Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ستتحول أزمة سد النهضة إلى فرصة للدول الثلاث؟

المواقف المتخذة تعتمد على الرؤساء الموجودين حالياً أم أنها مرتبطة بالمؤسسات؟

يُتوقّع أن يستغرق حل أزمة سد النهضة وقتاً طويلاً (حسن حامد)

لولا أحداث عدة منها النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا، لكان تعاطي الخرطوم مع أزمة سد النهضة مختلفاً. وعلى الرغم من ذلك، هناك اتجاه سوداني للتخفيف من أزمة السد، لا تقطعه إلا القرارات التي تتخذها إثيوبيا بالملء الأحادي لخزان السد من دون الرجوع إلى السودان ومصر.

ومن ذلك ما اقترحه وزير الري السوداني، ياسر عباس، بالعودة إلى التفكير في الهدف الأساسي الذي قام من أجله السد، وهو التعاون الإقليمي، بتنفيذ عدد من المشاريع المشتركة، على الرغم من أن الدول الثلاث لا يمكنها التغاضي عن المشكلات الآنية، كل في ما يليها، من أجل تعاون مرتقب تحيط به المحاذير التي استدعت تدخل وساطات إقليمية مثل الاتحاد الأفريقي، ودولية مثل الاتحاد الأوروبي.

بين مؤيد ومعارض

تجاوزت إثيوبيا المرحلة التي كانت تجادل فيها بأن سد النهضة لن يؤثر بشكل كبير في تدفق المياه إلى نهر النيل، ومنذ البداية لم يكن ذلك مقنعاً بالنسبة إلى مصر التي تعتمد بشكل شبه كامل على مياه النيل، وتضعه في خانة التهديد لأمنها المائي.

أما تحرك السودان، فحتى الآن وعلى الرغم من إثبات كثير من الأضرار الناجمة عنه على سدوده بما يهدد سلامتها بتجمع كميات الطمي حولها ويهدد المشاريع التنموية، فإن موقفه الضبابي يهون من أمر الأخطار الآنية، وينظر إلى خطر أكبر يظهره كمؤيد لحق إثيوبيا في إنشاء السد والاستفادة منه، وهذا الموقف المتمثل في لعب دور لملء الفراغ الدبلوماسي الذي تستبعده مصر وإثيوبيا، نابع من الاعتراض المستتر على تمسك مصر بالمعاهدة الأنجلو- مصرية لعام 1929، واتفاق العام 1959 بين مصر والسودان، التي خصصت مياه النيل للدولتين، ولم تحدد أية نسبة لدول المنبع ومنها إثيوبيا، وقد منحت مصر حق النقض على مشاريع نهر النيل المستقبلية، وهذا ما يجعل السودان مؤيداً لموقف مصر ومعارضاً لها في آن معاً.

لا تعهد... لا ضمانات

تعتقد إثيوبيا أنها وصلت إلى خطوة متقدمة بتحول موقف مصر من منع بناء السد إلى محاولتها تأمين اتفاق سياسي حول الجدول الزمني لملء خزان السد وكيفية إدارته، لذلك تصاعدت حدة التوتر خلال الملء الأول في يوليو (تموز) الماضي.

وبينما ساعدت الجهود الأميركية في تضييق الخلاف بين مصر وإثيوبيا في شأن الملء الأول لخزان السد، تتصاعد الآن الخلافات مرة أخرى بسبب الملء الثاني في يوليو (تموز) المقبل، إذ لم تستشر إثيوبيا مصر والسودان في المرتين، ولم تفعّل ما تم الاتفاق عليه في واشنطن حول ملء السد على مراحل وفق كمية محددة تختبر آثاره.

وقد هددت الولايات المتحدة بوقف مساعدات التنمية عن إثيوبيا إذا لم يتم حل النزاع والتوصل إلى اتفاق يضمن مصالح جميع الأطراف، وحتى الآن لم تضع إثيوبيا ضمانات أو تتعهد بأن تسيطر على المياه بعد ملء خزان السد، فعندما أطلقتها العام الماضي زادت من نسبة الفيضان وأغرقت عدداً من مدن السودان على ضفاف النيل، وإذا أمسكتها ستفاقم من فترات الجفاف في مصر.

أما المكسب الإثيوبي الآخر فهو لفت نظر مصر إلى حقيقة أن نهر النيل مجرى مائي إقليمي، ويجب التعامل مع أية أزمة حوله من منظور إقليمي، بعدما كانت تعده ملكية لأرض وادي النيل، وهذه المعلومة غرستها الإدارة البريطانية إبان الاستعمار على مصر والسودان وتدبيج الاتفاق التاريخي.

محور التعاون

تمخضت مفاوضات الاتحاد الأفريقي في شأن سد النهضة عن مقترحات عدة، منها أن تعمل جميع البلدان المشاطئة للنيل على السعي نحو تحسين العلاقات في ما بينها، وأن يكون محور التعاون هو النهر وإدارة الموارد الطبيعية، إضافة إلى تفعيل العلاقات القائمة أصلاً في مجالات التبادل التجاري والأكاديمي والثقافي والأمني وغيرها.

ولم تولِ الدول المتفاوضة هذا المقترح اهتماماً، ولم يغادر أضابير قاعات التفاوض، ولكن عاد وزير الري السوداني ياسر عباس بإنعاشه مع بعض التعديل، ومحوره تحويل الأزمة السياسية بين مصر والسودان وإثيوبيا في شأن سد النهضة إلى فرصة للتعاون الإقليمي، وعلى رأس هذا التعاون التنمية الاقتصادية والبشرية.

وتظهر التجربة من المفاوضات السابقة أن عدم اعتراف كل طرف بحقوق الآخر واحترام مخاوفه الحالية والمستقبلية، يستلزم التركيز على تأمين اتفاق ثلاثي يضمن التفاوض السلمي بين الدول الثلاث كأول المهمات، ووضع آلية لتسوية المنازعات في شؤون المياه، لأن أزمة سد النهضة يتوقع أن تأخذ وقتاً طويلاً لحين حلها، ولكن ستتبعها أزمات أخرى ربما تطرحها الدول المشاطئة قريباً، وذلك قبل الشروع في مقترحات قد لا تأنس أي من البلدان الثلاثة في نفسها كفاءة الالتزام والإيفاء بها.

تكمن مشكلة أخرى في موقف السودان، وهي أن الحكومة الانتقالية ليس لديها كثير لتخسره من المفاوضات، فأفضل ما سيحصل عليه أعضاؤها سيكون وعوداً بمزايا مستقبلية للسودان، أما معظم الوزراء، وفي مقدمهم رئيس الحكومة عبدالله حمدوك، فهم ينظرون إلى العودة لمناصبهم في المنظمات الإقليمية ومقرها أديس أبابا، مما يجعل تضارب المصالح أحد العناصر الأساسية لاستراتيجية إدارة السودان أزمة سد النهضة.

تحكيم إقليمي أم دولي؟

لم تسفر مساعي الاتحاد الأفريقي عن أية نتائج للمساعدة في تضييق هذه الاختلافات، إذ لم يستطع الضغط على إثيوبيا، التي ربما تفقد كثيراً من مميزاتها بوصفها مقراً للاتحاد الأفريقي وغيره من المنظمات الإقليمية، إن لم تبد المرونة اللازمة، وقد سعى آبي أحمد إلى أن تنحصر المفاوضات في الإطار الأفريقي خوفاً من تدويلها، والتمسك بالاتحاد الأفريقي لإضفاء طابع إقليمي على أي اتفاق مقبل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحمّلت مصر الاتحاد الأفريقي مسؤولية مراقبة التعهدات الإثيوبية، وحل الخلافات القانونية والفنية، وتقويم الآثار المترتبة على ذلك، أما عدم استعداد إثيوبيا لتقديم أية تنازلات حتى للاتحاد الأفريقي، فربما يخضع الأزمة لتحكيم دولي ستعترض عليه إثيوبيا لاحتمال ترجيحه حصة مصر من المياه بصياغة جديدة لحقوقها التاريخية، وسيفتح الباب لمطالبات دول المنبع بحقوقها المتمثلة في إقامة مشاريع تنموية وسدود على النهر.

فشلت الإدارة الأميركية السابقة في ممارسة قدر من الضغط على آبي أحمد للقبول بقرارات مفاوضات واشنطن التي أمّنت عليها مصر والسودان، وبعد انتخاب الرئيس جو بايدن أعلنت إدارته سياسة خارجية نحو أفريقيا تتمحور حول الدفاع عن الديمقراطية، وقبل أن يعيد البيت الأبيض البحث في أزمة سد النهضة، سيكون على آبي أحمد إعادة النظر في تنظيم الانتخابات بعد تأجيلها مرات عدة، إذ ربما تخضع الدولة لعقوبات لتسبب حكومته في أزمات داخلية منها الأزمة مع جبهة تحرير تيغراي التي اندلعت شرارتها بسبب انتخابات الإقليم التي نظمت من دون الرجوع إلى الحكومة الاتحادية، وهو سبب ضمن أسباب أخرى أدت إلى أزمة الإقليم الإنسانية التي حركت مجلس الأمن لإصدار قرار لولا اعتراض روسيا والصين، كما أن هناك النزاع على الحدود بين السودان وإثيوبيا، الذي قد يخضع للتحكيم الدولي إن لم يحل سلمياً.

تعذر التوافق

على الرغم من وجود إطار إقليمي يحيط بأزمة سد النهضة، ويتمثل في الاتحاد الأفريقي ومبادرة دول حوض النيل التي تم إطلاقها العام 1999، فإن الدول الثلاث لا تتوافق على هذا الحل الذي يراد له أن يأتي طواعية، كما أنها تعرقل سريان مفاهيم أساسية بإمكانها الإسهام في حل المشكلة من ناحية قانونية وفنية إلى حين الاتفاق على المسارات الأخرى، وللحد من احتمال تدويل الأزمة الذي ترفضه إثيوبيا.

فبينما تدفع مصر بمقترح الوساطة الدولية، يقف السودان حائراً أمام المقترحين المصري والإثيوبي، وفي كل منهما إيجابياته وسلبياته بالنسبة إليه، وإذا تفاقمت الأمور فإن القوى الدولية لن تنظر إلى الرفض الإثيوبي وستتدخل متعللة بنداء مصر خشية انفلات ملفاتها في مسائل الهجرة غير المشروعة إلى أوروبا، وسهولة انتقال الجماعات الإرهابية في ظروف الحرب وعدم الاستقرار، ومشكلات التهريب وغيرها.

ويمكن تلافي ذلك الوضع، ولكن يتوقف الأمر على عاملين، الأول الاعتراف بتضرر مصر من سد النهضة لاعتمادها الكبير على مياه النيل، ومن ناحية أخرى قبول القاهرة بالاستخدام العادل لقسمة المياه ونزولها عند رغبة دول حوض النيل بالقبول بتعديل اتفاقي 1929 و1959، أما العامل الثاني فيتعلق بالتفريق بين المواقف المتخذة من جانب الدول الثلاث، فهل هي مواقف تعتمد على الرؤساء الموجودين حالياً، أم على نهج مؤسسي لتلك الدول؟ ففي كثير من الجدل حول أزمة سد النهضة تختزل المواقف في رؤساء الدول، وهذا الأمر إن صح في حال الحكومة الانتقالية في السودان تبعاً لظروف المكون المدني في مجلس السيادة المرتبط بالمنظمات الإقليمية والذي يراعي في مواقفه كثيراً من الروابط بهذه المنظمات، فإن الحال بالنسبة إلى مصر وإثيوبيا يختلف تماماً، فيتبدى موقفاهما بأنهما نهج دولة ستسعى أية حكومة أخرى غير حكومتي الرئيسين الإثيوبي آبي أحمد والمصري عبدالفتاح السيسي إلى تأمينه والسعي إلى تحقيقه.

المزيد من تحلیل