Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تهدد الهجمات ضد الآسيويين صورة الولايات المتحدة؟

تزايد الكراهية والصراع العرقي يضر بنفوذ واشنطن ويضعف قوتها الناعمة

تكررت الاعتداءات ضد الآسيويين في أميركا منذ تفشي وباء كورونا (أ ف ب)

تصاعد الفزع داخل مجتمع الأميركيين الآسيويين وفي أعلى مراكز السلطة في الولايات المتحدة عقب مقتل ثمانية، بينهم ست نساء من أصل آسيوي في ضواحي مدينة أتلانتا بولاية جورجيا بعد سلسلة اعتداءات سابقة ضد الآسيويين منذ تفشي وباء كورونا.

لكن ارتفاع معدلات الكراهية والعنصرية ضد هؤلاء الآن ومن قبلهم السود وبدرجات وتوقيتات متفاوتة ضد المسلمين واليهود، دق جرس إنذار بالخطر المحدق، ليس فقط على حالة التماسك والانسجام المجتمعي والشعور بالهوية الوطنية بين الأميركيين على اختلافهم، بل على الأضرار التي يمكن أن تلحق بصورة الولايات المتحدة ووضعها حول العالم كدولة عظمى تدافع عن الحرية والعدالة والمساواة. فما أبعاد هذا الضرر وكيف يمكن مكافحة الكراهية والعنصرية المتزايدة في أميركا؟ 

حادث مقلق

على الرغم من إنكار المتهم بارتكاب جريمة إطلاق النار على ثلاثة مراكز تدليك في مدينة أتلانتا الأميركية أن دوافعه عنصرية، إلا أن الحادث جاء وسط قلق متزايد بشأن ارتفاع عدد جرائم الكراهية ضد الأشخاص المنحدرين من أصل آسيوي في الأشهر الأخيرة، وطرح على الفور أسئلة حول سبب استهداف الضحايا ودوافع المتهم الحقيقية وهو ما تسعى التحقيقات إلى الكشف عنه الآن تحت ضغط من الرئيس الأميركي جو بايدن الذي أبدى قلقه البالغ وكلّف وزارة العدل التدخل، مؤكداً استنكاره للوحشية ضد الأميركيين الآسيويين. 

غير أن الغضب والهلع الأكبر جسّدته الشخصيات السياسية الأميركية الآسيوية المعروفة في المجتمع الأميركي مثل أندرو يانغ، المرشح البارز لعمدة مدينة نيويورك، الذي طالب بموارد إضافية لمكافحة جرائم الكراهية ضد الآسيويين، فيما اعتبرت زوجته إيفيلين في تغريدة أن استهداف صالات التدليك يعني استهداف النساء الآسيويات وأنه يجب وصف ما حدث على ما هو عليه، أي أنها "جريمة كراهية".

ترمب تحت القصف

وبطبيعة الحال، جلب الحادث المأساوي انتقادات واسعة ضد الرئيس السابق دونالد ترمب، إذ حمّلته غريس مينغ، العضوة الديمقراطية في مجلس النواب وهي من أصل تايواني، مسؤولية إثارة المشاعر المعادية للآسيويين بسبب استخدامه وبعض كبار الجمهوريين مثل كيفين مكارثي (زعيم الأقلية في مجلس النواب) والسيناتور توم كوتون، إضافة إلى كبير الدبلوماسيين الأميركيين السابق مايك بومبيو، عبارات مثل "فيروس الصين"، إلى جانب المصطلح العنصري "إنفلونزا الكونغ" في إشارتهم إلى فيروس كورونا. 

وبينما امتد الغضب أيضاً إلى الشارع الأميركي عبر تجمعات في مدن مختلفة من بينها واشنطن العاصمة، حمل خلالها المتظاهرون لافتات كتب عليها "أوقفوا كراهية الآسيويين" و"حياة الآسيويين مهمة" على غرار اسم حركة "حياة السود مهمة"، حذّر قادة أميركيون من أصل آسيوي من أن المواجهة الجيوسياسية العميقة بين الولايات المتحدة والصين تسهم في زيادة الشكوك والتحيز والعنف ضد مجتمعاتهم.

سمعة أميركا في خطر

ومع سلسلة الجرائم العنيفة ضد الأميركيين من أصول آسيوية، التي أدت إلى موت رجل تجاوز عمر الـ84 سنة في سان فرانسيسكو بعدما دفعه مراهق أرضاً من دون سبب واضح، وإصابة ثلاثة أشخاص في هجمات مماثلة، وتعرّض صاحب متجر في واشنطن العاصمة لرش الفلفل بعد أن وُجهت إليه إساءة لفظية بلغة عنصرية، ارتفعت جرائم الكراهية إلى أكثر من 3000 جريمة.

ولا تنتهك جرائم الكراهية هذه كرامة وحقوق الأميركيين الآسيويين فقط، بل تهدد السمعة العالمية للولايات المتحدة وأمنها القومي، إذ تسببت رئاسة ترمب وسلوكياته وتعبيراته ضد الصين في تأجيج نيران القومية البيضاء والعنصرية المباشرة ضد الأميركيين الآسيويين. كما قدّمت مثل هذه السلوكيات مادة دعائية سهلة للصين، تماماً كما فعل العنف ضد الأميركيين السود في الاتحاد السوفياتي خلال حقبة الحقوق المدنية في ستينيات القرن الماضي، لكن بينما حاولت موسكو الظهور كقائدة للمضطهدين في جميع أنحاء العالم، تحاول بكين بدلاً من ذلك حالياً تصوير نفسها على أنها زعيمة الصينيين في الشتات العالمي.

التنافس مع الصين

وبينما تعتزم الصين إعادة تشكيل العالم لخدمة مصالحها، على حساب القيم التي يعتز بها الأميركيون مثل احترام العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، تبدو بكين مسرورة برؤية الولايات المتحدة في حالة فوضى وغير قادرة على الحفاظ على التماسك الديمقراطي وحماية حقوق شعبها، ولهذا استفادت وسائل الإعلام الصينية التي تديرها الدولة من العدد المتزايد لجرائم الكراهية ضد الأميركيين الآسيويين في الولايات المتحدة باعتبار ذلك دليلاً على مجتمع منقسم، يتضاءل تأثيره في الخارج. 

كما أشار لي هايدونغ، خبير الشؤون الخارجية الصيني، إلى أن انتشار العنصرية أدى إلى عدم الاستقرار والمواجهة، الأمر الذي لن يقلل فقط من الشعور بالهوية الوطنية لشعبها، بل يضر بنفوذها الدولي وقوتها الناعمة أيضاً. 

ويبدو أن الحزب الشيوعي الصيني سعيد للغاية بتأكيد خطابه السياسي من خلال العناوين الرئيسة التي تنتشر الآن عبر مواقع الإعلام العالمية، مثل قصص الأميركيين الآسيويين المسنين الذين يسعون إلى الحصول على الدعم وتشكيل مجموعات للحفاظ على سلامة المجتمعات. كما يروّج الإعلام الصيني بنشاط لفكرة القيادة الإقليمية والعالمية لبكين باعتبارها متفوقة على القيادة الأميركية. 

الأكثر عدلاً وأملاً

ولهذا السبب، تتصاعد الدعوات في واشنطن لمطالبة قادة الولايات المتحدة بصياغة استراتيجية منسقة وشاملة تجاه الصين والتي توضح أيضاً أن واشنطن هي التي تقدّم رؤية أكثر عدلاً ومساواة وأملاً للعالم، وليس بكين.

لكن مثل هذه الخطة لن تكون فاعلة ما لم يتخذ كل من القادة الديمقراطيين والجمهوريين إجراءات سريعة وحاسمة لرفض العنف والكراهية ضد الأميركيين الآسيويين، إذ يجب عليهم التفريق بين المخاوف الحقيقية مع الحكومة الصينية، وبين الكراهية ذات الدوافع العنصرية ضد الأميركيين من أصل آسيوي.

ولكي يحدث ذلك، ينبغي أولاً تقويض الميول والتصريحات التي تؤجج العنصرية. فعلى سبيل المثال، أضرت تصريحات جاي بيكر، المتحدث باسم قائد شرطة مقاطعة شيروكي في مدينة أتلانتا، الذي حاول التقليل من أهمية حياة الآسيويين بقوله إنه يوم سيّء للمتهم، بجوهر الدفاع عن المساواة والعدالة، بخاصة أنه تعرّض لانتقادات واسعة بعدما اكتشف الصحافيون أنه نشر على صفحته في موقع "فيسبوك" تصميم قميص معادٍ للآسيويين يتهم الصين بالمسؤولية عن فيروس كورونا، ما أدى إلى تأجيج الجدل حول التحيز في تطبيق القانون.

تاريخ من الفتن

وما يعقّد الأمور، ما أشار إليه ديفيد بالومبو ليو، الأستاذ في جامعة ستانفورد، من أن هناك تاريخاً طويلاً من الفتن والنوايا القاتلة تجاه النساء الآسيويات، يمتد قبل حرب فيتنام بفترة طويلة. واستشهد بمسرحية برودواي الموسيقية الشهيرة "مس سايغون"، التي يشير النقاد إلى أنها تضفي طابعاً رومانسياً على العلاقة الإمبريالية وتُصوّر النساء الآسيويات على أنهن قبلن الرضوخ وضحّين بأنفسهن. 

وحالياً، تبدو الأمور في أحلك أوقاتها، إذ وثّق تحالف "أوقفوا كراهية الأميركيين الآسيويين"، الهجمات المناهضة لآسيا منذ بدء وباء كورونا في مارس (آذار) 2020 ويقول إن هناك حوالى 3800 حادثة أثارتها الكراهية ضد مجتمع الأميركيين الآسيويين وجزر المحيط الهادي في الولايات المتحدة، وهو رقم يوضح التحالف أنه ربما يكون جزءًا بسيطاً من العدد الحقيقي. كما تشير دراسة أجراها "مركز بيو للأبحاث" إلى أن ثلاثة من كل 10 بالغين آسيويين قالوا إنهم تعرّضوا للنكات أو الإهانات حول عرقهم أو أصولهم أثناء الوباء، وهي أعلى نسبة بين جميع الأعراق.

أسطورة الأقلية النموذجية 

ويعتبر عدد من النساء الأميركيات الآسيويات أن لا شيء مما جرى في الحادثة يثير الدهشة، إذ حذّرن لسنوات من المشاعر المعادية للآسيويين، لكن الهجمات ضد مجتمعاتهم غالباً ما تجاهلها السياسيون والصحافيون، الذين يصورون الأميركيين الآسيويين على أنهم "أقلية نموذجية" ناجحة وثرية ومتعلمة بشكل جيد، وهو ما يجعل من الصعب إقناع الآخرين بأن الآسيويين مستهدفون.

وتؤكد ميليسا ماي بورجا، أستاذة الثقافة الأميركية في جامعة ميشيغان، والمتخصصة في التاريخ الأميركي الآسيوي، أن كثيراً من الأميركيين ما زالوا لا يفهمون أن الأميركيين الآسيويين يعانون من العنصرية على الرغم من كل التمييز الذي عانى منه الآسيويون عبر تاريخ البلاد، بدءاً من قانون الاستبعاد الصيني لعام 1882، ومروراً بمعسكرات الاعتقال التي أجبرت الأميركيين اليابانيين على مغادرة منازلهم خلال الحرب العالمية الثانية وانتهاءً بالحوادث العنصرية الأخيرة. وتلقي بورجا اللوم على ما تسمّيه "أسطورة الأقلية النموذجية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشير ميشيل لي، وهي أميركية تايوانية تقيم في ضواحي أتلانتا، إلى أن الأميركيين الآسيويين يتم تصويرهم على أنهم يحققون إنجازات فائقة، وأن الأميركيين البيض يميلون إلى الاعتقاد بأن جميع الآسيويين ينتمون إلى الطبقة المتوسطة العليا، ويحرزون درجات متقدمة في الاختبارات ويتخرجون في أرقى الجامعات المتميزة. وعندما يظهر الآسيويون على شاشات التلفزيون وفي الأفلام الأميركية، وهو أمر نادر الحدوث، غالباً ما يتم تصويرهم على أنهم أثرياء في المجتمع، وهو أمر مقيت لا صلة له بواقع كثير من الأميركيين الآسيويين، بمن فيهم النساء الضحايا في حادث أتلانتا.

وتقول بورجا إن هناك فجوة هائلة في الدخل ضمن مجتمع جزر المحيط الهادي الأميركي الآسيوي، الذي يجمع عدداً من الأعراق معاً. 

التواصل الاجتماعي

وتشكّل وسائل التواصل الاجتماعي عقبة أخرى في طريق حل مسألة العنصرية والتمييز العرقي في الولايات المتحدة، إذ انتشرت عبارات من بينها "الصين" و"ووهان" و"الإنفلونزا" في منتديات اليمين المتطرف على مواقع التواصل الاجتماعي العامة واليمينية في يناير (كانون الثاني) الماضي بنسبة 44 في المئة أكثر من معدلات أشهر السنة الأخرى، بالتوازي مع تزايد خطاب الرئيس السابق ترمب عن تزوير الانتخابات، وفقاً للبيانات التي تتبّعها معهد "بحوث كونتاجيون" الذي يراقب المعلومات المضللة والتطرف عبر الإنترنت. 

وفي حين أن العلاقة بين العبارات المرتبطة بالصين ومزاعم تزوير الانتخابات ليست واضحة، يعتقد الباحثون أن الاستقطاب السياسي المتزايد أدى إلى تأجيج نقاشات قاسية عبر الإنترنت حول كراهية الأجانب والبحث عن كبش فداء، بما في ذلك الأميركيون من أصل آسيوي.

وارتفعت جرائم الكراهية ضد الأميركيين الآسيويين في 16 من أكبر مدن أميركا بنسبة 150 في المئة العام الماضي، وفقاً لبحث أجراه هذا الشهر مركز دراسة الكراهية والتطرف في جامعة ولاية كاليفورنيا في سان برناردينو. 

وتقول كاريسا تشيه، الأستاذة في جامعة ميريلاند بمقاطعة بالتيمور التي درست التمييز بين الأميركيين الآسيويين، إن التمييز العنصري بتسمية الوباء "فيروس الصين" في بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أدى إلى تعرّض هؤلاء للانتهاكات في العالم الحقيقي، بخاصة أن اللغة التمييزية لها جذور تاريخية في كراهية الأجانب من أصل آسيوي، وهي تعكس أيضاً الطريقة التي تم بها تهميش الأميركيين الآسيويين منذ فترة طويلة. 

فشل مزعج

وحتى الآن، لم تكن إنجازات القادة السياسيين الأميركيين ملهمة على طريق حل الأزمة على الرغم من أن الكونغرس حاول تناول هذه القضية في سبتمبر (أيلول) 2020 بقرار يدين جميع أشكال العنصرية تجاه الأميركيين الآسيويين، وكان هذا بسبب ضعف الدعم الجمهوري، إذ صوّت 14 عضواً في مجلس الشيوخ بنعم، الأمر الذي يشير إلى الانقسام الحزبي الحاد والفشل المزعج في التعامل مع هذه القضية على محمل الجدّ. وهو ما اعتبرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية نوعاً من الإغفال الذي يقود إلى أسفل المنحدر الزلق ويؤدي إلى تكرار الأخطاء التي يجب أن تنتمي إلى الماضي.

وتحذّر المجلة من عواقب مباشرة وعاجلة للفشل في تصحيح هذا الأمر، إذ يمكن للولايات المتحدة أن ترى دليلاً على ذلك في المآسي وأحداث العنف والهجمات التي تحدث الآن بشكل متزايد كل يوم. وقالت إن على المسؤولين الحكوميين شجب العنصرية وتجنّب استخدام لغة مثل "فيروس الصين" والتفكير بعمق في كيفية حديثهم عن سياسة واشنطن تجاه الصين وكيف تؤثر أفعالهم في الأميركيين الآسيويين.

القيادة بالقدوة

وبينما تتجه أنظار العالم إلى الولايات المتحدة، فإن الأمر يتطلب الاحتفاظ بدورها القيادي العالمي والفوز في منافستها في القرن الحادي والعشرين مع الصين، مع التمسك بالقيم التي تسعى بكين إلى تقويضها. 

ونظراً إلى أن النجاحات الكبيرة التي حققتها حركة الحقوق المدنية، استحوذت على خيال الناس في جميع أنحاء العالم خلال الحرب الباردة، يمكن لقصة القرن الحادي والعشرين أن تلهم الناس وتساعدهم في الكفاح من أجل الفوز بالقلوب والعقول عبر إظهار دفاعها عن المساواة والديمقراطية وأن واشنطن تحمي حقوق شعبها والأمة العظيمة والمتنوعة لا يجب أن ترتبط بالدم بل بالقيم المشتركة. 

وبالرغم من أن الرئيس جو بايدن اتخذ خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح في وقت مبكر من هذا العام بإصدار "مذكرة إدانة ومكافحة العنصرية وكراهية الأجانب والتعصب ضد الأميركيين الآسيويين وسكان جزر المحيط الهادي في الولايات المتحدة"، إلا أنه من الضروري أن يتخذ القادة السياسيون الفيدراليون وقادة الولايات خطوات ملموسة لإنهاء الهجمات العنصرية والتمييز ضد الأميركيين الآسيويين، حتى وهم يتصارعون مع تحديات السياسة الخارجية للولايات المتحدة حول الصين.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير