Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تعيد سرت دورها التاريخي في توحيد الليبيين؟

قبل قرن من الزمن جمعت المقاومة ضد الاستعمار الإيطالي

يتذكر الليبيون سرت التي شهدت وحدتهم قبل قرن (أ ف ب)

تستعد مدينة سرت الليبية، الواقعة في منتصف المسافة بين المدينتين الأكبر في البلاد طرابلس وبنغازي، للعب دور مهم في مرحلة تاريخية فاصلة في تاريخ ليبيا، إذ تتهيأ لتصبح عاصمة مؤقتة، في مرحلة انتقالية حساسة بكل ما في الكلمة من معنى.

وتتوجه الأنظار إلى المدينة، التي تشتهر بأنها مسقط رأس الرئيس السابق المثير للجدل معمر القذافي، وفيها قتل. وابتداء من الإثنين، يناقش البرلمان الليبي فيها مصير حكومة الوحدة الوطنية، التي عرضها رئيس الوزراء الجديد عبد الحميد دبيبة. فإذا قُبلت الحكومة ستنتقل السلطات التنفيذية إلى سرت، لممارسة مهماتها منها، حتى نهاية العام الحالي وإجراء الانتخابات.

وحكاية سرت ووحدة ليبيا وجمع شتات أهلها وقبائلها، ليست جديدة، بل هي حكاية قديمة عمرها 110 سنوات من الزمن، منذ أن اجتمعت على أرضها كلمة المقاومة الليبية ضد الاستعمار الإيطالي، ودارت فيها أم المعارك في تلك المرحلة، وهي معركة القرضابية التي اجتمعت بعدها بنادق المقاتلين في الشرق والغرب في وجه الإيطاليين، حتى غادروا البلاد.

معركة توحيد البلاد

أعاد الدور الريادي الذي تستعد سرت للعبه في المعركة السياسية لتوحيد البلاد، بعدما وقفت سنوات على حافة الانقسام، إلى أذهان الليبيين الدور الذي لعبته المدينة قبل قرن من الزمن، في يوم يعتبر واحداً من أبرز االمحطات في التاريخ الحديث.

ففي التاسع والعشرين من أبريل (نيسان) 1915، وقعت في سرت أبرز معارك المقاومة الليبية ضد المستعمر الإيطالي، التي انتهت بنصر كبير لها، ولعبت دوراً بارزاً بعد سنوات طويلة في توحيد البلاد، لما مثلته من رمزية، واستشهد بها على المصير المشترك.

وكانت إيطاليا قد باشرت غزواتها العسكرية لاحتلال ليبيا قبل ذلك بأربع سنوات، في أكتوبر (تشرين الأول) 1911، في هجوم بحري متزامن على بنغازي وطرابلس، لتنطلق بعدها المقاومة شرقاً وغرباً، على الرغم من أن فارق الجاهزية العسكرية والعتاد كان واضحاً لمصلحة جنود روما.

في تلك الفترة، برز عدد من قادة المقاومة الليبية، مثل أحمد الشريف وصفي الدين الشريف وعمر المختار في الشرق، وسعدون ورمضان السويحلي في الغرب، وعبد النبي بلخير وآل سيف النصر في الجنوب. وهؤلاء خاضوا خلال السنوات الأربع التي سبقت معركة القرضابية المعارك ضد القوات الإيطالية بشكل منفصل كل عن الآخر.

القرضابية معركة الوحدة الوطنية

ويصف الباحث والأكاديمي الليبي مبروك الغزالي أهمية تلك المعركة بقوله "تعتبر معركة القرضابية فاصلة في تاريخ المقاومة الليبية ضد الطليان، وتعرف بمعركة الوحدة الوطنية، إذ شارك فيها جميع أبناء ليبيا. وكادت تؤدي إلى اندحار إيطاليا من ليبيا. فعقب هذه المعركة، سقطت الحاميات الإيطالية الواحدة تلو الأخرى. وبحلول منتصف أغسطس (آب) من العام نفسه، الذي وقعت فيه معركة القرضابية، لم يبق تحت سيطرة الإيطاليين من المدن الليبية إلا طرابلس والخمس".

ويتابع "بعدما بسطت الحكومة الإيطالية نفوذها على نواحي طرابلس والجزء الغربي من ليبيا، تحركت من ناحية الغرب ومعها قوات من قبائل ليبية عدة، بهدف ربط طرابلس الغرب ببرقة، ولكي يتسنى لها ذلك، كان لزاماً عليها أن تزيح معسكرات المقاومة المرابطة في نواحي النوفلية، قرب سرت وسط ليبيا، في ما يعرف بدور المغاربة وجنوب سرت دور أولاد سليمان".

الخديعة

كلّفت القيادة الإيطالية الجنرال أمياني بتنفيذ المهمة وقيادة معركة سرت لاسترداد فزان بأي ثمن، وربط برقة بطرابلس. ولضمان ذلك استعان بعدد من الزعامات الوطنية الذين سعى إلى استمالتهم بالمال، ووافق قادة القبائل على طلب أمياني في الظاهر، بينما كانوا يعدّون له خدعة، ستطيح جيشه الجرار، المؤلف من 14 ألف جندي.

حرص أمياني دائماً على حصر المدافع والرشاشات في حوزة الإيطاليين. وكانت مع جيشه مجموعة من القبائل الليبية برئاسة الساعدي بن سلطان على قبيلة ترهونة، ورمضان السويحلي على مصراتة، ومحمود عزيز على زليتن، ومحمد القاضي على مسلاتة، ومحمد بن مسعود على قماطة، وعمر العوراني على الساحل، وعبد النبي بلخير على بني وليد، وعلي صهيب على  الزاوية. وكل واحد من هؤلاء رئيس على جماعة من قبيلته. وكان الرئيس الأعلى لهذا الجيش الجنرال أمياني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وصل جيش أمياني إلى مدينة سرت، وزحف في اتجاه جيش المقاومة الليبية المتحشد جنوبها، قرب قصر أبو هادي، بقيادة صفي الدين السنوسي القائد العام للقوات الليبية، وكان دور المغاربة بقيادة صالح الأطيوش، وحمد بن سيف النصر على دور أولاد سليمان.

وكان عبد النبي بلخير قائد قوات ورفلة قد اتفق مع رمضان السويحلي قائد قوات مصراتة على الغدر بالإيطاليين، وهو ما أكده قائد الحملة الإيطالية على ليبيا الجنرال الشهير جرازياني في كتابه" نحو فزان"، وبدأت الخطة بانسحاب عبد النبي بلخير ومن معه من المعركة، حيث خدع أمياني وأقنعه بأن هجوماً سيقع على الحامية الإيطالية بقيادة قسطنطين بريجنيتي في بني وليد، عندما يهاجم القرضابية، فأنسحب ومعه جيشه، لتأمين ملاذ آمن له ولرجال المقاومة، في حالتَي النصر أو الهزيمة، بالاستيلاء على مدينة بني وليد.

في صبيحة 29 أبريل (نيسان) سنة 1915 صدر الأمر بالهجوم وكانت الغلبة في البداية للجيش الإيطالي حيث سقط في الساعات الأولى للمعركة نحو  400قتيل، واشتد الكرب على المقاومة الليبية.

كل هذا ورمضان السويحلي ومن معه لم يشتركوا في المعركة، فلما رآهم إمياني على هذه الحال استفهم من رمضان عن هذا الموقف، فقال له "هم ينتظرون قدومي إليهم، فأذن له بذلك". وكان أحمد سيف النصر قد أغار بخيله على ميمنة المقدمة في الجيش الإيطالي، وتزامن ذلك مع مجيء السويحلي، فأمر من معه بإطلاق النار على الإيطاليين، فأطلقوها عليهم من الخلف، وكان الفخ محكماً أوقع فيه المقاتلون الليبيون معظم الجيش الإيطالي قتلى، وفرّ البقية، ولم ينجُ منه إلا 500 جندي، واتجه الكولونيل إمياني إلى سرت مع من بقي من الجيش، مخلفاً في مكان المعركة كل ما كان مع الجيش من معدات الحرب من إبل وخيل وبنادق ومدافع ورشاشات.

حملة انتقام مروعة

وظهراً، كانت فلول الإيطاليين قد لجأت إلى مدينة سرت، وشهدت المدينة مذابح انتقامية استمرت ثلاثة أيام. وبمجرد وصول أمياني إلى سرت، جرد جميع الليبين من الأسلحة، وعقد مجلساً عسكرياً وحكم بالإعدام على كثير من السكان، ومن لجأوا إلى سرت، وفي مقدمهم من الأعيان والرؤساء، وقتل من غيرهم نحو سبعمئة شخص.

وأصدر أمراً بالقتل العام، وبملاحقة وقتل رجال القبائل وعلى رأسهم قبيلة أولاد سليمان، فصار الجند يقتلون الناس في الشوارع وعلى أبواب البيوت، ورمي كثير من الناس بأنفسهم في البحر فراراً من التمثيل بهم، فكان منظراً مروعاً. وبعث إلى روما نحو ألف أسير، أكثرهم من السكان والحمالين الذين استأجروا جمالهم.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير