Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران والتعامل الحذر مع زيارة البابا إلى العراق

قلق طهران من عدم وقوفها على حقيقة المواقف التي قد تصدر عن السيستاني

هناك خلاف بين طهران والنجف في شأن الدور الإيراني على الساحة العراقية (رويترز)

تكشف الكتابات التي حفلت بها الصحف الإيرانية الصادرة الأحد والاثنين في 7 و 8 مارس (آذار)، أي في اليومين الثالث والرابع لزيارة البابا فرنسيس إلى العراق، حالة واضحة في تحول التعاطي مع تلك الزيارة. فقد انتقل التعاطي الإيراني من الحذر والتشكيك قبل الزيارة وفي اليومين الأولين لها، إلى الترحيب بعد محطتها المفصلية في اللقاء التاريخي الذي جمع الحبر الأعظم مع زعيم الحوزة الدينية والمرجع الأعلى للطائفة الشيعية علي السيستاني. وهو تحول يشي بكثير من الارتياح، إذا ما قورن مع الأداء السابق الذي راوح بين الحذر والنقد والتغييب عن الصفحات الأولى والداخلية أحياناً، وكأن أرض الجار العراقي لا تشهد حدثاً تاريخياً وتستقبل ضيفاً استثنائياً.

الانقلاب أو التغيير الذي جعل أخبار هذه الزيارة تتصدر الصفحات الأولى للصحف المحافظة والمتشددة، ومنها "كيهان" المقربة من المرشد الأعلى، تكشفه طبيعة العناوين التي خصصت واقتصرت على نتائج  اللقاء الأهم والمحطة الأبرز في الزيارة، وما تحمله من بعد تاريخي ورمزية دينية وعقائدية إلى مدينة النجف، والاجتماع بزعيم الحوزة الدينية فيها وما جاء في البيانين المنفصلين الصادرين عن مكتبي السيستاني والحبر الأعظم.

الحذر الإيراني من زيارة البابا إلى العراق لم ولن يكون مرده إلى موقع رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم ودوره ورسالته، لأن التشكيك سيبقى قائماً طالما أن النظام الإيراني يعتقد بوجود إجماع دولي ومن ضمنه الكنيسة الكاثوليكية بشكل من الأشكال في العداء له. لذلك، فإن زيارة البابا إلى النجف لن تسهم في تغيير هذا الموقف أو القراءة، بل تسهم في رفع مستوى الحذر والقلق من أن تستطيع تحقيق خرق داخل البيت الشيعي الواحد واستغلال التنوع والاختلاف في المواقف من بعض المسائل، وأن تنفذ من خلال هذا الخلاف في التأسيس لانشقاق وصراع داخل هذا البيت، وتحويله إلى واقع سياسي صراعي يهدد المشروع الإيراني ورؤيته للدور الناشط للمؤسسة الدينية في الحياة السياسية وإدارة الدولة، والذي قد يساعد في محاصرة دور إيران والنظام فيها داخل المجتمعات والجماعات الشيعية في العالم، خصوصاً في مناطق النفوذ المباشر التي تمتلك فيها طهران حلفاء وجماعات تعتبر القيادة في إيران مرجعتها السياسية والفكرية والعقائدية، حتى وإن كانت على حساب مصالح أوطانها ودولها ومؤسساتها وجماعاتها واستقرارها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قلق القيادة الإيرانية من الزيارة البابوية قد يكون مرده بالدرجة الأولى إلى عدم وقوفها على حقيقة المواقف التي قد تصدر عن السيد السيستاني، في ظل التراكم الحاصل في السنوات الماضية من خلاف بين طهران والنجف في شأن الدور الإيراني على الساحة العراقية، وما فيه من أدوار سلبية تمارسها الجماعات المحسوبة على طهران أو تسجل ما تقوم به من سياسات في الخانة الإيرانية في ترجمة لأقصى عمليات استغلال الحاجة الإيرانية إلى تكريس سيطرتها وهيمنتها على الساحات، التي تشكل مجالاً حيوياً لنفوذها ودورها الإقليمي الذي توظفه لتنفيذ رؤيتها الاستراتيجية في المواجهة المفتوحة مع القوى والدول المنافسة لها في الإقليم على دور القيادة أو حجم المشاركة في تقاسم النفوذ معها.

القلق الإيراني لم يهدأ إلا بعدما أصدر مكتب مرجعية النجف ومكتب الحبر الأعظم بيانين منفصلين عن المواضيع والمواقف التي تم تداولها القطبان خلال اللقاء، والحصول على بعض التفاصيل من خلال التسريبات في شأن الحوار الذي دار بينهما ولم يتضمنه البيانان، والتي نقلت الموقف الإيراني وحلفائه من حالة الترقب إلى حالة الترحيب، لجهة أن ما جاء في المواقف عموماً لا يشكل تحدياً للدور الإيراني أو يسبب له الحرج، خصوصاً ما يتعلق بتعامله مع الساحة العراقية. بالتالي، وفّر على القيادة الإيرانية الدخول في معركة لا تريدها في هذه المرحلة مع مرجعية النجف، التي من الممكن أو من المؤكد أنها ستشكل رصاصة الرحمة على ما تبقى من نفوذها ودورها ليس في العراق فحسب، بل في مختلف الأوساط الشيعية في العالم، لأن أي مواجهة حادة ومكشوفة بين طهران ومرجعية النجف ستجعل من القوى المتحالفة مع إيران في موقع حرج ودقيق وتتحول إلى أقلية سياسية داخل مجتمعاتها قد تصل إلى مستوى العزل والانفصال، وربما تفضي إلى مواجهة مفتوحة مع بيئاتها التي ما زالت ترى في النجف مرجعيتها الدينية المحورية، وإن كانت تلتقي في البعد السياسي نسبياً مع المشروع السياسي للنظام الإيراني.

لا شك في أن ما بعد زيارة البابا للنجف واللقاء بالسيد السيستاني ليس كما قبلها، لأنها ومن دون إرادة طهران، أسهمت في تكريس مرجعية النجف كقطب أساسي ومحوري في العالم الإسلامي في جناحه الشيعي. وهو ما لا ترغب فيه الحوزة الدينية في مدينة قم، التي تسعى لتكريس مرجعيتها العالمية الشيعية. من هنا، فإن مرجعية قم وعمقها السياسي الذي تمثله أطروحة "ولاية الفقيه أو ولاية أمر المسلمين في العالم"، ستكون أمام تحدي التعامل مع هذا المستجد الذي تكرس على المستوى العالمي من خلال هذه الزيارة. ما قد يفرض عليها إعادة النظر في تعاملها مع البيئات الشيعية المنتشرة في العالم، وتحديداً في العالمين العربي والإسلامي، وما يستدعيه ذلك من تجديد وإعادة بناء مسارات وآليات جديدة تختلف عن الآليات والأساليب التي كانت متبعة في العقود الماضية.

المزيد من تحلیل