بينما أعلن نائب وزير الدفاع رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، صباح الأربعاء 24 ابريل (نيسان)، تمكين القضاء "الضمانات الكافية للجهات القضائية لكي تتابع بكل حزم وبكل حرية ومن دون قيود ولا ضغوط محاسبة الفاسدين"، أعلنت المحكمة العليا في الجزائر استدعاء وزير الطاقة السابق شكيب خليل "ومن معه" في قضية فساد سابقة في مؤسسة النفط الحكومية، كما أحيل ملف كلّ من الوزيرين السابقين، جمال ولد عباس وعمار غول إليها، في قضية فساد "وزارة التضامن" و"الطريق السريع شرق غرب" على التوالي.
ووصف صحافيون خطاب الفريق أحمد قايد صالح، الثاني بعد أقل من 24 ساعة عن خطاب آخر، من مقر الناحية العسكرية الأولى، بـ "التراجع" عن مواقف سياسية فهمت من قبل مراقبين، أنها "نقد للمتغيبين عن ندوة المشاورات التي جرت الأحد الماضي"، وعاد فأعلن أن الجيش "سيرافق الشعب ومؤسساته من خلال تفعيل الحلول الممكنة ويبارك كل اقتراح بنّاء ومبادرة نافعة تصبّ في سياق حلّ الأزمة والوصول بالبلاد إلى بر الأمان".
موقف الجيش "عالق" في الخيار الدستوري
وتدريجياً، باتت خطابات قايد صالح، في فهم عدد من المراقبين، معلماً يعطي إشارات بشأن المتوقع في العملية السياسية، وتعتقد كتابات أن المؤسسة العسكرية لم تغير موقفها درجة واحدة، في ما يخص التمسك بالمسار الدستوري وتنظيم الرئاسيات في الرابع من يوليو (تموز) المقبل، إلا أن استعمال قايد صالح مصطلح "الحلول الممكنة"، أعطى انطباعاً عن احتمال ورود مقاربات جديدة للحل.
وقال صالح "إن الجيش الوطني الشعبي، ومن منطلق اقتناعاته الراسخة وإيمانه المطلق بضرورة الحفاظ على جسور التواصل مع عمقه الشعبي المتجذر، الذي يُعد سنده ومنبع قوته، وسر صموده أمام كل الأخطار والتهديدات"، وتابع "سيواصل في هذا الظرف الحساس، تبني النهج الصادق نفسه، باطلاع المواطنين دورياً بكل ما يرتبط بأمنهم وأمن وطنهم".
أضاف "نجدد التأكيد أن الجيش الوطني الشعبي سيبقى ملتزماً الحفاظ على مكتسبات وإنجازات الأمة، وكذلك مرافقة الشعب ومؤسساته من خلال تفعيل الحلول الممكنة، ويبارك كل اقتراح بنّاء ومبادرة نافعة تصبّ في سياق حلّ الأزمة والوصول بالبلاد إلى بر الأمان."
استرجاع الأموال المنهوبة
يركز قايد صالح منذ فترة على ملفات الفساد ويعطي انطباعاً أن العملية "أولوية" في المرحلة الحالية، استجابة لشعار متظاهرين في المسيرات المليونية التسع، منذ 22 فبراير (شباط) يرفعون شعارت "كليتو البلاد (أكلتوا البلد) يا سارقين". وجدد القول في خطابه الجديد "فقد دعوت جهاز العدالة في مداخلتي السابقة إلى أن يسرّع من وتيرة متابعة قضايا الفساد ونهب المال العام ومحاسبة كل من امتدت يده إلى أموال الشعب، وفي هذا الصدد بالذات، أثمّن استجابة جهاز العدالة لهذا النداء الذي جسّد جانباً مهماً من المطالب المشروعة للجزائريين".
وقدم الفريق صالح ما يشبه "الحماية" للقضاة الذين يشتغلون على ملفات الفساد الحالية، قائلاً "أؤكد مرة أخرى أن قيادة الجيش الوطني الشعبي تقدم الضمانات الكافية للجهات القضائية لكي تتابع بكل حزم، وبكل حرية ومن دون قيود ولا ضغوط، محاسبة المفسدين وهي الإجراءات التي من شأنها طمأنة الشعب على أن أمواله المنهوبة ستسترجع بقوة القانون وبالصرامة اللازمة".
رجال الأعمال بـ "الجملة" في سجن الحراش
في الأثناء، أعلنت المحكمة العليا تسلمها ملف وزير الطاقة السابق، شكيب خليل في قضايا تتعلق بحركة رؤوس أموال من الخارج وإليه، وإبرام شركة "سوناطراك" الحكومية للنفط صفقتين مخالفتين للقانون مع شركات أجنبية، ويجري التحقيق مع خليل "ومن معه" بموجب امتياز التقاضي على مستوى المحكمة العليا. وشكيب خليل وزير سابق، مقرب من الرئيس الجزائري المستقيل، عبد العزيز بوتفليقة، كان قد ذكر في تحقيقات للأمن العسكري بين 2010 و2013، قبل أن تجري "تبرئته" غيابياً، ويعود إلى الجزائر من "منفاه في أميركا".
ودُعّمت المحكمة العليا، قبل يومين، بخمسة قضاة للتحقيق في ملفات في إطار "الامتياز القضائي"، ووردت أسماء بـ "الجملة" في الساعات الأخيرة، تخص وزراء وكبار مسؤولين. وتلقت المحكمة العليا، ملفات كل من الوزير السابق، عمار غول، وهو رئيس "تجمع أمل الجزائر"، والأخير ورد اسمه في ملف فساد كبير ضمن مشروع "الطريق السيار شرق غرب"، وقدم جهاز المخابرات قبل ثماني سنوات ملفاً واسعاً يدين غول، لكن التغييرات التي شملت الجهاز برأت الرجل لاحقاً، وعين عضواً بمجلس الأمة إلى الآن عن الثلث الرئاسي.
وتبحث اللجنة القانونية لمجلس الأمة، رسمياً، ملف سحب الحصانة عن عمار غول، ومعه جمال ولد عباس الوزير السابق والأمين العام لجبهة التحرير الوطني، كما ضمت القائمة اسم الوزير السابق السعيد بركات وهو بدوره "سيناتور" في مجلس الأمة ويحظى بحصانة برلمانية.
الحكومة تطمئن والعدالة تستدعي المزيد
وبينما دعا وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة حسان رابحي، إلى عدم التسرع في الحكم على رجال الاعمال والسياسيين الذين وجهت إليهم استدعاءات للمثول، كانت أسماء رؤساء حكومات سابقين ترد في تحقيقات العدالة. وقال رابحي في مؤتمر إعلامي بمقر الوزارة الأولى "العدالة ستتولى بحث كل الملفات التي لها وقع سلبي على الاقتصاد"، وفي رد على سؤال بشأن استدعاء الوزير الأول السابق أحمد أويحى ووزير المالية الحالي محمد لوكال، قال "أتركوا الأمر للعدالة التي لها السلطة في بت مثل هذه الملفات إلى حين فصل العدالة في هذه الملفات. جب علينا احترام مشاعر الأشخاص وعائلاتهم ولا تتسرعوا في الحكم عليهم انتظروا حتى الإدانة".
الإخوة "كونيناف" العلبة السوداء للسعيد في السجن
وحالما وصل رجال الأعمال "الإخوة كونيناف" إلى سجن الحراش، صباح الأربعاء، بعد أمر وكيل الجمهورية حبسهم موقتاً، برزت أسماء مسؤولين سابقين وردت أسماؤهم خلال التحقيق مع الأشقاء الأربعة طوال ليل الثلاثاء إلى الأربعاء. والقائمة ضمت الوزير الأول السابق عبد المالك سلال، أحمد أويحيي، والوزير الأول السابق أيضاً عبد المجيد تبون، والوزير السابق عمار غول، والوزيرين السابقين محمد نسيب ونور الدين بوطرفة بشبهة "منح مشاريع لصالح كونيناف من دون وجه حق".
وقرر قاضي التحقيق إيداع شخص آخر هو مدير شركة، الحبس الموقت أيضاً، بينما يتواصل التحقيق مع سبعة أشخاص يعملون في وزارة الصناعة، في قضية "كونيناف" نفسها.
استغلال النفوذ
وواجه وكيل الجمهورية المعنيين بملف يضم تهماً تتعلق "باستغلال النفوذ وتعارض المصالح والتمويل الخفي للأحزاب السياسية وسوء استعمال أموال شركات المساهمة وإبرام عقود وصفقات بالاستفادة من سلطة وتأطير أعوان الهيئات المذكورة وإبرام عقود وملاحق بمخالفة الأحكام التشريعية والتنظيمية وإساءة استغلال الوظيفة". واللافت وفق تعبير أحد المحامين لـ "اندبندت عربية" أن "الأحزاب" المعنية بالتمويل، على رأسها جبهة التحرير الوطني، إذ "ضغط الأشقاء كونيناف من أجل تعيين شخصيات في الحزب ولاحقاً كوزراء".