Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"سلطان" حائر جائر يتخبط ويدفع الثمن

لعبة أردوغان الدائمة هي التورط في خصومات ومشكلات ومحاولة العودة عنها

ليس أمامه أردوغان سوى تقديم تنازلات لكل البلدان التي خاصمها (أ ف ب)

الرئيس رجب طيب أردوغان لاعب سلاحه الغضب. لعبته الدائمة هي التورط في الخصومات والمشكلات، ومحاولة العودة عنها. لا يستطيع أن يرى تركيا إلا في الماضي، من حيث أخذها أتاتورك إلى المستقبل. ولا أولوية لديه، بعد ما سماه أحمد داوود أوغلو حرصه على "عبادة الشخصية"؛ تتقدم على إنهاء إرث أتاتورك بالعودة إلى السلطان السلجوقي ألب إرسلان الذي هزم الجيش البيزنطي عام 1071، وبدأ تتريك الأناضول، ثم عثمان أرطغرل الذي انشق عن السلاجقة، وبدأ عام 1299 إقامة دولة خاصة به، صارت السلطنة العثمانية مع محمد الفاتح.

أردوغان شن أكبر حملة سياسية على مصر، ورفض الاعتراف بشرعية الرئيس عبد الفتاح السيسي، دفاعاً عن "الإخوان المسلمين" الذين صارت إسطنبول ملاذهم لتنظيم العمليات الإرهابية في مصر. واليوم، يتودد للقاهرة، ويسعى لإعادة العلاقات معها إلى الوضع الطبيعي. اعتدى على المنطقة الاقتصادية الخالصة في البحر المتوسط وبحر إيجه لكل من اليونان وقبرص، وعاد تحت الضغط الأوروبي إلى التفاوض مع أثينا.

هدد أوروبا بإرسال اللاجئين السوريين إليها، ثم هدأ بعد أن أعطته ثلاثة مليارات يورو. هاجم فرنسا، وكادت سفنه في البحر المتوسط قبالة ليبيا تشتبك مع سفينة فرنسية، وقال عن الرئيس إيمانويل ماكرون إنه يحتاج إلى "فحص قدراته العقلية"، ثم سعى لترطيب المناخ الدبلوماسي مع باريس. قال في المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أكثر مما قاله مالك في الخمر، ثم عاد يطلب صداقتها ودعم ألمانيا له.

وقع في أزمة مع موسكو حين أسقط الجيش التركي مقاتلة "سوخوي" روسية تعمل في سوريا، فاسترضى الرئيس فلاديمير بوتين الغاضب، وتفاهم معه على الدور في سوريا. تحدى أميركا والحلف الأطلسي الذي هو عضو فيه بشراء صواريخ "أس 400" الروسية، ثم أوحى خوفاً من العقوبات أنه لن يشغل هذه الصواريخ.

غزا مناطق شمال سوريا بالتفاهم مع دونالد ترمب وبوتين، وصارت تركيا مع روسيا وإيران القوى "الضامنة" لخفض "التصعيد" ومسار "أستانا" ومسار "سوتشي" تحت عنوان البحث عن تسوية سياسية. أرسل قوات تركية ومرتزقة من الذين حاربوا في سوريا إلى ليبيا، وحصل على اتفاق شراكة معها في غاز شرق المتوسط. لا يزال يشن حملات عسكرية داخل العراق ضد حزب العمال الكردستاني الذي يسجن قائده أوجلان. ولم يتردد في دفع أذربيجان إلى حرب ضد أرمينيا، لاستعادة مناطق في ناغورنو قره باغ، لكي يصبح له دور مع روسيا في القوقاز.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكل ذلك ضمن لعبة البحث عن دور لتركيا في البلدان التي كانت ضمن السلطنة، ويعتبر أردوغان أن الوجود العسكري التركي فيها "حق" لبلاده. ومن أهداف اللعبة الحصول على حصة في كعكة الغاز والنفط شرق المتوسط، حيث جرى تشكيل "نادي الغاز شرق المتوسط"، الذي ضم مصر، وفلسطين، وإسرائيل، والأردن، وقبرص، واليونان، وإيطاليا، وبقيت تركيا خارجه، وكذلك لبنان.

وليس من السهل على أردوغان الاستمرار في هذه الألعاب من دون أن يدفع أثماناً باهظة. فهو "سلطان" حائر في الخارج وجائر في الداخل. لا يقبل أن يشاركه في القرار حتى رفاقه في تأسيس حزب "العدالة والتنمية"؛ حيث اضطروا إلى الخروج من الحزب.

داوود أوغلو أسس حزب "المستقبل". علي بابا جان أسس حزب "الديمقراطية والتقدم". وغول وأرينش لم ينضما إلى أي حزب. وهو وظف محاولة الانقلاب الفاشلة في أكبر حملة لتصفية اليساريين وجماعة غولن في الجيش والقضاء والشرطة والإعلام. وفي تقرير عن "بيت الحرية"، فإن تركيا في المرتبة 151 بين الدول في احترام حقوق الإنسان على المستوى العالمي، وحسب المعهد الدولي للصحافة، فإن في تركيا 120 صحافياً معتقلاً.

واليوم، يسعى لتعديل الدستور الذي عدله قبل سنوات للانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي. والهدف هو إلغاء النص على علمانية الدولة، وإعادة النص على كون الإسلام دين الدولة. وكلما ضعفت شعبيته في الداخل ازدادت رغبته في التورط في الخارج.

أقل ما يراهن عليه في الداخل هو التحريض على شق الأحزاب المعارضة، وتحريم "حزب الشعوب الديمقراطية" الكردي. وليس أمامه سوى تقديم تنازلات لكل البلدان التي خاصمها. فهو خسر داعمه ترمب. وليس في إدارة الرئيس جو بايدن من يثق به.

مستشار الأمن القومي جايك سوليفان يرى تركيا "مصدر قلق للولايات المتحدة وأوروبا". ووزير الخارجية أنتوني بلينكن قال إن تركيا "ديمقراطية متراجعة"، ولن تدعى إلى قمة "تحالف الديمقراطيات" التي ينوي بايدن عقدها. ولا أحد يعرف إلى أي حد تنجح روسيا في التوسط بين تركيا وكل من اليونان وقبرص في إطار "دبلوماسية الغاز"، لكن الكل يراقب تخبط السلطان الحائر الجائر.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء