب السلطات في تجاوزها، ولكن لما أصبح الحراك ينادي بحياة هؤلاء الأشخاص والدعوى إلى الفوضى، بات لزاماً التدخل ووضع حد لهذا التجاوز".
في السياق، اعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إدريس عطية أن "هذه ليست اتهامات وإنما جرائم مثبتة عليهم بحق وطنهم وأبناء بلدهم"، موضحاً أن "هذا أمر قضائي يتعلق بالعدالة واستقلاليتها في تحريك الدعوى ضد كل من يسهم في نشر اللااستقرار في الجزائر، بخاصة أن هؤلاء مرتبطين بأجندات مشبوهة".

ويبدو أن اعتقال المدعو أحمد منصوري، وهو ناشط إسلامي سابق، في 28 فبراير (شباط) الماضي، والموجود رهن الحبس الموقت، أسهم في كشف خيوط ما يتم التخطيط له، إذ جاء في بيان لوكيل الجمهورية لدى محكمة "بئر مراد رايس" في العاصمة الجزائرية، أن "التحريات التقنية" أثبتت علاقة أحمد منصوري، الذي التحق بالجماعات الإرهابية وصدر في حقه عام 1994، حكماً بالإعدام، قبل أن يستفيد من تدابير الرحمة والوئام المدني، بالمدون المدعو "أمير دي زد" والضابط السابق هشام عبود، والناشط محمد عبدالله، الذين كانوا يستهدفون "تنفيذ مخططات تمس بالنظام العام والسكينة العامة، وبالأخص استغلال الحراك الشعبي الذي تعيشه البلاد لإخراجه من طابعه السلمي".

اعتقال المدير الأسبق لـ "سوناطراك"

من جهة أخرى، أُلقي القبض على المدير العام السابق لشركة "سوناطراك" النفطية الحكومية، عبدالمؤمن ولد قدور، في مطار دبي بالإمارات العربية المتحدة، تنفيذاً لمذكرة توقيف دولية أصدرها القضاء الجزائري، إذ كان قادماً من باريس وفي طريقه إلى سلطنة عُمان.

ومن المنتظر تسليمه إلى السلطات الجزائرية للمثول أمام عميد قضاة التحقيق للغرفة الأولى لدى القطب المالي والاقتصادي لمحكمة "سيدي امحمد" في العاصمة الجزائرية. 

وكشف رئيس الوزراء الجزائري عبدالعزيز جراد في فبراير الماضي، عن صدور أمر بالقبض الدولي ضد المتهم الرئيس في قضية مصفاة "أوغوستا" الإيطالية.

كما تتحدث جهات عدة عن تورط ولد قدور في قضايا فساد أبرزها التنازل عن بعض الحقول النفطية في الصحراء لمصلحة شركات أجنبية، من بينها شركة "ريبسول" الإسبانية و"توتال" الفرنسية، إضافة إلى إبرام صفقات مخالفة للقوانين واختلاس وتبديد أموال عامة واستفادة غير مشروعة من سلطة ومن إعفاءات ضريبية، وأيضاً تورطه في تزويد لبنان بوقود مغشوش. في المقابل، لم يصدر عن مدير سوناطراك أي تصريح منذ اختفائه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الحرب على الفساد

وتعليقاً على اعتقال ولد قدور، أوضح أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، بريك الله حبيب أن "الخطوة تندرج في سياق الجزائر الجديدة التي تواصل الحرب على الفساد الذي أدى إلى الإضرار بالاقتصاد وبمستوى معيشة المواطن، وأيضاً في إطار الملاحقات القضائية التي انتهجتها السلطات العليا حول تبذير المال العام"، مضيفاً أن "العملية تضفي نوعاً من الصدقية على العدالة ومكانة المؤسسات القضائية إزاء الخارج".

وختم أن "محاربة الفساد والفاسدين داخل الدولة مسؤولية الجميع من أجل الحد من التسيّب الذي تشهده مختلف القطاعات الحساسة".

متهم بالجاسوسية

بعد سنتين وأربعة أشهر من تربعه على عرش "سوناطراك"، جاء قرار إقالة ولد قدور، من قبل رئيس الدولة الراحل عبدالقادر بن صالح، الذي حكم الجزائر بعد سقوط نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وذلك في إطار حملة مكافحة الفساد، ليغادر البلاد في أبريل (نيسان) 2019.

وفي مطلع يوليو (تموز) 2020، فتحت محكمة جزائرياً تحقيقاً في صفقة استحواذ شركة "سوناطراك" على مصفاة "أوغوستا".

ويعاني ولد قدور متاعب كثيرة مع العدالة الجزائرية تعود للعام 2006، لا سيما في قضية شركة الإنشاءات والهندسة "براون أند روث كوندر" الجزائرية - الأميركية المختلطة، ناتجة من شراكة أُقيمت بين "سوناطراك" وأحد فروع شركة "هاليبرتون" الأميركية، وتمت تصفيتها في ظروف غامضة لصلتها بملف تجسس على الجزائر، إذ واجه ولد قدور حكماً قضائياً عسكرياً في محكمة البليدة برفقة ضابطين في الأمن العسكري ومدير وكالة للتأمين، إضافة إلى أشخاص آخرين بتهمة المساس بأمن الدولة وتسريب وثائق سرية خاصة بالأمن العسكري، مما أدى إلى إصدار حكم بالسجن 30 شهراً بحقه، قبل أن يستفيد عام 2009 من إفراج مشروط، ليعود على رأس "سوناطراك" عام 2017.

عملية معقدة

في سياق متصل، اعتبر الناشط السياسي صادق أمين أن "تسليم الأشخاص المعارضين المقيمين في أوروبا والمطلوبين للعدالة في بلدانهم عملية معقدة تخضع عموماً إلى المعاهدات الدولية الثنائية الخاصة بتسليم المجرمين، وقوانين الجنسية وحقوق الإنسان، وهذا ما حصل مثلاً مع أبي قتادة الفلسطيني المتهم بدعم الإرهاب والذي سُلم إلى الأردن في 7 يوليو 2013 بعد معركة قضائية طويلة". وأشار أمين إلى أن "القانون في بريطانيا وفرنسا يمنع تسليم المطلوبين للبلدان التي تُنفذ فيها أحكام الإعدام، أو تكون عدالتها غير مستقلة، فعلى الرغم من أن الجزائر لم تنفذ أحكام الإعدام فيها منذ بداية التسعينيات، إلا أنها لم تتمكن من تسلم الملياردير الهارب وقتها، عبدالمؤمن خليفة، إلا بعدما قدمت ملفاً قضائياً مدعوماً بسندات وأدلة مادية قدمتها العدالة الجزائرية إلى نظيرها البريطانية".

وتابع أن "القضية ستأخذ وقتاً والتسليم يبقى ممكناً إذا ما تمكنت العدالة الجزائرية من اقناع نظيرتيها البريطانية والفرنسية بالأدلة المادية التي تدين المتهمين، بخاصة أن الجزائر تربطها معاهدتين متعلقتين بتنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين الموقعة مع فرنسا في 29 يوليو 1965، ومع بريطانيا في 11 يناير (كانون الثاني) 2006 ودخلت حيّز التنفيذ في عام 2007".

المزيد من العالم العربي