Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القلق على الجيش يحفز الضغوط الدولية لتأليف حكومة لبنان

"حزب الله" يناقض نفسه باتهام الحريري بربط التشكيل بالسعودية

انعكست الأزمة الاقتصادية على العسكريين والضباط في الجيش وسائر القوى الأمنية (أ ب)

يوحي بعض الفرقاء اللبنانيين برفضهم تدويل الأزمة في البلاد، لكنهم في الوقت ذاته يستدرجون الدول التي تراقب مأزق تأليف الحكومة، إلى متابعة تفاصيل ما يجري على هذا الصعيد، فضلاً عن أن بعض المجتمع الدولي يرصد المدى الذي يمكن أن يبلغه تصعيد الخلافات السياسية وتسبّبه باهتزاز الاستقرار في البلد الصغير، الأمر الذي يمكن أن تتأثر به الدول المحيطة في حال انتقل إلى حال من الفوضى. وهذا سبب رئيس لدى الكثير من الدول الغربية والعربية لمواصلة دعمها للجيش اللبناني، ليتمكّن من حفظ الحد الأدنى من الاستقرار.

في المقابل، يستغرب الوسط الدبلوماسي في بيروت أن يرمي بعض الفرقاء السياسيين مسؤولية عرقلة قيام الحكومة الجديدة على دول أخرى، كما يفعل قادة "التيار الوطني الحر" ومحيط رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والإعلام المقرب من "حزب الله"، باتهامهم الرئيس المكلف سعد الحريري بأنه يمتنع عن التأليف، لأنه ينتظر أن ترضى دول الخليج والمملكة العربية السعودية عن التشكيلة الحكومية التي ستصدر. هذا في وقت تمتنع الرياض عن التدخل وتترك للبنانيين أن يتوافقوا، بحسب قول أكثر من مصدر سياسي ودبلوماسي، وتتناغم مع مواقف الدول الأخرى التي تنصح بحكومة من الاختصاصيين تنفّذ الإصلاحات المطلوبة.

عن اتهام الحريري بانتظار السعودية

المطلعون على الموقف السعودي من السياسيين اللبنانيين والوسط الدبلوماسي، يعتبرون أن ربط الحكومة بانتظار الحريري للمملكة، محاولة تغطية فشل المعنيين في إنجاح الاستحقاق الدستوري وتبرير فشلهم بطريقة تدلّ كم أن معرقلي التأليف غير مهتمين بملء الفراغ الحكومي ومعالجة أزمة البلد ومشكلاته السياسية والاقتصادية.

وإضافة إلى أن الحريري رد في بيان أصدره مشدداً على أنه لا ينتظر موقف الرياض كي يؤلف الحكومة كما ينتظر "حزب الله" إيران، فإن مصادر مقربة منه تشير إلى أنه لو صحت هذه التهمة، لما كان قدم تشكيلته الحكومية إلى الرئيس عون في 9 ديسمبر (كانون الأول) ليوقعها، فرفض، ولما كان زاره مجدداً في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، مبدياً استعداده لتغيير بعض الأسماء إذا كان لديه اعتراض عليها.

من جهة ثانية،  يرى مراقبون أن ترويج الإعلام القريب من "حزب الله" للافتراض القائل بربط الحريري التأليف بالموقف السعودي، وإيحاءات بعض قادته مثل نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم بذلك، "يحمل في ذاته تناقضاً فاضحاً، لأن الأمين العام للحزب حسن نصر الله قال أكثر من مرة، آخرها في خطابه في 16 فبراير (شباط) الماضي، إن العقدة داخلية وليست خارجية. وهذا ما يردده أيضاً بعض المسؤولين الحلفاء للحزب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبات معروفاً في الوسط السياسي اللبناني، أن قرار المملكة هو ألا تتدخل في شأن تأليف الحكومة وترك الأمر إلى ما يتفق عليه الفرقاء، على الرغم من مطالبتها من قبل بعضهم  بالتدخل، وتعتبر أن أي خيار يتخذه القادة السياسيون يتحملون مسؤوليته بالعلاقة مع مصلحة بلدهم.

فضلاً عن أن الدول كافة تردد وتكرر الموقف ذاته منذ أشهر، وهو أن المطلوب تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات ولها صدقية حتى يتمكّن المجتمع الدولي من مساعدتها وتحقيق النهوض من الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها لبنان.

وهي مواقف يكررها سفراء دول أوروبا وأميركا والدول العربية في بيروت، في لقاءاتهم مع المسؤولين اللبنانيين والقادة السياسيين وتتفق الدبلوماسية السعودية معهم فيها سواء خلال اجتماعات سفيرها الوزير المفوض وليد البخاري، أو في تصريحات وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان الذي كرّر في يناير (كانون الثاني) الماضي القول إن "لبنان لن يزدهر من دون إصلاح سياسي ونبذ ميليشيات حزب الله".

قلق دولي على الجيش

وفي ظل عودة الاحتجاجات إلى الشارع  في الأسبوعين الماضيين بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية، يراقب سفراء هذه الدول مدى انعكاس تراجع الوضع المعيشي بفعل الارتفاع الصاروخي لسعر صرف الدولار في بيروت، على العسكريين والضباط في الجيش وسائر القوى الأمنية والعسكرية، ما أوجب إطلاق قائد الجيش العماد جوزف عون صرخة في 8 مارس (آذار)، حين قال "راتب العسكري فقد قيمته والعسكريون يعانون ويجوعون مثل الشعب"، سائلاً المسؤولين "ماذا تنوون أن تفعلوا؟".

وعبّر أحد السفراء في بيروت عن قلقه جراء انخفاض قيمة رواتب القوى العسكرية بالقول لـ"اندبندت عربية"، إن سفارته تخصص مبلغ 150 دولاراً شهرياً كمساعدة لكل من عناصر فريق الحراسة المفرز من قوى الأمن الداخلي لمرافقته، كبدل طعام أثناء مواكبته حين يتنقّل ويعقد لقاءات خارج مكتبه.

وإزاء ذلك، بات يتلقّى وساطات من قبل شخصيات مرموقة ليوافق على نقل مزيد من الحراس الرسميين إلى سفارته، ليحصلوا على علاوة الـ 150 دولاراً التي باتت تساوي نحو مليوني ليرة لبنانية مع ارتفاع سعر صرف الدولار إلى أكثر من 12300 ليرة. فمتوسط راتب العنصر في قوى الأمن يتراوح بين مليون ونصف المليون والمليونين ونصف المليون ليرة. ويرى السفير إياه، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن المخاوف هي من أن يؤدي تفشي الفقر إلى استغلاله من دول لها مشاريع عسكرية في المنطقة لتطويع مقاتلين بأبخس الأثمان للقتال بهم في دول أخرى كمرتزقة، كما فعلت تركيا مع المقاتلين السوريين في ليبيا وإيران مع المقاتلين الأفغان في سوريا...

"مجموعة الدعم" ودعوة "حزب الله" إلى موسكو

ومع اهتمام عدد من الدول بتقديم المساعدات إلى الجيش حتى على مستوى المواد الغذائية، فإن الضغط الدولي من أجل إنهاء الفراغ الحكومي تصاعد بشكل متسارع في الأيام القليلة الماضية، نظراً إلى أنه الخطوة الأولى الضرورية لأي إنقاذ مالي واقتصادي طويل الأمد. ولفت صدور مواقف متزامنة تقريباً عن "مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان" ودول كبرى أخرى.

ومجموعة الدعم تضم الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافة إلى ألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، (وأحياناً تُدعى إليها السعودية ومصر ودولة الإمارات العربية المتحدة والمؤسسات المالية الدولية الكبرى).

ودعت المجموعة إثر اجتماع سفراء الدول السبع الأجنبية، في بيان صدر في 11 مارس (آذار) الجاري، إلى "الحفاظ على سلمية التظاهرات بهدف حماية حقوق الإنسان". كما أشارت "بقلق إلى أن سبعة أشهر مضت منذ استقالة الحكومة الأخيرة، ما أعاق قدرة لبنان على معالجة التحديات السياسية والاجتماعية والمالية والاقتصادية والمؤسساتية المتفاقمة"... وكررت دعوتها "العاجلة لقادة لبنان لعدم تأخير تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات وقادرة على تلبية حاجات البلاد الملحّة وتطبيق الإصلاحات الحيوية".

سبق ذلك صدور البيان الروسي في 9 مارس بعد اجتماع وزير الخارجية سيرغي لافروف مع الرئيس المكلف سعد الحريري في أبو ظبي، ليشدد على أن البحث "تركّز على أهمية الإسراع في اجتياز الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، من خلال تشكيل حكومة مهمة قادرة من التكنوقراط". وفضلاً عن أن موسكو عضو في "مجموعة الدعم الدولية"، فإن الأهم هو الدعوة التي وجهتها إلى "حزب الله" ليزورها وفد منه الاثنين (15 -3-2021) لإجراء محادثات حول لبنان والمنطقة.

وقال رئيس كتلة نواب الحزب ورئيس الوفد محمد رعد لوكالة "سبوتنيك" الروسية عن الزيارة إن علاقة الحزب مع روسيا "تحكمها نقاط اهتمام ومصالح مشتركة ونظرة واحدة أو متقاربة جداً إلى الأوضاع في المنطقة وضرورة استقرارها".

ورأى أنه "بعد التحولات الكثيرة التي حصلت خلال السنوات القليلة الماضية، كان لا بد من إعادة تحريك النقاش حول آفاق المرحلة المقبلة في ضوئها". وأضاف النائب رعد رداً على سؤال، "قد نمرّ على موضوع تشكيل الحكومة، لكن في سياق تقييمنا لأوضاع لبنان وضرورة الاستقرار فيه والسعي للإسراع في تشكيل الحكومة". ولم ينفِ رعد أن موسكو يمكنها "الضغط لتسريع الحلول المطلوبة"، لكنه ربطها بما "يقرره الشعب اللبناني".

التعطيل ورقة تفاوضية أم تردد في الضغط؟

في المقابل، علمت "اندبندنت عربية" أن الجانب الروسي المطّلع على تفاصيل العراقيل التي تواجه الأزمة الحكومية منذ أشهر، وجّه هذه الدعوة إلى مسؤولي "حزب الله" بعدما سعى مع إيران أكثر من مرة كي تمارس نفوذها مع الحزب ليساعد مع حليفه الرئيس عون وصهره النائب جبران باسيل في تسهيل قيام الحكومة، وسط التساؤل لماذا لا يمارس الحزب تأثيره لإنهاء الفراغ؟

وبات معروفاً أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أكد لنظيره الروسي أن "حزب الله" يعارض حصول "التيار الحر" لوحده على الثلث المعطل في الحكومة، وهو أحد المطالب التي عقّدت التأليف، وأنه أبلغ عون تأييده لتولّي الحريري رئاسة الحكومة خلافاً لرغبة رئيس الجمهورية في استبداله، لكن الجواب النهائي كان "لا نستطيع أن نضغط على حلفائنا أكثر".

والمسؤولون الروس الذين يتابعون مواقف مختلف الفرقاء ليسوا بعيدين من التساؤل حول أسباب عدم ممارسة "حزب الله" ضغوطه على عون ليسهّل التأليف، في وقت يقول خصوم الحزب إنه يترك لحليفه تعطيل تأليف الحكومة كورقة تفاوضية من أوراق التفاوض بين إيران والولايات المتحدة عندما يحين أوان بحث الوضع الإقليمي بين طهران وواشنطن.

ويرى هؤلاء أن من أساليب التفاوض الإيرانية، تقديم تنازلات غير جوهرية، من نوع تسهيل قيام الحكومة في لبنان عوضاً عن المطالبة بسحب الصواريخ الدقيقة التي تقول إسرائيل إن إيران مكّنت الحزب من امتلاكها.

وإذا صح ذلك، فإن طهران والحزب يفضلان تأجيل الضغط على عون إلى مرحلة التفاوض مع واشنطن. ومع ذلك، فإن هناك بين خصوم الحزب حتى، من يخالف هذا الافتراض بالقول إنه يتردد في الضغط على عون وباسيل كي يتنازلا عن مطالب تعجيزية في الحكومة، خوفاً من فرط تحالفه معهما، في وقت ما زال يحتاج إلى الغطاء الشرعي والمسيحي الذي يؤمنه له عون كرئيس وكزعيم مسيحي لاستمرار احتفاظه بسلاحه على الرغم من الضغط الأميركي والإسرائيلي لنزعه.

وبهذا المعنى، يضطر الحزب إلى غض النظر عن سعي حليفه لمكاسب فئوية مع أن ذلك يخالف قناعة جمهوره وبعض حلفائه الآخرين، لا سيما رئيس البرلمان نبيه بري.

فرنسا وأميركا وبريطانيا

لكن تحرك موسكو لدعوة "حزب الله" إلى تسهيل الحكومة يأتي في وقت كرر وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان تحذيره من أن "الوقت ينفد لمنع انهيار لبنان، ولا مؤشر إلى أن السياسيين اللبنانيين يبذلون ما في وسعهم لإنقاذ بلادهم".

وصنّف هؤلاء بأنهم "مسؤولون عن عدم إسعاف بلادهم وهي في خطر"، مشيراً إلى "التزامهم قبل 7 أشهر بتشكيل حكومة تنفّذ إصلاحات لا غنى عنها" وقائلاً "لا يزال هناك وقت، لكن غداً سيفوت الأوان".

وباريس على اتصال مع موسكو في صدد الوضع اللبناني، بخاصة أن الأخيرة تؤيد مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون لمعالجة الأزمة فيه.

كما أن الخارجية الأميركية عبّرت في 11 الجاري، عن "قلقها من التطورات في لبنان" بعد تجدد التظاهرات، معتبرة أن "الشعب اللبناني يستحق حكومة تقدّم الإصلاحات" وأن "الاقتصاد الوطني في أزمة بسبب الفساد". وشدّدت على أن "تطبيق البلد للإصلاح يفتح الباب أمام الدعم المالي الدولي".

وفي اليوم التالي، أصدر القائم بالأعمال البريطاني بياناً بعد لقائه البطريرك الماروني بشارة الراعي سأل فيه "إلى أي مدى يجب أن يسقط لبنان قبل أن تتحمّل قياداته المسؤولية؟ ومتى يتوقف أصحاب النفوذ عن الانزلاق في الكارثة الاقتصادية والإنسانية، ويظهرون بدلاً من ذلك التصميم والوطنية المطلوبة لتشكيل حكومة إصلاحية قادرة على وقف الانحدار المتهوّر للبلاد؟".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي