Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحدود بين إيرلندا الشمالية وبريطانيا ليست مسألة ثانوية

يهدد الاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات قانونية ضد المملكة المتحدة متهماً بوريس جونسون بخرق الاتفاقية التجارية كما يقول جون رينتول في المقال التالي

لا يمكن الاستخفاف بالخلاف بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي على حركة التجارة عبر إيرلندا الشمالية (أ ب)

لقد كان لتوني بلير قبل فترة طويلة رأي صائب حول الحدود التي ستترتب على عملية بريكست، الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. ففي 9 يونيو (حزيران) 2016، وقبل أسبوعين من إجراء الاستفتاء حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تحدث عن مسألة الحدود تلك إلى جانب جون مايجور رئيس الوزراء الأسبق في ديري في إيرلندا الشمالية. وقبل أن يدرك معظم الناس أبعاد القضية، حاول بلير أن يرسم معالمها بأكبر قدر ممكن من الوضوح.

وقال بلير حينذاك "سينتهي الأمر ببريطانيا إما إلى إنشاء نقاط حدودية للرقابة الجمركية بين الشمال والجنوب، أي بين جمهورية إيرلندا والمملكة المتحدة والمشاكل التي ينطوي عليها ذلك هائلة حقاً، بيد أن البديل الوحيد لذلك هو إقامة هذه النقاط بين إيرلندا الشمالية وباقي المملكة المتحدة، وهو أمر بلا شك غير مقبول أيضاً. لذلك، فهذه التفاصيل ليست ثانوية".

وبعد خمس سنوات من ذلك اليوم، لاتزال المسألة بعيدة كل البعد من أن تكون مجرد تفصيل صغير. وقد هدد الاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات قانونية ضد المملكة المتحدة، بعدما قرر بوريس جونسون، من جانب واحد، تمديد مهلة ترتيبات نقل البضائع وذلك لإفساح المجال أمام نقل البضائع بصورة أسهل بين إيرلندا الشمالية وباقي أجزاء المملكة المتحدة.

لعل التظاهر واتخاذ المواقف المعنوية، من قبل الجانبين، هما من أسباب  الشجار الحالي. فاللافت أن جونسون وديفيد فروست، وهو العضو الجديد في مجلس الوزراء المكلف الإشراف على علاقات بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي، أي على مسائل لا تعد ثانوية (هامشية)، يريدان أن يحولا الأنظار عن مسألة جوهرية تتمثل في فرضهما حدوداً في البحر الإيرلندي. وقال رئيس الوزراء إنه كان يتخذ "إجراءات مؤقتة وتقنية" لإبقاء تدفق السلع التجارية مستمراً، وذلك من أجل تصوير الاتحاد الأوروبي في الجانب الآخر وكأنه يتصرف بشكل غير معقول.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولحسن حظ رئيس الوزراء، يبدو أن الاتحاد الأوروبي سعيد جداً بتبني هذا الدور الذي يريد جونسون أن ينسبه إليه، وذلك لأسباب ليس أقلها إنه (الاتحاد) يسعى إلى استرضاء جمهوره الخاص الذي يريد أن يرى البريطانيين وقد أجبروا على دفع ثمن ما لخروجهم من الاتحاد الأوروبي. ويمكن أن يكون هناك سبب آخر، على حد تعبير كواسي كوارتنغ، وهو وزير الأعمال، الذي قال في إطار مشاركته في برنامج "وقت الأسئلة" Question Time  الحواري الذي تبثه "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي)، إن مفوضية الاتحاد الأوروبي ترى في هذا النزاع وسيلة لتحويل الأنظار عن سجلها المؤسف في توزيع لقاح فيروس كورونا.

والملفت أن الحكومة البريطانية تمتنع حالياً عن المضي قدماً على طريق الاحتكام إلى القضاء، وهي الوجهة التي أراد دومينيك كامينغز، كبير مستشاري جونسون سابقاً، الذهاب فيها. فهي لم تبدأ باتخاذ خطوات من هذا النوع مع أن مسؤولاً قد أبلغ موقع "بوليتكو" الإلكتروني أن المملكة المتحدة قد حصلت على استشارة قانونية تفيد بأنها لا تنتهك القانون الدولي. في الواقع، اقترح المسؤول أن المملكة المتحدة قد أصبحت حالياً الطرف المتضرر والملتزم بالقانون، وذلك على خلاف ما أوحى به سلوك الاتحاد الأوروبي في أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، حين هدد بتمزيق اتفاقية التجارة بين الطرفين من أجل حظر صادرات اللقاح على إيرلندا الشمالية.  

وكل هذه الأمور هي عبارة عن ملاكمة ظل (استعراض المواجهة مع الخصم من دون الالتحام معه مباشرة). بيد أنها لا تستطيع أن تتستر على المشكلة الأساسية التي حدد معالمها بلير قبل خمس سنوات. كانت المساومة الأكثر منطقية تتمثل في الخطة التي اقترحتها تيريزا ماي رئيسة الوزراء لإبقاء المملكة المتحدة ضمن الاتحاد الجمركي الخاص بالاتحاد الأوروبي، الأمر الذي كان شأنه أن يبسط عمليات فحص البضائع التي تُنقل بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا، التي كان من الممكن تنفيذها من دون إقامة حدود. فقد نصت خطة ماي على بقائنا بصورة مؤقتة ضمن الاتحاد الجمركي الخاص بالاتحاد الأوروبي إلى أن يُتوصل إلى حل سحري يتيح لنا المغادرة، بيد أن أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي الأصوليين انتبهوا إلى تلك الحيلة وأسقطوا الصفقة.

وكان أعضاء الحزب الوحدوي الديمقراطي في إيرلندا الشمالية (بروتستانت) من هؤلاء الأصوليين المتشددين في تأييدهم للخروج من الاتحاد الأوروبي، علماً أن بعض الوجوه البارزة المستنيرة فيه تعترف حالياً بصورة سرية أنهم قد ارتكبوا خطأً تاريخياً حين عارضوا خطة تيريزا ماي. ومن خلال مساعدتهم في إجهاض تلك الخطة، مهدوا الطريق أمام جونسون كي يتحول من خطة بلير إي (إقامة حدود فعلية بين شمال وجنوب إيرلندا) إلى خطته باء (إنشاء حدود فعلية بين قسمين من أقسام المملكة المتحدة). وباعتبارهم وحدويين، وأكثر ولاء للاتحاد كما تبين من أعضاء في الحزب الحاكم، الذي يسمي نفسه رسمياً "حزب المحافظين الوحدوي"، كان ينبغي بهم أن يفهموا بشكل أفضل ربما من الجميع إلى أي مدى سيكون رسم الحدود في البحر الإيرلندي غير مقبول.

حسناً، إنهم يدركون ذلك الآن. وستظهر كتابات الغرافيتي قريباً على جدران بلفاست مهددة "لا للحدود في البحر الإيرلندي"، كما أخذت الحياة تنبض من جديد في بقايا الجماعات شبه العسكرية الموالية للاتحاد. وإن بعض السياسات الشكلية، التي يطرحها جونسون للـتأثير في الرأي العام، مصممة في الواقع من أجل حماية الحزب الوحدوي الديمقراطي وتحويل الأنظار عن الخطأ الذي ارتكبه أعضاؤه، والتظاهر بأن من الممكن تخفيف حدة المشكلة ومعالجتها.

قد يكون ذلك ممكناً في الأمد القصير. وليس هناك من سبب يجعل إيصال البضائع إلى محلات السوبر ماركت في إيرلندا الشمالية أصعب مما كانت عليه قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ما عدا بروز الحاجة لتعبئة مزيد من الاستمارات وإنجاز معاملات ورقية إضافية.  ومن المحتمل أن الاتحاد الأوروبي يتصرف على نحو غير منطقي لأسباب سياسية خاصة به. والواقع أنه يجري نقل البضائع نفسها التي تخضع للمعايير ذاتها أيضاً، داخل المملكة المتحدة.

بيد أنه ستكون هناك مشكلات في المستقبل، فيما يتغير وجه المعايير المعتمدة في بريطانيا شيئاً فشيئاً عن معايير الاتحاد الأوروبي. وحينذاك، سيصبح من المهم بالنسبة إلى بعض السلع، وليس لها كلها، أن تكون إيرلندا الشمالية ضمن السوق الموحدة التابعة للاتحاد الأوروبي.

وهذه مسألة لا يمكن إرجاء البت فيها إلى الأبد كما لو كانت فعلياً أمراً "مؤقتاً وفنياً". فهي "ليست تفصيلاً ثانوياً" كما قال بلير قبل خمس سنوات.

© The Independent

المزيد من آراء