تزامن توقيع الرئيس الأميركي جو بايدن خطة التحفيز الاقتصادي التي بلغت قيمتها 1.9 تريليون دولار، وأجازها الكونغرس بمجلسيه، الشيوخ والنواب، مع إعلان الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) بيانات وأرقام صافي ثروة الأسر الأميركية في الربع الرابع من العام الماضي، بالتالي صافي القيمة لعام 2020 بكامله. وعلى الرغم من الأضرار الاقتصادية الهائلة لوباء فيروس كورونا على الاقتصاد، فإن صافي قيمة ثروة الأميركيين زاد في الربع الأخير من العام الماضي بنسبة 5.6 في المئة مقارنةً مع الربع الثالث منه. وزادت ثروة الأسر الأميركية في عام الوباء إجمالاً، بنسبة 10 في المئة، بعد مقارنة صافي تلك الثروة في نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2020 مع نهاية ديسمبر 2019.
وعلى الرغم من إغلاق الاقتصاد لفترات للوقاية والحد من انتشار وباء كورونا، بالتالي فقدان الكثيرين وظائفهم التي تعطلت نتيجة الإغلاق وانكماش النمو الاقتصادي عموماً، فإن صافي ثروة الأسر الأميركية بلغ 130.2 تريليون دولار بنهاية العام الماضي. وصافي الثروة هو الفارق بين قيمة الأصول التي تملكها الأسر والتزاماتها الائتمانية من قروض أو ديون أو مدفوعات أخرى.
كيف راكم الأميركيون الثروة؟
استفادت الأسر الأميركية من تريليونات الدعم والتحفيز التي قدمتها الحكومة للمساعدة على مواجهة التبعات السلبية لوباء كورونا. ومن بين نحو 3 تريليونات دولار من خطط التحفيز الاقتصادي الحكومية، استفاد الأميركيون مباشرةً من الدعم النقدي المباشر للأسر عبر الشيكات النقدية الشهرية، وكذلك من زيادة تعويضات البطالة. واستخدم الأميركيون تلك الأموال المباشرة في تسديد ديونهم، بالتالي زاد صافي أصولهم. ونتيجة ارتفاع مؤشرات سوق الأسهم، وزيادة قيمة الأسهم في الشركات وفي صناديق الاستثمار، ارتفعت قيمة الأصول المالية للأسر التي تستثمر في تلك الأسهم والصناديق. فعلى سبيل المثال ارتفع مؤشر "ستاندرد أند بورز" للشركات الخمسمئة الكبرى بنسبة 12 في المئة في الربع الأخير من العام الماضي، وبلغ متوسط ارتفاعه في عام الوباء كله نسبة 16 في المئة.
كذلك ارتفعت قيمة العقارات مع زيادة أسعار البيوت، واستفاد الأميركيون من ذلك باعادة تمويل قروضهم العقارية بفائدة أقل مع الحصول على أموال من زيادة قيمة العقار استخدموها في تجديد منازلهم، ما يزيد قيمتها كأصل عقاري، أو في تسديد ديونهم بما يزيد صافي الثروة.
وفي نهاية العام الماضي، وصل متوسط أسعار البيوت في الولايات المتحدة إلى 310 ألف دولار، بزيادة بنسبة 13 في المئة على المتوسط في ديسمبر 2019. يضاف إلى ذلك، تراجع إنفاق الأسر في عام الوباء، إما نتيجة الإغلاق أو بسبب الخوف من المستقبل وميل الأسر إلى التحوط خشية تدهور الأوضاع الاقتصادية أكثر. وكان تراجع الإنفاق الاستهلاكي للأسر الأميركية السبب الرئيس وراء انكماش الاقتصاد العام الماضي، إذ يشكل الإنفاق الاستهلاكي نحو ثلثي الناتج المحلي الإجمالي.
أما الالتزامات الائتمانية فلم تزد العام الماضي بالشكل الذي يوازي ارتفاع قيمة الأصول، مالية كانت أو عقارية. فبحسب الأرقام الرسمية، ارتفع إجمالي دين الأسر وأغلبه عبارة عن قروض عقارية بنسبة 4 في المئة العام الماضي، ليصل إلى 16.64 تريليون دولار. بينما لم يشهد الدين الاستهلاكي أي تغير تقريباً، نتيجة شيكات الحكومة التي استخدمتها الأسر في الإنفاق، وتراجع الإنفاق بشكل عام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مزيد من الدعم المباشر
ويتوقع الاقتصاديون أن حزمة التحفيز الاقتصادي الأخيرة لإدارة بايدن ستزيد قيمة الأصول، بالتالي ثروة الأسر الأميركية. وفي استطلاع لآراء الاقتصاديين نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" عدل هؤلاء الاقتصاديون والمحللون توقعاتهم لنمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي ارتفاعاً، إذ أصبح توقع النمو عند نسبة 5.95 في المئة، مقابل استطلاع سابق الشهر الماضي، توقع نسبة نمو عند 4.87 في المئة لعام 2021. وتتضمن الحزم الأخيرة صرف شيكات نقدية مباشرةً للأسر التي يقل دخلها عن 150 ألف دولار سنوياً بقيمة 1400 دولار شهرياً. وكانت آخر حزمة تحفيز في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب تضمنت صرف شيكات بقيمة 600 دولار. وهناك احتمال أن تواصل الأسر الأميركية استخدام الدعم النقدي الحكومي المباشر في الاستثمار في أسواق الأسهم مجدداً، ما يعني ضخ مزيد من السيولة في الأسواق واستمرار ارتفاع المؤشرات، لكن أغلب الاقتصاديين والمحللين، لا يتوقع موجات ارتفاع كبيرة في مؤشرات أسواق الأسهم مع زيادة مخاوف التضخم، لكن ما يكاد يجمع عليه هؤلاء هو زيادة الإنفاق الاستهلاكي بقوة مع فتح الاقتصاد هذا العام، وبخاصة مع شعور الأسر الأميركية بزيادة ثرواتها. وهذا هو السبب الرئيس في رفع الجميع توقعاته للنمو الاقتصادي الذي يعتمد في أغلبه على الإنفاق الاستهلاكي.